الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (48) حديث ( سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب)(2)

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (48) حديث ( سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب)(2)

مشاهدات: 550

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ــ الدرس ( 48 )

حديث ( سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب) الثاني

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قال : (( لا رقية إلا من عين أو حمة ))

قال ( القائل بريدة ) ولم ينسب ذلك إلى النبي عليه الصلاة والسلام .

وهذا يشعر بأن هذه الجملة نم هذا الحديث ، وهي جملة ( لا رقية إلا من عين أو حمة ))

أنها من قبيل الموقوف

والموقوف : هو ما رواه الصحابي ، ولكن هذا الوقف جاءت رواية أحمد وأبي داود ببيان الرفع فهي مرفوعة إلى النبي عليه الصلاة والسلام .

وجاء في رواية أبي داود زيادة : (( لا رقية إلا من عين أو حمة أو دم )) أي رعاف

وجاء عند مسلم : أن النبي عليه الصلاة والسلام رخص في الرقية من النملة :

والنملة : هي جروح تنبعث في الجانبين يشعر صاحبها بقرصات مثل دبيب النمل .

فيكون من مجموع هذه الأحاديث اغن الرقية لا تكون إلا في أربعة أشياء :

في العين :

والعين معروفة : وهي الإصابة بالعيانة ، وهو إلحاق ضر بالآخرين

وسيأتي لها تفصيل بإذن الله تعالى

الثاني : وهي  الحمة

:

وهي ذوات السموم : لسعات ذوات السموم

الثالث : الدم الذي هو الرعاف

الرابع : النملة

وقوله : (( لا ))

هي نافية للجنس ، ففيها نفي للرقية عن كل شيء إلا ما استثني .

والاستثناء كما قال الأصوليون : هي معيار العموم

بمعنى : أن الاستثناء علامة على أن هناك على شيئا عاما وشيئا خاصا

فالعام هنا : نفي الرقية ، وخصص منها أربعة أشياء العين والحمة والدم والنملة .

ولكن العموم ليس مرادا ، وإنما المراد أن أنفع ما تكون فيه الرقية في هذه الأشياء

ومما يدل على جواز الرقية في غير هذه الأشياء :

قوله عز وجل : ((وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ))

وهذا عام

ومنه قوله عز وجل : ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ ))

ومنها :

(( أن النبي عليه الصلاة والسلام في مرض موته كان يرقي نفسه بالمعوذتين ، فلما اشتد به المرض رقته عائشة بالمعوذتين  ))

فدل على أن هذا الحديث المراد منه :

أن الرقية يكثر نفعها في هذه الأمور الأربعة :

أولا : العين

ـــــــــــــــــــــ

العين  : هي ذات خطر على الإنسان .

وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم : (( إن العين حق ، ولو  كان هناك شيء يسبق القدر لسبقته العين ))

وقال عليه الصلاة والسلام – كما في مسند الإمام أحمد : (( عن العين لتولع بالرجل حتى يصعد حالقا ثم يتردى منه ))

أي : ” أن المعين –  لأن المصاب يقال عنه ” معين ”

والذي أصاب يقال عنه ” عائن ”

وذلك أن المعين إذا أصابته العين قد يعظم خطرها إلى أن يصعد جبلا ثم يتردى منه

وقال عليه الصلاة والسلام : (( أكثر من يموت من أمتي بعد قضاء الله وقدره بالعين ))

وقال عليه الصلاة والسلام : (( إن العين لتدخل الرجل القبر والجمل القدر ))

ولذا جاء عند ابن ماجة حرصه عليه الصلاة والسلام على أمته :

فقال : (( تعوذوا بالله من  العين ))

وقد كان عليه الصلاة والسلام يتعوذ من الجن وعين الإنسان فلما نزلت المعوذتان أخذ بهما  وترك ما سواهما

وكان عليه الصلاة والسلام كما في صحيح البخاري  يحرز الحسن والحسين بهذه الكلمات : (( أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ، ومن كل عين لامة ))

وقال عليه الصلاة والسلام : ((كان إبراهيم عليه الصلاة والسلام يعوذ بهما : إسماعيل وإسحاق))

وثبت أن جبريل رقى النبي عليه الصلاة والسلام فقال : (( بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من كل عين أو حاسد الله يشفيك ، بسم الله أرقيك من شر كل عين أو حاسد الله يشفيك بسم الله أرقيك ))

والعين : لا تقتصر على الإنس بل قد يون في الجن من هو يعين :

جاء في صحيح البخاري :

أن النبي عليه الصلاة والسلام لما رأى جارية ونظر فيوجهها قال : ” استرقوا لها فإن بها النظرة “

أي نظرة جنية وليست إنسية

والناظر في هذه الحديث يرى أن النبي عليه الصلاة والسلام طلب أن ترقى هذه الجارية من العين فدل على عظيم الرقية في هذا المرض .

والعين : قد أنكرتها بعض الطوائف

قال ابن القيم رحمه الله – كما في زاد المعاد -: “قد أنكرها  من لا فهم له لا بالشرع ولا بالقدر فإن العقلاء من الأمم مجمعون على وجودها ، وإنما اختلفوا في وجهة تأثيرهها ، والصحيح  : أن العين سببها الوصف

فإذا وُصف الشيء فقد يعان

ولذا الأعمى قد يعين غيره ولم يره ، وإنما بالوصف له

وقد يعين الرجل أولاده وقد يعين الرجل نفسه

وهذا من أردأ ما يكون .

وإما قيل : ” هي عين “ لأن العين طريق لها ، وإلا فأصل العين ما تخرجه النفس الشريرة من سهام مؤذية تريد الإضرار بالغير

شأنها كشأن الأبتر وذو الطفيتين

الأبتر : هو مقطوع الذنب من الأفاعي

وذو الطفيتين : هو نوع من الأفاعي عليه على ظهره خطان أبيضان

قال عليه الصلاة والسلام : (( يسقطان الحبل ويلتمسان البصر))

فبمجرد ما يحدق هذان النوعان في عين الإنسان يلتمسان بصره .

وبمجرد ما ترى الحامل هذين النوعين تسقط حبلها .

وذلك لأنها تتكيف بكيفية خبيثة فتصدر سمها فيحصل الضرر بالعين وبالحمل .

قال ابن القيم رحمه الله :”فإذا كان هذ1ا في الأفاعي فما ظنكم بالنفوس الشريرة “

وهي موجودة من القدم كما في قصة (( إبراهيم )) عليه الصلاة والسلام في تعويذه لبنيه إسماعيل وإسحاق

وهي موجود في حفيده يعقوب :

قال عز وجل عنه : ((وَقَالَ يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ ))

قال المفسرون :

ــــــــــــــــــــــــــ

خشي عليهم من العين لنهم في الجمال كالكواكب إضاءة

ولذا قال يوسف عليه الصلاة والسلام – كما رأى عز وجل عنه : ((إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً ))

وقد حرص الكفار على أن يعينوا النبي عليه الصلاة والسلام  .

قال عز وجل : ((وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ ))

لكن الله عز وجل عصمه منهم

وقد وقعت العين في عصر النبوة :

فقد جاء في موطأ الإمام مالك أن عامر بن ربيعة أعان سهل بن حنيف

فلما رأى عامر سهل بن حنيف يغتسل ، قال : ” ما رأيت في هذا اليوم ولا جلد مخبأة “

يعين امرأة فيخدرها فهي محبوسة في البيت فلا تتعرض للشمس ولا للجو فينضر جسمها  .

(( فلُبِّط بسهل )) فلم يكن به حراك فأخبر النبي عليه الصلاة والسلام ،فقال : من تتهمون ؟

قالوا : نتهم عامر

فأوتي به

فقال النبي عليه الصلاة السلام : ” علام يقتل أحدكم أخاه ، ألا برَّكت ” أي ألا قلت : تبارك الله أو بارك الله لك

فأمره عليه الصلاة والسلام أن يغسل مغابنه وأطرافه وداخلة إزاره .

فلما فعل صُبَّ على سهل فقام كأن لم يكن به شيء .

 

 

والاستشفاء من العين يكون بالرقية كما جاء في هذا الحديث

ودليل آخر :

وهو رقية جبريل للنبي عليه الصلاة والسلام كما مر معنا في الدرس السابق : ” بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك ، بسم الله أرقيك “

ولقوله عليه الصلاة والسلام كما عند البخاري لما رأى في وجه تلك الجارية سفعة ( وهو لون يخالف لون وجهها ) قال (( استرقوا لها فإن بها النظرة ))

ويكون الاستشفاء من العين بالاغتسال :

وذلك أن يغتسل العائن ، ويصب على المعين لقوله عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم :(( وإذا استُغسلتم فاغسلوا ))

يعني إذا طلب منكم أن تغتسلوا فاغتسلوا .

وهذا الأمر يقتضي الوجوب :

فكيف يرى العائن أخاه يتضرر  بسببه ، ولا يغتسل له

ويكون هذا الاغتسال من المغابن : وهي الآباط ، وبطون الركب
وداخلة الإزار : كما أمر النبي عليه الصلاة والسلام عامر بن ربيعة أن يغسل مغابنه

ولماذا المغابن ؟

ـــــ لأنها مواضع رقيقة تطلب هذه السهام الشريرة منفذا من بدن العائن،فلا تجد أسرع خروجا من هذه المواضع

ـــــ ولأن هذه المواضع للشيطان بها اتصال لأنها مواضع نتانة ، وأوساخ

ولماذا الصب على المعين ؟

ـــ لأن هذا الماء لامس بدن العائن ، فناسب أن تطفأ هذه النار الشريرة بنفس هذا الماء .

ـــ ولأن هذه السهام تخرج معها حرارة الشر

وقد ذكر الأطباء أن الحديد إذا أطفأ بالماء ، كان لهذا الماء أثر في كثير من الأدوية .

والاغتسال فيه إطفاء لهذه النار التي في بدن العائن ، فإذا اغتسل خف الألم على المعين ، وهذا ظاهر في الحية أو العقرب إذا لدغت شخصا ثم قتلت كان هناك مردود معنوي ونفسي على هذا اللديغ ، لأن نفسه تفرح بالانتقام من عدوها

وأما مسح الأرض كما يُفعل عند بعض الناس :

وذلك أن تُتبع آثار مواطن العائن ، وتمسح بالماء العالق بالتراب ، ويشربه المعين ، فلا أصل له ولا يجوز .

ومثله :

أن تؤخذ فضلات العائن : كالبول والغائط .

والواجب على من رأى ما يعجبه من أخيه يجب وجوبا أن يقول : ” التبريك ” :

اللهم بارك له

أو تبارك الله

أو نحو هذا اللفظ

أو يقول : ” ما شاء الله ” :

قال عز وجل : ((وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ))

وقد ورد حديث في هذا الشأن لكنه ضعيف :

(( إذا رأى أحدكم ما يعجبه في ماله وولده فليقل : ما شاء الله ))

ومن انطبق وتواتر الحكم عليه بأنه عائن يضر الناس بعينه : فالقول الصحيح من قول العلماء : ” أنه يحبس “ إما في بيته أو في سجن ، ويطعم ، ويسقى لكف آذاه وشره

خلافا للقرطبي الذي خالف في هذا : بقوله لأن عامر لم يحبس .

 وليس هذا بدليل على ما قاله :

لأن عامر قضيته قضية عارضة واحدة ، وليست مستمرة ، ولا يظن بعامر أن يكون مؤذيا لإخوانه بعينه .

ولذا لم ينشأ ما جرى من عامر من حسد ،وإنما من إعجاب :

ولذا قال ابن حجر رحمه الله : ” إن العين قد تقع من الإعجاب ، ولو من الرجل  الصالح : لقصة عامر “

وإذا أبى العائن أن يغتسل يُلزم إلزاما شرعيا بالاغتسال ، وإلزاما حسيا .

قال ابن حجر رحمه الله في الفتح : ” عن حبسه هو المتعين ، فهو أشد من المجزوم الذي منعه عمر رضي الله عنه أن يخالط الناس ، وهو أضر من آكل الثوم والبصل الذي منع من حضور صلاة الجماعة “

فنخلص من هذا :

إلى أن أنفع ما يتداوى به من العين :  ” الرقية “.

ولماذا الرقية في العين ؟

لأن نفس الراقي يحصل لها فعل وانفعال مع نفس المرء عليه كما يتفاعل الداء والدواء ، فإن نفس هذا الراقي بقراءته للقرآن تقاوم الضرر الذي في المرقي عليه .

وكلما كانت نفس الراقي قوية مستحضرة لمعاني الرقية كلما كانت أقوى تأثيرا .

فيكون لها الأثر ولاسيما أنه ينفث ، وهذا النفث يخرج من نفسه ، فإذا صاحب هذا النفث ريق كان أشد بإذن الله تعالى على هذا الضرر .

وهذا النفس الحكمة فيه أثناء الرقية لمقاومة النفس الذي تفعله السحرة .

قال عز وجل : {وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ }

الأمر الثاني :

مما يكون النفع للقراءة فيه نافع ومؤثر:

“الحمى “

وهي ذوات السموم :

فاللديغ أنفع ما يعالج فيه الرقية :

فقد جاء في الصحيحين : من حديث أبي سعيد :

في قصة سيد القوم الذي لدغ ، فقام أحد الصحابة فقرأ عليه سورة الفاتحة فبرا كأن لم يكن به وجع ، فلما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام قال : (( ” وما يدريك أنها رقية ” ))

وقد جاء في سنن الترمذي :

(( أن النبي عليه الصلاة والسلام لدغته عقرب ، فأخذ عليه الصلاة والسلام ماء وملحا ووضعه على موضع اللدغة وقرأ سورة الإخلاص والمعوذتين ))

وهنا جمع بين الدواءين الحسي والشرعي :

فالماء ينظف السم

والملح يطهر الموضع

والرقية نفعها واضح بيِّن

وذلك لأن سورة الإخلاص أخلصت التوحيد لله عز وجل :

التوحيد العلمي

وفي المعوذتين : استعاذة بالله عز وجل من شر كل مخلوق فيه شر ، ومن شر السحرة ، ومنش ر الحساد ، ومن شر شياطين الإنس والجن

الأمر الثالث :

الدم :

لرواية أبي داود : (( ” لا رقية إلا من عين أو حمى أو دم “))

وفي رواية : ” أو دم يرقأ ” وهو الرعاف

ولذا كان شيخ الإسلام رحمه الله كما نقل تلميذه ابن القيم في الزاد : إذا أوتي بالراعي فيه لي كتب على جبينه : ((وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي )) فيقف الدم بإذن الله

الأمر الرابع :

النملة :

وليس الدليل فيها ظاهر كما في الأمور الثلاثة السابقة لأن الحديث جاء بنص : ” رخص النبي عليه الصلاة والسلام من النملة “

والنملة هي كما سبق جروح تكون في الجنبين يتألم منه الإنسان كما لو أن نملا دبّ في جسمه

قال بعض العلماء : إنها ما يلي الإزار من البدن من داخله

وقال البعض : الفرج