الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس(73)
قوله تعالى (وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقال المصنف :
ــــــــــــــــــــــــــــــ
وقول الله تعالى : ((وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ{26} إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ{27} وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ{28} ))
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح :
ــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــ ثنَّى المصنف بذكر هذه الآية التي تضمنت براءة إبراهيم من أبيه وقومه :
قال تعالى : ((وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ ))
إبراهيم سبق معنا في قول المصنف : (( وقال الخليل )) : ((وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ))
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
((وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ )) :
أبو إبراهيم : هو ” آزر ” وهذا هو القول الصحيح الذي لا يجوز العدول عنه خلافا لمن ذكر ان أباه غير ما ذكر في القرآن
وخلافا لمن قال وزعم أن هذا عمه أو لقب له
وهذا ليس بصحيح : فإن الله نص على ذلك في سورة الأنعام قال : {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ }
فأبو إبراهيم هو ” آزر “
ــــ وإبراهيم لم يتبرأ من أبيه أول ما دعا إلى الله بل إنه دعاه بلطف :
كما قال تعالى في سورة ” مريم ” فهو إمام الموحدين وموقفه هنا من دلائل قوة إيمانه وعقيدته إذ إنه ناهض قومه ، وكذلك ناهض أباه بالتصريح بشركهم وان ما هم عليه هو الضلال ، وان ما هو عليه هو الحق
قال عز وجل : ((وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ ))
يعني : اذكر يا محمد في الكتاب إبراهيم من باب الثناء عليه
((وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً{41} إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ ))
انظر إلى هذا اللين ، وهذا اللطف ، وما أحوجنا إلى أن ندعو إلى الله بهذا الأسلوب الرائع الفريد : ((يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً{42} ))
دلائل قطعية عقلية لا تسمع ولا تبصر
((أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلَا نَفْعاً ))
((يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً{42} يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً{43} يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً{44} يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً{45} قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً{46} قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً{47} وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيّاً{48}))
فالبراءة والاعتزال والبعد عنه وعن قومه لمَّا لم يستجيبوا له .
{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ }:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فقوله : : ((بَرَاء )) :
أي بريء ، مأخوذ من التبرؤ
فإبراهيم قد تبرأ من أبيه وقومه ، وهذا هو مقتضى الإيمان :
قال تعالى : ((لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ….. )) الآية
وقد أمرنا جل وعلا أن نتخذ إبراهيم قدوة في هذا الأمر قال تعالى :
((قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ))
وقال تعالى :
{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ }
وقال عز وجل :
((وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ))
ولذا ثبت عند البخاري :
(( أن إبراهيم يلقاه أبوه في عرصات القيامة فيستشفع به عند الله فيقول إبراهيم يا رب وأي بعد أن يُبعد أبي الأقرب ، فيقول الله : ” انظر إلى ما هو ورائك ، فإذا هو بذيخ ملطخ فيلقى في النار ))
فيحول الله أباه إلى ذيخ ملطخ ، بالنتانة حتى يتقذر منه إبراهيم .
فمقتضى الإيمان :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن يتبرأ المسلم من الكفار حتى ولو كان هؤلاء الكفار ٌرب الناس إليه
وأسوتنا في هذا إبراهيم
وقوله : ((إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ{26} إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ{27} ))
قال : ((بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
” ما ” موصولية ، الأصل : ” مِن ما “
” مِن ” حرف جر
” ما ” اسم موصول ، والاسم الموصول يعم ،/ وذلك لأن قومه منهم :مَِن يعبد الأصنام :
قال تعالى : {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ }
ومنهم مَن يعبد الكواكب :
قال تعالى : {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ } الآيات
فتبرأ إبراهيم من جميع ما يعبد من دون الله عز وجل ثم استثنى فقال : ((إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي ))
وهو الله عز وجل
وهذا قد يقال: ” أن الاستثناء فيه متصل ”
بمعنى : أن هذا الاستثناء قد عمل
فيكون هؤلاء قد عبدوا الله وعبدوا معه الأصنام والنجوم
ويمكن أن يكون هذا الاستثناء منقطعا فيكون المعنى : ” إنني براء مما تعبدون لكن الذي فطر ني فإنه سيهديني “
ومما يؤيد الأول : أن الأصل في الاستثناء العمل ، فالأصل في الاستثناء أن يكون متصلا ، فلعلهم عبدوا هذه الآلهة فلم تنفعهم هذه العبادة .
والدليل الآخر :
ــــــــــــــــــــــ
ما جاء في سورة الشعراء :
قال عز وجل :
((وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ{69} إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ{70} قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ{71} قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ{72} أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ{73} قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ{74} قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ{75} أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ{76} فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي ))
ثم استثنى فقال : ((إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ{77} الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ{78} ))
وهنا قال : ((إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ{26} إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ{27} ))
فالآيتان تلتقيان في موضوع واحد
ولو قال قائل :
لم قال :((إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي )) لمَ لمْ يقل : ” إلا الله ” ؟
فالجواب عن هذا من وجهين :
الوجه الأول :
ــــــــــــــــــــــــ
أن جملة فطرني علة لعابدته عز وجل
بمعنى : أنني أعبد الله لأنه هو الذي فطرني وخلقني
الوجه الثاني :
ــــــــــــــــــــــــ
أن فيه التنديد لصنيع هؤلاء ، فغن الذي يُعبد هو الذي يفطر ويخلق ،وهؤلاء يعبدون أصناما ونجوما لا تفطر ولا تخلق
قال عز وجل : ((وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ{20} أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ{21} ))
ومعنى : ” فطرني ” يعني : خلقني وأنشأني
قال تعالى : ((الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ))
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله : ((إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فيه إثبات وما قبله : (( إنني براء )) هذا نفي
فدل على أن التوحيد لا يكتمل إلا بنفي وإثبات
فما هو النفي ؟
قوله : ((إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ ))
وما هو الإثبات ؟
قوله : ((إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي ))
وهذا مقتضى كلمة التوحيد : (( لا إله إلا الله ))
ـــــ فلا إله : ــــــــــ نفي
ـــــ إلا الله : ـــــــــــ إثبات التوحيد لله عز وجل .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله : ((فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والهداية منه جل وعلا تكون هداية توفيق وإلهام :
قال تعالى : {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }
وتكون منه أيضا هداية بيان وإرشاد وتوضيح :
قال تعالى : ((وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى ))
فلو هداهم هداية التوفيق لما استحبوا العمى على الهدى ، فدل على أن الهداية المذكورة هنا : ” هداية البيان والإرشاد والتوضيح “
ــــ وهناك هداية منه جل وعلا لعموم الخلق من الإنس والجن ، وسائر المخلوقات : ((قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى{49} قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى{50} ))
هدى حتى الحشرات إلى ما يصلحها وإلى ما ينفعها
وقال عز وجل : ((سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى{1} الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى{2} وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى{3} ))
والمتأمل يجد أن الهداية ذكرت مع الخلق في هذه المواضع الثلاث :
فدل على أن الهداية بجميع أنواعها وشمولها إنما هي من الله
ولذا :
من دعاء النبي عليه الصلاة والسلام : (( اللهم آتِ نفسي تقواها وزكِّها أنت خير من زكاها ))
ومن دعائه عليه الصلاة والسلام : (( اللهم غني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ))
ولذا :
إبراهيم لما جرى مع قومه ما جرى ، وبنوا له بنيانا في النار ماذا قال ؟
{وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ }
يعني : ذاهب إليه ، وإلى ما أمر به وهو الشام
يقول العراقي : ” فدل على أن العبد بحاجة ضرورية إلى هدايته جل وعلا في كل شيء “
ولذا :
ــــــــــــ
موسى لما خرج من مصر خائفا لا يدري أين يذهب ــــــــ ماذا قال عز وجل عنه ؟
قال : ((وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ))
والحديث في هذا المعنى يطول
لكن الشاهد من هذا :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن من فطرك هو الذي يستحق العبادة ، وان هذا الفاطر الخالق بيده الهداية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وبهذه الآية يتم المعنى :
قال : ((وَجَعَلَهَا )) :
ما هي ؟
الضمير يعو إلى كلمة التوحيد
((وَجَعَلَهَا كَلِمَةً )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
المراد من هذه الكلمة كلمة التوحيد
وهذا ينقل أذهاننا إلى ما أخذنا في النحو من انه يطلق على الكلام الكثير كلمة
قال : ((وَجَعَلَهَا كَلِمَةً )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
ما هي هذه الكلمة ؟
هي كلمة التوحيد وما تضمنته هذه الكلمة من معان
لو سأل سائل :
ـــــــــــــــــــــ
ما طريقة إبراهيم في جعله لهذه الكلمة باقية في عقبه ؟
نقول :
ـــــــــــــــ
إن أعظم ما يفسر به القرآن القرآن ، فهذا الجعل منه مذكور في سورة البقرة :
قال تعالى :
{وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }
ثم مع هذا كله وصى بها ابنه بل ابن ابنه يعقوب ، فهي ذرية طيبة تسير على ما سار عليه آباؤها وأجدادها الأخيار :
قال : {أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }
وإسماعيل من ذرية ومن صلب إبراهيم ، ولذا يطلق على العم أب بمدلول هذه الآية
يوسف عليه الصلاة والسلام ابن من ؟
ابن يعقوب فهو من سلالة إبراهيم عليه الصلاة والسلام ــــــــ ماذا قال ؟
((وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِـي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللّهِ مِن شَيْءٍ ))
وقال عز وجل : ((إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ{33} ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ{34} ))
قيل : في النصرة والديانة
فهي ذرية بعضها من بعض
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(({وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يعني في ذريته
فالذرية والسلالة يطلق عليها ” عقب “
ثم قال : ((لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ )) :
مَنْ ؟
ذريته وما يتسلل منها
ولذا بقي دين إبراهيم في قريش
فالملة الحنيفية موجودة آثارها وبقية منها إلى عهد قريش
فقوله :{وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }
يستفاد من هذا :
ـــــــــــــــــــــــــ
أن على الأب أن ينشئ أبناءه على التوحيد ، وان يوصي بذلك حتى عند موته كما فعل إبراهيم ويعقوب عليهما الصلاة والسلام
ولو قال قائل :
ــــــــــــــــ
ما مناسبة ذكر هذه الآية تحت هذا الباب ؟
المناسبة :
أن بابنا هو باب تفسير التوحيد ، وشهادة أن لا إله إلا الله .
فدل على أن التوحيد لا يمكن أن يكون إلا بالبراءة من الأصنام والأوثان وعابديها