الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس ( 59 )
حديث ( أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثم ذكر المصنف :
فقال : ” وفي الحديث : (( أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر ، فسئل عنه فقال : ” الرياء ” ))
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثم ثلث المصنف بذكر هذا الحديث :
قوله : ” وفي الحديث ”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولم يعزه
وهذا الحديث في مسند الإمام أحمد ، وحسنه ابن حجر في البلوغ .
وجوّد إسناده المنذري في الترغيب والترهيب من حديث : ” محمود بن لبيد ” رضي الله عنه
فبعض العلماء ضعفه بناء على الاختلاف في صحبة محمود
هل ثبتت له صحبة أم لم تثبت له ؟
والصحيح أن له صحبة
ولذا حسنه ابن حجر ، وغيره من أهل الحديث
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله : ” وفي الحديث ”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحديث يختلف عن الخبر
فهناك ما يسمى بالخبر
وهناك ما يسمى بالأثر
وهناك ما يسمى بالموقوف
وهناك ما يسمى بالمقطوع
ولكل ما يناسبه من تعريف
وفي الحديث : (( أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر ، فسئل عنه ، فقال : ” الرياء ” ))
الشرح :
ـــــــــــــــــ
توقف بنا الحديث عند قول المصنف رحمه الله ، ” وفي الحديث ” :
هناك ما يسمى بالخبر
وهناك ما يسمى بالأثر
وهناك ما يسمى بالموقوف
وهناك ما يسمى بالمقطوع
فقوله : (( وفي الحديث )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
” الحديث “ في اصطلاح المحدثين :
” هو ما أوثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة يعني : صفة له عليه الصلاة والسلام : إما صفة خَلقية أو صفة خلقية . “
وأما الخبر :
ـــــــــــــــــــــــ
فهو عند بعضهم كالحديث
وقال البعض : ” عن الخبر هو ما أوثر عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن غيره
فيكون الخبر بهذا الاعتبار أشمل من الحديث
وأما تعريف الأثر :
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
فهو ما أوثر عن النبي صلى الله عليه وسلم
فإذا قيل : ” وفي الأثر ” فلا يراد من ذلك أن مأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا إذا قُيِّد :
كما لو قيل : ” وفي الأثر عن رسول الله “
وأما الموقوف :
ــــــــــــــــــــــــــــ
فهو ما أوثر وروي عن الصحابي ، فما يقوله الصحابي يُعد موقوفا إلا إذا كان هذا الصحابي يقول شيئا لا يتعلق بالاجتهاد ، بمعنى : ليس فيه مجال للاجتهاد
كما لو أخبر عما يكون في المستقبل أو أخبر عما يكون في القبر أو أخبر عما يكون يوم القيامة ، فهذا يعد من قبيل المرفوع إلى النبي عليه الصلاة والسلام حكما .
وأما المقطوع :
ـــــــــــــــــــــــــ
فهو ما أوثر عن التابعي فمن بعده :
فإذا قال الإمام مالك بن أنس أو قال الحسن البصري قولا فيُعدُّ هذا القول مقطوعا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فقوله عليه الصلاة والسلام : (( أخوف ما أخاف عليكم )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في هذا بيان حرص النبي عليه الصلاة والسلام على أمته ، وحرصه على أمته كثير ، لكن خوفه يعظم ويزداد من هذا الأمر المخبر عنه في هذا الحديث .
ولذا جاء بصيغة ” أفعل التفضيل ” :
فهناك شيء يخاف منه
وهناك شيء يشتد الخوف منه
فلم يقل :
(( أخاف عليكم ))
وإنما قال :
(( أخوف …. ))
فأفعل التفضيل يدل على عظم درجات هذا الخوف من هذا المذكور في هذا الحديث
وفيه :
ـــــــــــــ
بيان أن الرياء أشد ما يُخاف على الصالحين ؛ لأن الخطاب موجه إلى الصحابة ، وهم أصلح الناس
فدل على أن أعظم ما يخاف على الصالحين هو” الرياء “
قال عز وجل:{لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }
فهذه آية تدل على عظم حرصه عليه الصلاة والسلام ،
وحرصه على من ؟
على المؤمنين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله عليه الصلاة والسلام : (( الشرك الأصغر )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تدل هذه العبارة على أن هناك شركا أكبر
والشرك الكبر يختلف عن الشرك الأصغر في عدة أمور :
الأمر الأول :
ــــــــــــــــــــــ
أن الشرك الأكبر يُخلد صاحبه في النار
أما الشرك الأصغر فإن صاحبه لا يخلد ، وغنما يعذب على قدر هذا الذنب إلى أن يرحمه الله فيدخله الجنة ابتداء
وهذا قول الجمهور
أما على أحد قولي شيخ الإسلام فيقول في أحد قوليه : ” إنه لا يدخل الجنة تحت المشيئة يعذب في النار بقدر ذنبه ثم يكون مآله إلى الجنة
من الفروق :
ـــــــــــــــــــ
أن الشرك الأكبر يحبط جميع الأعمال :
قال تعالى : ((وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ))
قال : ” أعمالهم ” :
فدل على أن جميع الأعمال تذهب أجورها بالموت على الشرك الأكبر .
أما الشرك الصغر فإنه يحبط العمل الذي قارفه :
قال عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم في الحديث القدسي : (( أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، من عمل عملا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه ))
ومن الفروق :
ــــــــــــــــــــ
أن الشرك الأكبر يخرج صاحبه من الملة
أما الأصغر فغنه لا يخرجه عن الملة
من الفروق :
ـــــــــــــــــــ
أن صاحب الشرك الأكبر لا يحاسب حساب موازنة وإنما تجمع عليه أقواله وأفعاله فيقرر ثم يسحب إلى النار :
قال تعالى : ((فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً ))
أما الشرك الأصغر فإن أعماله تدخل في الموازنة : ((فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ))
فينظر إلى حسناته وسيئاته فتوزن
حاله كحال صاحب الكبيرة
ومن الفروق :
ــــــــــــــــــــــ
أن الشرك الأكبر لا يدخل تحت المشيئة قال تعالى:((إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ ))
بينما الشرك الأصغر على قول الجمهور داخل تحت المشيئة : إن شاء الله رحمه بفضله ، وغن شاء عذبه على قدر ذنبه بعدله عز وجل
ومن الفروق :
ـــــــــــــــــــــ
أن الشرك الأكبر:
هو اتخاذ الند لله عز وجل في عبوديته أو ربوبيته أو في أسمائه وصفاته
بينما الشرك الأصغر :
هو ما جاء في النصوص بتسميته شركا ، ولم يصل إلى حد الشرك الأكبر ويمكن أن يقال :
إن الشرك الأصغر ما كان وسيلة إلى الشرك الكبر ، فكل ما كان وسيلة إلى الشرك الأكبر فإنه من الشرك الأصغر
ويتفق الشرك الأكبر مع الشرك الأصغر في أن كلا منهما لابد فيه من التوبة ، فليس في أحدهما كفارة كبعض الذنوب ، إنما الكفارة أن يتوب إلى الله عز وجل .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فسئل عليه الصلاة والسلام : “
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السائل : هم الصحابة
وهذا يدل على حرص الصحابة في التفقه في دينهم ، وفي الاطلاع على ما يفسد عبادتهم
فلما كان هذا الأمر من الخطورة بمكان سألوا عنه
ومواقف الصحابة في مثل هذا كثيرة جدا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
” فسئل عنه :
فقال : (( الرياء )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في هذا بيان أن الشرك الأصغر هو الرياء .
وهذا تعريف منه عليه الصلاة والسلام .
والشرك الأصغر يسمى بالشرك الخفي على القول الراجح وقد سبقت هذه المسألة
فإن بعض العلماء يقول : ” إن الشرك ثلاثة : أكبر ، وأصغر ، وخفي “
وبعضهم يقول وهو رأي ابن القيم : يقول : ” إن الشرك نوعان : أكبر وأصغر “
فيكون الشرك الخفي من الشرك الصغر :
ومما يدل على ذلك :
أن النبي خرج على الصحابة كما جاء في سنن ابن ماجة ،خرج على الصحابة وهم يذكرون المسيح الدجال ، ويخشونه :
فقال عليه الصلاة والسلام : (( أخوف ما أخاف عليكم الشرك الخفي !
قالوا : يا رسول الله ، وما الشرك الخفي ؟
فقال : ” الرجل يصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر الرجل إليه ” ))
وهذه هي المراءاة .
إذا قلنا : ” إن الشرك الخفي هو الشرك الأصغر لم يعنِ ان الشرك الأكبر ليس فسه شرك خفي
وإذا قلنا بذلك أيضا فليس معنى ذلك أن الشرك الجلي لا يكون في الشرك الأصغر
فالشرك بنوعيه الأصغر والأكبر فيهما : (( جلي ، وخفي ))
فمثال الجلي في الشرك الأصغر :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلف بغير الله :
قال عليه الصلاة والسلام كما في حديث ابن عمر : (( من حلف بغير الله كفر أو أشرك ))
فهذا شرك جلي أصغر
وأما الشرك الخفي في الشرك الأصغر :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فهو ” الرياء ” كما ذكر هنا
وأما الشرك الجلي في الشرك الكبر :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن يركع أحد لمخلوق
هذا شرك جلي ظاهر
أو أن يعبد صنم
أما الشرك الخفي في الشرك الأكبر :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن يبغض ما جاء به الشرع :
قال تعالى : {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ }
فقولنا : ” إن الشرك الخفي هو الشرك الأصغر عند الإطلاق “
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والشرك الخفي :
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قال عليه الصلاة والسلام كما في مسند الإمام أحمد : (( الشرك أخفى من دبيب النمل على الصفا ))
فكيف النجاة من هذا الشرك ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إذا كان وصفه عليه الصلاة والسلام للشرك الخفي من أنه أخفى من دبيب النمل على الصفا :
” الصفا ” هو الحر الأصم الذي لا يعلق به غبار
فإذا مشى عليه النمل : هل يظهر لمشيه أثر ؟!
لا يظهر
إذا كان النمل على الصخور الصماء لم يظهر أثر لمشيه فما ظنكم بالصفا ؟ !
فهذا يدل على خطورة الشرك ولذا حسن قوله : (( أخوف ما أخاف عليكم ))
بصيغة أفعل التفضيل .
وقد جاء عند الحكيم الترمذي : ( وهو غير الترمذي صاحب السنن ) :
قال النبي عليه الصلاة والسلام : (( ألا أدلكم على ما يذهب صغاره وكباره ؟
تقول : اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم ، وأستغفرك لما لا أعلم ))
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
و ” الرياء ” :
ــــــــــــــــــــــــــ
يتعلق بحاسة البصر من الرؤيا
ولم يعنِ أن ما يتعلق بحاسة السمع لا يدخل فيه بل إن ما يكون من العبادات يطلع عليها بحاسة السمع تكون من الرياء :
وهو ما يسمى بــ ” السمعة ”
ولذا بعض العلماء لا يفرق بينهما :
يقول : ” الرياء هو السمعة ، والسمعة هي الرياء “
ولكن الصحيح أن هناك تفريقا بينهما من حيث المعنى
أما من حيث الحكم فهما سواء :
قال النبي عليه الصلاة والسلام – كما في الصحيحين :
(( من يرائي يرائي الله به ، ومن يُسمع يسمع الله به ))
فتزيين العمل المدرك بحاسة البصر يكون ” رياء ”
وتزيين العمل المدرك بحاسة السمع كالتسبيح مثلا يكون ” سمعة ”
وقال ” ابن عبد السلام ” :
” الرياء ” ــــــــــــ هو إظهار العمل لطلب ثناء الناس
وأما السمعة : ـــــــــــ أن يعمل لله في سره ثم يخبر به الناس بعد ذلك مراءة وحبا للثناء .