الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (95) حديث ( لعن الله من ذبح لغير الله )

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (95) حديث ( لعن الله من ذبح لغير الله )

مشاهدات: 575

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ  الدرس (95 )

حديث ( لعن الله من ذبح لغير الله )

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قال المصنف :

ـــــــــــــــــــــــــــ

عن ” علي بن أبي طالب رضي الله عنه ” قال :

” حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع كلمات : (( لعن الله من ذبح لغير الله ، لعن الله من لعن والديه ، لعن الله من آوى محدثا ، لعن الله من غير منار الأرض ))

رواه مسلم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشرح :

ــــــــــــــــــــ

علي بن أبي طالب معروف لدى الجميع ومناقبه  كثيرة

ــــ هو أول من أسلم من الصبيان

ـــــ وزوجه النبي عليه الصلاة والسلام ابنته التي هي بضعة منه ” فاطمة ” والتي هي من نساء أهل الجنة

ــــ وهو من الخلفاء الأربعة

ــــ  وقد حظي بمنقبة عظيمة سوى المناقب المذكورة له ، وهو أنه قاتل الخوارج ، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام : (( طوبى لمن قتلهم ))

ـــــ وقد قتله ” ابن ملجم الخارجي ” سنة أربعين للهجرة

ــــــ وهو ابن عم النبي عليه الصلاة والسلام

قال : حدثني )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــ

في رواية لأحمد : (( قيل لعلي : أحدثكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء لم يحدث به الناس ؟

قال : لا ، إنما حدثني بهذه الكلمات ……….  وذكر الحديث

ولذا عائشة تنكر  وتقول : (( زعم قوم بأن النبي عليه الصلاة والسلام أوصى ، كيف أوصى وقد مات بين يديّ ، ولم يحضره أحد فمتى أوصى ))

وقوله :  حدثني )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذه من أعظم وأعلى صيغ تلقي الحديث :

فتفترق عن كلمة ” سمعت “

وتفترق عن كلمة ” قال “

فكونه يقول ” حدثني ” أبلغ وأعظم من قوله ” حدثنا “

ومن قوله : ” سمعت “

ومن قوله : ” قال “

وهذا يدل على أن عليا نقل هذا الحديث نقلا عن النبي عليه الصلاة والسلام مباشرة دون أن يكون معه أحد

فلم يحدثه في مجمع ، ولم يسمع كغيره من النبي عليه الصلاة والسلام هذا القول

ولم ينقل عن غيره أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قد قال : كذا

فيكون من قبيل مراسيل الصحابة

قال : حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع كلمات )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الكلمات : الكلمة هي القول المفيد عند النحويين

وهنا لو تُتبعت كلمات الحديث لوجد أنها أكثر من أربع بناء على مصطلح النحويين

لكن لتعلم أنها أربع كلمات :

ــــــ لعن الله من ذبح لغير الله

ـــــ لعن الله من لعن والديه

ــــ  لعن الله من آوى محدثا

ـــــ لعن الله من غير معالم الأرض

وذلك لأن الكلام المفيد الكثير قد يطلق عليه كلمة

كما يقال : كلمة التوحيد :

((قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ{99} لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ ))

يعني ما ذكره كلمة

قوله : (( لعن الله من ذبح لغير الله )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اللعن : هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله

ومن ثم :

تأتي مسألة تقول :

ــــ أيجوز أن ألعن شخصا بعينه رأيته يذبح لغير الله ؟

فالجواب : هذا لا يجوز

لأن قوله : (( لعن الله من ذبح لغير الله ))

إنما هو لعن بالوصف لا بالتعيين

فإذا رأيت شخصا يذبح لغير الله فقل : (( لعن الله من ذبح لغير الله ))

ولا تقل ” لعنك الله “

وعلى هذا فقس :

(( لعن الله النامصة والمتنمصة ))

(( لعن الله من لعن والديه ، لعن الله من آوى محدثا ، لعن الله من غير منار الأرض ))

ــــ وقد اختلف العلماء في هذه المسألة :

أيجوز لعن المعين من الفساق ؟

قال بعض العلماء : يجوز

ولكن الراجح الذي تدل عليه الأدلة ، وهو اختيار ” شيخ الإسلام والنووي “

أنه لا يجوز الدعاء بالتعيين

بل حتى لا يجوز أن يلعن الكافر بعينه

تلعن عموم الكفار جائز :

قال النبي عليه الصلاة والسلام : (( لعن الله اليهود والنصارى ))

على وجه العموم والوصف

أبو هريرة في دعائه قال : (( اللهم العن الكافرين ))

أما لعن الكافر بعينه حتى ولو كان يشن العداء والحرب على المسلمين لا يجوز ان يلعن

والدليل أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : (( اللهم العن فلانا وفلانا وفلانا …….. فأنزل الله : {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ }

وكان قد لعن :

الحارث بن هشام

وسهيل بن عمرو

وصفوان بن أمية

فأنزل الله هذه الاية

وسبحان الله ما هي إلا برهة من زمن حتى دخل هؤلاء في دين الله عز وجل

ــــ و من ثم :

فإن هذا الكافر الذي يشن الحرب على المسلمين كما هو شأن هؤلاء الثلاثة في عصر النبي عليه الصلاة والسلام قد يمن الله عليه بالهداية ، يكونون جندا من جنود الله كما كان أولئك الثلاثة

وذلك لأن اللعن كما قال شيخ الإسلام قال : (( اللعن يرادف الشهادة ))

ما هي هذه الشهادة ؟

الشهادة لمعين بجنة أو نار

ــــــ أيجوز لنا أن نشهد لمؤمن بعينه انه من أهل الجنة  ؟

الجواب :

لا

لأن الحي كما قال ابن مسعود : (( لا تُؤمن عليه الفتنة ))

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين : (( إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها ))

ــــ أيجوز أن نشهد لمعين بالنار ؟

الجواب :

لا

فكذلك اللعن

ما وجه المقارنة بينهما ؟

وجه المقارنة بينهما أن الكلام عند البلاغيين نوعان :

خبر

وطلب

فالشهادة خبر

واللعن طلب

وكلاهما حق لله عز وجل

فلا يجوز لأحد أن يتعدى على حق الله

ولذا :عاتب نبيه عليه الصلاة والسلام فقال : ((لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ ))

ولذا قال النووي في ” المنهاج شرح مسلم بن الحجاج “، قال : (( لا يجوز أن يلعن كافر أو دابة أو شيء إلا من لعنه الله أو مما أخبرنا بأنه سيموت على الكفر كأبي لهب وأبي جهل ))

فيجوز أن يلعن هؤلاء لأن النص جاء بأن أبا لهب سيموت على الكفر

ومن ثم : فهو مطرود من الأصل ومبعد عن رحمة الله ، فدعاؤك عليه باللعنة كدعائك على إبليس باللعنة : إذ إنه الله لعنه وطرده وأبعده عن رحمة الله

وسيأتي لها مزيد تفصيل

فقوله : (( لعن الله )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هل هذا دعاء من النبي عليه الصلاة والسلام من ذبح لغير الله أم انه إخبار منه بأن الله قد لعن من ذبح لغير الله ؟

هذه الجملة شأنها كشأن قوله عليه الصلاة والسلام : (( من تعلق تميمة فلا أتم الله له ، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له ))

فهي محتملة بان تكون خبرية

ومحتملة أن تكون طلبية

فجاء سياق الخبر من باب التأكيد على أن لعنة النبي عليه الصلاة والسلام واقعة على من فعل هذا الفعل

 

((( لعن الله من ذبح )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

” مَن ” اسم موصول يفيد العموم

سواء كان هذا الذابح فقيرا ، غنيا ، امرأة ، رجلا ، مكرها ، مختارا

هذا على سبيل العموم لكن يخرج منها المكره

وسيأتي حديث عن المكره ، في حديث ” طارق بن شهاب “

 

 

 

 

فقوله عليه الصلاة والسلام : (( لعن الله من ذبح لغير الله )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نص عليه الصلاة والسلام في هذه الجملة على الذبح

ولا يعني أن النحر خارج عنها ” وإنما ذكر الذبح لأنه غالب ما يذبح ، أو غالب ما يُتقرب من الحيوانات التي تُذبح ، وذلك لأن الذي ينحر هو الإبل

ونحر الإبل في ذلك الزمن قليل بالنسبة إلى الغنم والبقر

ولذا هي أنفس أموال العرب :

قال تعالى : {وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ }

وقال النبي عليه الصلاة والسلام : (( فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم ))

فمن ذبح أو نحر لغير الله فقد أشرك بالله شركا أكبر

فقوله عليه الصلاة والسلام : (( لعن الله من لعن والديه )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذه الجملة أتت بعد جملة : (( لعن الله من ذبح لغير الله ))

يستفاد من ذلك ما يأتي :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أولا :

ـــــــــــــ

أن الله عز وجل بفضل منه وكرم يقرن بين حقه ، وحق المخلوق

فلما ذكر حقه ذكر حق المخلوق الذي هو ” الوالد “

ثانيا :

ــــــــــــ

إن أعظم ما نهى الله عز وجل عنه الشرك ، لأنه قدم حقه على حق المخلوق

ثالثا :

ـــــــــــ

أن تصدير الجملة باللعن ينزل على ما قاله شيخ الإسلام وغيره من أن الكبيرة ما تُوعِد عيها بلعنة أو غضب أو وعيد أو حد في الدنيا

ومن ثَم فإن الشرك من الكبائر ، ولا يعني أنه من الكبائر أنه في درجتها

ومما يدل على أنه من الكبائر قوله عليه الصلاة والسلام – كما في الصحيحين : (( اجتنبوا السبع الموبقات ( أي المهلكات ) وذكر منها (( الشرك ))

وقال عليه الصلاة والسلام : (( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ))

ولم يقل الكبائر ، وإنما قال أكبر الكبائر :

فذكر أول ما ذكر ” الإشراك بالله ”

رابعا :

ـــــــــــــ

أن طاعة الله عز وجل مقدمة على طاعة المخلوق : إذ إن طاعته مطلقة ، أما طاعة المخلوق مقيدة ، وذلك فيما لم يعص فيه الله عز وجل

ولذا قال تعالى في حق الوالدين : ((وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ))

الآية

خامسا :

ـــــــــــــــــــ

أن حق الله عز وجل ، وأن ذكره لحق الوالدين دون غيرهما من المخلوقين يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع هنا بين المباشرة والسبب :

فالمباشرة :

تستوحى من جملة : (( لعن الله من ذبح لغير الله ))

وذلك لأن الله عز وجل هو الذي خلقك

وإنما المخلوق اللذان هما الوالدان سبب في إيجادك بعد قدرة الله عز وجل

ولذا فما سبب من أسباب وجودك في هذا الكون ، جعلهما الله عز وجل سببا في وجودك

لكن الموجِد لك في الحقيقة هو ” الله عز وجل ”

ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام : (( لا يقتل والد بولده ))  ما العلة ؟

لأنهما لما كانا سببا في إيجادك فلا تكون سببا في إعدامهما

فقوله عليه الصلاة والسلام : (( لعن الله من لعن والديه ))  :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الوالد :

ــــــــــــ

إذا أُطلق في النصوص يشمل الأب والأم

وإن علوا : فالجد والجدة وإن علوا يدخلان في هذا الحكم

وكما أن الولد إذا أطلق فإنه للذكر والأنثى ، وإن نزلا

فابن الابن وإن نزل في حكم معنى الولد

والصحابة سألوا النبي صلى الله عليه وسلم :

قالوا : يا رسول الله ، كيف يلعن الرجل والديه ؟

هذا مما يستحيل عقلا

فقال عليه الصلاة والسلام : (( يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه ))

فإذا سبّ الرجل والد شخص فإن هذا الشخص سيسب والدي هذا السابّ الأول فيكون سببا

ومن ثم فإن هذا الحديث :

كيف يلعن الرجل والديه ؟

قال : (( يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه ))

دليل على القاعدة الفقهية : ” المنسب كالمباشر ”

وقوله عليه الصلاة والسلام : (( لعن الله من آوى محدثا )) :

أو ” محدّثا ” :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الإيواء : إما أن يكون بالمناصرة ، وإما أن يكون بالتستر على هذا المحدث

والمحدث :

ـــــــــــــ

إما أن يكون محدثا في العقيدة أو في الفروع

وذلك كان يكون مبتدعا أو أن يكون مجرما

يعيث في الأرض الفساد فإنه من المحدثين

ويصح أن ينطق : محدَثا ”

فيكون المعنى : ” لعن الله من رضي بالإحداث “

فإذا فتحت الدال : فقد لا يكون هناك حدث وقع ، وإنما هناك محبة للإحداث في الدين أو للإحداث في الأرض

فيكون الراضي كالفاعل

وهذا يدل على خطر النية ، وأن بالنية قد يرتفع درجات بنيته الصالحة

وقد ينحط بينته السيئة إلى أسفل الدرجات

وقوله عليه الصلاة والسلام : (( لعن الله من آوى محدثا ))

فيه فائدة أصولية : (( وهي أن المسكوت أولى من المنطوق بالحكم ))

وهذا ما يسمى عندهم بخطاب الموافقة ـــــــــ كيف ؟

قال تعالى : (( فلا تقل لهما أف ))

فالمنطوق هو تحريم كلمة ” أف ” للوالدين فالضرب من باب أولى

مع أن الضرب مسكوت عنه

كذلك هنا من أحدث من باب أولى أن يكون أحق ، لأن هذا الحكم منصب على من قد آوى محدثا

فما ظنكم بمن أحدث ؟

يكون من باب أولى

وهذا الحديث شامل لأي حدث يكون في الأرض لكنه في المدينة أشد :

قال النبي عليه الصلاة والسلام في شأن المدينة : (( من أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه يوم القيامة عدل ولا صرف ))

كما جاء عند البخاري :

ولذا قال عليه الصلاة والسلام : (( من أراد أهل المدينة بسوء أذابه الله كما يذاب الملح في الماء ))

وإرادة أهلها بسوء حدث

والناظر في حق المخلوق في هذه الجملة يجد أن هناك اختلافا وتباينا بين حق المخلوق في الجملة الثانية التي هي قبل هذه الجملة : (( لعن الله من لعن والديه ))

وبين هذه الجملة : (( لعن الله من آوى محدثا ))

فمن الفروق:

ـــــــــــــــــــــ

أن جملة : (( لعن الله من لعن والديه )) هي منصبة على أشخاص بأعيانهم

بينما جملة : (( لعن الله من آوى محدثا )) ليست كذلك ، وإنما هي شاملة لا لشخص بعينه ، وإنما حدث مشاع قد يكون للبعض ، وقد يكون للكل

ومن الفروق :

ـــــــــــــــــــ

أن الضرر الحاصل في الجملة الأولى : (( لعن الله من لعن والديه )) ضرر خاص بالوالدين

بينما في الجملة الثانية  : ضرر متعدي لا على الوالدين ، وغنما على المسلمين عموما

وأعظم الإحداث أن يحدث في الدين :

قال عليه الصلاة والسلام – كما في الصحيحين : (( من أحدث في امرنا هذا ما ليس منه فهو رد ))

هذا الإحداث ابتداء

أما من عمل الإحداث للاقتداء بالمحدث الأول فيشمله هذا الحكم لرواية مسلم : (( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ))

وقوله عليه الصلاة والسلام : (( لعن الله من غيّر منار الأرض )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

” من “  – كما سلف –  اسم موصول

الحديث عن لعن الله مضى في جملة : (( لعن الله من ذبح لغير الله ))

(( لعن الله من غيّر منار الأرض )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

” منار الأرض ” :

ـــــــــــــــــــــــــــــ

يعني : مراسم الأرض أو الحواجز أو الفواصل التي تكون بين أرض وأخرى

وسميت منار الأرض لأن هذا المراسيم ينار الحق ويظهر

فتكون هذا الأرض معلومة بأنها لفلان ، وتلك لفلان لوجود العلامات التي تنير الحقوق بين الناس

والنبي صلى الله عليه وسلم قال – كما في الصحيحين – : (( من اقتطع شبرا من الأرض طوقه من سبع أراضين يوم القيامة ))

وفي رواية : (( جاء يحمل ترابها في المحشر ))

وفي رواية : (( أنه يؤمر أن يحفر إلى سبع أراضين ))

أما الكيفية فالعلم عند الله عز وجل

هذا إذا اقتطع شبرا فما ظنكم بمن اقتطع مترا ؟

من اغتصب الأرض كلها ؟

وهذا كما سلف يعيدنا إلى خطاب مفهوم ” الموافقة “ فذكر

( الشبر ) لا يعني أن ما اكبر منه ليس داخلا بل ما أكبر منه أولى بالدخول :

كقوله تعالى : {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ }

فمن يعمل إذاً مثقال جبل من باب أولى

وهذا الحق حق للمخلوق

لكن هل يفترق هذا الحق عن الحقين الأوليين ؟

نعم

الافتراق في أن هذا الحق حق لقريب منك لا من جهة النسب ، ولكن من جهة الدار الذي هو الجار

وحق الجار عظيم :

ولذا قال عليه الصلاة والسلام : (( مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه ))

فأحق من أحسن إليه الجار

فما ظنكم فيمن أساء إلى جاره ؟

ولذا كانت اللعنة مستحقا لها هؤلاء لوجود الضرر الكبير من هؤلاء

(( لعن الله من غيَّر منار الأرض )) :

إما حسا

وإما معنىً

فالحس : أن يأخذ شبرا أو شبرين أو ما أزيد عن طريق القوة

وإما أن يأخذه عن طريق الشهادة الفاجرة فيكون مغيرا لمنار الأرض ، ويكون الشاهد هذه الشهادة شهادة الفجور يناله الحكم .