الشرح الموسع لكتاب التوحيد ــ الدرس ( 64 )
حديث ( بعث معاذا إلى اليمن) الجزء الأول
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال المصنف رحمنا الله وإياه :
عن ابن عباس رضي الله عنهما :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا إلى اليمن قال له : (( إنك تأتي قوما من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله ))
وفي رواية : (( إلى أن يوحدوا الله ))
(( فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة ، فإنهم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم ، فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم ، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب ))
أخرجاه
فعن ابن عباس رضي الله عنهما : (( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا إلى اليمن )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لما ـــــــــــ أداة شرط ـــــــ وهي أداة وجود لوجود بخلاف ” لو ” فإنها حرف امتناع لامتناع
وبخلاف لولا فإنها حرف امتناع لوجود .
ومعنى هذا الكلام : أن لما حرف وجود لوجود بمعنى : أن القول منه عليه الصلاة والسلام وجد لما بعث معاذا إلى اليمن :
قول ابن عباس رضي الله عنهما : لما بعث معاذا إلى اليمن قال :
فوجد القول : بوجود إبعاثه وإرساله
أما ” لو ” ــــــــــــ فإنها أداة امتناع لامتناع :
كما لو قلت : ” لو زرتني لأكرمتك “
فامتنع الإكرام لامتناع الزيارة
وأما ” لولا ” ـــــــــ فهي أداة امتناع لوجود :
كقولك : ــــــــــــــ ” لولا رحمة الله لهلكنا “
فامتنع الهلاك لوجود رحمة الله
قال : (( لما بعث معاذا إلى اليمن )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال بعض أهل السير : ” أنه عليه الصلاة والسلام بعثه في السنة العاشرة من الهجرة في ربيع الأول
وقال بعضهم : إنه بعثه في السنة التاسعة من الهجرة في شهر ربيع الثاني
وعلى كل حال فإن هذا الإرسال منه عليه الصلاة والسلام لمعاذ كان في آخر حياته عليه الصلاة والسلام
ولما أرسله لم يقدم المدينة إلا في خلافة ” أبي بكر رضي الله عنه .
فكان معاذا موجودا في اليمن حينما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقد كان عليه الصلاة والسلام قد بعث أبا موسى الأشعري قبل أن يبعث معاذا ، وقد قال لهما – كما في صحيح البخاري – : (( بشروا ولا تنفروا ، ويرسوا ولا تعسروا ))
فبعث أول من بعث: بعث أبا موسى ثم بعث بعده معاذا
فقوله : (( لما بعث معاذا إلى اليمن )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وبعثه عليه الصلاة والسلام لمعاذ كان للتعليم ، وكان للقضاء ، والحكم بين الناس ، وهذان من مناقبه رضي الله عنهن : إذ بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم معلما وقاضيا وحاكما وداعيا
وقد جاء في صحيح البخاري :
أن معاذ قد وفد على أبي موسى ، لأن معاذا قد بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم على صنعاء وما حلها
بعث أبا موسى على اليمن وما حولها .
فقد جاء عند البخاري :
أن معاذا قد زار أبا موسى على بغلة له ، فلما أتى إليه إذا برجل موثق بالحديد ، فقال معاذ لأبي موسى : ما شأن هذا الرجل ؟
فقال أبو موسى : إنه ارتد
فقال : لا أنزل حتى يُنفذ فيه حكم الله
فقال أبو موسى : ما قيد إلا لذلك
قال : ” والله لا أنزل حتى ينفذ فيه حكم الله ” : (( من بدَّل دينه فاقتلوه )) فلم ينزل حتى قُتل
فسأل معاذ أبا موسى : كيف تقرأ القرآن ؟
قال : أقرءوه حينا بعد حين
فقال معاذ : إني أقرؤوه بالليل وأحتسب نومتي وقومتي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فقوله : (( لما بعث معاذا إلى اليمن قال له : (( إنك تأتي قوما من أهل الكتاب )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في هذا دلالة على أن أهل الكتاب كانوا هم الغالبية العظمى في اليمن ، وإلا ففيها : مجوس ، وفيها مشركون عبد أصنام
لكن الغالبية من سكان اليمن آنذاك الغالبية هم ” اليهود والنصارى ”
ـــــ والنصارى ـــــ إنما جاءت هذه الديانة عن طريق الحبشة .
وكان منهم ” أبرهة ” الذي عزم على هدم الكعبة فأنزل الله به عذابه .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فقوله عليه الصلاة والسلام : (( إنك تأتي قوما أهل كتاب )):
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي هذا توجيه لمعاذ أن يتخذ لوسيلة المناسبة لدعوة هؤلاء ــــــــــــــــ لم ؟
لأنهم أهل كتاب فلديهم علم ، وسيقابل قوما ليسوا بعاديين ، وإنما هم أهل علم ودراية ، لكنهم تركوا الحق استكبارا وعنادا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله عليه الصلاة والسلام : (( فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يصح أن يقال : ” فليكن أولَ ” بنصب أول ـــــــــــــــ على أنه خبر لكان ، وترفع كلمة الشهادة على أنها اسم كان مؤخرا .
ويجوز العكس .
ويصح أن ينطق الناطق فيقول : ” فليكن أولُ ما تدعوهم إليه شهادةَ “
فتكون : ” أول ” اسم أن .
و ” شهادة ” خبر كان فيجوز الوجهان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله عليه الصلاة والسلام : ((: (( فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ فيه بيان التوحيد :
وهذا يدل على أن أعظم ما أمر الله به هو التوحيد
2 ــ الفائدة الثانية :
أن على الداعية أن يبدأ بالأهم ، فالذي يليه .
فإذا دعوت إنسانا قد ترك الصلاة وهو يشرب الدخان فلا تبدأ معه بإنكار شرب الدخان ، وإنما تبدأ معه بالأهم ، وهو الأمر بإقامة الصلاة
وعلى هذا فقس
الفائدة الثالثة :
بيان كشف النبي صلى الله عليه وسلم الجهل عن معاذ رضي الله عنه .
إذ نصحه بان تكون بداية الدعوة ” الدعوة إلى التوحيد ” ففي هذا تعليم منه عليه الصلاة والسلام
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله عليه الصلاة والسلام : (( شهادة اغن لا إله إلا الله )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي رواية (( إلى أن يوحدوا الله )) :
من هذه الرواية نستفيد فائدة :
وهي أن التوحيد شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن العبادة هي التوحيد ، وأنها ” شهادة أن لا إله إلا الله “
ولذا مر معنا أن ابن عباس قال في قوله تعالى : {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }
قال : ” إلا ليوحدون ”
فقال : ” إن كل عبادة في القرآن الكريم فغنما المراد منها هو : ” التوحيد “
فدل على أن الرسل ما أرسلت والكتب ما أنزلت إلا من أجل توحيد العبادة .
ولو قال قائل :
أين شهادة : ” محمد ” عليه الصلاة والسلام ؟
يجاب عن هذا :
بأن هناك رواية عند البخاري :
قال عليه الصلاة والسلام : ” فليكن أو لما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله “
فالروايات يفسر بعضها بعضا ، ويكمل بعضها بعضا
ولو قال قائل :
قد قال عليه الصلاة والسلام : (( لقنوا موتاكم ))
وعند النسائي : (( لقنوا هلكاكم ))
(( لقنوا موتاكم : ” لا إله إلا الله ))
ولم يذكر محمد رسول الله ؟
فالجواب عن هذا :
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
أن شهادة ” أن لا إله إلا الله ” يدخل فيها ضمنا ” شهادة ان محمدا رسول الله “
فأصبحت كل واحدة من هاتين الشهادتين علما على الأخرى ، ودليلا عليها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله (( شهادة أن لا إله إلا الله )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشهادة كما سلف :
يلزم منها القول ، فلا يمكن أن تكون هناك شهادة بقول
وهذه من مراتب الشهادة من حيث هي : أي شهادة لابد فيها من القول ، ولابد فيها من العلم ، ولابد فيها من الإلزام
فأنت تشهد على شخص لابد أن تكون هذه الشهادة منك على علم
ولابد حتى تثبتها لابد أن تقول .
وقولك هذا لا يكفي أن يكون سرا بل لابد أن تخبر به القاضي
ثم يلزم على هذه الشهادة أن يُلزم المشهود عليه بما شهده الشاهد من إثبات الحق
ـــ فالشهادة هنا “ وهي : (( شهادة أن لا إله إلا الله )) تتطلب القول
ولذا قال شيخ الإسلام رحمه الله : (( من نوى الشهادة ، ولم ينطق بها فليس مسلم بالإجماع ، لو أتى إنسان لم يقل الشهادة أراد أن يدخل في الدين ، وقال : إني نويت الشهادة ، ولم يتلفظ بها فليس بمسلم ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال : (( من قال : لا إله إلا الله ))
وقال لعمه أبي طالب – كما في الصحيحين : (( قل لا إله إلا الله أحاج لك بها عند الله ))
وجاء في رواية : (( فليكن أول ما تدعوهم إليه ان يعبدوا الله ))
فدل على أن ” العبادة – والشهادة – والتوحيد ” كلها متلازمة
وأن شهادة ” أن لا إله إلا الله ” هي التوحيد
ـــ وأن التوحيد هو الشهادة
وان الشهادة ــــــ هي العبادة
وان العبادة ــــ هي التوحيد
فلابد أن ينطق بها إلا أن يمنعه مانع كالأخرس ، وإلا فيجب عليه أن ينطق بها وإلا فليس بمسلم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله : (( فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة : ان لا إله إلا الله )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا يلزم إذا أراد أن يدخل في الدين أن يتلفظ بكلمة : ” أشهد ” فلو قال : (( لا إله إلا الله )) دخل في الدين
ويدل لذلك قوله : (( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : ” لا إله إلا الله ” ))
ولم يشترط عليه الصلاة والسلام كلمة ” أشهد “
وهذا على القول الراجح .
لأن البعض من العلماء يقول : ” يلزم أن يتلفظ بكلمة ” أشهد “
والرد عليهم بقوله عليه الصلاة والسلام : (( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله ))
ومن الفوائد تحت الشهادة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــ أن الإمام أحمد قال : ” يصح الإسلام على الشرط الفاسد “
ما صورة هذا ؟
لو جاء كافر وقال : ” أدخل في الدين ، وأشهد آن لا إله إلا الله ” لكن لا تلزمونني بصلاة أو لا تلزمونني بصلاة الفجر ، أصلي جميع الصلوات ما عدا صلاة الفجر
أو أصلي لكن لا تطالبونني بالزكاة ، ولا تلزمونني بصيام رمضان “
فيقول الإمام أحمد : ” يصح هذا الإسلام ، ويقال له : لك شرطك وغن كان شرطا فاسدا ، ثم إذا تلفظ بالشهادة يقال له : ” يجب أن تأتي بمقتضيات هذه الشهادة ، وإلا قتلت مرتدا “
والدليل على صحة إسلام الكافر مع الشرط الفاسد ما جاء في مسند الإمام احمد :
” أن حكيم بن حزام قال : (( بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا أخر إلا راكعا ))
بمعنى : ـــــــــــــ أنه إذا صلى لا يأتي بالركوع ، وإنما من قيامه يباشر السجود
هذا على أحد الأقوال في هذا الحديث
لأن بعض العلماء قال : ” إن معنى الحديث ــــــــــــــــ أي بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على الموت “
وقال بعضهم : ـــــــــــ بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على الإسلام ما دمت حيا ، فأكون ملازما لهذا الدين
فتكون عبارة ” على أن لا أخر إلا قائما “ نظيرها كقوله تعالى : ((وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِماً ))
يعني ملازما له .
ودليل ” آخر ” ما جاء في مسند الإمام أحمد ::
أن وفد ثقيف لما وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا : ” لن نتصدق ، ولن نجاهد “
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( سيصدقون ، وسيجاهدون ))
دليل آخر :
أن رجلا أسلم بشرط أن لا يصلي إلا صلاتين فقبل منه عليه الصلاة والسلام مع ا ن شرطه فاسد
دليل آخر :
ما جاء في المسند :
أن رجلا قال : يا رسول الله أسلم ولو كنت كارهها ؟
قال : (( أسلمْ، ولو كنت كارها ))
ولو قال قائل :
جاء عن ” أنس ” أنه قال : ” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يبايع أحدا على الإسلام حتى يأمره بالصلاة والزكاة ؟
فالجواب :
أن هذا الحديث ضعيف ولا يصح
فخلاصة القول :
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أن إسلام الكافر على الشرط الفاسد يصح ، فإذا أسلم فشرطه فاسد ، ويلزم بما جاء به الدين .
ويدل لذلك ما جاء عند البخاري :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن أبا بكر قال : ” والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة “
وذلك لما منع البعض زكاة أموالهم بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم