الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (77)
فوائد على باب(من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باب :
(( من الشرك لبس الحلقة والخيط ، ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه ))
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ :
لما ذكر المصنف تفسير التوحيد ، وتفسير شهادة ” لا إله إلا الله ” أراد أن يبين بعض ما يُضاد هذا التوحيد ، والذي يضاد التوحيد هو ” الشرك بنوعيه :
الشرك الأكبر
والشرك الأصغر
فشرع رحمه الله فيما يأتي من أبواب :
ولذلك قال : (( وشرح هذه الترجمة يأتي فيما يأتي من أبواب ))
فدل على أن ما يذكره رحمه الله من هذا الباب ، وما يليه إنما هو يدخل في تفسير التوحيد وشهادة ” أن لا إله إلا الله “
ــــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله : (( باب )) :
ــــــــــــــــــــــ
باب : ــــــــــ خبر لمبتدأ محذوف
يعني : هذا باب من الشرك
والباب سبق معنا أنه في اللغة هو المدخل للشيء
وفي الاصطلاح : عبارة عن أمر تدخل تحته عدة مسائل
وقوله : من الشرك )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مِن : هنا للتبعيض : للتبعيض أي من بعض الشرك ، وليست بيان الجنس ، وإنما هي للتبعيض ، فليس ما ذكر في هذا الباب هو الشرك ، وإنما هو من الشرك
وقوله : (( من الشرك )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هل هو والشرك الأكبر أم الشرك الأصغر ؟
لم يذكر المصنف قيدا لهذا الإطلاق ـــــــــــــ لم ؟
لأمرين :
الأمر الأول :
ــــــــــــــــــ
لعل الشيخ يريد أن يعمل طالب العلم ذهنه في استنباط الحكم ، ولهذا صنف وعقد أبوابا فقال :
(( باب قوله تعالى : ” فلا تجعلوا لله أندادا ))
(( باب قوله تعالى:فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء ))
(( باب قوله تعالى : وعلى الله فليتوكل المؤمنون ))
فأجمل وأطلق الباب من أجل أن يستنبط طالب العلم عنوانا لهذا الباب
الأمر الثاني :
ـــــــــــــــــــــــــ
أن ما ذكره هنا قد يكون من الشرك الأكبر ، وقد يكون من الشرك الأصغر
وذلك بحسب معتقد الشخص
ومن ثم : فإن من لبس الحلقة والخيوط ونحوها من حديد أو من مسامير أو من نحاس أو من جلد أو ما شابه ذلك
وما ذكر هنا من الحلقة والخيط أدرج بعده كلمة ” نحوهما ” من أجل أن يشمل الحكم كل ما يعتقد فيه الإنسان أنه جالب لنفع أو دافع لضر
فمن اعتقد أن هذه الأشياء : وهي الحلقة أو الخيط أو نحوهما من اعتقد أنها تؤثر في ذاتها فهو مشرك بالله عز وجل ـــــــــــ لم ؟
لأنه اعتقد مع الله خالقا آخر
وهذا شرك في توحيد الربوبية
وأما من اعتقد أن المؤثر الله عز وجل ، وإنما هذه لرفع البلاء أو دفعه فهو من الشرك الأصغر ــــــــــــــــــــ لم ؟
لأنه جعل ما لم يجعله الشرع سببا جعله سببا ، فكأنه شارك الله في هذا السبب
ولذا الأسباب المقبولة شرعا هي : إما أن تثبت بطريق الحس أو بطريق الشرع
بطريق الحس :
ـــــــــــــــــــــــ
أن يثبت في الواقع أن هذه مؤثرة :
مثال ذلك :
ــــــــــــــــــــ
الحبوب التي تسكن الأمراض مثل : ” البندول ” ونحوها ، هذه لها أثر
أثبت الواقع أن لها أثر فهي سبب حسي ، وما ثبت عن طريق الحس والواقع فإنه مقبول شرعا ، ولذا من أنكر الحس ففي إنكاره قدح في الشرع لأن الشرع لا يخال فما ثبت في الواقع
وأما ما ثبت عن طريق الشرع :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مثل ما ذكر ه النبي عليه الصلاة والسلام من العسل والحبة السوداء ونحوهما .
وأما إذا لم يثبت هذا السبب لا عن طريق الحس ولا عن طريق الشرع فإنه يكون شركا أصغر لأنه شارك الله في جعل هذا الشيء سببا ولم يجعله سبحانه وتعالى سببا
والواجب على المسلم تجاه الأسباب كما قال ابن القيم وغيره من العلماء : قال : ” الواجب عليه أن يعتمد على الله عز وجل ولا يعتمد على السبب ؛ لأنه جل وعلا لو شاء أن يبطل السبب لأبطله :
مثال ذلك : ” النار ” :
النار سبب للإحراق ، و مع ذلك أبطل الله السبب لما ألقي إبراهيم عليه الصلاة والسلام فيها ، قال تعالى : ((يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ ))
الأمر الثاني :
ــــــــــــــــــ
أن يأتي بالسبب ـــــــــــ لم ؟
لأن الله أمر بفعل السبب :
ولذا يقول ابن القيم رحمه الله : ” إن الالتفات إلى الأسباب شرك ، وإنكارها قدح في القل “
يتضح هذا بالمثال :
لو كان هناك إنسان يكاد أن يموت من العطش والماء عنده قريب ، فقال : أجلس إنني معتمد على الله عز وجل ولن أذهب لشرب هذا الماء ، إن شاء الله أن يسقيني سقاني ــــــــــــ ماذا يعد ؟
يعد مجنونا لأنه أنكر هذا السبب
والناس في الأسباب انقسموا ثلاثة أقسام :
ـــــ وقد فصل في هذه المسألة ابن القيم في كتابه : ” مدارج السالكين ”
ـــــ قال :
الصنف الأول :
ــــــــــــــــــــــــ
وهم أتباع : (( جهم بن صفوان الجهمي الجبري )) :
هذا الصنف أنكر الأسباب
وقال : ” إن الأسباب لا أثر لها ــــــــــــــــ كيف ذلك ؟
يقول : ” إنما يحصل من عند الله عز وجل دون أن يكون للسبب تأثير:
فمثال ذلك :
ــــــــــــــــ
لو رميت بحصاة زجاجة فكسرتها ، فهذا الكسر إنما حصل عند الرمي لا في الرمي ، و كذلك الجوع : يدفع بالأكل ، فإذا جاع الإنسان فأكل فشبع فإن هذا الشبع إنما حصل عند الأكل لا بالأكل
ومن ثم :
ـــــــــــــ
وقعوا في داهية كبرى :
وهي : ” أن دخول أهل الجنة الجنة ليس بسبب الأعمال ،/ ليس بسبب أعمالهم ، وأن دخول أهل النار النار ليس بسبب أعمالهم
وإنما قالوا : ” إنما هذا هو محض مشيئة الله عز وجل “
وهؤلاء هم الجبرية
صنف آخر :
ــــــــــــــــــــ
أخذوا بجميع الأسباب ولم يفرقوا بينها وهم ” الصوفية ” ومن شابههم ، فإنهم أخذوا بكل شيء سواء ثبت عن طريق الشرع أو عن طريق الحس أو لم يثبت عن طريقهما
ولذا :
ـــــــــــ
الصوفية يقول بعضهم إذا وصل الإنسان إلى مرتبة اليقين : ” له أن يستبيح المحرمات ، وأن يدع الواجبات “
فجعلوا اليقين سببا لترك العمل بالشرع
مع أن واقع المسلم إذا وصل اليقين يزداد خيرا وطاعة
جاء في الصحيحين :
أن الرسول عليه الصلاة والسلام تتفطر قدماه ، فتقول عائشة رضي الله عنها : ” كيف تصنع بنفسك هذا ، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! ، فيقول : (( أفلا أكون عبدا شكورا ))
الصنف الثالث :
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وهم ” أهل السنة والجماعة ” :
أخذوا بالأسباب مع اعتمادهم اعتمادا كليا على الله مع يقينهم بأنه جل وعللا قادر على إبطال السبب
ويجمع هذا كله حديث النبي عليه الصلاة والسلام – كما عند مسلم – قال : (( احرص على ما ينفعك ))
هذا هو فعل السبب : أن تفعل السبب
(( احرص على ما ينفعك ، واستعن بالله ))
فليس الحرص جالبا لك ما تؤمله ، ولا دافعا عنك ما لا يلائمك ، وإنما قال : (( واستعن بالله ))
فجمع بين السبب وبين الاعتماد على الله
(( ولا تعجز ))
والعجز : ـــــــ إما أن يكون في ترك الأسباب
أو في ترك الاعتماد على الله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فقوله : (( لرفع البلاء أو دفعه )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رفع البلاء يختلف عن كلمة دفع البلاء
فرفع الشيء يختلف عن دفعه
أما الدفع : فهو لشيء سيقع فتدفعه حتى لا يقع .
فيكون الرفع هو : إزالة الشيء
وأما الدفع : فهو رده