الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (35)حديث عبادة (من شهد أن لا إله إلا الله … ) (7)

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (35)حديث عبادة (من شهد أن لا إله إلا الله … ) (7)

مشاهدات: 433

الشرح الموسع لكتاب التوحيد

الدرس (35)

حديث عبادة(من شهد أن لا إله إلا الله) السابع

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تتمة حديث”عبادة رضي الله عنه” :

(( من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وان محمدا عبده ورسوله ، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ، والجنة حق ، والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل ))

 

وقوله عليه الصلاة والسلام : (( والجنة حق ))

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مادة الجيم والنون تدل على الاستتار فعندنا كلمات فيها حرفا الجيم والنون [ الجن – الجنة – الجِنة ] فكلها تدل على الاستتار

فالجنة  : سميت بهذا الاسم لاستتارها بالأشجار والظلال وغير ذلك

والجن  : سموا بهذا الاسم لاستتارهم قال عز وجل :{ انه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم }

ودليل الجنة  :

قوله عز وجل في الحديث القدسي : ((  أعدت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ))

وقال عز وجل :{ فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين }

وأما الجُنة  : كما قال عليه الصلاة والسلام في مسند الإمام أحمد وغيره  :(( الصيام جنة )) أي ستر عن النار والذنوب .

لذا قال عز وجل عن الملائكة كما ذكر في أحد وجوه التفسير :{ ولقد علمت الجنة أنهم لمحضرون } على قول بعض المفسرين الجنة في هذه الآية هم الملائكة وسموا بهذا لاستتارهم .

وقوله عليه الصلاة والسلام  : (( حق )) :

أي ثابت لا مرية فيه

والحق  : هو القول والفعل الذي لا تشوبه شائبة كذب أو شك ولذا من أسمائه عز وجل الحق :{ ذلك بأن الله هو الحق }

والدليل على أن قوله حق قال تعالى :{ قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير }

فمن شهد أن الجنة حق مع ما سبق ومع ما سيأتي فإن مصيره إلى الجنة

وفائدة هذه الجملة  :

” أن الجنة موجودة ، موجودة الآن وهذا هو معتقد أهل السنة والجماعة والأدلة على وجودها قوله عز وجل { أعدت للمتقين } أي هيئت فلو لم تكن موجودة فلما صح أن يقال أنها أعدت

ومن السنة :  أن الرسول رآها كما في صلاة الكسوف كما جاء في الصحيحين

وقد خالف في ذلك المعتزلة وقالوا : ” إنها ليست موجودة ويستدلون على ذلك بأدلة :

أولا : قوله عز وجل :{ كل شيء هالك إلا وجهه }

ثانيا : قوله عز وجل :{ كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام }

ثالثا : قوله عز وجل عن آسيا بن مزاحم :{ رب ابن لي عندك بيتا في الجنة }

رابعا : قول النبي : (( الجنة قيعان وغراسها سبحان الله والحمد لله )) الحديث

خامسا : قول النبي : (( من قال سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنة ))

فهذه النصوص وأمثالها تدل على أنها غير موجودة فأما الآيتان الأوليان  :

فوجه الاستدلال بهما أنها لو كانت موجودة لهلكت وفنيت

وأما وجه الاستدلال بالنصوص الأخرى فلأن طلب آسيا يدل على عدم وجودها وكذا الكلام في الحديثين كالكلام في الآية

والجواب عن هذه الآيات :

أن الآيتين الأوليين  :

مخصص منهما من لم يكتب عليه الفناء أي كل شيء هالك إلا وجهه فالمكتوب عليه الفناء يفنى

وأما الآية التي في آخر سورة التحريم :

(( رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ))

وكذلك الحديثان  :

فالجواب عنها :

أن نقول : إن كان مرادكم أن الجنة لم تكتمل بعد وأنه عز وجل لا يزال يزيد فيها ويخلق فيها فقول مقبول

وإن أريد أنها غير موجودة البتة فهذا غير مقبول

فإذا ردت هذه النصوص إلى النصوص الأخرى أصبح الكل محكما

والمسألة الأخرى في جملة: ((  والجنة حق )) :

أن معتقد أهل السنة والجماعة  :

أن الجنة لا تفنى يوم القيامة خلافا للجهمية الذين قالوا بفناء الجنة وذلك أن الجهم بن صفوان كبيرهم يمتنع عنده الفعل من الله في المستقبل يقول : ممتنع أن الله يفعل في المستقبل شيئا ولذلك كفره السلف وحكموا بقتله ونفذ فيه القتل والتشابه الذي وقع فيه الجهم قوله عز وجل { وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك }

والجواب عن هذا أن يقال :

أولا : أن ذكر المشيئة هنا من باب التبرك باسم الله عز وجل وذلك لأن بقائهم في الجنة هو بمشيئة الله عز وجل إذ لو شاء لما أدخلهم من الأصل فليس لأحد منة ولا حق لكنه هو فضل الله .

ثانيا : أن هذا الاستثناء وقت بقائهم ف المحشر فهذا الاستثناء راجع إلى مدة بقائهم في المحشر قبل دخولهم

ثالثا : أن الله عز وجل ختم الآية فقال :{ عطاء غير مجذوذ { بعد قوله :{ إلا ما شاء ربك } فهذا يدل على أن هذا النعيم غير منقطع عنه

رابعا : كما قال بعض العلماء : (( إلا ما شاء ربك )) زيادة على مدة بقائهم فيها مما لا منتهى له

فهذا هو الجواب على ما حصل من إشكال

وإذا رد هذا المتشابه إلى المحكم أًصبح محكما كله فإن النصوص الكثيرة جاءت بأبدية الجنة وأنها لا تفنى ولا تبيد.

وقوله عليه الصلاة والسلام  : (( والنار حق )) :

أي وشهد بأن النار حق وقد استفاضت النصوص الشرعية من كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في الحديث عنها فوصفت وصفا دقيقا يجب على العاقل أن يكون على حذر منها ومن أسبابها

ولكن من فوائد هذه الجملة :

أولا : أن النار موجودة الآن لقوله عز وجل لما ذكر النار:{ أعدت للكافرين } ولأن النبي عليه الصلاة والسلام رأى النار ورأى فيها أناسا يعذبون فدل على وجودها ولا عبرة لمن خالف في ذلك وقال بعدم وجودها والرد عليها فيما استدلوا به من قوله تعالى :{ كل شيء هالك إلا وجهه } يستثنى من ذلك من يكتب الله عليه الفناء

ثانيا : أن النار كما هو عند أهل السنة والجماعة لا تفنى وهذا ما عليه جمهور السلف وقد قال بعض السلف إن صح ما نقل عنهم أن النار تبقى ما شاء الله ثم تفنى

وقد قال بعض العلماء كالألباني رحمه الله لما تتبع الآثار الواردة عما نقل عن بعض السلف من فناء النار بعد مدة يشاؤها الله عز وجل أثبت أنها آثار لا تصح فيكون كل أهل السنة والجماعة على أن النار لا تفنى

وأما ما استدل به بعض علماء السلف على افتراض صحة ما نقل عنهم استدلوا بما يأتي :

أولا : أن الله عز وجل إذا وصف عذاب أهل النار وصفة بأنه يوم قال تعالى:{ عذاب يوم عظيم } ونحوها من النصوص .

أما الجنة فلم يأت أن نعيمها يوم

ويستدلون بحديث النبي عليه الصلاة والسلام : (( سبقت رحمتي غضبي )) وتأبى رحمة الله عز وجل أن يبقى هؤلاء البشر في النار أبد الآباد .

ومعتقد هذه الطائفة من أهل السنة والجماعة على افتراض صحة ما نقل عنهم على أن أهل النار يعذبون فيعذبون ما شاء الله عز وجل ثم تفنى هذه النار.

وأما جمهور السلف فإنهم يرون أن النار لا تفنى أبد الآباد وذلك لأن الله عز وجل ذكر بعد الخلود أبدية النار في ثلاثة مواضع من كتابه عز وجل قال تعالى {خالدين فيها أبدا }

ولأن حكمة الله عز وجل تأبى أن يساوى هؤلاء الكفار بالعصاة المؤمنين الذين يخرجون من النار إذا طهروا فإذا خرج هؤلاء الكفار ولم يستمر عذابهم فقد اشتركوا مع هؤلاء العصاة الذين استحقوا عقاب الله مدة من الزمن فأي فرق إذن بينهم

والصحيح ما عليه جمهور السلف :

وقد ذكر هذه المسألة ابن أبي العز الحنفي في شرحه على الطحاوية ولم يذكر جوابا عن أدلة هذه الطائفة من أهل السنة والجماعة

وأرى والله أعلم الجواب حيث ما يظهر لي أنه كالتالي

أولا : ذكر أن عذاب النار يوما واحدا لا يدل على فناء النار وإنما يدل على تهويل وتعظيم وتوبيخ أهل النار وذلك لأن هذا النص وهو قوله:{ عذاب يوم عظيم ) إذا سمعها السامع من هؤلاء الكفار فرح لكن سرعان ما تنزل عليها الحسرة شأن هذا النص كقوله تعالى :{ فبشرهم بعذاب أليم } يسمعها السامع من هؤلاء الكفار ثم بالطامة تنزل ، وذلك لأن المتألم لو ترك على ألمه لكان في شدة ويكون أشد من ذلك لو أمل برفع هذا الألم ثم إذا به يرى أن هذا الأمل قد اضمحل وزال

ولهذا نظائر في كتاب الله عز وجل :{وإن يستغيثوا يغاثوا بماء } فإذا سمعوا هذا سعدت نفوسهم فإذا قرأ ما بعدها كأن العذاب أشد : { وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه }

قال عز وجل :{ لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا إلا } فإذا سمعوا كلمة { إلا } كأن الفرج سيأتي فإذا قرأ ما بعدها وجد الألم كله{ إلا حميما وغساقا }

مثاله  :

كرجل يكاد أن يهلك من العطش فهو في ألم وفي عناء فإذا قدمت له ماء استبشر وفرح فاستبشرت نفسه ثم إذا أسكبت الماء على الأرض يزداد ألما

ثالثا : أن اليهود لما ذكروا أن النار لن تمسهم إلا أياما معدودة رد الله عز وجل عليهم : { قل أتخذتم عن الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون }

وقال تعالى :{ ألم تر إلى الذين أتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون }

وأما قوله عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عن ربه عز وجل : (( سبقت رحمتي غضبي )) ليس على وجه العموم وإنما هذا مخصوص والمخصص موجود قال عز وجل :{ ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول النبي الأمي }

قال :{ فسأكتبها للذين يتقون }

ومن أدلة من قال بفناء النار :

قوله تعالى :{ لابثين فيها أحقابا } والحقب مدة معينة من السنين قيل انه ثمانون سنة

والجواب عن هذا والله أعلم :

إن الحقب لم يأت مفردا ولكن أتى مجموعا فقال :{ لابثين فيها أحقابا } فيدل على استمرارية هذه الأحقاب بدليل كلمة اللبث: { لابثين فيها أحقابا }

وقد يجاب والله أعلم بجواب آخر وهو /:

أن الله عز وجل قال:{ إن جهنم كانت مرصادا للطاغين مآبا لابثين فيها أحقابا{ فالضمير في كلمة : (( فيها )) يعود إلى جهنم وهؤلاء قد ينتقلون من جهنم إلى موضع آخر من العذاب قال عز وجل:{ ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم }

وقال عز وجل :{ هذه جهنم التي يكذب به المجرمون يطوفون بينها وبين حميم آن } وقال تعالى :{ وآخر من شكله أزواج }.

 

 

ومن أقوال الطوائف التي ضلت في مسألة فناء النار

الطائفة الاتحادية  :

ورئيسها ابن عربي الذي يقول : ” أن النار لا تفنى وإنما يتنعم ويتلذذ أصحابها بها وهذا بناء على معتقده الفاسد هو وأمثاله من هذه الطائفة . “

إذ يقولون : ”  إن كل ما تراه هو الله تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا  “

وهذا الطائفة هي بذرة من بذور الجهمية فما خرجت هذه الطائفة إلا امتدادا لمذهب الجهمية.

وبعض الطوائف تقول  : ” إن النار لا تفنى وإنما يخرج أهلها وتبقى النار وليس فيها أحد “

وبعضهم يقول : ”  إن من دخلها لا يخرج منها أبدا لا الكفار ولا العاصي الذي ارتكب كبيرة من الذنوب “

وهذا معتقد الخوارج والمعتزلة .

وبعض الطوائف وهي اليهود يقولون : ” إنهم يخرجون منها ويخلفهم غيرهم :

ولذا قال عز وجل عنهم :{ وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً}

وقال بعضهم : ”  لا تفنى وإنما تسكن حركاتهم فلا يحصل منهم حركة “

فهذا مجمل ما ذكر من أقوال حول مٍسألة فناء النار

ومعقتد أهل السنة والجماعة وهم الجمهور :

كما سلف : ” على أن النار باقية لا تفنى فيخرج الله منها العصاة ويبقى الكفار أبد الآباد

وطائفة من أهل السنة والجماعة قالوا :

” إن النار يبقيها الله عز وجل ما شاء ثم يفنيها  “

وكما سلف بعض العلماء يرى أن المنقول عن هؤلاء من أهل السنة والجماعة غير ثابت فيكون بقاء النار أبد الآباد محل إجماع عند أهل السنة والجماعة