بسم الله الرحمن الرحيم
فقه الحج ـ الدرس ( 11 )
باب في أنواع النُسُك: [ التمتع والإفراد والقِران ]
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
الفقه الموسع: باب [أنواع النُّسُك]
مسألةٌ تتعلقُ بالإهلال: إذا أراد أن يُهِلّ فما هو الأفضل التمتع أو القِران أو الإفراد؟
ولو قال قائل: قبل أن تذكرَ الأفضل نريدُ معرفةَ هذه الأنساك وكذلك ما صُوَرُها؟
فنقول: الأنساك ثلاثة ( تمتع وقِران وإفراد )
نُسُك التمتع
هو أن يحرمَ بعمرةٍ مفردةٍ من الميقات في أشهرِ الحج، ثم يُحرم من عامِه،
بمعنى: أنه يُحرم في شهرِ شوال أو في ذي القعدة أو في أوائل ذي الحِجَّة،
يُحرم بعمرة من ميقاتِهِ المُعتبرِ له، ثم يتحلل من العمرة ولا يُسافر إنما يبقى في مكة ثم يُحرِم بالحج في نفسِ العام.
وبعض العلماء يقول: لو أحرمَ بالعمرة من غيرِ ميقاته المُعتبرِ له لا يَنعقِدُ تمتُّعُه،
لكنه قول لا دليلَ عليه.
لكن ماذا نقولُ في حقِّ هذا الرجل الذي أحرمَ من غيرِ ميقاتِه المعتبرِ له؟
نقول له: عليكَ دَمَان [دمُ التمتع – ودمُ تركِ الواجب].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نُسُك القِران
أمَّا القِران فله صورٌ ثلاث:
واحدة متفقٌ على جوازِها، واثنتانِ مُختلفٌ في جوازِها.
أمَّا الصورةُ المتفقُ على جوازِها هي:
[ أن يُحرِمَ بالعمرةِ والحجِّ معاً، فيقول عندَ إحرامِه: لبيك عمرةً في حَجَّة]
الصورةُ الثانية: أن يُحرمَ بالعمرة ثم قبلَ طوافِه للعمرة يُدخِلُ الحج.
فقد اختلف العلماءُ فيها/
فبعضُ العلماء: يرى الجواز لفعلِ عائشة رضي الله عنها.
وبعضُ العلماء: يرى المنع ويقولُ إنَّ صنيعَ عائشة رضي الله عنها إنما هو عندَ الضرورة، فهو عليه الصلاة والسلام خَشِيَ أن يفوتَها الحج. وهذا هو الأقرب.
الصورةُ الثالثة: أن يُحرمَ بالحج ثم يُدخل العمرةَ على الحج.
وهذه أيضاً اختلف العلماءُ فيها/
فبعضُ العلماء: يرى المنع.
وبعضُ العلماء: يرى الجواز.
وهذا مبني على مسألة: هل القِران أفضل أم الإفراد؟
والشيخ ابنُ عثيمين رحمه الله يختار الجَواز ويقول:
لأنَّ النبي ﷺ (أحرمَ في أولِ أمرِهِ مُفرِداً ثم أدخَلَ العمرة).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نسك الإفراد
أما الإفراد فهو أن يأتيَ بالحجِّ مُفرَداً دونَ عمرة.
أما ما قاله بعضُ العلماء: أنَّ المُفرِدَ يأتي بعمرة بعد حَجِّهِ فلا دليلَ عليه
وَلْتَعلَم أنَّ أعمالَ القارِن والمُفرِدِ سواء لا يختلفان في شيء، إلَّا أنَّ القارِن يزيدُ على المُفرِد بالهَدي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأما مسألة: هذه الأنساك أيُّها أفضل؟ اختلف العلماء فيها اختلافاً واسعاً/
والذي يقرأُ في كتب الفقه والحديث المُطَوَّلَة يجِد طولا في هذا الاختلاف.
وهذا الاختلاف مبنيٌّ على ما جاء من رواياتٍ متعددة:
فبعضُهم قال: إنَّ النبيَّ ﷺ [أحرم مُفرِداً]
وبعضُهم روى [أنه تمتع]، وبعضُهم روى [أنه قَرَن]
وشيخُ الإسلام رحمه الله يقول:
إنَّ هذه الأنساك لا واحد أفضل من الآخر إنما هو التفصيل:
فإن كان ساقَ الهدِي فالقِرانُ لهُ أفضل.
وإن لم يَسُقِ الهدي فننظر/ هل أحرَمَ بالعمرةِ في أشهرِ الحج أو قبلَ أشهُرِهِ؟
فإن كان قبلَ أشهُرِ الحج: فالأفضلُ له الإفراد،
وإن أحرمَ بالعمرة في أشهرِ الحج: فالأفضلُ له التمتع.
أَّما حديثُ النبيِّ ﷺ أو ما اختُلِفَ في أنساكِه فالجواب عنه كما قال رحمه الله:
أنَّ من روى القِران: لأنَّ النبيَّ ﷺ قَرَنَ بين الحجِّ والعمرة مَعَ سَوْقِهِ للهدي،
ومن قال إنه أفرَد: فباعتبار أنَّ أعمالَ القارِن كأعمال المُفْرِد.
ومن قال إنه تمتَّع: فالمرادُ القِران لأنَّ الصحابةَ رضي الله عنهم يُطلِقُون على القِران تمتعاً لأنه يتمتع في سفرةٍ واحدة بِنُسُكَين.
وأما مَنْ فَضَّلَ التمتع فقال:
لأنَّ النبيَّ ﷺ أمرَ الصحابةَ بهِ، بل ألزَمَهُم لمَّا طافُوا وسَعَوا
بل إنَّ بعضَ العلماء يرى: الوجوب، أي: يرى وجوب التمتع
بل إنَّ ابنَ عباسٍ رضي الله عنهما يرى:
أنَّ من طاف وسعى فقد حَلَّ حُكْماً وإن لم يكُن حَلَّ حقيقةً.
يقول ابن القيم رحمه الله:
“وأنا إلى رأيِ ابنِ عباس أَمْيَلُ منه إلى رأيِ شيخِنا “ يريدُ شيخَ الإسلام رحمه الله.
وكان ابنُ عباسٍ رضي الله عنهما يغضَب، ومقولَتُه المشهورة إنما صَدَرَت فيمن خالفَهُ في التمتع، وهو قولُه رضي الله عنه: ( يوشِكُ أن تنزِلَ عليكم حجارةٌ من السماء، أقولُ لكم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون قال أبو بكرٍ وعمر )
فعندَ ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما لا محيصَ من التحلل بعد العمرة.
ومن رأى الإفراد أفضل: فلحديث (أنه أفرد)، وسَبَقَ توجيهُهُ، ولأنه قولُ أبي بكرٍ وعمر رضي الله عنهما؛ ولذا إذا احتُجَّ على ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما برأيِ أبي بكرٍ وعمر قال هذه المقولة: (يوشِكُ أن تنزِلَ عليكم حجارةٌ من السماء، أقولُ لكم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون قال أبو بكرٍ وعمر)
وحُجَّةُ أبي بكرٍ وعمر رضي الله عنهما: حتى لا يُهجَرَ البيت، لأنَّ مَنْ قَرَنَ وتمتع ظَفِرَ بنُسُكَين، ولكن إذا قلنا له أفرِد سيعودُ مرةً أخرى للاعتمار، وإذا تردد كان أكثرَ أجراً.
وأما من قال إنَّ القِرانَ أفضل:
وذلكَ لِفِعلِ رسولِ الله ﷺ
وقد أجابَ شيخُ الإسلام رحمه الله عن أمرِ النبيِّ ﷺ للصحابةِ بالتمتع، لأنَّ الصحابيَّ رضي الله عنه لما سألَهُ يا رسول الله: ( ألنا خاصة ؟ قال: لا، بل لأبدِ الأبد ).
فَفَهِمَ ابنُ عباسٍ رضي الله عنهما أنَّ هذا مُحَتَّمٌ على الجميع وهو التمتع،
فيقولُ شيخ الإسلام رحمه الله: إنَّ هذا الحديث إنما وجوبُهُ على الصحابةِ رضي الله عنهم وذلك لإلغاءِ ما ترسَّبَ في الأذهانِ من أنَّ العمرةَ في أشهُرِ الحج من أفجرِ الفجور، مما حَدَى بِبعضِهِم أن يقول: ( نذهبُ إلى مِنى ومذاكيرُنا تقطُرُ منياً )
فوجوبُ المتعة إنما هو على الصحابةِ رضي الله عنهم،
أما قولُه ﷺ (لأبدِ الأبد) فهو جواز تغييرِ النُسُك، نُسُك الإفراد أو نُسُك القِران إذا لم يَسُق الهدِي، يجوزُ تغييرُهُ بعد الطوافِ والسعي، فله أن يجعلَها عمرة ويتمتع.
وإنما قلنا بالجواز لأنَّ المفردَ والقارن طوافُهُما الأول طوافُ سُنَّة وهو: طوافُ القدوم وسعيُهُما: سعيُ حج،
وقد جاء في حديثٍ فيه مقال: ( لمَّا سأله بعضُ الصحابة أهي لنا خاصة؟ قال: نعم ).
فلو لم يُختَلَف في صحةِ هذا الحديث لأصبح هذا الجَمْع الذي جَمَعَهُ شيخُ الإسلام أظهَرَ وأظهَر.
فالأوَّل: بَيَّنَ أنها إلى الأبد، وهذا: خاصة
فتكونُ الخصوصية في الوجوبِ في حقِّ الصحابة،
والعموم في جوازِ قَلْبِ النُّسُك، نُسُك الإفراد والقِران إلى تمتع.
ولْتعلَم أنَّ المسألةَ مبنيةٌ على الأفضل، إلَّا في قولِ ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما.
فيجوزُ للمسلم أن يختارَ ما يشاء، أما الأفضلية فكما سبق،
ولذا قالت عائشةُ رضي الله عنها كما في الصحيحين: (خرجنا مع رسولِ الله ﷺ فَمِنَّا مَن أهَلَّ بعمرة، ومِنَّا مَنْ أَهَلَّ بحج، ومِنَّا مَنْ أهَلَّ بحجٍّ وعمرة).