بسم الله الرحمن الرحيم
فقه الحج ـ الدرس (12)
مسائل تتعلق بالتلبية والإحرام
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
مسألة تتعلق بالإحرام:
استحبَّ بعض فقهاء الحنابلة أن يقول عند إحرامه: (اللهم إني أريدُ نُسُكَ كذا فيَسِّرْهُ لي)
والصحيح: أنه لا يُستحب وليس بمشروع فإنَّ النبي ﷺ لم يقُلْه ولا صحابتُه رضي الله عنهم، ولما أرشد ضُباعة إلى أن تقول: (إن حبسني حابس فَمَحِلِّي حيثُ حبستني) لم يرشدها إلى هذا.
والتلفظ بالنية بدعة لا في الحج ولا في غيره، أما قول: ” لبيك عمرة أو لبيك حجا وعمرة ” فليس تلفظاً بالنية إنما لأنها ذِكر، ولذا قال ﷺ: (أمرني جبريل أن آمرَ أصحابي أن يرفعوا أصواتَهم بالتلبية) وعلل، قال: (فإنها من شِعارِ الحج).
ولو سلمنا تنزُلاً أن التلبيةَ إظهارٌ للنية فيجبُ أن يقتصرَ على الوارِد،
والوارد: هذا اللفظ في عبادة الحج.
مسألة الاستثناء:
وقد استحب بعضُهم أن يقول أيضاً: ( إن حبسني حابس فَمَحِلِّي حيثُ حبستني )
وحُكِيَ بفتح الحاء ( فمحَلي ) وهذه هي مسألة الاستثناء.
فقد اختلف العلماء في استحباب هذا القول/
فبعض العلماء: يرى أنه مستحب مُطلقاً لأمره ﷺ ضُباعة لمَّا كانت شاكية، أي: مريضة وخَشِيَت أن يمنَعها مانعُ المرض من الحج قال ﷺ:
(حجي واشترطي وقولي: إن حبسني حابس فَمَحِلِّي حيثُ حبستني ) هذا في الصحيح، وزاد النسائي: (فإنَّ لك على ربِّك ما استثنيتي).
وبعض العلماء يقول: لا يُستحبُ مطلقاً لا للخائف من المانع ولا لغيره، وذلك لأن النبي ﷺ لم يقلْهُ هو ولا صحابته.
وبعض العلماء توسط فقال: إن خَشِيَ المانع فيُستحبُّ قولُه، لأمره ﷺ بذلك لضُباعة بنت الزبير، وإن لم يَخشَ المانع فلا يُستحبُّ قوله لأنه لم يقله ﷺ ولا صحابته.
وهذا هو الصواب جمعاً بين الأدلة
فمن خَشِيَ المانعَ كمرضٍ أو إحصارٍ أو حيضٍ من المرأة فيستثني، وإلا فلا.
فلو قال قائل/ ما من أحدٍ إلا وهو يخشى المانع؟
فالجواب / أنَّ إطلاقَ المانع المَخُوف خوفاً يسيراً أو مُحتَملاً لا يدخل، لأنَّ الحوادثَ وُجِدَت في عصر النبي ﷺ كالذي وقَصَتْهُ دابتُه.
لكن لو قال قائل / على هذا الترجيح أنه لا يستحبُ قولُه لمن لم يخشَ المانع/
لو قالها من لا يخشى المانع ثم حصلَ المانع فهل استثناؤه يُفيدُهُ أم لا؟
الجواب/ بعضُ العلماء يقول: يفيدُه لأنه قالَه.
وبعض العلماء يقول: لا يفيدُه لأن قولَه غيرُ مُعتَدٍّ به فكأنه لم يقلْهُ. وهذا هو الصحيح.
ولو قال قائل/ هل يكفي في الاستثناء النية أم لابد من القول؟
الجواب/ قال ابنُ قدامة رحمه الله: يُحتَمَلُ أنَّ النيةَ كافية، وذلك لأنَّ هذا الاستثناء تابعٌ للإحرام، والإحرامُ ينعقِدُ بالنية.
قال: ويُحتملُ أنه لابدَّ من القول لأنَّ النبيَّ ﷺ قال لضُباعة: (قولي) وهذا هو الصواب.
فائدة الاستثناء:
وفائدةُ الاستثناء أنثُ يَحِلُّ مجاناً، يعني: إن حصل المانع وكان قد استثنَى فإنه يخلعُ ثيابَ الإحرام ويعودُ إلى بلدِه ولا شيءَ عليه لا دم ولا غيرَه.
من مسائل الإحرام/ أنه متى ما دخل في النُّسُك فلا يجوزُ له أن يخرجَ منه حتى لو صرَّحَ بذلك، حتى لو قال: رفضتُ إحرامي.
وهل يلزمُه دم إذا رفَضَ إحرامَه؟
الصحيح: أنه لا يلزمُه لأنَّ هذا الرفضَ لا يترتبُ عليه شيء فهو لَغُو،
فمن دَخَلَ في نُسُكِهِ فلا تبرأُ ذِمَّتُهُ من هذا النُّسُك إلا بواحدٍ من ثلاثةِ أشياء:
إمَّا أن يفرُغَ منه.
وإمَّا أن يُحصَر.
وإمَّا أن يكونَ قد استثنى.
ولو اعترض معترض بأنَّ المُفردَ والقارنَ يجوزُ له أن يتحللَ بعمرة ويكونَ متمتعاً؟
فالجواب/ أنَّ هذا تحلُلٌ من مَفضول إلى فاضِل، ثُمَّ إنَّ الشرعَ جاء به.
وَلْتَعلَم أنَّ القارنَ والمفردَ لهما أن يُحولا نُسُكهما إلى عمرةِ تمتع
إلَّا إذا وقَفَا بعرفة فليس لهما التمتع،
وإن صنعا ذلك: فَفِعلُهُما لغو، وذلك لأنهما تلبَّسَا بالركنِ الأعظم من أركانِ الحج،
ولأنهما لا يستفيدان مِنْ هذا التحلل لأنه يلزمُهُما – لو قيلَ بالتحلل – يلزمهما الإحرامُ بالحج فوراً.
ومن المسائل المتعلقة بالإحرام
لو شَرَطَ في إحرامِه أن يَحِلَّ متى شاء، أو شَرَطَ أن يُفْسِدَ حَجَّهُ فيعتبرُ شرطاً لاغياً ويلزمُه الإتمام لقوله تعالى: { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}.
ومن المسائلِ المتعلقةِ بالإحرام/ لو قال أحرمتُ يوماً، أو أحرمتُ نِصفَ نُسُك:
فإنه يَصِح ويلزمُه الإتمام لأنَّ النُّسُكَ لا يتبعض.
ومن المسائل المتعلقة بالإحرام
لو قال/ إن أحرَمَ فلان فأنا مُحرِم:
فلا يُعَدُّ بهذا القولِ مُحرِماً لعدم النية، ولعدم تَحَقُقِ إحرامِ فُلان.
ومن المسائل المتعلقة بالإحرام: يَصِحُّ إحرامُه مطلقاً
وصورته: أن يُحرِمَ دونَ أن يُعَيِّنَ نُسُكاً:
فَيَصِحُّ الإحرام وله أن يصرفَهُ إلى أيِّ نُسُكٍ شاء، ويُشترطُ:
أن يكونَ ذلك قبلَ طوافِه، فإن طافَ ثم صرَفَهُ فطوافهُ غيرُ مُعتَدٍّ به، لماذا؟
لأنه لم يَطُف لا في حجٍ ولا في عمرة، فيُقالُ له: عَيِّنْ النُّسُك ثم طُفْ.
ومن المسائل المتعلقة بالإحرام: يَصِحُّ الإحرامُ المُبهَم
وصورتُه/ أن يقول: أحرمتُ بما أحرمَ فلان
وهذه تختلف عن مسألةِ إن أحرَمَ فلان فأنا مُحرِم:
هناك لم يَجزِم بالدخولِ في النسك، أما هنا فقد دَخَلَ في النسك.
وتكونُ حالتُه بينَ أربعِ حالات:
الحالة الأولى: أن يعلمَ إحرامَ فلان فيكونَ مثلَه، ودليلُ ذلك:
أنَّ علياً وأبا موسى الأشعريّ رضي الله عنهما لمَّا قَدِمَا من اليمن على الرسول ﷺ فسألَهما عن إحرامِهما؟ فقالا: أحرَمْنا بما أحرمتَ يا رسولَ الله.
الحالة الثانية: ألَّا يعلمَ إحرامَ فلان، هو يعلم أنَّ فلانا قد أحرم لكن لا يدري ما نوعُ إحرامِهِ، فيكون إحرامُهُ كالإحرامِ المُطلق فيصرِفُهُ إلى ما شاء.
وقال بعضُ العلماء: يتحرَّى.
الحالة الثالثة: لا يدري هل أحرمَ فلان أو لم يُحرِم، فحُكْمُهُ حُكم الإحرام المطلق.
الحالة الرابعة: عَلِمَ بأنَّ فلاناً لم يُحرِم بعد أن أحرم هو فحكمه أيضا حكم الإحرام المطلق.
ومن المسائلِ المتعلقةِ بالإحرام: لو أنه نَسِيَ إحرامَهُ – أي: نَسِيَ نُسُكَهُ- فماذا يصنع؟
الجواب/ نقول: إن كان قبلَ الطواف:
فيكونُ كإحرامِ المُطلَق يصرِفُه إلى ما شاء؛ وقال بعض العلماء: يتحرَّى.
وإن كان بعد الطواف: فيجعلُه عمرةً ويكونُ متمتعاً.
ومن المسائل المتعلقة بالإحرام: لو أحرم بحَجَّتين أو عمرتين فما الحكم؟
الجواب/ تنعقدُ إحداهما وتلتغي الأخرى، لأنَّ الزمنَ لا يتحمل أكثرَ مِن حَجَّة،
كما لو قال: “لبيك حجتين ” أو ” لبيك عمرتين ” لكن هل يقضي؟
قال بعض العلماء: لا يقضي لأنَّ هذه الثانية لغو.
وقال بعضُهم: يقضي.
والأقرب: أنه لا يقضي لأنها لغو ومما يدل على أنها لغو أنه لا يمضي فيها لأنَّ الإحرام لا يتحمل أكثر من حَجَّة أو عمرة.
ومن المسائل المتعلقة بالإحرام:
لو أنه نوى الدخول في النسك ولم يُلَبِّ فهل ينعقدُ إحرامُه أو لا ينعقِد؟
الجواب/ يقولُ شيخُ الإسلام رحمه الله: لا يكونُ مُحرِماً بالنية لأنَّ النيةَ مَعقودةٌ وهو في بلدِه فلا يكونُ مُحرِماً إلا بقولٍ وهو: التلبية، أو بفعلٍ: وهو سَوْقُ الهَدي،
والمشهورُ: أنه متى ما نوى ولو لم يُلَبِّ ولو لم يَسُق هدياً أنه بنيته يكونُ محرماً، وهذا هو القولُ الصحيح، ودليل هذا القول:
ما جاء في الصحيحين من حديثِ عمر رضي الله عنه قال عليه الصلاةُ والسلام:
(إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ).
وأما قولُه رحمه الله: (إنَّ النيةَ موجودةٌ وهو في بلده)
نقول: نعم، هي موجودةُ من بلدِهِ لكن ما هي هذه النية؟
هذه النيةُ هي نيةُ الفعل، وفرقٌ بين نيةِ الفعل ونية الدخولِ في الفعل.
فهو في بلده: نوى الفعلَ وقد يفعل وقد لا يفعل، وعند الميقات: نوى الدخولَ في الفعل.
ولذا تعبيرُ الفقهاء في تعريف الإحرام: [نيةُ النُّسُك – أو نية الدخول في النسك]؟
نية الدخول في النسك.
وبعض العلماء: يرى أنَّ التلبيةَ ركن كتكبيرة الإحرام.
وبعض العلماء: يرى أنها واجبة.
وبعض العلماء: يرى -وهو المشهور- أنها سُنَّة.
وعند التأمل نرى: أنه حسَبَ عِلمنا لم يَرِد دليلٌ بالأمرِ بها، إنما الوارد الفعلُ منه عليه الصلاةُ والسلام ومن صحابتِه، والأمرُ منه برفعِ الصوت بها،
ولكنه قال عليه الصلاة والسلام: ( خذوا عني مناسكَكُم ) وقد لبَّى عليه الصلاةُ والسلام، ولذا يحرِصُ المسلم عليها
لكن إلزام من تركها بدم أو تأثيمِهِ يحتاجُ إلى دليلٍ صريح، فهي كسائرِ الأذكار.
وأما من قاسَها على تكبيرةِ الإحرام: فقياسٌ مع الفارق، لأنَّ الصلاةَ أولُها نُطقٌ وآخرُها نُطق بخلافِ الحج.
ولكنَّ السُّنَّةَ أن يجهرَ بها الرجل، وتُخفيها المرأة لأنها مأمورةٌ بالسِّتر.
وبعضُ العلماء: يرى أن تجهرَ بها لأنَّ صوتَها ليس بعورة.
ونحن نقول: صحيحٌ أنَّ صوتَها ليس بعورة ولكنها مع ذلك مأمورةٌ بالستر، ولذا إذا نابَها شيءٌ في الصلاة أتُسَبِّح كالرجل أم تُصَفِّق؟ الجواب: تُصَفِّق.
وقد جاءَ عن عائشةَ رضي الله عنها أنها ترفَعُ صوتَها بالتلبية حتى سَمِعَها بعضُ الصحابة، فنقَلَ فِعلَها، وهذا لا يُخالِف ما قررناهُ سابقا من أنها تُخفي صوتَها.
فيكونُ التوجيهُ كما قال شيخُ الإسلام رحمه الله:
أنها ترفَعُ صوتَها بالتلبية عندَ رفيقاتِها، فلعلَّ الناقِلَ سَمِعَ تلبيتَها.
والدليلُ على سُنّيةِ الجهرِ بها قولُه عليه الصلاةُ والسلام: “أتاني جبريلُ فقالَ لي: يا محمَّدُ، مُر أصحابَكَ أن يرفَعوا أصواتَهُم بالتَّلبيةِ فإنها من شِعارِ الحج”
فقد جهَرَ بها عليه الصلاةُ والسلام، قال جابر رضي الله عنه كما عند مسلم:
(كُنَّا نصرُخُ بها صُراخاً) وكانت أصواتُهُم تُبَح ما إن يبلغوا إلى الرَّوحَاء.
والسِّرُّ في الرفعِ بها:
لأنها تضمنت التوحيد، ولذا قال جابر رضي الله عنه كما عند مسلم:
(فلما استقلت به على البيداء أهلَّ بالتوحيد).
ولعل السرَّ الآخَر: لإلغاءِ تلبيةِ المشركين والقضاءِ عليها لأنهم كانوا يقولون:
[ لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إلا شريكاً هو لك تملِكُهُ وما مَلَك ].
والرفع يكونُ دونَ إجهاد.
وصفةُ التلبية:
[ لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريكَ لك لبيك، إنَّ الحمدَ والنعمةَ لك والملك، لا شريك لك]
ولن أقف طويلا في تفسيرها وإنما آخذُ بعضاً منها، لأنَّ بعضَ ألفاظِها مرَّت معنا في الدروس السابقة:
معنى لبيك: مأخوذٌ مِن ( أَلَبَّ بالمكان: إذا أقامَ فيه) أي: أنا مُقيمٌ على طاعتك.
وقال بعض العلماء: – وهو داخلٌ في معنى التلبية – أنَّ معناها إجابةُ دعوةِ اللهِ عز وجل بالحج، قال تعالى: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}
ومعنى ( اللهم ): معناها يا الله.
(لا شريكَ لك) : يتضمنُ نَفْيَ الشريك مع الله عز وجل في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، لأنَّ (شريك) نكرة في سياق النفي، لأنَّ (لا) نافية للجنس، والنكرة في سياقِ النفي كما هو مقرر في الأصول: تفيد العموم.
(إنَّ الحمدَ والنعمةَ لك والملك) : الحمد: يدلُّ على توحيد الأسماء والصفات.
النعمة: تدلُّ على توحيد الربوبية، وكذلك كلمة المُلْك.
وكلمة/ ( لبيك) : تدلُّ على توحيد الألوهية.
ثم ختمَ بنفي الشريكِ على عمومِهِ ففي نهايتها: (لا شريكَ لك)
(إنَّ الحمدَ): بكسرِ همزة (إنَّ) فلا تكونُ هذه الجملة مرتبطة بما قبلَها، فتكونُ استئنافية، بمعنى: أنَّ الحمدَ والنِّعمةَ والمُلْك لكَ في جميعِ الأحوال.
وحُكِيَ بفتحِ همزة (إنَّ)
[ لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريكَ لك لبيك، أنَّ الحمدَ …]
(أنَّ الحمدَ) : فتكونُ هذه الجملة على فتحِ همزةِ (إنَّ) مرتبطةً بما قبلَها، فهي بمنزلة التعليلِ لها، فيكونُ المعنى: لَبَّيْتُ لأنَّ الحمدَ والنعمةَ لك.
ولو قال قائل: هل يجوز أن يُزادَ فيها؟
فيقال: ثبتَ أنَّ الصحابةَ رضي الله عنهم لمَّا خرجوا إلى عرفة، منهم المُلَبي والمُكبِّر، ويسمعُ ذلك النبيُّ ﷺ ولا يُنكِرُ عليهم.
وكان ابنُ عمر رضي الله عنهما يقول كما عند البخاري:
(لبيك وسعديك، والخيرُ في يديك، والرغباءُ إليك والعمل).
وكان بعض الصحابة يقول: (لبيك ذا المعارج، لبيك ذا الفواضل).
قال الألبانيُّ رحمه الله: ثبتَ أنَّ رسولَ الله ﷺ كان يخلِطُها بالتهليل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومن المسائل المتعلقة بالإحرام
قال شيخ الإسلام رحمه الله: يستحبُّ أن يُلبيَ عن صغيرٍ ومجنونٍ وأخرسٍ ومريضٍ ومغمى عليه تكميلاً لِنُسُكِهِم.
ومن المسائل المتعلقة بالإحرام:
أنَّ الُّسَّنةَ في حقِّ النائب أن يذكرَ اسمَ المُنيب، لِمَا جاء في سُنن أبي داود: في قصة الرجل الذي قال: ( لبيك عن شُبرُمة ) وإن لم يَذكُر اسمَهُ فالنيةُ كافية.
ومن المسائل المتعلقة بالإحرام:
أن التلبيةَ تُستحبُّ في جميع الأحوال، ويُستثنى من ذلك على الصحيح/
طوافُ القدوم، فلم يرِد أنه عليه الصلاة والسلام لبَّى فيه.
ومن المسائل المتعلقة بالتلبية:
أنها لا تستحبُّ في الأمصار والمساجد غيرَ مساجدِ المشاعر، وذلك لأنَّ ابنَ عباسٍ رضي الله عنهما لمَّا سَمِعَ رجلاً يُلَبِّي في المِصر أنكرَ عليه وقال: (إنما التلبيةُ إذا بَرَز)
وبعض العلماء يقول: إن عمومَ الأحاديث تدل على الاستحباب. وهو الأقرب.
ومن المسائل المتعلقة بالتلبية: أنها تكونُ بالعربية إلا من عجَز فَبِلُغَتِهِ.
ومن المسائل المتعلقة بالتلبية:
أن سؤالَ المغفرة، والاستعاذةَ من النار بعدَها ورد فيها حديث لكنه ضعيف.
ومن المسائل المتعلقة بالتلبية: هل تجوزُ التلبيةُ للمُحِلّ أو تُكرَه؟
مثلا كحالِنا الآن في الرياض: هل نُلبِّي أم لا؟
قال بعض العلماء: يجوز ولا تُكره وذلك لأنها ذِكر.
وقال بعض العلماء: تُكرَهُ للمُحِل لعدَمِ الورود، فالوارِدُ إنما هو في حقِّ المُحرِم.
والصحيح: أنها تجوزُ للمُحِلّ بل تُستحب إذا وُجِد سببُها المنصوص عليه في الشرع،
ومما ورد ما جاء عند الحاكم وصححه ووافقَهُ الذهبي:
(أن النبي ﷺ إذا رأى ما يعجبُهُ من الدنيا قال: لبيكَ إنَّ العيشَ عيشُ الآخرة)
ومع عدم السبب الوارد لا تُقال، وإذا قيلت فهي تكره والاستمرار الراتب عليها تصل إلى البدعة.
لكَ أن تذكُرَ اللهَ عز وجل لكن لو استمريتَ على هذا الذكر في موضعٍ مُعين تلتزمُ به انتَقَل إلى البدعيّة.
ومن المسائل المتعلقة بالتلبية:
أن يستحضرَ المسلم ما وردَ في التلبيةِ من أحاديث، فالنبي ﷺ أخبر أنَّ أفضلَ الحج:
(العجُّ والثَّج ) فالعج: التلبية، والثج: الذبح.
وقال عليه الصلاةُ والسلام:
(ما من مُلَبٍّ يلبِّي إلَّا لبَّى ما عن يمينِهِ وشمالِهِ من حَجَرٍ أو شجَرٍ أو مدرٍ حتَّى تنقطعَ الأرضُ من هاهنا وَهاهنا )
ومن المسائل المتعلقة بالإحرام:
أنه لو أحرمَ جاهلٌ وعليه قميصُه فماذا يصنع؟ هل يخلعه؟
الجواب/ نعم يخلعه، كما قال عليه الصلاةُ والسلام ( وانزَع عنكَ الجُبَّة )
لكن ما صفةُ هذا الخلع؟
إن خلَعَهُ من أعلى غَطَّى رأسَهُ ووقع في محظور،
ولذا قال بعض العلماء: يشُقُّهُ حتى يخلَعَهُ من أسفَل.
والصواب: أنه لا يشقه لأنَ التغطيةَ هنا ليست مقصودة إنما هي تخلصٌ من محظور، شأنُها كشأنِ من اغتصَبَ أرضاً، فَمَشْيُ هذا الغاصب فيها حرام، لكن لو مشى فيها ليدَعَها ويرُدَّها إلى صاحبِها لم يكن هذا المشي محرماً، لماذا؟ لأنه تخلُصٌ من مُحَرَّم.
وحديثُ الرجل الذي أمرَهُ عليه الصلاةُ والسلام بِنَزْعِ جُبَّتِهِ ولم يأمره بِشَقِّها ولأنَّ في شَقِّ القميص إسرافا وتضييعاً للمال، والشريعةُ لا تأتي به.
ومِن ثَمَّ فلا دمَ عليه؛ إلا إذا استدام/
قلنا له: اخلع، فتقاعس وتكاسل؟ فهنا عليه الفدية.
ومن المسائل المتعلقة بالإحرام:
أن يتقيَ الحاجُّ ربَّه امتثالاً لقوله عز وجل:
{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ}
والرفث/ المشهورُ أنه هو: الجماع.
وقال البعض/ إن الرفث: دواعي الجماع كالقبلة واللمس.
وقال البعض: إنه التعريضُ بالجماعِ في كلامه، كأن يقول لزوجته مثلاً: إن تحللنا التحلل الثاني فعلنا وفعلنا.
والصحيح أن الرفث يشملُ هذه الأشياء، وإن كان في الجماع أظهر لكنه شامل.
والفُسُوق: قيل هو السباب لقوله عليه الصلاةُ والسلام كما في صحيح البخاري:
( سِبابُ المسلمِ فُسوقٌ )
وقال بعضهم/ الفسوق هو: كلُّ المعاصي. وهو الصحيح.
وأما الجدال/ فقال بعضهم: هو الجدالُ في أحكامِ الحج التي وُضِّحَت وبُينت في الشرع.
وقال بعض العلماء: هو الجدالُ المعروف.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: الصحيح أنَّ الجدالَ ليس منهياً عنه مُطلقاً وإنما يختلفُ باختلافِ الأحوال، فقد يكونُ الجدالُ واجبا في الحج، وقد يكونُ مستحباً، وقد يكونُ مباحاً، وقد يكونُ مكروهاً، وقد يكونُ مُحرماً.
ولذا قال بعض العلماء: يستحبُّ قلةُ الكلام إلا فيما ينفع، وهذا في جميع أحوال المسلم، وفي الحجِّ آكد لقوله عليه الصلاةُ والسلام كما في الصحيحين:
( من كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فليقُلْ خيرًا أو ليصمُتْ )
وكان شريح إذا أحرَمَ كأنه حيَّةٌ صَمَّاء.
وهل يجوز له أن يشعَر شِعراً؟
الجواب/ نعم يجوز، بشرط ألّا يُكثر وألا يُستقبح، لفعلِ ابنِ عمرَ رضي الله عنهما.
ولو قال قائل/ ما الأفضل له بعد الإحرام أن يأتيَ مكةَ ماشياً أو راكباً؟
قال بعض العلماء: الأفضل أن يأتيَ ماشياً لقوله تعالى:
{وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}
قال: {يَأْتُوكَ رِجَالًا} أي: مشياً على أقدامهم.
{وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ} والضامر هو: البعير الهزيل.
والأصلُ أنَّ ما قُدِّمَ هو الأفضل، فالأصل فيما قدَّمَهُ القرآن هو الأفضل.
وقد أخذ بهذا رسوُل الله ﷺ فلمَّا أراد أن يسعى أتى من بابِ الصفا فلما أشرَفَ عليه قال:
( أبدأُ بما بدأَ اللهُ به ) والذي بدأ اللهُ به هو: الصفا، إذ قدَّمَهُ على المروة في قوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ}
ولأن المشي على الأقدام أكثرُ تعباً فيكونُ أكثرَ أجراً والنبي ﷺ قال لعائشة رضي الله عنها كما عند البخاري: ( أجرُكِ على قدرِ نصبك ).
وقال بعض العلماء: إنَّ الركوب أفضل من المشي،
ويستدلون على ذلك بأدلة فعلية وقولية:
أما الفعل: فإن النبي ﷺ حجَّ راكباً.
وأما القولية: قولُه ﷺ لذلك الرجل الذي يسوقُ بَدَنَة قال:
(اركبها، قال: يا رسول الله إنها بَدَنَة ) يعني: هدي، قال: ( ويلَك اركَبها )
وجاء عند مسلم قوله ﷺ: (اركبها بالمعروف إذا أُلْجِئْتَ إليها )
وهذا تصريح بفضل الركوب.
بل جاء حديث يوضح أن المشي ليس مقصوداً في الشرع:
ولذلك لما جاء ذلك الرجل إلى النبي ﷺ فقال:
(إن أختي نذرَت أن تمشيَ إلى المسجدِ الحرام، قال ﷺ: إن اللهَ لغنيٌّ عن مشي أختك).
ماذا فعلت؟ (نذرت).
أما الآيةُ التي استدلوا بها: ففيها بيان أنَّ اللهَ عز وجل أوقَعَ محبة هذا البيت في نفوسِ الناس، حتى أنه ليُأتى إليه من هو ماشي، وقلتُ بهذا التوجيه لأنه قال:
{وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ} وتفسير الضامر؟ الهزيل.
ولذا قال عز جل: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا}
{مَثَابَةً} يعني: يثوبون ويعودون إليه.
ودعوةُ إبراهيم عليه الصلاة والسلام: { فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ}
قال: { فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً} فنحن في هذا المكان وأفئدتُنا هناك.
ولذا قال ابنُ عباسٍ رضي الله عنهما: (لو قال فاجعل أفئدةَ الناس لحجت الرومُ والفُرس) لكنه قال: { فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ} أي: البعض.
وأما استدلالُهم بالحديث فقد سبق بيانُ ذلك:
وهو أنَّ: العبادة إذا كان لها طريقان أيسر وأشق، فالأفضل اتخاذُ الطريق الأيسَر، فإن لم يكن إلا طريقٌ واحدٌ شاق فيأتي حديث: (أجرُكِ على قدرِ نَصَبِك ).
ومن المسائل المتعلقة فيما بعد الإحرام:
أنه يَحرُمُ على المُحرِم أمور سيأتي بيانُها بإذن الله تعالى.
لكن ما الذي يجوزُ له مما قد يُتوهم أنه حرام؟
أولاً مما يجوز له/ قتلُ القمل:
قال بعض العلماء: يجوز أن يقتلَه وأن يُزيلَه لأنه لا حُرمَةَ له، وهو مؤذي.
وقال بعض العلماء: لا يجوزُ قتلُهُ ولا إزالته، فإن خالفَ فلا فديةَ عليه،
ويستدلون على ذلك: (بأن كعب بن عُجرة لما أُتِيَ به إلى النبي ﷺ والقملُ يتناثرُ على وجهه قال ﷺ: أرى أن هوامَ رأسِك قد آذَتك)
فلم يأمره ﷺ لا بقتله ولا بإزالته، وكذلك كعب لم يفعل ذلك ابتداءً مع أنه آذاه ولذا قال ﷺ (أرى أن هوامَ رأسِك قد آذَتك)
فلو كان يجوز لأمَرَهُ ﷺ بإزالتِه أو قتلِهِ حتى لا يقَعَ في حَلْقِ الشعر،
وهو الأقرب، ولذا قالوا إنَّ إزالَتَهُ فيه تَرَفُّه.
فلو قال قائل/ ندخل عليكم بمدخل وهو: أنَّ إزالة هذا القمل مُتَعَذِّر لكثرتِهِ بدليل أنَّ القمل يتناثر على وجهه؟
نقول: وهذا المدخل يُرَدُّ عليه بأنَّ إزالتَه مع كثرته ليست متعذرة، فوجود الماء والسدر يقضي عليه.
ومن المسائل التي تجوز للمحرم: حكُّ رأسه إذا حكَّهُ.
ومن الأشياء المباحة للمُحرِم: أن يغتسل، بل قد يُسن إذا كانت هناك رائحة كريهةٌ تنبعثُ منه، والدليل على الجواز:
فعله عليه الصلاةُ والسلام كما في الصحيحين، ولأنَّ عمر رضي الله عنه وهو في ميقاتِ الجُحفة كان يقول لابنِ عباس رضي الله عنهما:
( تعالَ فنافسني في الماء أيُنا فيه أطولُ بقاءً).
ومن الأشياء المباحة للمحرم:
السدر لأنه ليس بطيب لقوله عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين في شأن من وقصته دابتُه: (اغسلوه بماءٍ وسِدر)، وكون السدر له رائحةٌ طيبة لا يُوجِبُ تحريمَه بدليل أنَّ هناك أشياء لها رائحةٌ طيبة مثل: الفواكه مع ذلك لم تحرم.
ومن الأشياء المباحة للمحرم:
أن يُسرِّحَ شعرَه إذا أمِنَ من سقوطِ الشعر، أما إذا لم يأمن ففيه نزاع/
وقد قال ابن القيم رحمه الله: ” ليس هناك دليل لا من كتاب ولا من سُنَّة يمنعُ المُحرِمَ من تسريحِ شعرِه “.
هذه أشياء مباحة وسيأتي أشياءُ مُباحة ضِمن التعليق على محظورات الإحرام.