الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (60) حديث(من مات وهو يدعو من دون الله ندا دخل النار)

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (60) حديث(من مات وهو يدعو من دون الله ندا دخل النار)

مشاهدات: 459

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ــ الدرس(60)

حديث(من مات وهو يدعو من دون الله ندا دخل النار)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ـــــــــــــــــــــ قال المصنف :

وعن ابن مسعود رضي اله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( من مات وهو يدعو من دون الله ندا دخل النار ))

رواه البخاري

الشرح :

ــــــــــــــــــــ

ابن مسعود رضي الله عنه سبق بيان شيء من سيرته في أحد الأحاديث السابقة :

ــــ وهو ” عبد الله بن مسعود الهذلي “

ــــ كنيته : ” أبو عبد الرحمن “

ــــ من قرَّاء الصحابة

ــــ تلقَّى من فم النبي عليه الصلاة والسلام سبعين سورة

ــــ قال عليه الصلاة والسلام : (( من أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأ على قراءة ابن أم عبد ))

ـــ وكان من أعلم الصحابة بكتاب  الله ، حتى إنه ليحلف فيقول : ” والله لو أعلم أحد أعلم مني بكتب الله تبلغه المطايا لأتيته “

ــــ توفي سنة اثنتين وثلاثين للهجرة (( 32 هـ ))

ومناقبه كثيرة

عن ابن مسعود رضي الله عنه :

قال : (( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من مات وهو يدعو من دون الله ندا دخل النار ))

قال ابن مسعود ، وأقول : ” من مات وهو لا يدعو من دون الله ندا دخل الجنة “

فكأن ابن مسعود رضي الله عنه قال بمفهوم هذا الحديث :

فالجملة الأولى من النبي عليه الصلاة والسلام .

أما الجملة الثانية فقال : ” هي من عندي “

وهو لم يأت بها تخرصا ، وإنما أتى بها عن طريق المفهوم .

والمفهوم معتد به عند الأصوليين :

فقال : ” من مات وهو لا يدعو من دون الله ندا دخل الجنة “

لو قال قائل :

ــــــــــــــــ

لِمَ لمْ يقل : ” من مات وهو لا يدعو من دون الله ندا لم يدخل النار ”  حتى يتوافق هذا المفهوم في لفظه مع ظاهر الحديث ؟

فالجواب عن هذا :

ـــــــــــــــــــــــــــــ

أنه قطع بناء على النصوص الواردة في دخول الموحد الجنة  دخولا قطعيا 0

فقطع له بدخول الجنة بناء على ما جاء من نصوص تقطع بدخول الموحد الجنة دخولا قطعيا لا مرية فيه 0

ثم هو رضي الله عنه لم يبلغه حديث ” جابر ” الآتي معنا :

ولمسلم عن جابر : (( من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة ومن لقيه يشرك به شيئا دخل النار ))

فهذا المفهوم الذي فهمه ابن مسعود رضي الله عنه من هذا الحديث صرح به جابر في الحديث ا؟لآخر

فكأنه رضي الله عنه لم يبلغه ما بلغ جابر من تصريح النبي صلى الله عليه وسلم بهذا المفهوم .

فقوله عليه الصلاة والسلام : و(( من مات )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

” من اسم شرط

وأسماء الشرط كما هو مقرر عند الأصوليين تفيد العموم

فتشمل حتى العابد الذي عبد الله عز وجل حياته كله ثم قبل وفاته دعا من دون الله ندا

فهي شاملة للذكر والأنثى للمتقدم في السن أو المتأخر فيه

للعابد أو لغيره

ويستفاد أيضا :

ــــــــــــــــــــــــــ

أن الأعمال بالخواتيم

فقد علق عليه الصلاة والسلام هذا الحكم بالموت :

فقد يكون الإنسان حياته كلها مشركا ثم يمن الله عز وجل عليه بالإسلام فيكون مآله إلى الجنة

وقد يكون العكس :

بأن يكون الإنسان عابدا لله ثم يختم له بسوء

ولذا قال عليه الصلاة والسلام كما عند البخاري : (( إنما الأعمال بالخواتيم ))

قال عليه الصلاة والسلام – كما في الصحيحين :

قال : (( إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينه إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها ))

قال بعض العلماء : ” إن مثل هذا السوء في ختام حياة الإنسان لا يكون ن شخص أصلح سريرته لأن الله عز وجل كريم محسن لا يضيع أجر من أحسن عمله ، وإنما يحصل هذا لمن خبثت سريرته وتدنست طويته “

ولذا قال ابن القيم : يبشر العابد : إن هناك رواية : (( إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس ))

فهذه الجملة : ” فيما يبدو للناس ” تبين المقصود .

ولذا جاء عند ابن ماجة :

من حديث ثوبان : أن النبي عليه الصلاة والسلام قال :

(( يأتي أناس من أمتي بحسنات كجبال تهامة يجعلها الله هباء منثورا ، فاقلوا :يا رسول الله جلهم لنا صفهم لنا أن لا نكون منهم ؟

فقال : (( إنهم يصلون كما تصلون ، ويصومون كما تصومون ، ويأخذون من الليل كما تأخذون ، ولكنهم قوم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها ))

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من الفوائد :

ـــــــــــــــــ

أن الحكم هنا كما هو معلق بالموت

كذلك حبوط العمل ومعلق بالموت :

فلو أن شخصا ارتد وكان قد عمل أعمالا صالحة فارتد ثم عاد إلى الإسلام قبل أن يتوفاه الله فإن أعماله السابقة لا تحبط .

وهذا هو القول الصحيح من قول العلماء .

أما قوله تعالى : ((  لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ))

فهو مطلق مقيد قوله تعالى : ((وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ))

فعلق حبوط العمل على الموت

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقوله عليه الصلاة والسلام : (( وهو يدعو من دون الله ندا )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقوله : (( وهو يدعو )) :

ـــــــــــــــــــــــــ

جملة حالية

أي ــــــ أنه مات حالة كونه يدعو من دون الله ندا

وقوله : (( وهو يدعو )) يشمل الدعاءين :

دعاء المسألة

ودعاء العبادة

فإذا دعا أحد دعاء مسألة لا يقدر عليه إلا الله فمات دخل النار .

ومن دعا غير الله دعاء عبادة فمات دخل النار

وهذان النوعان سبق الحديث عنهما :

فدعاء العبادة  :

كالصلاة والزكاة الحج والصوم

فأنت تقوم بهذه العبادات ، ولسان حالك يقول : ” ربي اغفر لي رب ارحمني ، ربي أدخلني الجنة “

فأنت لم تصل ولم تصم ولم تزك ولم تحج إلا لحصول رحمة الله

وأما دعاء المسألة  :

كأن يقول : ” يا ربي ارحمني اللهم ارزقني “

 فإذا صرف هذان الدعاءان لغير الله فمات هذا الصارف دخل النار .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقوله عليه الصلاة والسلام : (( وهو يدعو من دون الله ندا )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

” الند “ ــــــــ هو الشبيه والنظير ولذا يقال ” فلان ند فلان “

يعني : شبيه له ونظير له ومثيل له

وكما أن الند يكون في الشرك الأكبر يكون أيضا في الشرك الأصغر يدل لهذا :

أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ”  ما شاء الله وشئت “

فقال : (( أجعلتني لله ندا بل ما شاء الله وحده ))

وقول ما شاء الله وشئت من الشرك الأصغر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقوله عليه الصلاة والسلام : (( دخل النار )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

دخل : فعل مثبت يعني في حالة الإثبات ليس في حالة النفي

وفرق عند علماء الأصول بين الفعل في سياق النفي وبين الفعل في سياق الإثبات .

فقوله هنا ” دخل النار” فعل في سياق الإثبات فيدل على مطلق الدخول

لكن لا يفهم منه التأبيد في النار

وهذا الإطلاق مقيد بنصوص أخرى :

قال تعالى : ((إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ ))

وقال عليه الصلاة والسلام :((فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله ))

يفهم من ذلك أن هذا التحريم على النار لا يكون للمشرك

وقال تعالى : ((إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ قَدْ ضَلُّواْ ضَلاَلاً بَعِيداً{167} إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً{168} إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ))

فقيده بالتأبيد

وقال تعالى : ((وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ )) لأن العصيان قد يكون عصيانا أكبر مخرجا عن الملة

((وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً  ))