الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (90) قوله تعالى (أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى)

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (90) قوله تعالى (أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى)

مشاهدات: 440

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (90 )

قوله تعالى (أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قال المصنف :

ـــــــــــــــــــــــــ

((أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى{19} وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى

{20} أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى{21} تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى{22} إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى{23} ))

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشرح :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

أول نص ذكر المصنف تحت هذا الباب قوله تعالى  : ((أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى{19} وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى {20} ))

بعض  المتون : قال المصنف ….. الآيات

كأنه يقول : أكمل الآيات

وبعض  المتون وجدت فيها هذه الآيات

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فقوله : ((أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى{19} )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

((أَفَرَأَيْتُمُ )) : ـــــــــــــ الهمزة للاستفهام

والاستفهام في الأصل معناه :

طلب العلم عن الشيء المجهول بإحدى أدوات الاستفهام .

فالسائل حين يسأل يكون في الأصل جاهلا يريد أن يعلم شيئا

هذا هو الأصل عند البلاغيين

لكن هذا الاستفهام قد يخرج عن أصله لاعتبارات أخرى ، وذلك لأن السائل قد يكون عالما

وهنا سؤال صادر من الله العليم العلام الخبير بكل شيء

فيكون الغرض من هذا الاستفهام ” هو الإنكار والتوبيخ “

فالاستفهام هنا خرج عن أصله ، ويراد منه الإنكار والتوبيخ

فيكون في ذلك إنكار على هؤلاء الذين اتخذوا هذه الآلهة معبودة من دونه عز وجل .

ـــــ وقوله : ((أَفَرَأَيْتُمُ )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يعني : أخبروني

وذلك لأن من مستلزمات الخبر الرؤيا

فلا يمكن أن تخبر عن شيء إلا وقد رأيته

فيكون هذا التفسير من باب تفسير الشيء بلازمه

فقوله  : ((أَفَرَأَيْتُمُ )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يعني : أخبروني

لأن الخبر لا يكون إلا عن رؤيا

ـــــــــــ ((أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ــــ ” اللات ” : ــــ صنم من أصنامهم

وقد يراد منه معنى آخر وسيأتي قريبا

” أنه رجل كان يلت السويق للحاج فلما مات عكفوا على قبره ، فكيف نوفق ؟

فيقال :

ــــــــــــ

لا منازعة ، ولا اختلاف

وذلك لأن هذا الرجل كان يلت السويق ، فلما لت السويق فمات عكفوا على قبره فاتخذوا قبره معبودا من دون الله .

قال بعض العلماء :

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

” إن اللات ” أخذت من اسم الله “الإله ” وبذلك حرفوا أسماء الله وأولوها

وسيأتي معنا التحريف في أسماء الله عز وجل .

ــــــــ : وقوله : (( العزى )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العزى ”

ـــــــــــــــــــ

شجرة كانوا يعبدونها

وقد أرسل النبي عليه الصلاة والسلام ” خالد بن الوليد ” ليقطعها فقطعها فلما عاد قال : (( إنك لم تفعل شيئا ))

فلما رجع وجد امرأة ثائرة الرأس عريانة فقتلها ، فقال : (( قد قتلتها ))

فلا تعارض ، وذلك ن هذه المرأة يمكن أن تكون مما تلبس بها الشيطان ، وأزَّهم على فعلها ، فكانت تجلس عند هذه الشجرة ، ويتبركون بهذه الشجرة

ولأن عبادة هذه الأصنام هي في الحقيقة عبادة للشيطان :

قال تعالى : {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ }

كيف يعبد الشيطان ؟

إذا أُطيع في الإشراك بالله عز وجل

وسيأتي معنا أنهم اشتقوا العزى من اسم الله ” العزيز “

ـــــــــــــــــ : وقوله : (( ومناة )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

صنم لهم سميت بهذا الاسم

إما كما قيل من باب الإلحاد في أسماء الله أنها أُخذت من اسم الله ” المنان “

وإما لأنها مشابهة لـ” منى ” في المعنى

سميت ” مِنى : بهذا الاسم لكثرة يراق فيها من الدماء، فكذلك سميت ” مناة ” لكثرة ما يراق عندها من الدماء تقربا إليها

ـــــــــــــــــ : وقوله : (( الثالثة الأخرى )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الأخرى : يعني الوضيعة

فلان متأخر : يعني وضيع

فهذا ذم لهذا الصنم

ــــــــــ لو قال قائل : ” ما مناسبة وضع هذه الآية تحت هذا الباب ؟

المناسبة :

ــــــــــــــــــــــ

أن الله أنكر عليهم عبادة الأصنام مع علمهم بأنها لا تنفع ولا تضر ، فكيف تُتخذ من دون الله معبودات مع أنها لا تملك نفعا ولا ضرا

فكأنهم بصنيعهم هذا تعلقوا بها ، وطلبوا البركة منها

فكذلك يحصل الحكم لكل من تبرك بشجر أو حجر أو نحوهما

ــــ لو قال قائل :

ــــــــــــــــــــــــــ

لماذا ذكرت هذه الأصنام الثلاثة مع أن لهم أن لهم أصناما كثيرة ، تصل إلى ثلاث مائة وستين صنما ؟

ذُكرت هذه الثلاث لأن هذه هي أعظم معبوداتهم ، وهي أجل معبودات في نفوسهم

ـــــــــ وأما بالنسبة إلى ” مناة ” فلأن التعظيم لها أكثر من غيرها وصفت بالأخرى ذما

ـــــــــــــــــ وقوله : (( ألكم الذكر وله الأنثى )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

معروف معتقد وفعل الكفار :

كانوا يجعلون لله البنات ، ويجعلون لنفسهم الذكور :

قال تعالى : ((أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلآئِكَةِ إِنَاثا ))

وقال تعالى : (( أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ{153} مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ{154} ))

والآيات في هذا كثيرة

وذلك لأنهم كانوا لا يحبون الإناث :

قال تعالى : ((وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ{58} يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ –  يعني على ذل –  أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ )) ـــ أي يئده

وقال تعالى : ((وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلاً ))

ما الذي ضرب للرحمن ؟

الأنثى

((ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ{17} أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ{18} ))

وسبب قتلهم للإناث أنهم كانوا يخافون من العار ، وكانوا في بعض الأحيان يقتلون معهم الذكور خيفة من أن يشاركوهم في الرزق :

قال تعالى :{وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءاً كَبِيراً }

وقال تعالى : ((وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ ))

يعني من فقر

ولما جاء الإسلام أراد أن يرفع من شأن البنات :

فقال النبي عليه الصلاة والسلام – كما في الصحيحين – : (( من ابتلي بشيء من هذه البنات فصبر علين كن له حجابا من النار ))

وقال عليه الصلاة والسلام : (( من كان  عنده ثلاث بنات فصبر عليهن وأطعمهن وكساهن من جدته كن له حجابا من النار ))

قيل : يا رسول اله ، واثنتان ؟

قال : (( واثنتان ))

 

((وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قلنا إن الأخرى راجعة إلى مناة ، وهي الوضيعة المتأخرة

والقول الثاني :

ـــــــــــــــــــــ

أنها ليست راجعة للكل ، وإنما هي راجعة للعزى ، وذلك لأن العزى هي المذكورة ثانية ، ذكرت بعد اللات ، فتكون الأخرى وصف على القول الثاني للعزى ، وذلك لأن المذكور الأول اللات والمذكورة الثانية العزى

وقوله تعالى  : ((أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى  )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذا على ما اعتقده الكفار ، وما جعلوه لله عز وجل من أن له الإناث ، ولهم الذكور ،  وسبق ذكر الأدلة من كتاب الله عز وجل حول هذا المعتقد

والمتأمل في  كتاب الله عز وجل يجد الكثير من هذا

وقوله تعالى : ((تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تلك : ــــــــ اسم إشارة ، ويعود هذا الاسم على ما اعتقدوه، وما جعلوه من أن لله الإناث ، ولهم الذكور

وقوله : ((إِذا )) :

ــــــــــــــــــــــــــــ

سبق معنا في شرح النحو أن ” إذا ، وإذ ” إذا نونتا فإن التنوين فيهما عوض عن جملة

وهنا : ” إذا ” نونت فيكون هذا التنوين عوضا عن جملة

وقوله : (( تلك إذاً )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

المعنى : تلك إذاً اعتقدتموه من جعل الإناث لله عز وجل ، ولكم الذكور تلك إذاً قسمة ضيزى

(( ضيزى )) :

ــــــــــــــــــــــــــــ

هي التي جانبت الصواب ، بمعنى : أنها قسمة جائرة غير عادلة

كيف لا تكون عادلة ؟

لا تكون عادلة حتى بمقتضى العقل السليم ، فغن القسمة العادلة أن تكون جوانبها معتدلة :

بمعنى : أنكم جعلتم لله الإناث ، وجعلتم لأنفسكم الذكور ،فاجعلوا لله نصيبا من الذكور ، واجعلوا لأنفسكم نصيبا من الإناث

كيف  والعدل والحق أنه جل وعلا لم يلد ، ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد

قال تعالى :

((بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ ))

يعني  زوجة

وقال تعالى :

((لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً ))

يعين زوجة

((لَّاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَ ))

ولذا قال شيخ الإسلام رحمه الله : ” إن سورة الإخلاص نفت عن الله عز وجل الفروع والأصول والنظائر

فقوله تعالى : ((لَمْ يَلِدْ )) نفي للفروع

((وَلَمْ يُولَدْ )) نفي للأصول ، أن يكون له أصل جل وعلا

((وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ )) نفي للنظائر والأشباه

ولذا استحقت هذه السورة أن تعدل ثلث القرآن كما صح بذلك عن رسول اله صلى الله عليه وسلم

ثم قال تعالى : (( إن هي )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

” إن ” بمعنى ما  / فإن هنا نافية ، بمعنى ما النافية

وعلامة ” عن ” التي بمنى ” ما النافية ” في الغالب أن يأتي بعدها استثناء

فقوله تعالى : ((إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أي ما هي إلا أسماء

(( إن أنت إلا نذير ))

يعني : ما أنت إلا نذير

والأمثلة في هذا كثيرة

وقوله : (( إن )) بمعنى ما النافية

(( إن هي )) الضمير يعود على الأصنام

فهذه الأصنام هم الذين جعلوها معبودات من دون الله عز وجل من تلقاء أنفسهم وتقليدا لآبائهم .

فقوله : ((إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا ))

والتعبير عنها بأنها أسماء بمعنى أنها أسماء لا حقائق لها ، ولا وجود لها

وفي هذا تقلي للأمم السابقة

ولذا قال هود عليه الصلاة والسلام قال : ((قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤكُم مَّا نَزَّلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ))

ولذا أخذ عز وجل العهد والميثاق على بني آدم بما جبلهم عليه من الفطرة السليمة أن يعبدوه

ومع هذه الفطرة نصب لكم الدلائل والعلامات على وجوده جل وعلا

قال تعالى : ((وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ))

يعني لئلا تقولوا : ((شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ{172} أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ{173} ))

ومن ثم يظهر خطر تعظيم الأكابر ، إذا كانوا على الباطل

فتقليد الآباء والأجداد الذين هم على ضلال تقليدهم  من أعظم المخاطر

ولذا قال تعالى : ((إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم ))

لكن لو عظموا الأكابر وقلدوا ، وهم على الحق فإن في هذا خير عظيم

ولذا ذكرهم عز وجل بأن أباهم الكبير وهو أباهم الكبير على ملة التوحيد : ((وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ{26} إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ{27} ))

ولذا قال تعالى :

((قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ ))

وسيأتي معنا من حديث أبي واقد سيأتي معنا أثر التقليد للآخرين وأن طبيعة ابن آدم يحب أن يقلد لكن هل هذا التقليد تقليد حق أو تقليد باطل كل بحسب

فهذه الأصنام والمعبودات إنما هي أسماء لا أساس لها في الواقع

وذلك لأن أحدهم إذا رأى حجرا واستحسنه عبده من دون الله عز وجل فإذا رأى ما هو أحسن منه تركه وعبد الآخر

وقوله تعالى : (( سميتموها انتم )) :

(( أنتم )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ـ ضمير فصل يفيد التوكيد

يمكن أن يقول : سميتموها وآباؤكم فيحصل المقصود لكن ضمير الفصل إذا أتي به يراد به التوكيد

وفي هذا تنديد لعقولهم : كيف أقدموا على هذه الأحجار ؟

، وجعلوها من تلقاء أنفسهم معبودات يصرفون إليها العبادة ؟!

ليست من الله عز وجل :

ولذا قال في ثنايا الآية : (( ما أنزل الله بها من سلطان ))

فـ (( أنتم )) : ضمير فصل

فقوله :

((سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ))

فقوله : ((مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ))

توكيد لجملة : ((سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ ))

فيكون معناها أو المقصود منها : أن الله عز وجل لم يشرعها لكم ، وإنما شرعتموها لأنفسكم :

قال تعالى :

((أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي الأَرْضِ أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ الْقَوْلِ ))

((قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ ))

وقال تعالى :

{أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ }

قال تعالى :

{مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً }

والآيات في هذا المعنى كثيرة

فقوله : (( ما ))” نافية

(( ما أنزل الله بها من سلطان ))

ومن هنا زائدة لتأكيد نفي نزول السلطان

كقوله تعالى : (( ما جاءنا من بشير ولا نذير ))

البشير والنذير

وكقوله تعالى :

(( ما زكى منكم من أحد ))

أي ما زكى منكم أحد يمكن أن يصح الأسلوب : ” ما أنزل الله بها سلطانا ” فأوتي بـ ” من ” الزائدة لتأكيد نفي السلطان

والسلطان هو الحجة والبيان

فليس لديهم حجة ولا بيان ولا دليل على ما شرعوه لأنفسهم بل إن الدليل قائم على أن المستحق للعبودية هو الله جل وعلا

وقوله تعالى :(( إن يتبعون إلا الظن )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إن كما سلف بمعنى ما ، لمجيء أداة الاستثناء

أي : ” ما يتبعون إلا الظن “

((إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى ))

يقول شيخ الإسلام رحمه الله نقلا عن الإمام أحمد : “ إن فساد العالم يأتي من أمرين : اتباع الهوى والآراء الفاسدة فإذا رأيت حال من صرف عن الحق فلتعلم إنما صرف إما لرأي فاسد أو لهوى متبع .

والرأي الفاسد ناتج عن شبهة

والهوى ناتج عن شهوة

والشبهة والشهوة بهما يحصل الضلال للعبد

فقوله : ((إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ )) هذا ناشئ عن شبهة

((وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ )) ناشئ عن شهوة

وبينهما ترابط وتلازم .

فالشبهة قد يكون من دواعيها الشهوة والشهوة قد يكون من دواعيها الشبهة لكن الأصل أن الرأي الفاسد ناتج عن شبهة ، وأن الهوى ناتج عن شهوة

اليهود : اتبعوا الهوى مع أنهم علماء ، فلماذا انصرفوا مع أنهم  علماء ؟

لوجود الهوى :

قال تعالى : ((كُلَّمَا جَاءهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُواْ وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ ))

النصارى : سبب ضلالهم هو الظن الفاسد الذي هو ناتج عن شبهة والشبهة لا تحصل إلا من الجهل .

ولذا قال عليه الصلاة والسلام كما عند الترمذي من حديث عدي قال : ((النصارى ضالون ، واليهود مغضوب عليهم ))

لماذا هم ضالون ؟

لأنهم جهلوا بالحق فعملوا بخلافه

ولماذا اليهود مغضوب عليهم ؟

لأنهم علموا الحق ولم يعملوا به

والذي لا يعمل بالحق فيه خاصة الكبر ، ولذا يقول شيخ الإسلام رحمه الله إن خصلة الكبر في اليهود أكثر من النصارى “

والآيات في مثل هذا المعنى كثيرة :

((أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ ))

فذكر الكبر ، وهذا ناتج عن اتباع الشهوة

والنبي عليه الصلاة والسلام يقول كما في صحيح مسلم : (( الكبر بطر الحق وغمط الناس ))

فأنت تعرف الحق لكنك تعرض عنه وتنصرف عنه

ومن ثم فإن الرأي الفاسد والهوى المتبع ندعو الله عز وجل في كل ركعة أن يجنبنا هذين الأمرين :

قال تعالى :

((اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ{6} صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ{7} ))

فمن عوفي من هذين الداءين فهو المهتدي فهو المنعم عليه وتأمل في آية الفاتحة ومع في ختام هذه الاية : ((إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى ))

فدل على أن من عوفي من هذين الأمرين فهو المهتدي

وهذه الآية تلتقي مع الآية التي في سورة الفاتحة : ((اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ{6} صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ{7} ))

ولذا جاءت هذه العبارة من هذين الإمامين استدلالا بهذه الآية :

” ففساد العالم بأمرين : الآراء الفاسدة ، واتباع الهوى “

ولذا قال تعالى في سبب ضلال هؤلاء قال : ((إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى ))

ثم إن قوله تعالى : (( من ربهم الهدى ))

يفيدنا بأن الهدى ممن ؟

من الله

ولذا أمرنا في كل ركعة أن نسأله جل وعلا : ((اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ{6} صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ{7} ))

وتأمل مطلع سورة الفاتحة تجد فيها ذكر الربوبية : ” الحمد لله رب العالمين “

ولذا فهذه السورة وهي سورة الفاتحة يستدل بها على وجود الأنبياء ، وعلى بعثة الرسل عليهم الصلاة والسلام :

(( ولقد جاءهم من ربهم الهدى))

ما هو هذا الهدى ؟

هو النبي عليه الصلاة والسلام

هو القرآن يشمل هذا وهذا

فإذا قارنت بين هذه الآية والتي في سورة الفاتحة : ((اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ{6}))

فقوله : ((اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ{6}))

من دلالة اللزوم أنك لا تصل إلى هداية الصراط المستقيم إلا بماذا ؟

إلا بالرسل عليهم الصلاة والسلام إلا بإنزال الكتب : ((رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ))

ثم إن في هاتين الآيتين : آية الفاتحة وفي آية النجم رد على القدرية الذين يقولون إن العبد يخلق فعل نفسه

لو كان يخلق فعل نفسه وأن هدايته من نفسه لما قال : ((  ولقد جاءهم من ربهم الهدى ))

قال : (( من ربهم ))

وليس من أنفسهم ، ولو كان كما يقولون لما أمرنا أن ندعو الله عز وجل في آية الفاتحة بقوله : ((اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ{6}))

فدل على أن من عوفي من هذين الداءين فإنه المهتدي ، وأنه المنعم عليه وأنه على الصراط المستقيم

ولذا قال بعدها : ((أَمْ لِلْإِنسَانِ مَا تَمَنَّى{24} فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى{25} ))

والمتأمل يجد من الفوائد في هذه الاية ما لا يحصى

ولذا قال : (( الهدى))

ولم يبين ما هو هذا الهدى ؟

لكن يعلق العبد قلبه بربه في كل ما يشكل عليه

ولذا موسى عليه الصلاة والسلام حتى في هدايته للطريق يسأل الله عز وجل : {وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ }

فليست الهداية فقط في أمور الدين ولاشك أنها أعظم الهداية لكنك بحاجة إلى هداية الله عز وجل

ولذا النبي عليه الصلاة والسلام أمر أحد الصحابة أن يقول : (( اللهم إني أسألك الهدى والسداد ))

وقال : ” اذكر بهدايتك هداية الطريق وبالسداد سدادك للرمي “

وفي هذه الاية إقامة الحجة على هؤلاء الكفار فهم لم يتركوا هكذا بل أريل الله عز وجل عليهم الرسل وأنزل عليهم الكتب .

ولو قال قائل :

إن العبد مهتد فكيف يسأل الهداية ؟

فيجاب عن هذا :

أن بعض العلماء قال : المراد الإثبات على هذه الهداية

ولكن المراد أن يسأل العبد ربه الله الهداية في كل حين من أحيانه فما يعلمه أقل مما يجهله فجهله أكثر مما يعلمه .

فهو في حاجة ضرورية إلى هداية الله عز وجل أحوج من حاجته إلى الطعام والشراب