الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (53) حديث ( سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب)(7)

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (53) حديث ( سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب)(7)

مشاهدات: 440

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ــ الدرس ( 53 )

حديث ( سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب) السابع

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فقام : ” عكَّاشة بن محصن “:

هكذا بالتشديد ، تشديد الكاف ، ويجوز التخفيف

فقام عكاشة بن محصن ”

ولكن المشهور التشديد

و ” عكَّاشة “ أحد الصحابة الأجلاء الذين بقوا بعد وفاته صلى الله عليه وسلم حتى قاتل مع أبي بكر رضي الله عنه قاتل المرتدين

فقال عكَّاشة : ” ادع الله أن يجعلني منهم ”

وفي هذا فائدة :

وهي أن الإنسان يغتنم فرص الخير متى ما سنحت له ، ولذا اغتنمها عكَّاشة رضي الله عنه فسأل النبي عليه الصلاة والسلام أن يجعله من هؤلاء النفر .

ولذا على المسلم إذا رأى في نفسه رغبة في الخير عليه أن يغتنم هذا الخير ، ولا يتقاعس عنه .

فقال عليه الصلاة والسلام : (( أنت منهم ))

هذه جملة خبرية ، فأخبر عليه الصلاة والسلام أن عكَّاشة منهم .

فهو أخبر عليه الصلاة والسلام عن عكاشة : إما عن طريق الوحي ، وإما عن طريق الاجتهاد الذي أُقر عليه عليه الصلاة والسلام 0

ولكن يعكِّر على هذا ما جاء في رواية البخاري ، قال : (( فدعا له عليه الصلاة والسلام )) :

فتكون هذه الجملة طلبية ، وليست خبرية :

فإن كانت خبرية ففيها دلالة على معجزة للنبي عليه الصلاة والسلام :

وبيانها :

أن عكّاشة ظل على ما كان عليه في عصر النبي عليه الصلاة والسلام حتى استُشهد

وأما إذا قلنا : أنها طلبية يعني دعائية ، فليست فيها معجزة ؛ وذلك لن دعاء الرسل عليهم الصلاة والسلام قد يستجاب وقد لا يستجاب ، ولذا قال عليه الصلاة والسلام : (( سألت ربي ثلاثا فأعطاني اثنتين ، ومنعني الثالثة ))

ولذا فقول المصنف رحمه الله في المسائل التي ذكرها في نهاية الباب ، قوله : ” أن قوله : (( أنت منهم )) علم من أعلام النبوة

هذا إذا قلنا بأن الجملة خبرية

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ثم قام رجل فقال : ” ادعُ الله أن يجعلني منهم ، فقال : (( سبقك بها عكَّاشة )) :

هذا الرجل هو رجل من الأنصار كما جاء في رواية البخاري .

وجاء تحديده في بعض طرق الحديث : ” أنه سعد بن عبادة ” :

قال ابن حجر رحمه الله : ” طرق هذه واهية ” ثم مع إنها واهية فلا تليق بسعد بن عبادة

وعلى افتراض ( والكلام لابن حجر ) وعلى افتراض أن هذا الرجل اسمه ” سعد بن عبادة ” فلعله أحد الصحابة اسمه سعد بن عبادة ، أو لعله صُحِف ، فإن هناك من الصحابة من اسمه : ” سعد بن عمارة ” ، فلعله صحف فأُبدلت ” الميم باء ” و ” الراء دالا “

وما جاء في مسند البزار : (( فقام رجل من خيار المهاجرين )) :

قال ابن حجر رحمه الله : ” ضعيف  جدا”

وما جاء عند البزار : ” أن رجلا ثالثا قام فقال : ادع الله أن يجعلني منهم ، فقال: سبقك بها عكَّاشة وصاحبه ” فسندها ضعيف ، والقول لابن حجر رحمه الله

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقوله عليه الصلاة والسلام:(( سبقك بها عكّاشة )) :

هذا يقرر ما ذكرناه قبل قليل من أن المسلم عليه أن يغتنم فرص الخير ، وأن يسابق إليها .

فهذه إحدى الفوائد من جملة : (( سبقك بها عكّاشة ))

المسابقة إلى الخيرات :

ثانيا :

ـــــــــــــ

حسن خلق النبي عليه الصلاة والسلام إذ لم يقل لهذا الرجل لست منهم

ثالثا :

ــــــــــــــــــــ

استعمال المعاريض :

فبدل أن يقول : ” لست منهم ” قال : (( سبقك بها عكَّاشة ))

رابعا :

ــــــــــــــــ

أن هذه الجملة من بين الأدلة التي تنتهض بها قاعدة : سد الذرائع ” فلو قال عليه الصلاة والسلام لهذا الرجل : ” أنت منهم “ لربما انفتح الباب ، وسألها من لا يستحقها .

وهذا على القول : ” بأن السائل أحد الصحابة “

وأما على قول بان السائل بعد عكاشة كان منافقا فلا تدخل هنا

وهذان القولان :

أحدهما يقول بـ ” أن الرجل كان منافقا ”

دليله :

ما جاء عند الطبراني : (( أن أخت عكّاشة كانت مع النبي عليه الصلاة والسلام في البقيع فمرّ على المقبرة ، وقال : ” يُحشَر من هذه المقبرة سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب على صورة القمر ، ” فقال عكّاشة : ” ادع الله أن يجعلني منهم ، فقال عليه الصلاة والسلام : ” وأنت منهم ” ، فقام رجل فقال : ” ادع الله أن يجعلني منهم ” فاقل : (( سبقك بها عكّاشة ))

قال نافع – ( وهو الرواي ) عن أم محصن أخت عكّاشة  ـــــــــــــــــ  لم رده ؟

أُراه كان منافقا

والقول الآخر – وهو قول لشيخ الإسلام رحمه الله ، وقد نقله عنه ابن حجر في الفتح ، وأيده – من أن هذا الرجل ليس بمنافق للأسباب الآتية :

أولا :

ـــــــــــــ

ترده رواية البخاري : (( فقام رجل من الأنصار ))

ثانيا :

ــــــــــــــ

أن الأصل في الصحابة رضي الله عنهم الإيمان وليس هو النفاق

ثالثا :

ـــــــــــــــ

أن مثل هذا السؤال لا يصدر إلا عن مؤمن يرجو الله واليوم الآخر ، ولا يصدر عن منافق

أما حديث أم محصن :

فقال ابن حجر رحمه الله : ” فعلى افتراض ثبوته إن صح فإن هذا ظنٌ منها : إذ قالت : ” أُراه كان منافقا “

وهذا الكلام منه رحمه الله يجعل هذا الحديث في منزلة غير الصحة عنده ، ويؤيد أم في  الحديث ما فيه : أن هذا الأمر صادر والصحابة عند النبي عليه الصلاة والسلام ، فإنهم لما خاضوا حدثهم بهذا الحديث ، وكان من جملتهم عكاشة .

وصدر هذا الحديث يدل على أن هذه المرأة كانت تسير مع النبي صلى الله عليه وسلم في البقيع

وعلى كل حال على افتراض ثبوته فإن هذا ظن منها

ومن ثم فعكّاشة نشهد له شهادة لا ريب فيها من انه سيدخل الجنة بغير حساب ولا عذاب .

وذلك لأن الشرع شهد له

وأخبار الشرع كلها صدق لا يمكن أن تتخلف

وفي هذا منقبة وفضيلة لعكاشة

والفضيلة التي حصل عليها زيادة على هذا الفضل المذكور في الحديث : أنه لم يغتر بل لم تزده هذه الشهادة إلا خيرا وطاعة لله عز وجل

وهذا هو شأن الصالحين الذين لا يتكلون على أعمالهم

ولذا عمر رضي الله عنه مع أنه مشهود له بالجنة ، وورد فيه من الفضائل ما لم ترد لعيره من الصحابة سوى أبي بكر رضي الله عنه يقول لحذيفة : ” أنشدتك الله هل سماني رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنافقين

قال حذيفة : لا لست منهم ولا أزكي بعدك أحدا “

فعمر رضي الله عنه خشي أن تكون حالته قد تغيرت بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام .

ونظير هذا قوله عليه الصلاة والسلام لأهل بدر:(( وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر ، فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ))

ومع ذلك لك تزدهم هذه الشهادة إلا مسابقة ومسارعة إلى الله عز وجل

وهؤلاء هم القدوة .

ولذا إذا مُنح الإنسان نعمة من الله عز وجل سواء كانت نعمة دينية أو دنيوية عليه أن يشكر الله عز وجل ، وان يسابق وان يسارع إلى الخيرات حتى  يعظم قدره عند الله عز وجل ، وتبقى له هذه النعمة ، والمعصوم من عصمه الله

وهذا الحديث لم يعزه المصنف

وقد أخرجه البخاري ومسلم ، والإمام أحمد والترمذي ، فلعله نسي أن يذكر العزو أو تركه اختصارا  أو أنه موجود في إحدى النسخ

والمصنف رحمه الله قد يذكر بعض الأحاديث ولا يعزوها  وسيأتي شيء من هذا .