الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (58) قوله تعالى ( واجنبني وبني أن نعبد الأصنام )

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (58) قوله تعالى ( واجنبني وبني أن نعبد الأصنام )

مشاهدات: 454

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس ( 58 )

قوله تعالى ( واجنبني وبني أن نعبد الأصنام )

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

وقال الخليل عليه الصلاة والسلام : ((وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ  ))

الشرح :

ــــــــــــــــ

ثنى المصنف بذكر ما ذكره جل وعلا عن الخيل .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقال الخليل :   ((وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ  )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الخليل :

ـــــــــــــــ

هذه وصفه :

قال تعالى : ((وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً ))

والخلة : هي أعلى درجات المحبة .

وذلك لأن المحبة عشر درجات ، كل درجة أعلى من الأخرى .

في  رأس الهرم تكون درجة الخلة هي الأولى :

فدرجات المحبة عشر :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فالأولى : العَلاقة :

ــــــــــــــــــــــــــــ

وهي علاقة المحب لمحبوبه

الدرجة الثانية : الإرادة .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

وهي ميل المحب إلى حبيبه

 الدرجة الثالثة : الصبابة :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وهي انصباب القلب إلى المحبوب

الدرجة الرابعة : الغرام :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وهي ملازم هذه المحبة لهذا المحبوب كملازمة الدائن لغريمه

الدرجة الخامسة : المودة:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وهي صفوة وخلاصة المحبة .

الدرجة السادسة : الشغف :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كما قال عز وجل عن النسوة في شأن امرأة العزيز : (( قد شغفها حبا ))

وذلك أن المحبة وصلت إلى شغاف القلب

الدرجة السابعة : العشق :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وهي المحبة التي يُخشى على صاحبها من الهلاك

الدرجة الثامنة : التيم :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وهو من معاني التعبد

الدرجة التاسعة : التعبد :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الدرجة العاشرة : وهي العليا : الخلة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وذلك أن المحبة قد تخللت قلب المحب

فلم يبق في قلبه مكان إلا وقد سرت فيه هذه المحبة

قال ابن أبي العز الحنفي في شرحه على الطحاوية ، قال قد قيل بغير هذا الترتيب

لكن هذا الترتيب عند التأمل يظهر حسنه

ولا يوصف الله عز وجل من هذه الدرجات إلا بما جاء النص بإثباته :

لأن إثبات الصفات متوقف على إثبات النصوص لها

والخلة :

ــــــــــــــــ

قد ظفر من الله بها إبراهيم ، ونبينا :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم – كما جاء في الصحيحين – : (( إن الله قد اتخذني خليلا ))

وقال : (( إن صاحبكم خليل الله ))

وقال : (( لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ، ولكن أخوة الإسلام ومودته ))

وقال : (( إني أبرأ إلى كل خليل من خلته ))

وقد نال إبراهيم هذه المرتبة بعد ان اُمتحن بذبح ابنه :

قال عز وجل : (( فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ ))

فالولد في مثل هذا السن يكون يتعلق الوالد به أكثر

فجاء الامتحان العظيم ليظهر عز وجل خلو محبة إبراهيم لابنه .فلما تفرغ قلبه لمحبة الله كافأه الله بذلك ، وقد لوحظ على عبارة أبي جعفر الطحاوي في عقيدته الطحاوية :

فقال : (( محمد حبيب رب العالمين ))

قال ابن أبي العز الحنفي : ” هذا فيه شيء من القصور بل فيه قصور ، أو نحوها من هذه العبارة .

وذلك لأن النبي عليه الصلاة والسلام ليس حبيبا لله ، وإنما هو خليل الله

فوصفه بالخلة هو أبلغ لرفعة درجته من وصف بالمحبة

لأن الله عز وجل يحب  عباده المؤمنين ، فالمحبة مشتركة

قال عز وجل : ((إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ))

ولذا فإن النبي لما تبرَّأ من خلة أهل الأرض لم يتبرأ من محبتهم أو محبة بعضهم بل تبرأ من خلتهم .

فقد جاء في الصحيحين :

لما ولّى النبي عليه الصلاة والسلام : ” عمرو بن العاص ” على جيش غزوة ” ذات السلاسل “

والسلاسل أرض  :

أتاه عمرو قبل أن يسافر فسأله : ” فقال : من أحب الناس إليك ؟ ”

لأنه ظن أنه لما ولاه ، وترك غيره من كبار الصحابة ظن أن له درجة تعلو غيره ، فقال النبي عليه الصلاة والسلام : (( عائشة ))

فقال : فمن الرجال ؟

قال : (( أبوها ))

قلت : ثم مَن ؟

قال : عمر

فعد رجالا ، ثم سكت خشية أن يجعلني أخرهم فدل  على افتراق الخلة على المحبة

وأما ما جاء عند الترمذي :

أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : (( إن إبراهيم خليل الله ، وأنا حبيب الله ولا فخر ))

فهو حديث ضعيف

ولو قال قائل : بم يجاب عما جاء عند الترمذي ؟

قال : (( إن إبراهيم عبدك وخليلك ، قد دعا لمكة بالبركة ، وأنا عبدك ورسولك أدعو لأهل المدينة بمثلي البركة ))

فمع البركة بركتين .

فيقال : ” هذا حديث صحيح “

وموضع الإشكال :

أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يقل : ” إني عبدك وخليلك “

فيجاب عن هذا :

من أن هذا تنوع في الدعاء ، لأن مقام الرسالة مقام عظيم .

أو أن هذا قبل أن يُخبر بأنه خليل الله

فلا تعارض بما جاء عند الترمذي وبين تلك الأحاديث المثبت للخلة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقوله : (( وقال الخليل عليه السلام )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عليه السلام :

ـــــــــــــــــــــــــــــ

هذا يدعونا إلى أن نصلي ونسلم على  الأنبياء إذا ذكروا

ولذا جاء عند ابن عساكر والبيهقي ، وحسنه الألباني :

أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : (( إذا ذُكر الأنبياء فسلموا عليهم فإنهم بعثوا كما بُعثت ))

فهذا هو الأليق بنا لإظهار فضل هؤلاء الأصفياء

والذي يظهر أن الأمر هنا ليس للوجوب ، وإنما للاستحباب

فالنبي عليه الصلاة والسلام ذكر كثيرا من الأنبياء
ولم يسلم عليهم أثناء ذكره لهم

فتركه السلام عليهم لعله من باب بيان الجواز

” والسلام ” :

ـــــــــــــــــــــ

هو طلب السلامة من الله للمسلم عليه ، فنحن ندعو الله ان يسلم على أنبيائه .

وذلك لأن الأنبياء تمر بهم مواقف مما يكون في القبر ، مما يكون في الأهوال يوم القيامة

ولذا النبي عند الصراط يقول : (( يا رب سلم سلم ))

وفي حديث الشفاعة يقول ألأنبياء :

” نفسي نفسي “

وسيأتي لهذا الحديث زيادة بيان عند عقد المصنف : ” باب لا يقال السلام على الله

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقوله : ((وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذه جملة من دعاء إبراهيم .

قال الله عز وجل ذاكرا لدعوته : ((وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ{35} رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ )) الآيات

فقوله : (( واجنبني )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــ

هذه الكلمة أبلغ من قوله أبعدني أو نحني لأن المجانبة أن يكون الإنسان في جانب والشيء الآخر في جانب آخر

فدعا عليه الصلاة والسلام أن يكون في جانب وعبادة الأصنام في جانب آخر .

وقوله : (( واجنبني وبني )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قدم نفسه في الدعاء ، وهذا هو هدي الأنبياء

قال نوح عليه الصلاة والسلام : ((رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ ))

وقد صح عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه إذا دعا لأحد بدأ بنفسه ، وإبراهيم هنا قدم نفسه .

وقال في هذه الآيات : ((رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ ))

ومن هم أبناؤه ؟

أبناؤه : ليس له إلا إسماعيل وإسحاق

فلماذا أتت هذه الجملة بصيغة الجمع لا بصيغة التثنية ؟

اختلف العلماء :

قال بعض العلماء : استجاب الله دعوته فلم يعبد أبناؤه الأصنام

فليس إسماعيل ولا إسحاق من عبَّاد الأصنام

وقال آخرون : لم تستجب دعوته في كل بنيه .

وهو الصواب ؛ لأنه ليس المراد أبناؤه من صلبه بدلالة مجيء هذه الكلمة بصيغة الجمع .

ودعوة الأنبياء ليس على كل حال أن تستجاب ، فقد دعا عليه الصلاة والسلام : (( قال :  لقد سألت ربي ثلاثا فأعطاني اثنتين ومنعني الثالثة  ))

ولذا قال عز وجل عن إبراهيم :{وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ }

فدل على أن هناك ظلمة .

ولذا قال بعدها: ((وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ))

فقال عز وجل : ((قَالَ وَمَن كَفَرَ )) يعني سأرزقه .

فكان إبراهيم في دعوته الأخيرة في حذر ؛ لأنه في الأولى عمَّم ، فقال عز وجل : ((لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ))

فلم يعمم هنا فقال عز وجل : ((وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ))

فإسماعيل وإسحاق  جاءا على كبر سن :

قال عز وجل : (( الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ ))

وهذه الهبة والمنحة من الله جاءت نظير تركه لأبيه وعبادته للأصنام .

قال عز وجل : ((فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ))

عوضه الله ـــــــ ماذا قال ؟

((وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلّاً جَعَلْنَا نَبِيّاً ))

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقوله : ((وَبَنِيَّ )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تدل على أنه ليس له بنات

وأما الولد فيطلق على الذكر والأنثى

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقوله : ((أَن نَّعْبُدَ )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

” أن ” المصدرية :

وأن المصدرية إذا دخلت على الفعل المضارع تسبك وتصاغ مع الفعل المضارع إلى مصدر : أي : ” واجنبني وبنيّ عبادة الأصنام “

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

و : ((الأَصْنَامَ ))

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

مفردها : صنم :

و ” الصنم “ ما كان منحوتا على صورة سواء كانت صورة إنسان أو طير أو حيوان ، وهو يختلف عن الوثن ، فالوثن أعم

ولذا قد يطلق على الصنم وثنا .

ولذا قال إبراهيم : {إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً ))

وقال عز وجل عنه : ((وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ{83} إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ{84} إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ{85} ))

وموضع الشاهد : ((أَئِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ ))

ولذا قال النبي : (( اللهم لا تجعل قبري وثنا يُعبد )) لم يقل صنما ؟

لأن الصنم ما كان منحوتا على هيئة صورة

ولماذا ذكر الأصنام ؟

لأنها هي المشهورة عند قومها

والظاهر :

ـــــــــــــــــ

أن طائفة ممن كان في عصره يعبدون الكواكب ، كما ذكر عز وجل في سورة الأنعام : {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَـذَا رَبِّي …. {الآيات .

لأن عبادة الأصنام أبرز وأظهر من غيرها .

ولذا قال عز وجل عنه : ((وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً ))

وقال عز وجل :{وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ }

وقال عز وجل : ((وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ{69} إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ{70} قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ{71} ))

ثم ذكر العلة :

((رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فلو قال قائل :

كيف تضل كثيرا من الناس وهي جماد ؟

وصريح هذا في كتاب الله عز وجل إذ قال :((قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ{72} أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ{73} ))

فقال عز وجل عنه : ((قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ }

وقال عز وجل عنه:((فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ{91} مَا لَكُمْ لَا تَنطِقُونَ{92} ))

فالجواب / :

ــــــــــــــــــــــ

أن هذه الأصنام لما كانت أداة للشيطان في إغواء بني آدم نُسب الإضلال إليها .

ولذا قال عز وجل عن إبراهيم : ((يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ ))

مع أنه كان يعبد الأصنام .

وقال عز وجل : ((أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ ))

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فذكر العلة ، فقال : ((رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وهذا يؤكد ما قرر سابقا من أن الضالين في البشر أكثر من المهتدين .

قال عز وجل :} مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاء مَا يَعْمَلُونَ }

وقال عز وجل : ((وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ ))

وقال عز وجل:((وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ))

والنصوص في هذا المعنى كثيرة .

والدعوة التي قبل هذه الدعوة دعوة تتضمن إحلال الأمن :

((وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـذَا الْبَلَدَ آمِناً ))

فدل على أن الأمن نعمة من الله عز وجل به يظهر الخير وينتشر التوحيد .

ولذا قال عز وجل : ((لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ{1} إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ{2} فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ{3} الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ{4} ))

ولذا أنكر الله عز وجل عليهم لما قالوا : ((وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِن لَّدُنَّا ))

وقال عز وجل : ((أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ ))

فدل على أن الأمن مرتكز وقاعدة لانطلاق الخير .

وأن هذا الخير إذا انطلق من هذ1ا الأمن وقام هؤلاء الآمنون بنشر التوحيد ازدادوا أمنا على أمن .

ولذا قال عز وجل في الآية التي أخذناها في باب التوحيد : {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ }

وهذا يدلل على أن الآمن إذا لم يقم بهذا التوحيد فمآله إلى خوف :

قال عز وجل عن ثمود :{وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً آمِنِينَ }

فلما لم يؤمنوا كان الهلاك والرعب والخوف

ولو قال قائل :

ما مناسبة إيراد المصنف لهذه الآية تحت هذا الباب ؟

الجواب :

ـــــــــــــــــ

أن إبراهيم الذي هو خليل الله .

والذي كسر الأصنام .

والذي أنكر على أبيه وقومه .

والذي امتُحن بذبح ولده .

والذي ابتُلي بكلمات فأتمهن .

والذي جعل الأنبياء من نسله .

والذي بنى البيت الحرام

والذي …………

والذي ………………..

مما له من الفضائل والمناقب

إذا كان يخشى على نفسه من الشرك فما ظنك بغيره ؟!

فإذا كان هذا الخوف من الشرك قد أحاط بإبراهيم ، فدعا بهذه الدعوة فما ظنكم بنا ؟ !

ولذا قال إبراهيم التيمي – وهو أحد التابعين – : ” ومن يأمن بعد إبراهيم “

فكان إيراد هذه الآية تحت هذا الباب إيرادا مناسبا .