الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس ( 56 )
باب ( الخوف من الشرك )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باب الخوف من الشرك :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال المصنف رحمه الله : ” باب الخوف من الشرك “:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الباب : هو مدخل الشيء من حيث اللغة
وأما من حيث الاصطلاح : ” فهو جملة من المسائل تحت موضوع معين “
وهذا الباب أصله ” باب وجوب الخوف من الشرك “
وقد أعطى المصنف رحمه الله براعة في حسن ترتيب الأبواب :
فإنه لما ذكر باب من حقق التوحيد دخل الجنة من غير حساب ولا عذاب
أعقبه بهذا الباب حتى يكون الإنسان الموحد على وجل وخوف ، فيحذر من الوقوع في الشرك
ولذا فللمصنف رحمه الله عبارة في رسالته : ” كشف الشبهات ، قال : ” إن من قال : إن التوحيد قد عرفناه فقد جهل “
وذلك أن التوحيد بحاجة إلى أن يكون المسلم محققا له في كل حياته ، وفي كل حين من أحيانه .
وقال رحمه الله : ” باب الخوف من الشرك “
والمراد : الشرك كله : الصغير والكبير
والشرك الأكبر يختلف عن الشرك الأصغر من حيث ضابطه ومن حيث الافتراق بينهما :
فأما ضابط الشرك الأكبر : هو أن يجعل مع الله ندا في عبوديته أو ربوبيته أو أسمائه وصفاته :
كمن يخاف غير الله
أو يرجو غير الله
أو نحو ذلك
وأما الشر ك الأصغر :
فضابطه : كل وسيلة يتوصل بها إلى الشرك الأكبر .
وجاءت تسميته في النصوص شركا :
وذلك كالحلف بغير الله :
قال عليه الصلاة والسلام : (( من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك ))
والمراد : الشرك الأصغر ـــــــــ لم ؟
لأنه وسيلة إلى الشرك الأكبر .
وأما إذا سُمي في النصوص شركا وليس وسيلة فهو الشرك الأكبر
وأما الافتراق بينهما ، فمن عدة أوجه :
الوجه الأول :
أن الشرك الأكبر لا يغفره الله عز وجل
أما الشرك الأصغر فهو عند جماهير الأمة يغفره الله عز وجل
بمعنى :
ـــــــــــــــ
أنه تحت المشيئة شأنه شأن الكبائر ، إن شاء الله عز وجل عذب صاحبه ، وإن شاء برحمته عفا عنه
ولشيخ الإسلام رحمه الله تردد :
هل الشرك الأصغر يدخل تحت المشيئة أم أنه لا يدخل ؟
وسيأتي توضيح بإذن الله تعالى عند أول آية ذكرها المصنف رحمه الله تحت هذا الباب : {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ {
الوجه الثاني من الافتراق :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن صاحب الشرك الكبر خالد مخلد في نار جهنم
وأما صاحب الشرك الأصغر حتى على رأي شيخ الإسلام الذي تردد فيه فخالف الجماهير فإنه لا يخلد في نار جهنم بل إن مصيره إلى الجنة .
الوجه الثالث :
ـــــــــــــــــــــــــــ
أن الشرك الأكبر يخرج العبد من الملة
أما الشرك الأصغر فلا يخرجه من الملة
الوجه الرابع :
ـــــــــــــــــــــــ
أن الشرك الأكبر يحبط جميع الأعمال كما قال عز وجل : ((لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ))
كما قال عز وجل : ((وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ))
والنصوص في هذا المعنى كثيرة
لكن لتعلم : أن جميع حبوط العمل إذا مات عليه ، أما إذا عاد إلى الإسلام فإن أعماله باقية على القول المرجح لقوله تعالى : ((وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ))
فقيد : ” وهو كافر “
أما الشرك الأصغر : فيحبط العمل الذي أُشرك فيه ، ولا يسري على بقية الأعمال
الوجه الخامس :
ــــــــــــــــــــــــــــــ
أن الشرك الأكبر لا يدخل تحت الموازنة :
فإن صاحبه يسحب إلى النار سحبا ، فلا توزن له أعمال كما قال عز وجل : ((فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً ))
وأما الشرك الأصغر : فإنه يدخل تحت الموازنة من كانت حسناته أكثر من سيئاته ، ولو كانت هذه السيئات شركا أصغر فإنه يُعدُّ من الناجين .
والشرك الأكبر أربعة أنواع :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـــ شرك الطاعة
2 ـــــــ شرك الدعاء
3 ـــــ شرك المحبة
4 ـــــ شرك الإرادة
فأما شرك الطاعة :
فالدليل قول الله عز وجل :{اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }
ودليل شرك الدعاء : {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ }
وأما شرك الإرادة فيدل عليه قول الله عز وجل : ((مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ{15} أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ{16}
وأما دليل شرك المحبة قوله عز وجل : ((وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ ))
وسيذكر المصنف رحمه الله هذه الآيات في بعض الأبواب ، ما عدا قوله تعالى : ((فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ))
وإذا وصلنا إليها تحدثنا في تفريعتها .
وأما الشرك الأصغر فهو نوعان :
وهو القسيم للشرك الأكبر
وبعض العلماء يقول : ” ليس هو القسيم وحده ، بل هناك نوع آخر ، وهو الشرك الخفي “
فيكون هناك :
شرك اكبر ، وأصغر ، وخفي
ولكن الأرجح أن الشرك الخفي هو من الشرك الأصغر
ودليله ما سيذكره المصنف رحمه الله في هذا الباب
وعند الحديث عنه نعلق عليه بإذن الله تعالى
وأما الخلاص من الشرك فله باب مستقل سيأتي معنا بإذن الله تعالى .
لكن الحديث ينصب على وجوب خوف المسلم من الوقوع في الشرك
قوله عز وجل : ((إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ ))