الشرح الموسع لمسائل الحج الدرس ( 10 ) ( باب مسنونات الإحرام )

الشرح الموسع لمسائل الحج الدرس ( 10 ) ( باب مسنونات الإحرام )

مشاهدات: 775

بسم الله الرحمن الرحيم

فقه الحج ـ الدرس ( 10 )

باب: [مسنونات الإحرام]

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

 

إذا كان بالميقات المكاني فإنه يُسّنُّ له أشياء

لكن لو قال قائل: هل هذه الأشياء المسنونة له تُسنُّ أيضاً إذا حاذى الميقات إذا لم يمرَّ به؟ الجواب / نعم.

 

ولو قال قائل: لو أنَّ شخصا لن يمرَّ بميقات، وكذلك لن يُحاذِيَ ميقاتا فماذا يصنع؟ ومن أين يُحرم؟ الجواب / قال بعض العلماء: إذا لم يمر بميقات ولن يُحاذيَ ميقاتا فيُحرِمُ عن مكةَ من مرحلتين، لأنه لا ميقاتَ دونَها، والمرحلتان كما قالوا: ثلاثون ميلاً.

 

والإحرام ليس هو لُبس الثياب [ الإزار – والرداء ] وإنما هو:

 نية الدخولِ في النُسُك.

 

فيُسن قبل هذا الإحرام أشياء وهي:

أولاً: أن يتجرَّدَ مِن لِباسِهِ المُعتاد قبل أن يلبسَ لباسَ الإحرام:

يعني: لا يلبس الإزار وعليه سراويلُه مثلاً، فالسنة أن يقوم بخلع السراويل قبلَ أن يلبَسَ الإزار، إلَّا إذا كان على مرأىً من الناس فلا يُسن بل يَحرُم عليه حتى لا تُرى عورتُه أمام الناس، ودليل السُّنِّية/ ما جاء عند الترمذي: ( أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ تجرَّد لإهلاله ).

 

 

 

 

ثانياً: يُسَنُّ له الاغتسال:

وذلك لفعلِ رسولِ الله ﷺ كما ثبتَ عند الترمذي: (أنه تجرَّد لإهلاله واغتسل )

(ولأمرِهِ عليه الصلاةُ والسلام أسماءَ بنتَ عُمَيس زوجة أبي بكر أن تغتسل لمَّا وَلَدَت محمد بن أبي بكر).

(ولأمرِهِ عليه الصلاةُ والسلام لعائشةَ رضي الله عنها لما خَشِيَ عليها فوات الحج أمَرَها أن تغتسل عند إدخالِ الحجِّ على عمرتِها).

(ولفعلِ ابنِ عمر رضي الله عنهما فكان مرةً يغتسل ومرةً يتوضأ).

 

من الفوائد: أنَّ الحائض والنفساء إذا أرادتا النسك لا يجوز لهما أن يتجاوزا الميقات، فعليهما أن يحرما، وإحرامهما صحيح، حتى ولو كانتا في حالة حيض أو في حالة نِفاس.

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

ولو قال قائل: لو أنه بعد الغُسل أحدَث ثم لَبِسَ الإحرام هل يَحصُلُ له المسنون؟

الجواب / نعم.

 

وَلْتعلَم أنَّ الاغتسال المأمور به هو: الاغتسال الذي كان يصنعه النبي ﷺ، ولذا قال عليه الصلاة والسلام: (من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة) ثم ذكر الأجر المترتب على ذلك.

 

ولو قال قائل: لو لم يجِد الماء أو عَجَز عن استعماله لبردٍ أو مرضٍ، وكان الوقت مثلاً وقتَ فجر أو قبل الفجر فهل يتيمم أو لا يتيمم؟

الجواب / اختلف العلماء في هذا: فبعضُ العلماء يقول: يتيمم، لأنَّ التيمم وهو طهارةُ التُراب بدل عن طهارةِ الماء، والبَدَل يأخُذ حُكم المُبدَل منهُ.

القول الثاني: أنه لا يتيمم، وهذا اختيار شيخ الإسلام وهو الصواب،

لأنَّ التيمُمَ إنما ذُكِرَ في كتابِ الله عز وجل في سياقِ طهارةِ الحَدَث لا في طهارةِ غيرِ الحَدَث؛ ولكن ننصحُهُ بالوضوء لفعلِ ابنِ عمر رضي الله عنهما.

 

ولو قال قائل: لو أنه اغتسلَ في بيتِه ثم أحرمَ من الميقات فهل يحصُلُ له المسنون؟

الجواب / إن طالَ الفصل فلا يحصُل له المسنون، ولذا الرسول ﷺ ما اغتسلَ إلا في الميقات.

 

ومما يُسَنُّ لهُ عندَ الإحرام/ ثالثاً: التنظُف من الشعورِ والأظافر:

وهذه ليست بسنة مُستقلة إنما ذكرها العلماءُ استحباباً إذا كانت طويلة حتى لا يَضْطَرَّ إلى أخذِها بعد إحرامِه، أما إن كانت قصيرةً فلا يُستحب.

 

ومما يسن له/ رابعاً: أن يُحرِمَ في إزارٍ ورداءٍ أبيَضَين وفي نَعلَين:

لِما ثبت في المُسند، وقد ثبت عند الدارقطني قوله ﷺ: ( خيرُ ثيابِكُم البَياض ).

 

خامساً: ومما يسن له عند الإحرام أن يتطيبَ:

وهل هذا الطيب في البدنِ وثيابِ الإحرامِ معاً؟

الجواب / قال بعضُ العلماء: نعم، يتطيبُ في بدنِه وثيابِه، وقاسُوا لباسَ الإحرام على البدن.

ولكنَّ الصحيح: أنه لا يجوزُ في لباسِ الإحرام، لقول النبي ﷺ: ( ولَا تَلْبَسُوا شيئًا مِنَ الثِّيَابِ مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ ولَا وَرْسٌ ) كما في الصحيحين.

– ولعدم فعله عليه الصلاة والسلام.

 إنما السُّنَّةُ عند بعض العلماء: أن يكونَ التطيب في البدن خاصةً.

 

وبعض العلماء: يرى المنع من الطيبِ مُطلقاً حتى في البدن، ويستدلون على ذلك بما جاء في الصحيحين:

 (أن رجلاً قال: يا رسولَ الله كيف ترى في رجلٍ أحرمَ بعمرة وهو مُتَضَمِخٌ بالطيب؟ فسكت عليه الصلاة والسلام ثم قال: اغسِل الطيبَ الذي بكَ ثلاثَ مرات، وانزَع عنك الجُبَّة، واصنَع في عمرتك ما تصنعُ في حَجَّتِك).

ولقول ابن عمر رضي الله عنهما: (لأن ادَّهِنَ بقَطِران أحبُّ إليَّ من أن أُصبِحَ مُحرِماً مُدَّهِناً بطيب).

 

وأما أصحابُ القولِ الأول القائلين بالسنية: فيستدلون بتطييب عائشةَ للنبيِّ ﷺ.

 

وأجابَ من قال بالمنع عن هذا الحديث فقال:

 إن النبي ﷺ إنما تطيبَ قبل أن يُجامِعَ زوجاتِهِ ثم اغتسَلَ عليه الصلاة والسلام.

 

وفائدة عَرَضية/ استحبَّ بعضُ العلماء للرجلِ قبل أن يجامعَ زوجَتَه أن يتطيب، حتى يأتيَ إليها برائحةٍ طيبة، استدلالاً بفعل النبي ﷺ لمَّا تطيَّبَ ثم طاف على نسائه.

 

والصحيح أن التطيب عند الإحرام: سُنَّة، أما ما ذكرتم فلا نُسلِّمُ بأنَّ الطيبَ من أجلِ جماعِ النساء، كيفَ وعائشة رضي الله عنها تقول:

 ( طيبتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لإحرامِه قبل أن يحرم)  تقول ماذا؟ (طيبته لإحرامه) وكانت تقول رضي الله عنها: ( أرى وبيصَ المِسك في مفارقِه) أي: في مفارِقِ رأسه ﷺ؛ وقد جاء عنها كما في سنن أبي داود أنها قالت:

( كنا نُضَمِّدُ جباهَنا بالطيب فيسيلُ من العرق فيرانا رسولُ الله ﷺ ولا ينهانا ).

 

أما الجواب عن حديث الرجل فيُقال:

هذا الرجل سأل النبي ﷺ بالجِعِرَّانَة وذلك في السنةِ الثامنة.

 وتطييبُ عائشةَ لرسول الله ﷺ في السنة العاشرة، فيكونُ المتأخر ناسخاً للمُتقدم.

 

 وأحسنُ من هذا كما هي القاعدة الأصولية:

 [ أنه إذا أمكنَ الجمعُ بين الدليلَين فهو أَوْلَى من النسخ]، وقد يعبرون عن ذلك بتعبيرٍ آخر فيقولون: [ إعمالُ الدليلَين أَوْلَى من إلغاءِ أحدِهما ]

والجَمْع/ أنه جاء في إحدى روايات مسلم: ( أنه مُتَضَمِّخُ بالزَعفران )

 وقد جاء عند البخاري:

 ( أن رسول َاللهِ ﷺ نهى أن يتزعفرَ الرجل ) وهذا شاملٌ للبدنِ وللثياب،

 ولا يدخل علينا داخل فيقول: إنَّ الشيبَ يجوزُ أن يُزَعفَرَ، وذلك لأنَّ صِبْغَ الشعرِ بالزعفران مُستثنى،

وعلى القولِ بسُنيته/ فلو أنه بعد دخولِه في النسك سال هذا الطيبُ إلى موضعٍ آخر في بدنِهِ فلا شيءَ عليه.

وأما إذا نحَّاهُ أو مَسَّهُ فَيَحرُم وعليه فديةُ محظور.

والأفضل: أن يكونَ الطيبُ في مفارِقِ الرأس واللحية.

 

أما قولُ ابنِ عمرَ رضي الله عنهما: فقد أنكرت عليه عائشة رضي الله عنها،

وقولُ الصحابي كما هي القاعدة:

 [ قول الصحابي حُجَّة ما لم يُخالِفْ نصاً فيُطرَح، أو يُخالفْ صحابيا آخر فيُطلَب المُرَجِّح] والمُرَجِّح مع عائشة رضي الله عنها.

 

سادساً: مما يُسن عند الإحرام:

قول بعض العلماء: أن يُصليَ قبل أن يُحرم عند بعضِ العلماء، فيؤخِرُ دخولَه في النُسُك إلى أن يصليَ ركعتين لفعلِ النبي ﷺ فإنه ما أهلَّ لحجّه إلا بعدَ الصلاة.

والقولُ الآخر: أنه لا أصلَ لمشروعيةِ صلاةِ الإحرام، وهذا اختيارُ شيخِ الإسلام رحمه الله

 وأما فِعلُهُ ﷺ: فإنَّ وقْتَ إحرامِهِ وافَقَ وقْتَ صلاة، فصلى ثم أحرم،

فمن وافق إحرامُه وقتَ صلاة فيُسَنُّ له تأخيرُ الإحرام إلى ما بعدَ الصلاة، وإن لم يُوافق فلا يُصلِّ.

لكن إن كانت عادتُه أن يُصليَ الضحى أو غالب أحوالِه، وكذا القَول في سُنَّةِ الوُضوء فإنه يصلي سُنَّةَ الوضوء ثم يُحرِم.

 

 

 

لو قال قائل/ قلتم إنَّ النبي ﷺ أهَلَّ بعد الصلاة، فنعارضُكم فقد ورد:

 أنه ﷺ أهَلَّ لما ركِبَ راحلَتَه، وأيضاً: ورد عنه ﷺ أنه أهَلَّ لما استقَلَّتْ به على البيداء، فما هو الجوابُ عن هذا التعارض؟

الجواب: نقول الجواب قاله ابنُ عباس رضي الله عنهما أنَّ الرواةَ حَدَّثَ كلُّ واحدٍ منهم بما سَمِعَ مما لم يسمعْهُ الآخَر.

فماذا نقول؟ نقول: يصنعُ هذا كلَّهُ

فإن وافق إحرامُهُ وقتَ صلاة فيُهِلّ بعدَ الصلاة، وإذا رَكِبَ راحلَتَهُ أو دابَّتَهُ كذلك يُهِلّ وإذا استقلت به على البيداء فكذلك يهل.

ومما يُسنُّ له إذا استوى على راحلتِهِ -إذا ركِب راحلَتَه – وقبل أن يُهِل يُسن له أن يقول:

[ سبحان الله والحمد لله والله أكبر ] وهذا ثابتٌ في صحيحِ البخاري.