الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (50) حديث ( سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب)(4)

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (50) حديث ( سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب)(4)

مشاهدات: 480

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ــ الدرس ( 50 )

حديث ( سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب) الرابع

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فقوله عليه الصلاة والسلام  : (( إذ رفع لي سواد عظيم فظننت أنهم أمتي ، فقيل لي: هذا موسى وقومه  ))

في الجملة :

بيان لشرف موسى عليه الصلاة والسلام ، وأنه بعد النبي عليه الصلاة والسلام أكثر الأنبياء أتباعا .

(( وقد جاء في قصة الإسراء والمعراج أن النبي عليه الصلاة والسلام مر بموسى فلما مر به بكى ، فقيل له : ما يبكيك يا موسى ؟

قال : هذا غلام بعث بعدي يدخل من أمته الجنة أكثر من أمتي ))

وهذا البكاء بكاء ناشئا عن حسد غبطة لا عن حسد مذموم متمنىً فيه زوال النعمة

وذلك لأن من كثر أتباعه كثرت أجوره :

لقوله عليه الصلاة والسلام  كما عند مسلم : ((  من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص من أجورهم شيء ))

وقد ذكر عز وجل أن قوم موسى فضلهم الله عز وجل على العالمين : {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ }

والمراد بالعالمين : هم عالم زمانهم ، لأن العالمين تأتي لمعان عدة يظهر أنه قد سبق ذكرها .

فعلى أحد معاني العالمين : هم عالم زمانهم لأن هذه الأمة هي أفضل الأمم .

وقد قال عز وجل عن موسى كما في سورة المائدة :{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكاً وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن الْعَالَمِينَ }

فسبحان مغير الأحوال ، فبعد أن كانوا مستذلين مستعبدين : {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ }

بعد أن كانوا مستعبدين صاروا ملوكا

وقوله : (( ولكن انظر إلى الأفق ، قال فنظرت فإذا سواد عظيم ، فقيل لي انظر إلى الأفق الآخر ، فإذا سواد عظيم فقيل : هذه أمتك ، ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب ))

السواد هنا ذكر مرة أخرى

ولم يظهر للنبي عليه الصلاة والسلام أن هؤلاء قومه مع أنه جاء عند مسلم أنه يعرفهم حينما يردون عليه الحوض غرا محجلين نم آثار الوضوء .

قال ابن حجر رحمه الله : فلماذا لم يعرفهم ؟

فأجاب رحمه الله : ” بأن هذا السواد كان بعيدا فلم تتميز صفاتهم “

ولذا جاء عند مسلم : (( ” فإذا سواد قد ملأ الأفق))

بينما معرفته صلى الله عليه وسلم لاسيما أمته إذا كانوا منه قريبين

والمقول هل عليه الصلاة والسلام هنا :” هذه أمتك ”

الأمة هنا يراد منها أمة الاتباع ، وأمة الإجابة :

وذلك أن الأمة تنقسم إلى ثلاثة أقسام :

أمة الاتباع : وهذه منزلة المقربين

أمة الإجابة : وهذه لمطلق وعموم المسلمين .

أمة الدعوة : وهي الأمة التي وصلتها دعوة النبي عليه الصلاة والسلام سواء آمنت أو لم تؤمن سواء كانت على دين أهل الأوثان أو على دين اليهودية والنصرانية .

ويدل له قوله عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم : ((والذي نفسي بيده لا يسمع بي احد من هذه الأمة يهودي أو نصراني ثم لم يؤمن بي إلا كان من أهل النار ))

فقال : (( من هذه الأمة ؟ ))

والمراد أمة الدعوة بدليل أنه: وضح بعض أصناف هذه الأمة من اليهود والنصارى

وأمة الدعوة لا تدخل في مقام المدح إنما الممدحون أمة الاتباع وأمة الإجابة

وكل طائفة على حسب درجتها

وقد جاء في صحيح البخاري :

قوله عليه الصلاة والسلام : (( أول زمرة من أمتي تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر))

وذكر أن هذه الزمرة هي : ” السبعون الألف “

وقوله : ” من أمتي ”  :

دل على أن هؤلاء السبعين الألف من أمة النبي عليه الصلاة والسلام ولا يشاركه فيها أحد .

ولا يعني أن الأمم السالفة من جملة الداخلين في أول الأمر على هذه الصورة .

فظفرت هذه الأمة بهذا العدد ممن لا يقع عليه حساب ولا عذاب .

وقوله : (( هذه أمتك ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب ))

فيها بيان فضل هذه الأمة كمية وكيفية :

فالكمية من حيث العدد :

فإن عددهم كثير يفوق أعداد الأمم السابقة

وفضلهم من حيث الكيفية :

فإن في هذه الأمة عدد لا يقع عليه عذاب ولا حساب .

ومن هنا في هذا العرض ظهرت شفقة ورحمة النبي عليه الصلاة والسلام لأمته :

فقد جاء في مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي وجود إسناده ابن حجر رحمه الله والألباني :

قال عليه الصلاة والسلام : (( استزدت ربي فزادني مع كل ألف سبعين ألف ، وثلاث حثيات من حثيات ربي ))

وقد حسب هذا العدد أبو سعيد الأنماري عند النبي عليه الصلاة والسلام فبلغ هذا العدد أربعة ألف ألف وتسع مائة ألف .

بمعنى : أن هذا العدد يبلغ خمسة ملايين إلا مائة ألف هكذا

وقد جاء في مسند الإمام احمد :

أن مع كل واحد سبعين ألف .

ليس مع كل ألف ، وإنما مع كل واتحد من السبعين ألف سبعين ألفا :

قال عنه ابن حجر رحمه الله : ” فيه رجل مجهول “

(( وقد جاء أن مع كل واحد من السبعين الألف المضعفة سبعين ألفا .))

على اعتبار صحة ما جاء في رواية أحمد :

فقال عليه الصلاة والسلام : (( إن أمتي لا تبلغ هذا ، فقال عز وجل : ” أدخل  معهم من الأعراب من لا يصلي ولا يصوم ))

ولكن قال عنه ابن حجر : إسناده واهٍ

ولذا فالعدد الذي صح أن مع كل ألف سبعين ألفا .

وقد جاء عند ابن عدي :

أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : (( وعدني ربي في أهل بيتي ممن أقر بالتوحيد ألا يعذبهم ))

قال عنه الألباني في الضعيفة : هذا منكر

والمنكر من أنواع الضعيف ، فهو أشد ضعفا من الشاذ

وقد جاء في الصحيحين :

أن أول زمرة تدخل الجنة ” سبعون ألفا “

(( وجاء في رواية عند البخاري – بالشك –  أو سبعمائة ألف لا يحاسبون فتكون صورة هؤلاء على صورة القمر ليلة البدر ))

وقد جاء عند البخاري :

(( أنهم يدخلون الجنة متماسكين قد أخذ كل منهم بيد الآخر))

قال ابن حجر رحمه الله : ” هذا فيه دلالة على أن دخولهم في وقت واحد ، أو يحتمل أن دخولهم على هذه الصفة يراد منها الوقار والسكينة “

وقد جاء عند ابن حبان وصححه ” شعيب الأرناؤوط : ” أن السبعين الألف الأُول يشفعون في آبائهم وأمهاتهم وعشائرهم “

وهذه تُعد مزية للسبعين الألف الأُول دون المضعف منهم

وقد ذكر ابن حجر رحمه الله حديثا في مسند الإمام أحمد ، وقال : ” صححه ابن خزيمة : (( أن النبي عليه الصلاة والسلام قال للصحابة : ” وعدني ربي أن يدخل من أمتي سبعين ألفا من غير حساب ولا عذاب ، وإني لأرجو أن تتبوؤا أنت ومن صلح من أولادكم مساكن الجنة))

وهذا يدل على أن للصحابة مزية وفضلا

وقد يكون هذا الخطاب لبعض الصحابة ممن دُفن بالبقيع :

إذ جاء في معجم الطبراني عن أم قيس بنت محصن أخت عكاشة الذي سيأتي ذكره في آخر هذا الحديث :

قال : (( كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في البقيع ، فأشار إلى المقبرة ، قال : يحشر من هذه المقبرة سبعون ألفا يدخلون الجنة م غير حساب ولا عذاب ))

ولا يدل هذا على أن من حُوسب أن هؤلاء أفضل منه في الجنة .

فقد يقع الحساب على البعض وقد تكون مرتبته في الجنة أعلى من هؤلاء ،أن الحديث نص متنه على عدم الحساب والعذاب .

هل نقول : أن هناك سبعين ألفا خاصيين بأهل البقيع ؟

الجواب: /

يقول ابن حجر : ” إن ثبت فإنه يدل على مزية تكون لأهل المدينة “

سـ / هل هناك تحديد لثلاث حثيات ؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الجواب :

أما ” تحديد الثلاث حثيات ” الثابتة عند الترمذي : (( وثلاث حثيات من حثيات ربي )) :

ليس هناك دليل يحدد ، لكن قال ابن حجر رحمه الله : ” على افتراض ثبوت ما ذُكر من هذه الأعداد المضعفة أن مع كل واحد سبعين ألفا ، ومع كل واحد من هؤلاء السبعين المضعفين سبعين ألفا على افتراض ثبوتها فيمكن أن يقال أن هذا هو مقدار ثلاث الحثيات .”

وقد جاءت زيادة في هذا الحديث : (( استزدت ربي فزادني مع كل ألف سبعين ألفا وثلاث  حثيات من حثيات ربي ولم أر انه بقي من أمتي أحد ))

فجملة : ((ولم أر أنه بقي من أمتي احد )) :

قال الألباني رحمه الله : ” باطلة “

وقوله : (( يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراد من هذا الحساب : ” الحساب اليسير الذي هو العرض ” :

قالت عائشة رضي الله عنها : ” قال الرسول صلى الله عليه وسلم : (( من نوقش الحساب عُذب ))

قالت عائشة ألم يقل الله {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً }؟

فقال عليه الصلاة والسلام : : (( ذاك العرض ))

يعني : من استقصي عليه هلك ، لكن الله عز وجل يدني عبده المؤمن ويضع عليه كنفه – كما ثبت في الحديث – ويقرره بذنوبه ، حتى إذا رأى أنه قد هلك قال الله عز وجل : (( سترتها عليك في الدنيا ، وأنا أغفرها لك اليوم ))

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث : (( يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب ))

هذا مخصص لعموم حديث أبي برزة رضي الله عنه :

وهو قوله عليه الصلاة والسلام : (( لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع :

عن شبابه فيما أفناه

وعن جسده فيما أبلاه

وعن علمه ماذا عمل فيه

وعن ماله : من أين اكتسبه وفيما أنفقه ))

فإن هذا الحديث : وهو حديث أبي برزة – عند الترمذي – عام ، لكن يُخصص منه هؤلاء فلا يُسألون .

بل إن حديث أبي برزة مخصص في نفسه ، وذلك لأنه ليس لكل أحد مال وعلم .

وإنما لكل واحد شباب وجسم .

ومن ثم فإن حديث أبي برزة مخصص بهذا الحديث

بل تزول أقدام أناس دون أن يُسألوا هذه الأسئلة ، وهم هؤلاء المذكورين في هذا الحديث

وقد يكون لدى الإنسان مال كثير ويسأل عنه ممن ليس من هؤلاء

فيكون الجواب الإنفاق والبذل في سبيل الله، فإذا تأخر دخوله الجنة قد تكون درجته ارفع من هؤلاء ، وكذلك العالم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقوله : (( يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب )) :

هذا يقتضي عموم ترك الحساب لهؤلاء في القبر وفي المحشر :

وقد صح عن النبي عليه الصلاة والسلام : (( أن نسمة المؤمن طير في الجنة ))

وفي حديث البراء :

(( يُفتح له باب من أبواب الجنة فيأتيه من روحها وطيبها ))

وليس احتمالا أو حكما مؤكدا لكنه مأخوذ من العموم :

لقوله عليه الصلاة والسلام : (( القبر أول منزل من منازل الآخرة ))

وإذا تفضل عز وجل بعدم محاسبتهم في الآخرة ، مع ان الأهوال والعظام أشد ، ففضله عز وجل يسبقه فضل آخر يكون لهؤلاء في قبورهم ، والعلم عند الله .