الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (54) مسائل باب(من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب)(1)

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (54) مسائل باب(من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب)(1)

مشاهدات: 425

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ درس(54)

مسائل على باب

(من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب)الأول

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قال المؤلف رحمنا الله ، وإياه : فيه مسائل :

الأولى : معرفة مراتب الناس في التوحيد

فالمسألة الأولى شاهدُها من الحديث :

قال فيهم :
((سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب  ولا عذاب ))

ثم بيَّن هؤلاء :

(( هم الذين لا يسترقون ، ولا يكتوون ، ولا يتطيرون ، وعلى ربهم يتوكلون ))

فدل على أن الناس مراتب في التوحيد

الثانية :

ـــــــــــــــ

ما معنى تحقيقه ؟

ــــــــــــــــــ

الشرح :

ــــــــــــ

معنى تحقيقه سبق ، وذلك بتنقيته وتخليصه من الشرك كبيره وصغيره ، ومن البدع القولية والفعلية

وشاهدها قول الله عز وجل : {وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ }

فذكر من بين صفاتهم هذه الصفة للتأكيد على هذا الأصل ، وهو أن تحقيق التوحيد لا يتم إلا بالخلو من الشرك.

الثالثة :

ــــــــــــــــــــ

ثناؤه سبحانه وتعالى على إبراهيم عليه الصلاة والسلام لكونه ليس من المشركين :

الشرح :

ــــــــــــــــ

شاهدها الآية الأولى :

قال عز وجل : {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }

فهذا ثناء من الله عز وجل على إبراهيم

وسبق الحديث مستفاض فيه عند شرح الآية

الرابعة :

ــــــــــــــــــ

ثناؤه على سادات الأولياء لسلامتهم من الشرك :

الشرح :

ـــــــــــــ

دليلها الآية الثانية : {وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ }

فالله عز وجل ذكر في صدر صفاتهم : ((إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ{57} وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ{58} وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ{59} ))  الآيات

وهؤلاء هم السادة ، وليسوا سادة فحسب بل سادة أولياء :

ولذا قال عليه الصلاة والسلام – كما في الصحيحين – قال للأنصار : (( قوموا إلى سيدكم )) الذي هو سعد بن معاذ

وحذر أن يقال للمنافق سيد  :

قال عليه الصلاة والسلام : (( لا تقولوا للمنافق سيدا ، فإنه إن يك سيدا فقد أسخطت ربكم ))

والسيادة تطلق على الرجل لا على المرأة : كقول السيدة عائشة رضي الله عنها أو السيدة فاطمة .

هذا ليس معروفا فيما سبق .

ولذا قال عز وجل : ((وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ ))

يعني : و جد سيدها الذي هو الزوج ، وذلك لأن المرأة بمثابة الأسير عند زوجها:

كما قال عليه الصلاة والسلام : (( إنما هنَّ عوان عندكم ))

يعني بمثابة الأسير ، والأسير رقيق ، والرقيق يقول لمالكه : يا سيد .

ولذا قال عليه الصلاة والسلام – كما في الصحيحين – :(( لا يقل أحدكم أطعمْ ربك ، وضئ ربك ، وليقل سيدي  ، ومولاي ))

والأولياء فسرهم ووضحهم جل وعلا في كتابه الكريم : ((أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ{62} الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ{63} ))

فولاية الله جل وعلا لا تنال إلا بأمرين :

ــــ الإيمان

ــــ والتقوى

وقد قال شيخ الإسلام رحمه الله : ” إن الولاية تختلف مراتبها بقدر اختلاف الناس في الإيمان والتقى “

والناظر والمتأمل في صفات هؤلاء الذين ذكرها الله عز وجل يدل على أنهم من صفوة الأولياء .

الخامسة :

ـــــــــــــــ

كون ترك الرقية والكي من تحقيق التوحيد :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشرح :

ــــــــــــــــ

المراد من هذه المسألة هو ترك الطلب لا الفعل ؛ فإن الرقية فعلها عليه الصلاة والسلام ، وفعلها الصحابة ، وكذلك الكي ، لكن مراد المصنف رحمه الله هو الطلب :

لقوله عليه الصلاة والسلام : (( هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ))

السادسة :

ـــــــــــــــــــ

كون الجامع لتلك الخصال هو التوكل :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشرح :

ــــــــــــــــــ

شاهدها : لما ذكر تركهم للاسترقاء والاكتواء والتطير ختمها بقوله : (( وعلى ربهم يتوكلون ))

وكأن المصنف رحمه الله يرى أن جملة : (( وعلى ربهم يتوكلون )) جملة عطف ليست جملة تفسيرية ، فيكون من باب عطف العام على الخاص .

فسمتهم : التوكل على الله عز وجل

ومن صور توكلهم على الله عز وجل التوكل التام :

ترك الاكتواء والاسترقاء والتطير

السابعة :

ـــــــــــــــــــــ

عمق علم الصحابة لمعرفتهم أنهم لم ينالوا ذلك إلا بعمل :

الشرح :

ـــــــــــــ

دليلها : أنهم خاضوا في هؤلاء ، واختلفت وتباينت آراؤهم

وهذا الخوض ، وهذا الاجتهاد لا ينشأ إلا من اعتقاد عند الصحابة رضي الله عنهم أن هؤلاء ما وصلوا إليه إلا بعمل

لأن هذه الفضائل الشرعية لا تنال بادِّعاءٍ ولا بتمنى

وعمق عملهم رضي الله عنهم لا يحصر في خوضهم فيمن حاز على هذا الفضل ، و إنما يتعدى إلى أمور أخرى ، وهي أنهم لما لم يصلوا إلى الحق عن طريق الدليل رجعوا إلى من لديه علم بالدليل ، فقالوا للنبي عليه الصلاة والسلام سائلين له : ” من هؤلاء ؟

فأخبرهم عليه الصلاة والسلام .

وهذا من دلائل وعلامات عمق الإنسان .

الثامنة :

ـــــــــــــــــ

حرصهم على الخير :

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

الشرح :

ــــــــــــــــــــ

ودليله : أنهم خاضوا ولا يخوضون إلا لمحبتهم لمعرفة هذا العمل حتى يعملوا به .

والإنسان لا يشغل ذهنه ولا عقله إلا بأمر يهتم به ، فلما كان هذا الأمر بهذه الأهمية خاضوا فيه .

ولذا كانوا أسبق الناس إلى العمل بالخير ، وإلى ترك المنهي عنه ، ودليله  : أن آية الخمر لما نزلت ، وقال عز وجل : ((فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ )) قالوا : انتهينا انتهينا ، حتى كانت الكأس في راحة يد أحدهم فيرمي بها

مع جريان العرف  والعادة بالتمسك بها ورغبة النفس إليها

ولذلك قال شيخ الإسلام رحمه الله في العقيدة الواسطية قال : (( فمن سبر حال القوم ، وما قاموا به من النصرة والعلم والجهاد عرف فضلهم وانه لا كان ولا يكون مثلهم ))

ولذا فالصحبة منزلة لا يمكن لأحد أن يساويهم حتى لو أتى من كبار التابعين من هو وأعبد وأعلم فلا يكون مساويا لهم في فضل الصحبة ، حتى لو كانت الصحبة مدة يسيرة ، لو كانت لحظة من اللحظات .

ومما يدل على حرصهم أكثر من غيرهم ما قاله عز وجل عنهم على احد وجهي التفسير :

قال في سورة الواقعة : ((وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ{10} أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ{11} ))

قال بعد ذكر السابقين ، قال : ((ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ{13} وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ ))

ولما ذكر أصحاب اليمين قال : ((ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ{39} وَثُلَّةٌ مِّنَ الْآخِرِينَ{40} ))

فالأولين هم أول هذه الأمة

والآخرون هم آخر هذه الأمة

فدل على أن عدد السابقين إلى  الخيرات ، والمسارعين إليها في صدر الأمة أكثر من آخرهها ، وما ذلك إلا لحرصهم على الخير رضي الله عنهم

التاسعة :

ـــــــــــــــــ

فضيلة هذه الأمة من حيث الكمية والكيفية :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشرح :

ــــــــــــــــ

أما فضيلتها من حيث الكمية :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فإنهم لما عُرضوا على النبي عليه الصلاة والسلام عرضوا كسواد عظيم ملأ الأفق .

وأما من حيث الكيفية :

ــــــــــــــــــــــــــــــ

فمعهم هؤلاء السبعون الألف ، ولذا قال عليه الصلاة والسلام : (( نحن الآخرون الأولون يوم القيامة ))

فنحن آخر الأمم ، ومع ذلك يوم القيامة أمة محمد صلى الله عليه وسلم هي المقدمة في المحشر ، وأول من يقضى لها ، وأول من يدخل الجنة من الأمم ، ولذا قال عليه الصلاة والسلام : (( أمتي مثل المطر لا يدرى الخير في أوله أم في آخره ))

والمطر حياة

وخيريتها باقية إلى قيام الساعة

وبعض العلماء يطعن في هذا الحديث ، هذا الحديث في سنن الترمذي ولكنه صحيح يصححه الألباني رحمه الله .

وليس هناك تعارض لأن النصوص الأخرى بيَّنت ان الصحابة رضي الله عنهم هم خير القرون : (( خير القرون قرني ))

لكن هذا الحديث من باب التأكيد على أن الخيرية باقية في هذه الأمة حتى في أواخرها ، وليس هناك تعارض

العاشرة :

ــــــــــــــــــــ

فضيلة أصحاب موسى :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشرح :

ــــــــــــــــــ

فضيلة أصحاب موسى بناء على أن النبي عليه الصلاة والسلام لما عُرض عليه السواد العظيم ظن أنهم أمته ، فقيل له : ” هذا قوم موسى “

وهذا يدل على أن التابعين لموسى عليه الصلاة والسلام أكثر من غيره من الأنبياء ما عدا نبينا عليه الصلاة والسلام

ويعضد هذا ما جاء في قصة الإسراء والمعراج : لما مرّ به عليه الصلاة والسلام مرّ بموسى ، فبكى ، قيل : ” ما يبكيك ؟ ، قال : ” هذا غلام بُعث بعدي يدخل من أمته الجنة أكثر من أمتي “

فلعل عنده علما بأنه أكثر الأنبياء أتباعا ، وإلا لما خُصص نبينا عليه الصلاة والسلام .

الحادية عشرة :

ـــــــــــــــــــــــــــــ

عرض الأمم عليه عليه الصلاة والسلام :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشرح :

ـــــــــــــــــــ

كما جاء في الحديث .

وعرضهم عليه عليه الصلاة والسلام من باب التسلية له فإنه إذا كُذب وأُذي فقد كُذب وأُذي مَن قبله :

قال عز وجل : {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا {

والآيات في هذا المعنى كثيرة

والفائدة الثانية :

ــــــــــــــــــــــــــــ

أنه عليه الصلاة والسلام يُسرُّ بهذا العرض :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ففيه إدخال السرور على قلبه إذ إنه عليه الصلاة والسلام أكثر الأنبياء أتباعا

الفائدة الثالثة :

ــــــــــــــــــــــ

بيان عظم منزلته عليه الصلاة والسلام ، وأنها تفوق منزلة الأنبياء ، وفي هذا إظهار لفضله

الثانية عشرة :

ـــــــــــــــــــــــ

أن كل أمة تُحشر وحدها مع نبيها :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشرح :

ـــــــــــــــ

ودليله من الحديث في مسألة العرض إذ لو كانوا أمة واحدة لما ميّز بين الأنبياء : (( ورأيت النبي ، وليس معه أحد ، ورأيت النبي ومعه الرجل والرجلان ))

فدل على أن هذا العرض انفردت كل أمة بنبيها ، وهذا يكون في يوم القيامة ، قال عز وجل : { وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ{28} هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ{29}}

فدل على أن كل أمة تحاسب لوحدها

وحديث النبي عليه الصلاة والسلام : (( المقضي بينهم قبل الخلائق ))

دل على أن القضاء والمحاسبة يكون لكل أمة لوحدها