الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (46) قوله تعالى ( والذين هم بربهم لا يشركون )

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (46) قوله تعالى ( والذين هم بربهم لا يشركون )

مشاهدات: 425

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس ( 46 )

قوله ( والذين هم بربهم لا يشركون )

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قال المؤلف رحمه الله :

قال عز وجل : {وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ }

فذكر المصنف رحمه الله : النص الثاني تحت باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب وهذا النص هو قوله تعالى : {  وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ}

هذه الآية من جملة صفات ذكرها الله عز وجل فقد وصف بعض عباده بهذه الصفات فقال في مطلعها :{ إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ}

هذه هي الصفة الأولى

{ إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ{57} وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ{58}}

 هذه هي الصفة الثانية
{ وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ }

هذه هي الصفة الثالثة

{ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ }

هذه هي الصفة الرابعة .

{ أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ }

هذه هي الصفة الخامسة

ومناسبة اقتصار المصنف رحمه الله على هذه الصفة في قوله تعالى :{ وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ } ليقرر ما أسلفنا من أن تحقيق التوحيد لا يتم إلا بتنقيته وتخليصه من جميع الشرك الكبير والصغير.

فمع أنهم وصفوا بأعمال جليلة ، فإن هذه الأعمال الجليلة لا يثبت لها قدم، ولا يثبت لها قدر إلا  بالتوحيد.

 ففهم من هذا إن تحقيق التوحيد لا يتم إلا بتخليصه من الشرك والإتيان بالأعمال الصالحة

وقد جاء عند الترمذي  :

أن عائشة رضي الله عنها سألت رسول الله عن قوله تعالى :{ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ } فقالت : يا رسول الله أهم الذين يزنون ويسرقون ويشربون الخمر ؟

قال : (( لا يا ابنة الصديق ، ولكنهم يصومون ويصلون ويتصدقون ويخافون ألا يقبل منهم ))

والمتأمل في هذه الصفات  :

يجد أن هؤلاء قد حققوا التوحيد، فعندهم الخشية من الله عز وجل ، والخشية لا تكون إلا من تعظيم للمخشي منه  .

وهذا يدل على غزارة علمهم كما قال الله عز وجل :

{ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء}

وهم مع هذه الخشية مشفقون أي خائفون ،فجمعوا بين الخشية والخوف؛وذلك لأن الخشية تتساوى مع الخوف ، لكنها أي الخشية أخص من الخوف فجمعوا بين الخصلتين الحميدتين وأضافوا إلى هذا الإيمان بآيات الله عز وجل الكونية والشرعية .

فالآيات الكونية :

ما خلقه الله عز وجل

والآيات الشرعية :

هي القرآن

وهذا يدل على عمق تفكرهم في خلق الله عز وجل كما قال تعالى :{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ}

فهم بهذه الخصلة : هم أصحاب العقول النيرة والأفهام الزكية .

ومع هذا الاعتقاد من الخوف والخشية، والاعتبار والإيمان قد أتوا بتحقيق التوحيد ، وذلك بتخليصه من الشركين :

الأكبر

والشرك الأصغر

لأن حذف المعمول يفيد العموم ، فلم يقل :” لا يشركون الشرك الأصغر، ولا الشرك الأصغر والخفي والجلي القولي والعملي “

ثم إن الوجل مستمر معها مع هذه الأعمال الطيبة : من الصلاة والصدقة والصيام،لأنهم يعملون أنهم سيقفون أمام الملك الديَّان جل وعلا قال تعالى:{ وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ }

ثم إن أعمالهم ليست أعمالا فحسب بل هي أعمال يتسابقون فيها وليست مسابقة بل أضافوا معها المسارعة : { أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ}

فما ظنكم بمن جمع هذه الصفات ألا يكون محققا للتوحيد  ؟

بلى وربي

ثم جاء اللطف الإلهي فقال عز وجل :{ ولا نكلف نفسا إلا وسعها }

فمن علم الله منه صلاح النية ، وصدق التوجه إليه في القول والعمل والاعتقاد ، فإن الله أكرم منه فلا  يظن ظانّ أن تحقيق التوحيد يطالب فيه الإنسان فوق طاقته وقدرته ولذا قال :{ ولا نكلف نفسا إلا وسعها }

فخلص لنا أن إيراد المصنف رحمه الله لهذه الآية المتضمنة إحدى صفات هؤلاء المحققين للتوحيد خلص لنا من أن : ” تحقيق التوحيد لا يتم إلا بمفارقة الشرك وتنقية التوحيد منه “