الشرح الموسع لمسائل الحج الدرس ( 1 ) ( باب فضائل الحج ووجوبه )

الشرح الموسع لمسائل الحج الدرس ( 1 ) ( باب فضائل الحج ووجوبه )

مشاهدات: 463

فقه الحج ـ الدرس ( 1 )

بيان فضائل الحج ووجوبه

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى الدين.

الحج عرَّفَهُ العلماء لغة وشرعاً

فهو في اللغة : القَصد

وشرعاً: التعبدُ لله عز وجل بقصدِ البيت الحرام لأداءِ مناسك الحج، وبعض العلماء يلغي كلمة التعبد فيقول هو: قصد بيت الله الحرام لأداء مناسك الحج، ولكن الأولى أن ُيؤتى بكلمة التعبد في كل تعريفٍ للعبادة لأننا لا نؤدي هذه العبادات على أنها أفعال أو أقوال مجردة.

والحج له فضائلُ عدة :

 من فضائله: أن الله عز وجل قال {حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ}الحج31 ، ففسر بعضُ العلماء كلمةَ {حُنَفَاء } أي: حجاجاً، وهذا يدل على أن لهذا الحج مَزِّيَّة وفضلاً وقال تعالى{ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ }الحج28

الأيامُ المعلومات: هي عشرُ ذي الحجة، ومن بين العبادات التي تقع فيها: عبادة الحج، فقال: { لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ } ففي الحج منافعُ متعددة دينية ودنيوية.

ومن فضائل الحج: أنَّ إبراهيمَ وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام دعوَا الله أن يريهما المناسك قا : {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا }البقرة128 ، ولذا أرسل عليه الصلاة والسلام رسوله في عرفة يقول للناس: [قِفوا على مشاعِرِكم فإنكم على إرثٍ من إرثِ أبيكم إبراهيم ]

ومن فضائله: أن اللهَ عز وجل أمر إبراهيم عليه الصلاة والسلام بعد الفراغِ من بناء البيت أن يؤذنَ في الناس بالحج قال تعالى: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ }الحج27

ومن فضائله: أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام قال كما في الصحيحين: (الحجُ المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة)

والحج المبرور فسره بعض العلماء: بأنه الحج الذي لا رياء فيه، والبعض فسره بتفسيرٍ أشمل وأعم قال: هو الذي لم يخالطه إثم.

وعلامةُ الحج المبرور: أن يعودَ بعد الحج وحالُه في طاعة الله عز وجل أفضل مما كان قبل الحج.

 

 

ومن فضائل الحج: أن النبي قال كما في الصحيحين: (من حج فلم يرفُث ولم يفسُق رجع من كيومِ ولدته أمُّه) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ظاهرُهُ أنه يٌكفرُ الصغائرَ والكبائر، وهو من أقوى الأدلة في تقوية الأحاديث الواردة بالتصريح في ذلك كحديث ابن عمر رضي الله عنهما -وهذا حديث يُعدُّ فضيلةً من فضائل الحج وهو حديث ابن عمرَ رضي الله عنهما الذي رواه البزار- .  انتهى كلامه رحمه الله.

وحديث ابن عمر رواه البزار وهو عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:

كنت عند النبي في مسجد مِنى، فأتاه رجل من الأنصار ورجل من ثقيف ، فسلما ، ثم قالا: يا رسول الله ! جئنا لنسأل، فقال: ( إن شئتما أخبرتكما بما جئتما تسألاني عنه فعلت، وإن شئتما أن أمسك وتسألاني فعلت ) .

فقالا: أخبرنا يا رسول الله !

فقال الثقفي للأنصاري: سَلْ، فقال: أخبرني يا رسول الله ! فقال: ( جئتني تسألني عن مخرجك من بيتك تؤم البيت الحرام وما لك فيه ، وعن ركعتيك بعد الطواف وما لك فيهما ، وعن طوافك بين الصفا والمروة وما لك فيه ، وعن وقوفك عشية عرفة وما لك فيه ، وعن رميك الجمار وما لك فيه ، وعن نحرك وما لك فيه ، مع الإفاضة) فقال : والذي بعثك بالحق ! لعن هذا جئت أسألك . قال :

( فإنك إذا خرجت من بيتك تؤم البيت الحرام (تؤم: أي تقصُد البيتَ الحرام) ؛لا تضع ناقتك خفاً ولا ترفعه ؛ إلا كتب [ الله ] لك به حسنة ، ومحا عنك خطيئة . وأما ركعتاكَ بعد الطواف كعتق رقبة من بني إسماعيل، وأما طوافك بالصفا والمروة فكعتق سبعين رقبة . وأما وقوفك عشيةَ عرفة فإن الله يهبط إلى السماء الدنيا فيباهي بكم الملائكة يقول: “عبادي جاؤني شُعثاً من كل فجٍ عميق يرجون رحمتي ، فلو كانت ذنوبكم كعدد الرمل ، أو كقطر المطر ، أو كزبد البحر ، لغفرتها ، أفيضوا عبادي مغفوراً لكم ، ولمن شفعتم له”

 وأما رميُك الجِمار فلك بكل حصاة رميتَها تكفيرُ كبيرةٍ من الموبقات، (وهذا هو موضع الشاهد في أنَّ الحج يُكفرُ حتى الكبائر)

وأما نحرُك فَمُدَّخَرٌ لك عند ربك، وأما حِلاقُك رأسك فلك بكل شعرة حلقتها حسنة ، وتمحى عنك بها خطيئة، وأما طوافُك بالبيت بعد ذلك فإنك تطوف ولا ذنبَ لك،

يأتي ملك حتى يضع يديه بين كتفيك فيقول: اعمل فيما تستقبل ؛ فقد غفر لك ما مضى )

وقد جاء عند مسلم حديث: (من أتى هذا البيت فلم يرفُث ولم يفسُق رجع  كيوم ولدته أمُّه) ولعل هذه الصيغة العامة يدخل فيها تفضُلاً من الله عز وجل يدخل فيها نُسُكً العمرة إذا أتى بالشروط الموجودة في الحديث.

 

 

ولِعِظَمِ الحج أنه ركنٌ من أركانِ الدين والأدلةُ على وجوبه: الكتاب والسنة والإجماع

أما الكتاب: فقوله تعالى { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} ف{على}هنا تفيد الوجوب كما هو مُقرر في الأصول.

وأما من السنة: فقوله عند مسلم: (إنَّ اللهَ قد فرضَ عليكم الحج فَحُجُّوا)

واما الإجماع: فقد أجمعتِ الأمةُ على أنه واجب.

وأما ما جاء في حديث الرجل الذي سأل عن الفرائض فأخبره النبي فقال: (هل عليَّ غيرُها ؟) ماذا قال له النبي ؟ ( قال: لا إلا أن تطوّع) فولَّى الرجل، وقال: (لا أزيدُ ولا أنقُص) فقال ﷺ: (أفلح إن صدق) ولم يذكر الحج في هذا الحديث، وهذا الحديث في الصحيحين، والجواب:

 قال ابنُ حجر رحمه الله: ( جاءت روايةٌ تقول: “فأمَرَهُ بالشرائعِ كلِّها” فدل على أنه ذكر له الحج لأنه من أعظمِ شرائعِ الدين وكيف لا يكونُ؟ والنبي قال كما في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: ( بني الإسلام على خمس ) ذكر منها (الحج).

ووجوبُه: مرةً واحدةً في العُمُر، والأدلةُ على ذلك: الكتاب والسنةُ والإجماع.

فالدليل من الكتاب: قوله تعالى { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} هذا أمرٌ من الله عز وجل، والأمرُ كما هي القاعدةُ في الأصول: (لا يقتضي التكرار) بعكس النهي.

 

والدليل من السنة: قوله كما عند مسلم: (إنَّ اللهَ قد فرض عليكم الحج فحُجُّوا، فقال رجل: يا رسول الله أكُلَّ عام؟ فقال : لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم).

ومن السنة أيضاً: ما جاء عند أبى داود وقد بوَّب أبو داود فقال: [باب الحج مرة واحدة] وذكر هذا الحديثَ تحتَه، وهذا الحديث هو:

قوله لنسائه لما رجع بهن حاجات قال ﷺ: ( هذه ثُمَّ الحُصُر) و[الحُصُر]: جمْعُ حصير إشارةً إلى أن يلزمن البُيوت، وهو  لم يحج إلا مرةً واحدة وهنَّ معه، فقولُه ﷺ: [هذه] يدل على أن الحج لا يجب إلا مرةً واحدة في العمر.

الحج قُرِّر فضله ووجوبه.

 

ومن ثَمَّ تأتينا مسألة: هل هذا الوجوب مبني على الفور أم على التراخي؟

بمعنى: لو أن شخصاً اكتملت فيه شروطُ الحج فهل له أن يؤخر هذا الحج إلى ما شاء من  السنوات القادمة أو أنه يلزمُه أداؤه على الفور؟

الجواب: قولان لأهل العلم

القولُ الأول:

أنه على التراخي، ويستدلون بدليلٍ من الكتاب، وبدليلين من السنة

فأما دليلهم من الكتاب: فهو قوله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} والقضاء إنما يكونُ بعد الوقت.

ودليلهم من السنة: قوله (من أراد الحج فليتعجل) فعلق الحكم بإرادة الشخص.

الدليل الثاني: أنَّ الحجَّ فُرِضَ في السنة السادسة أو التاسعة، والنبي لم يحج إلا في السنة العاشرة.

القولُ الثاني: -وهو القول الصحيح-

أنه يجبُ على الفور ولهم أدلة من الكتاب ومن السنة ومن النظر.

أما دليلهم من الكتاب:

فقوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ} والأصلُ في الأمر أن يُنَفَّذَ فوراً، تصور: -ولله المثل الأعلى- لو أنَّ سيداً أمرَ عبدَه بعملِ شيء ثم تراخى وتوانى في تنفيذه ألا يستحقُ العقاب؟

بلى، يستحق العقاب فأمْرُ السيدِ لعبدِه يُوجِبُ على العبد أن يقومَ به على الفور.

أما دليلهم من السنة:

فهو قولُه كما في المسند وسنن ابنِ ماجة: (تعجَّلوا بالحج فإن أحدَكم لا يدري ما يَعرِضُ له) وفي رواية: (فقد تَعرِضُ الحاجةُ وتَضِلُّ الدابةُ).

وأما من حيثُ النظر: فإنه لو قيلَ بالتراخي فله أن يؤخرَه إلى ما شاء ويكونُ غير مذنب ومن هنا قد لا يتصور حصولُ حج، كيف؟ لأنَّ الموتَ لا أمارةَ لهُ. وهذا هو القول الراجح.

 

أما الجوابُ عن استدلالهم بالآية: فإن قوله تعالى : {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} المرادُ: الفِعل وليس المرادُ بالقضاء هو القضاء في عُرفِ المتأخرين، لأن القضاء في عُرفِ المتأخرين هو (فِعلُ العبادةُ بعدَ وقتِها)

وأما القضاءُ في الشرع فهو: (الفِعل) كقوله تعالى {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ}

وقولُه ﷺ: (وما فاتكم فاقضوا) على إحدى الروايتين.

وأما الجوابُ عن دليلهم حديث: [من أراد الحجَّ فليتعجل] فإن نظيرَ هذا قولُك من أراد الصلاةَ فليتوضأ.

وأما الجوابُ عن دليلهم بأنَّ الحج فُرض في السنة السادسة أو التاسعة ولم يحُج النبي إلا في السنة العاشرة، فنقول -الجواب-:

أنَّ الحجَّ اختلف العلماءُ في وقت فرضيته فبعضهم قال: فرض في السنة السادسة لقوله تعالى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} وهذه الآية نزلت في السنة السادسة.

وبعضُهم قال: فرض في السنة التاسعة ودليلهم قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} وهذه الآيةُ في سورة آل عمران وقد نزلت وقتَ وفودِ نصارى نجران وكان ذلك في السنةِ التاسعة.

فبعضُهم قال: فُرِضَ في السنة العاشرة، ودليلُهم فِعلُ النبي فلم يحجَّ إلا في السنة العاشرة.

فيقال: إنَّ من يقول فُرض في السنة السادسة لا يُسَلَّمُ له الاستدلال بالآية: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} لأن الأمر هنا أمرٌ بالإتمام لا أمرٌ بوجوب الفعل، وفرقٌ في الحكم بين الابتداء والاستدامة فهنا أمرٌ ابتداءً أو استدامةً؟ استدامةً.

وأما من يقول فُرض في السنة العاشرة فيُرَدُّ عليهم بآية سورة آل عمران.

فيكونُ القولُ الراجح: أنه فُرِضَ في السنة التاسعة.

 

فنقول لمن يقولُ بالتراخي: إن أخذنا بأن فرضية الحج في السنة العاشرة فلا إشكال لأنه فرض في العاشرة وحج في السنةِ العاشرة.

وإن قلنا: إنه فرض في السنة التاسعة وهذا -مُتَمَسَّكُهم وهو قوي- فيُرد عليهم بعدةِ ردود في تأخيره الحجَّ من السنة التاسعة إلى السنة العاشرة.

فلماذا أخَّرَهُ إلى السنة العاشرة؟

التأخير لعدةِ أسباب:

السبب الأول:

 ليتنظفَ البيت من بقايا الشرك والمشركين، ولذا أرسل أبا بكر -رضي الله عنه-  ليحجَّ في السنة التاسعة ويُنادَى في تلك السنة أن لا يحج بعد هذا العام مشرك، وهذه مصلحة عظيمة فمن أجلها أخَّرَه عليه الصلاة والسلام، ولذا عَمِدَ في حَجَّتِه بعد تحذير المشركين من الحج بعد السنة التاسعة عَمِدَ في حجته إلى نزعِ كلِّ أثر من آثار الشرك، فكان المشركون في الجاهلية يقفون يومَ عرفة في مزدلفة وقد وقف في عرفة.

– وكانوا يفيضون من عرفةَ قبلَ غروب الشمس فأفاض بعد غروبها.

-كانوا يفيضون من مزدلفة بعد طلوع الشمس وكانوا يقولون لجبل هناك: ( أشرِق ثَبيرُ، كيما نُغيرُ) فأفاض قبل طلوع الشمس.

-وكانوا يقفون على أحد الأقوال: كانوا يقفون في (مُحَسِّر) وهو وادي بين مزدلفة َومِنى، كانوا يقفون لتعظيمِ وتمجيدِ آبائهم فلما مر أسرَعَ.

والمواقف في حَجَّتِهَ الدالة على مخالفة المشركين كثيرة.

إذا: هذا هو السبب الأول وهو أن يُفارقَ في حجته المشركين.

 

السببُ الثاني  في تأخيره عليه الصلاة والسلام للحج:

أنَّ في السنة التاسعة وفَدَت عليه الوفود فاشتغلَ في استقبالِهم، ولهذا يُدعى هذا العام بعام الوفود.

أليست هذه مصلحة؟ بلى.

 

السبب الثالث:

اشتغالُهُ ببعض أمور الجهاد، والجهادُ مصلحةٌ عامة، والحج مصلحةٌ خاصة.

السبب الرابع : ومن الأسباب – قيل بهذا ولكن لِيُذكَر- قيل:

لِتُوافِقَ حَجته في يومِ عرفة يومَ الجُمُعة، فيجتمع عيدان، فيومُ عرفة عيد كما جاء في بعض السنن، ويومُ الجمعة عيد.

ولذا اليهود لما قالوا لعمر رضي الله عنه -وكان المتحدثُ فيهم كعب الأحبار- قال: ( يا أميرَ المؤمنين إنَّ في كتابِكُم آية لو نزلت علينا معشرَ يهود لاتخذنا يومها عيدا، وهي قوله تعالى  { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ} فردَّ عليه عمر بردٍ مُختصر، فقال: واللهِ إني لأعلم أين ومتى نزلت، نزلت على رسول الله وهو واقفٌ بعرفة في يوم جُمُعة) وهذه العبارة تدلُّ على أنها نزلت في يومِ عيد.

 

السبب الخامس :

أنه عليه الصلاة والسلام في حَجَّتِهَ قال: ( إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّه السَّماواتِ والأَرْضَ)

ومعنى هذا الكلام: أنَّ قريشاً كانت تُعَظِّم الأشهر الحُرُم وهي ثلاثةٌ سَرد وواحدٌ فَرد، فالسرد: [ذو القِعدة – وذو الحِجة –ومحرم] والفرد: [رجب]

فكانوا يُعظمون هذه الأشهر ولا يُقاتلون فيها، لكن: إذا مالت نفوسُهم وتاقت إلى القتال استباحوا مُحرماً ونقلوا الحُرمةَ إلى صفر، فيُقدمون صفر ويؤخرون المحرم، ولذا قال عز وجل {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ ۖ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ ۚ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} (التوبة:37) فوافقت حَجَّتُه عليه الصلاة والسلام نفسَ الشهر الذي كتبَهُ اللهُ عز وجل كما في قوله تعالى:  {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ }

فالقولُ الصحيح: أنه يجبُ على الفَور.