الشرح الموسع لكتاب التوحيد ــ الدرس ( 49 )
حديث ( سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب) الثالث
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(( قال سعيد : قد أحسن من انتهى إلى ما سمع )) :
قوله : قد أحسن من انتهى إلى ما سمع :
يريد بهذا أن يقول للحصين : قد أحسنت في فعلك لأن فعلك مني على دليل فلم تفعل هذا الفعل من غير علم
وهذا يدل على أن الإنسان يحسن قوله وفعله إذا كان قوله وفعله قائما على الشرع
بخلاف من عمل على جهل أو علم وترك العمل ، ولذا فسعيد رحمه الله لم ينكر عليه ، وإنما قال هذه المقولة لأن فعله مستند على دليل ، لكن أراد سعيد أن يبين له أن عنده علما
هذا العلم يفوق تطبيقه تطبيق ما ذكره حصين لأن هذا العلم الذي علمه سعيد يحصل به الكمال :
فقال : ” ولكنت حدثنا ابن عباس :
ابن عباس :
هو عبد الله ابن عباس ابن عم النبي عليه الصلاة والسلام :
وضع للنبي عليه الصلاة والسلام ذات يوم وضوءه فدعا له بأن يفقهه الله في الدين وأن يعلمه التأويل الذي هو التفسير
فاستجاب الله لدعوة نبيه عليه الصلاة والسلام فأصبح حبر الأمة وترجمان القرآن .
وقد تلقى العلم من الصغر،ولذا كان يتنافس مع أحد الأنصار هما في سن الشباب ، كان يتنافسان على طلب العلم فضعفت نفس هذا الشاب الأنصاري ، وقال : ” أتظن يا ابن عباس أنك تبلغ ما بلغ إليه كبار الصحابة ؟
فترك العلم ، فمضت الأيام حتى قال ابن عباس رضي الله عنهما : أتي إلى باب الأنصاري في القائلة ، والريح تسفي عليّ التراب حتى يخرج الأنصاري وسأله عن الحديث
حتى كان بعضهم يقول : يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تصنع هذا ؟
هلا أخبرتنا حتى نأتيك ؟
فمضى على هذا حتى ظفر بعلم غزير
ولذا قيل له : لم حظيت على هذا العلم ؟
قال : ” بلسان سؤول وقلب عقول “
حتى رآه ذلك الشاب بعد مدة فقال : كنت أعقل مني
يعني : كنت أفهم مني .
وكما قيل : عند الصباح يحمد القوم السرى
ولا ينفع حينها الندم
حتى أثنى عليه ابن مسعود رضي الله عنه ثناء عاطرا قال : ” نعم ترجمان القرآن ابن عباس “
فظل ابن عباس رضي الله عنهما بعد ابن مسعود بعد هذا الثناء ظل أكثر من ثلاثين سنة .
فما ظنكم بذلك العمل الذي ظفر به ابن عباس بعد وفاة ابن مسعود رضي الله عنه ؟
ولذا فغالب أحاديثه رضي الله عنه أحاديث مرسلة فلم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من عشرين حديثا كما قال ابن القيم رحمه الله .
سكن الطائف وتوفي فيها
وكان من طلابه سعيد بن جبير :
(( فقال سعيد : ولكن حدثنا ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم ))
والتعبير بالعنعنة هنا :
إذ قال : ” عن ” يدل على عدم سماع ابن عباس رضي الله عنهما لهذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة .
وهذا يؤكد ما قاله ابن القيم رحمه الله
لكن مراسيل الصحابة في حكم المرفوع، لأن الصحابة عدول فلا يمكن أن يتقول على النبي عليه الصلاة والسلام ما لم يقلع لأن الله أثنى عليهم رضي الله عنهم أجمعين .
(( أنه قال : ” عرضت عليّ الأمم ” )) :
العرض هنا : اختلف فيه ؟
متى عرضت الأمم على النبي عليه الصلاة والسلام ؟
قال بعض العلماء : عرضت عليه في المنام
وقال بعض العلماء : عرض عليه ليلة الإسراء
قال ابن حجر رحمه الله في الفتح : ” إن كان ما جاء في سنن الترمذي والنسائي محفوظا من أنه وقع هذا العرض ليلة الإسراء فهو قول قوي لمن قال بتعدد الإسراء والمعراج . ويكون في هذا الإسراء وقع مثل هذا ، ولم يقع في هذا الإسراء ما لم يقع في الإسراء الأول من فتح الأبواب ونحو ذلك ويكون هذا الإسراء واقع في المدينة
وذلك لأن الإسراء الأول وقع في مكة
ولكن في هذا نظر :
فجمهور العلماء على أن الإسراء والمعراج لم يقع إلا مرة واحدة .
قال ابن القيم رحمه الله : “كيف يظن أن الله عز وجل يفرض على نبيه صلى الله عليه وسلم الصلاة عدة مرات “
ولذا فعبارة ابن حجر رحمه الله ليست عبارة تقوي الحديث : وقال : ” إن في إحدى روايات الترمذي ، وبحثت عنها في النسخ التي عندي فلم أعثر عليها ، وبعد البحث وجدت في صحيح ابن حبان أن هذا العرض وقع في مكة “
وهذا الحديث صححه شعيب الأرناؤوط :
وهو حديث ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : ” كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة حتى تأخرنا ، فلما أصبحنا غدونا عليه ، فقال عليه الصلاة والسلام : ((” عُرضت عليّ الأمم هذه الليلة ، إلى أن قال : ” وعرضت علي أمتي تملأ ضراب مكة ، ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب ” ))
قد جاء في رواية أيضا عند ابن حبان : ” عرضت علي الأمم في الموسم “
والموسم هو موسم الحج ، ولا يكون إلا في مكة .
فظاهر هاتين الروايتين عند ابن حبان أن هذه الرؤيا وقعت مناما في مكة
وإن لم تكن مناما فقد تكون إذا ضمت مع رواية النسائي والترمذي قد تكون معروضة عليه ليلة الإسراء والمعراج .
وقوله عليه الصلاة والسلام : (( عرضت عليّ الأمم )) :
جاء في بعض الأحاديث أنه عليه الصلاة والسلام قال : (( أنتم توفون سبعين أمة انتم خيرها وأبرها ))
فإن كان هذا الحديث على ظاهره فيكون المعروض عليه عليه الصلاة والسلام سبعون أمة .
وقد مضى الحديث عن هذا الحديث في بداية كتاب التوحيد
وقوله عليه الصلاة والسلام : (( فرأيت النبي ومعه الرهط ))
وفي رواية مسلم : ” فرأيت النبي ومعه الرهيط ” بالتصغير
تصغير رهط : رهيط
والرهط : هو الجماعة دون العشرة
وقوله عليه الصلاة والسلام : ((والنبي ومعه الرجل والرجلان ))
فقوله عليه الصلاة والسلام :((والنبي ومعه الرجل والرجلان ))
فالواو هنا بمعنى ” أو” :
بمعنى : رأيت النبي ومعه الرجل أو الرجلان .
إذ لو كانت الواو على بابها لقال:”رأيت النبي ومعه الثلاثة “
وهذا القول قاله ابن عثيمين رحمه الله في شرحه لكتب التوحيد في القول المفيد
لكن هذا التعليل فيه ملحظ عندي :
وهو : لو كانت العبارة والنبي ومعه الثلاثة كما كانت في الجملة الأولى أي فائدة :
لأن الرهط هم الجماعة دون العشرة ، والجماعة مبدأوها من ثلاثة .
فلو قال :” والنبي ومعه الثلاثة لكان هذا داخلا في الرهط “
وهذه الجمل تدل على أن هذه الأمم عرضت عليه عليه الصلاة والسلام كل أمة مع نبيها .
وهذا أيضا يكون يوم القيامة :
قال عز وجل : (( وترى كل أمة جاثية ))
فيوم القيامة تحشر كل أمة لوحدها مع نبيها
وقوله عليه الصلاة والسلام : (( والنبي وليس معه أحد )) :
فهذه الجملة وما قبلها تدل على أن بعض الأنبياء أتباعهم قلة
منهم من يكون أتباعه رهط
ومنهم من يكون أتباعه اثنين
ومنهم من لا يتبعه أحد
وهذا يفيدنا بفائدة :
وهي أن القلة لا تدل على عدم سلامة الطريقة والمنهج
وذلك لأن البعض قد يتبع بأتباع كثر وطريقته طريقة ضلال
فلا يغتر مغتر لا بكثرة ولا بقلة .
فلا يغتر بكثرة الهالكين ، لأن الله عز وجل قال : {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ ))
وقال عز وجل : ((وَلَـكِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ))
وقال عز وجل : {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ }
والنصوص في هذا كثيرة
وأيضا لا تغتر بكثرة الناجين فيدخل العجب في نفسك :
قال عز وجل : ((وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ ))
والصحابة من الناجين،ومع ذلك لما قالوا : لن نغلب اليوم من قلة أنزل بهم عز وجل هزيمة في أول أمرهم :
قال عز وجل : ((وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ))
وفي المقابل لا نزهد في القلة ، فقد تكون القلة خيرا من الكثرة:((كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ ))
وقد قال عليه الصلاة والسلام – كما عند مسلم – :(( ما صُدق نبي مثل ما صُدقت ))
وقوله عليه الصلاة والسلام:((إذ رفع لي سواد عظيم)):
إذ : تدل على أن هناك محذوفا فيكون التقدير فبينما أنا كذلك إذ رفع لي سواد عظيم
والسواد ضد البياض
والمراد من السواد : الأشخاص
وهذا يدل على أن النبي عليه الصلاة والسلام رأى أشخاصا دون ان يميز صفاتهم
فقال : (( إذ رُفع لي سواد عظيم ))
وعظمته في العدد
قال : (( فظننت أنهم أمتي ))
ويستفاد من عرض الأنبياء على النبي عليه الصلاة والسلام يستفاد فائدة وهي :
تسلية النبي عليه الصلاة والسلام فيما لو كذبه بعض قومه فإن من الأنبياء من لم يتبعه أحد
وفائدة أخرى بيان شرف النبي عليه الصلاة والسلام وعظم مكانته إذ إن النبي عليه الصلاة والسلام هو أكثر الأنبياء أتباعا