الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (63)
قوله (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باب : الدعاء إلى شهادة ” أن لا إله إلا الله “
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سبق معنا تعريف الباب لغة واصطلاحا
وذلك في الأبواب السابقة :
وأما الدعاء منه هنا الدعوة إلى بيان التوحيد
والمصنف رحمه الله لوضعه لهذا الباب بعد البواب السابقة يدل على حسن تصنيفه وروعة ترتيبه وقد أوضحنا ذلك مرارا :
ـــ فهو رحمه الله لما ذكر ما يجب على العباد وهو إفراد الله بالعبادة ، وبيّن فضائل التوحيد
ـــ وبيَّن فضائل من حقق التوحيد
ـــ ثم حذر الموحد من أن يقع في الشرك
ـــ فإذا التزم العبد بهذه الأشياء ذاق طعم الإيمان وذاق حلاوة التوحيد
فمن الواجب عليه أن لا يقف عند هذا الحد بل كما ذاق هذه الحلاوة يذيقها غيره بالدعوة إلى التوحيد ، وبيان فضائله حتى يصدق عليه ما ذكره عز وجل في سورة العصر :
قال تعالى : ((وَالْعَصْرِ{1} إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ{2} إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ{3} ))
ولما علم التوحيد وامتثل بهذا التوحيد وعمل به وجب عليه أن ينتقل إلى المرحلة الثالثة وهي : ” الدعوة إلى التوحيد “
ولذا قال المصنف رحمه الله في الأصول الثلاثة : ” اعلم رحمك الله أنه يجب عليك أن تتعلم أربع مسائل :
المسألة الأولى : ــــــــــ العلم
المسألة الثانية : ـــــ العمل
المسألة الثالثة : ـــــ الدعوة إلى الله
المسألة الرابعة : ـــــ الصبر على تحمل الأذى في الدعوة إلى الله عز وجل
فإذا امتثل العبد ما سبق مما ذُكر في الأبواب السابقة يكون بذلك علم وعمل ، بقي عليه أن ينتقل إلى المسألة الثالثة وهي : ” الدعوة إلى التوحيد “
وليعلم :
ـــــــــــــ
أن هذا التوحيد ، وأن الدعوة إليه لابد أن يجد في طريق بيانه أذى ، فعليه أن يصبر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال المصنف رحمه الله :
وقول الله تعالى :
{قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }
الشرح :
ــــــــــــــــــــــــــ
هذه هي الآية الأولى التي ذكرها المصنف في باب : ” الدعاء إلى شهادة ان لا إله إلا الله “
وهناك آيات أخرى تأمر بالدعوة إلى الله عز وجل .
ومن بينها قوله تعالى :{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ }
لو تأملت هذه الآية لوجدت أن فيها العمل ، وان فيها العلم ، وأن فيها الدعوة إلى الله
وقال بعض المفسرين : ” عن هذه الآية : ((وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ ))
أنها نزلت في المؤذنين .
ولاشك أن هذا القول معتبر لكن لا تُحصر الآية فيه ، فهي شاملة والمؤذنون يدخلون تبعا لهذا الشمول
أما ان تحصر هذه الآية في المؤذنين فليس هذا بمراد
ومن الآيات:
قوله تعالى:((ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ))
قال ابن القيم :
” الدعوة إلى الله كما ذكر في هذه الآية
” بالحكمة ” وهذه طريقة
طريقة أخرى في الدعوة إلى الله ” الموعظة الحسنة
طريقة أخرى في الدعوة إلى الله عز وجل : ” المجادلة بالتي هي أحسن “
فتكون الدعوة بالحكمة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمن كان جاهلا ورغب فيما لو علم ان يعمل
فهذا تكون دعوته بالحكمة
وأما الدعوة إلى الله بالموعظة الحسنة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فهي لشخص يعمل عملا لفم يأت به الشرع يظن ان هذا هو الشرع
فإذا علم بالشرع عمل به
فمثل هذا لحبه ولمعرفته وعمل ما أتى به الشرع تكون الدعوة إليه بالموعظة الحسنة
أما الدعوة إلى الله بالمجادلة بالتي هي احسن :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فهي لمن عرف الحق وتنحَّى عنه
فهذا تكون دعوته بالمجادلة بالحسنى
قال عز وجل : ((وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ))
وذلك لأن أهل الكتاب أهل علم ، فهم يعرفون الحق لكن لا يعملون به
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فقوله تعالى : (( قل هذه سبيلي )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الخطاب من الله عز وجل للنبي عليه الصلاة والسلام
(( هذه )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
اسم الإشارة يرجع إلى طريقته ، وإلى ما هو عليه من هذا الدين
ـــــــــــــــــــــــ
وقوله : (( سبيلي )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يعني طريقتي ومنهجي
ما طريقته ، وما منهجه ؟
ادعُ إلى الله
فيستفاد ن هذا أن أصول طريقته ، ومِن أسس منهجه عليه الصلاة والسلام : ” الدعوة إلى الله عز وجل “
ولا يظن ظان ممن سار على طريقته عليه الصلاة والسلام أن يكون بمنأى عن الدعوة إلى الله
فمن سار على هذا الطريق النير ، وذاق ما ذاق من الخير عليه أن يبلغ هذا الخير
كلٌ على حسب اجتهاده
وكل على حسب علمه
قال النبي عليه الصلاة والسلام – كما في صحيح البخاري – : (( بلغوا عني ولو آية ))
فما يجب على العالم الراسخ في العلم لا يجب على من هو دونه .
وهلم جرّا في درجات الناس
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله تعالى : (( أدعو إلى الله )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فيه وجوب الإخلاص لله عز وجل .
فيجب أن تكون الدعوة إلى الله لا إلى غيره ، فمن دعا إلى غير الله فقد ضل وأخطأ .
والدعوة إلى غير الله يمكن ان تكون بدعوة الناس إلى نفس الداعي .
وذلك أن تكون دعوة الداعي إلى نفسه بحيث يعظمها ، بحيث يرفعها بحيث ينال بهذه الدعوة الثناء من الناس :
التبجيل
التكريم
تصدير المجالس
الإشارة إليه بالبنان
وما شابه ذلك من أغراض الدنيا
ولذا قال عليه الصلاة والسلام : (( من تعلم علما مما يُبتغى به وجه اله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يَرح عَرف الجنة ))
يعني : رائحتها
وقد قال ابن القيم : ” فرق بين الدعوة إلى الله ، والدعوة إلى النفس “
يقول : ” الفرق بين هذين الأمرين يتبن بما يأتي :
وذلك أن يكون الداعي مريدا تعظيم أمر الله لا تعظيم نفسه
ولذا : من أحب ان يكون مهابا عند الناس مقدرا عند الناس مسموعا القول من أجل ان يُقبل الحق فغن هذا لا يُذم “
بل إنه يثاب ويُمدح على هذا الغرض ـــــــــــ لم ؟
لأن هذا الغرض وسيلة إلى تعظيم أمر الله
ولذا عباد الرحمن ـــــــــــــ ماذا قالوا ؟
من بين دعائهم : ((رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ))
فهم دعوا الله أن تقرّ أعينهم بصلوح أزواجهم وأولادهم ، وان تقرّ أعينهم بان يكونوا ” أئمة للمتقين “
والإمامة هنا : إمامة للمتقين
كما أن هؤلاء ظفروا بالخير عن طريق الاقتداء بغيرهم ، كذلك يرغبون ان يقتدوا بهم في الخير
والإمامة لن تنال كما قال شيخ الإسلام حمره الله إلا ” بالصبر واليقين “
قال تعالى : {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ }
فمن أحب أن تكون له هذه المناقب من أجل أن يقبل قوله
من أجل ان يقبل الحق
من أجل أن يطاع الله
من أجل ان يُجتنب ما نهى الله عنه
فهذا لا يُذم : لأنه أراد بهذه الأغراض تعظيم أمر الله
أما من أراد ان يكون معظما بين الناس من اجل نفسه فهذا هو المحتقَر ، وهو الذي ينال الحقارة في الآخرة
لأنهم يريدون بذلك ان يتكبروا على الناس .
وقد قال عليه الصلاة والسلام : (( يُحشر المتكبرون يوم القيامة في صورة الذر يطؤهم الناس ))
من باب إذلالهم
لكن من أراد تلك الأغراض لأجل تعظيم أمر الله فإنه نال ، وطلب مرتبة عليا في الدنيا ، فينال المرتبة العليا في الآخرة .
ما هي المرتبة العليا في الآخرة ؟
ما ذكره عز وجل :((أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا ))
وهي أعلى المراتب ، وأعلى المقامات يوم القيامة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فقوله : (( أدعو إلى الله )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يكون التقسيم هكذا :
ـــ إما أن يكون الداعي داعيا إلى الله
فهذا محمود
ــــ وإما أن يكون داعيا لغير الله
فهذا مذموم
ــــ وإما اغن يكون داعيا إلى نفسه
فهذا أيضا مذموم
فإذا قلت الحق فلم يقبل
إذا أرشدت إلى الخير فلم يُفعل
فليكن غضبك من أجل أن الحق لم يُقبل لا من أجل ان قولك لم يقبل
وإنما من أجل أن الحق لم يُقبل ، وأن الخير لم يُفعل
فهذه هي علامة وأمارة تعظيم أمر الله ، وتعظيم النفس
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله تعالى : (( على بصيرة )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على بصيرة ــــــــــ يعني على علم وبيان
والمراد من هذه البصيرة العلم بالحكم الشرعي
هذا هو المعنى الأول مما يدخل تحت كلمة البصيرة
الأمر الثاني :
ــــــــــــــــــــــــ
” العلم بحال المدعو “
الأمر الثالث :
ــــــــــــــــــــــــ
” العلم بالوسيلة المناسبة للمدعو “
فأما الأمر الأول :
ــــــــــــــــــــــــــ
فهو العلم بالحكم الشرعي
من الضرورة بمكان لأنه إذا لم يكن عالما بالحكم الشرعي فقد يأمر بما نهى الله عنه أو قد ينهى عما أمر الله به :
ولذا :
ـــــــــــــ
قد ينكر البعض على البعض سُنَّة يقوم بها ،ـ فيظن هذا الداعي أن هذه لم ترد
فيقول :
ـــــــــــــ
لم ترد عن النبي عليه الصلاة والسلام أو ما فعلته غير صحيح فيكون بذلك منكرا لسنة ثبتت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام فلابد من معرفة الحكم الشرعي حتى لا يكون الخطأ أعظم .
الأمر الثاني :
ــــــــــــــــــــــ
العلم بحال ا لمدعو :
فلابد ان تعرف حال هذا المدعو :
هل هو جاهل ؟
هل هو عالم متواضع ؟
هل هو عالم ومتكبر يعرف الحق ولا يرتضيه ؟
ولذا :
ــــــــــــ
قال النبي عليه الصلاة والسلام لمعاذ بن جبل – كما سيأتي لما أرسله قال : (( إنك تأتي قوما من أهل كتاب ))
فأراد عليه الصلاة والسلام أن يهيئه في دعوته
وأن هؤلاء ليسوا جهالة ، وإنما عندهم علم ودراية
فلابد ان تكون حريصا على تعلم العلم ، وعلى أخذ الحذر والحيطة
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
الأمر الثالث:
ــــــــــــــــــــــــ
العلم بالوسيلة المناسبة للمدعو :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فالبعض يفيد معه الكلام الحسن
والبعض يفيد معه الزجر
ولذا رتبها جل وعلا كما قال ابن القيم
((ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ )) هذه تناسب صنفا
((وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ )) وهذه تناسب صنفا آخر
((وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ )) تناسب صنفا آخر
فلكل شخص ما يناسبه
ولذا قال شيخ الإسلام : (( ليكن أمرك بالمعروف معروفا ، وليكن نهيك عن المنكر منكرا ))
وذلك لأن البعض قد ينكر المنكر ويترتب عليه منكر نمكر أكبر
فهو يريد أن يصلح لكن بدعوته يفسد أكثر مما يصلح
وهذه قاعدة شرعية يجب أن يتنبه إليها
ـــ النبي عليه الصلاة والسلام لما أتى إلى مكة ورأى الكعبة ، وقد غيرت قريش ما غيرت
هذا منهم خطأ ومنكر
ولم يفعل عليه الصلاة والسلام شيئا وإنما قال لعائشة رضي الله عنها : (( لولا أن قومك حديثو عهد بكفر لنقضت الكعبة وجعلت لها بابين ))
فالنبي صلى الله عليه وسلم ترك إنكار المنكر هنا من أجل أن لا يترتب منكر أكبر لربما ارتد هؤلاء وعادوا إلى الكفر
لذلك قال رحمه الله : (( ليكن أمرك بالمعروف معروفا ، وليكن نهيك عن المنكر منكرا ))
مثال آخر :
في مخاطبتك للمدعو يجب ان تميز بين الناس
فالخطاب الذي يتناسب مع الرجل العادي لا يتناسب مع الأمير
لا يتناسب مع الوزير
فلكل مكانته ومقامه
لذا النبي عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم :
لما دخل مكة فاتحا لها قال له : ” العباس بن عبد المطلب ” : يا رسول الله إن أبا سفيان له شأن في قومه فلو جعلت له شيئا ؟
فقال عليه الصلاة والسلام : (( من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ))
هذه منقبة لأبي سفيان ، حتى يُعرف وزنه وقيمته وأنه بدخوله في الدين لا يفتقد هذه المنزلة بل يزيده الإسلام رفعة وعزا
وقد جاء حديث عند أبي داود : يحسنه البعض والكثير يضعفه :
قوله عليه الصلاة والسلام : (( أنزلوا الناس منازلهم ))
بل حتى مع الناس العاديين يختلف خطابك مع الطفل عن الرجل الكبير
فلكل ما يناسبه
هكذا يجب أن يكون عليه الداعية إلى الله حتى يكون ما يصلح أكثر مما يفسد
ولذا قال شيخ الإسلام : ” ليكن الداعية آمرا علم ناهيا بعلم ، وليكن رفيقا في أمره رفيقا في نهيه “
لماذا هذه العبارات ؟
الأمر إذا لم يكن على علم ، والنهي إذا لم يكن على علم حصلت المفسدة
ولماذا يكون الرفق في الأمر والرفق في النهي ؟
لأن الداعية إلى الله لابد أن يتخذ الوسيلة المناسبة في الرفق في دعوته إلى الله عز وجل
ثم قال في الجملة الثالثة :
” ليكن حليما فيما يأمر ،حليما فيما ينهي “
إذاً عبارته :
ــــ أن يكون عالما فيما يأمر ، عالما فيما ينهي
ــــ رفيقا فيما يأمر ، رفيقا فيما ينهي
ـــ حليما فيما يأمر ، رفيقا فيما ينهي
لم ؟
لأنه لابد في الأمر والنهي من العلم
ثم لابد من الرفق في الأمر والنهي
حال الدعوة إلى الله لتكوكن الدعوة ناجعة
ثم بعد هذا العلم بالأمر و النهي ، والرفق في الأمر والنهي لا يظن ان الطريق ممهدا له .
ولذا قال : ” ليكن حليما فيما يأمر ، حليما فيما ينهى ” فقد يتعرض للأذى “
ولذا قال عز وجل : ((وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ))
فليصبر على الأذى
وقد قال ابن القيم : ” من حقق ما جاء في هذه السورة، وهي سورة العصر أصبح من العلماء الربانيين ” الذين ربوا نفوسهم على طاعة الله ، وربوا غيرهم ، وهي :
ـــ الإيمان
ـــ العمل الصالح
ـــ التواصي بالحق
ـــ التواصي بالصبر
ملخصها :
ــــ العلم
ـــ العمل
ــ الدعوة إلى الله
ـــ الصبر على تحمل الأذى في الدعوة إلى الله
ولذا قال الشافعي: ” لو مل تنزل إلا هذه السورة على الناس لكفتهم “
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله تعالى : (( على بصيرة )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على ــــــــــ هنا عند النحويين واللغويين تفيد الاستعلاء ، بمعنى العلو والرفعة
فإذا كان الإنسان على بصيرة ، وعلى علم ارتفع درجات عند الله و عند الخلق
شريطة أن يحقق ما سبق / وهو :” الإخلاص في دعوته إلى الله عز وجل “
فأتى بحرف ” على الذي يفيد الاستعلاء
لبيان ان منزلة العلماء منزلة عليا
قال عز وجل : ((يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ))
وقال عز وجل : (( وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا ))
وقوله عليه الصلاة والسلام – كما في صحيح مسلم – (( إن اله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين ))
ومن شروط الدعوة إلى الله :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــ أن يكون العبد فيها مخلصا لله
وهذا يستفاد من قوله : (( أدعو إلى الله ))
الشرط الثاني :
ـــــــــــــــــــــــ
ـــ أن تكون هذه الدعوة على وفق ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهذا مستفاد من قوله : (( قل هذه سبيلي ))
فإذا كان الداعية قد أخل بالشرط الأول فيكون مشركا
وإن أخل بالشرط الثاني يكون مبتدعا :
لقوله عليه الصلاة والسلام – كما في الصحيحين – : (( إنما الأعمال بالنيات ))
وقال عليه الصلاة والسلام فيما يتعلق بالشرط الثاني : (( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد )) كما جاء عند مسلم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله عز وجل : (( أنا ومن اتبعني )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــ للعلماء فيها قولان :
القول الأول :
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(( أنا ومن اتبعني )) ندعو إلى الله
فيكون أتباعه دعاة إلى الله عز وجل ،
وهذا هو الواجب على كل مسلم اقتدى بالنبي صلى الله عليه وسلم ان يدعو إلى الله
القول الثاني :
ـــــــــــــــــــ
(( أنا ومن اتبعني )) على بصيرة
وكلا المعنيين صحيحين ، ولا يناقض أحدهما الآخر : فإن أتباعه هم الدعاة إلى الله ، ودعوتهم إلى الله على بصيرة وعلم ودراية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله : (( أنا )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا ضمير فصل يفيد التوكيد ، فهو توكيد لما عليه عليه الصلاة والسلام من هذا المنهج
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله تعالى : (( أنا ومن اتبعني )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فيه منقبة للصحابة الكرام رضي الله عنهم
فإن الصحابة على علم وبصيرة ، فهم علماء لأنهم أتباع محمد صلى اله عليه وسلم
ـــ وفيه رد على الروافض الذين يسبون صحابة النبي عليه الصلاة والسلام ، ووفي سبهم لهم قدح لهم
وإذا قدحوا في صحابة النبي عليه الصلاة والسلام قدحوا في الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام ، وإذا قدحوا في الرسول عليه الصلاة والسلام فقد قدحوا في الله عز وجل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله : (( وسبحان الله )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التسبيح والتنزيه : وهو تنزيه الله عما لا يليق به ، وفي هذا بيان ما كان عليه عليه الصلاة والسلام من تعظيمه لربه عز وجل ، وتنزيه له عما لا يليق به .
ويستفاد من هذا : ان من لم يسر على طريق النبي صلى الله عليه وسلم فهو سائر في غير طريق الله ومن كان يسير في غير طريق الله لابد ان يكون مآله إلى الخطأ والزلل في حق الله عز وجل .
ولذا قال : (( وسبحان الله وما أنا من المشركين ))
سبحان الله ــــــــــ يعني أنزه الله عز وجل من ان يكون له شريك في ألوهيته أو ربوبيته أو في أسمائه وصفاته
وقوله : (( سبحان الله )) :
ـــــــــــــــــــــ
فيها من الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــ
ـــ أن الشرك بالله قبيح وعلامة قبحه انه جل وعلا يُنزه عنه ، فمما يدل على قبح الشرك ان النبي صلى الله عليه وسلم نزه ربه عز وجل عنه
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــــ
ــــ فضيلة التسبيح :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأن التسبيح يؤجر عليه العبد ، فهو من أجل الأذكار
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله : (( وما أنا من المشركين )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فيه من الفوائد :
ـــ التصريح بمخالفة المشركين
ولذا قال عز وجل : {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ }
يفهم من هذا :
ــــــــــــــــــــــ
أن النبي عليه الصلاة والسلام صرح انه على الملة الحنيفية ، وأنه من لم يسر على طريقته أنه بعيد عنها
ومن الفوائد :
ـــــــــــــــــ
ـــــ وجوب مجانبة الشرك وأهله
ولذا قال : (( وما أنا من المشركين ))
بمعنى : ــــــ أني لا أجتمع بهم ، ولا أوافقهم ، ولا أسير على طريقتهم
ففيه وجوب الهجرة من ديار الكفر إلى ديار الإسلام
في دلالة هذه الآية إذ قال : (( وما أنا من المشركين ))
والنبي عليه الصلاة والسلام كما عند أبي داود قال : (( أنا بريء ممن يقيم بين ظهراني المشركين ))
ســـ 1 / هل يجوز السفر إلى ديار الكفر ؟
جـــ 1 / هذا واضح إذا كان المسلم لا يجوز له أن يبقى في ديار الكفر
فكذلك لا يجوز له ان يسافر إلى بلادهم
فالسفر إلى ديار الكفر لا يجوز إلا بثلاثة شروط :
1ـ الشرط الأول :
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أن يكون لدى هذا المسافر علم يتقي به الشبهات
الشرط الثاني :
ـــــــــــــــــــــ
أن يكون لديه دين يمنعه من الوقوع في الشهوات
الشرط الثالث:
ـــــــــــــــــــــــ
أن يكون له حاجة في تلك البلاد لا يمكن ان تقضى في بلاد المسلمين
فإذا اختل شرط من هذه الشروط فغنه لا يجوز له ان يسافر إلى ديار الكفر