الشرح الموسع لمسائل الحج الدرس ( 14 ) ( محظورات الإحرام ) الجزء الثاني ( قتل الصيد )

الشرح الموسع لمسائل الحج الدرس ( 14 ) ( محظورات الإحرام ) الجزء الثاني ( قتل الصيد )

مشاهدات: 728

بسم الله الرحمن الرحيم

فقه الحج ـ محظورات الإحرام

الدرس ( 14)

المحظور الثاني (قتل الصيد)

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

 

المحظور الثاني من محظورات الإحرام: قتلُ الصيد

قال تعالى:  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ۚ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَٰلِكَ صِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ ۗ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ ۚ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ (95) أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ ۖ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [المائدة]

 

مسائلُ الصيد كثيرةٌ ومتعددة، وحتى نجمع الأذهان استعينوا بالله عز وجل على تنزيل هذه المسائل على الآيتين:

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا}

يستفاد منها: أن المحرم إذا صاد صيداً فإنه ميتة لأنه قال {لَا تَقْتُلُوا} ومثلُ القتل في هذا الحكم التذكِيَة، فلو ذَكَّاُه بسكين مثلاً فإنه مَيتة يَحرُمُ عليه وعلى غيره.

 

سؤال: لو اضطُر إلى أكله -في حالة اضطرار- هل يُقدِمُ على قتلِ الصيد؟ أو يأكلُ جيفةً بين يدَيه؟

الجواب: اختلف العلماء في هذا:

قال بعض العلماء: يُقَدِّمُ المَيتة لأنه سيرتكبُ محذورَين لو قتل الصيد:

 المحظور الأول: قتله للصيد، والمحظور الثاني: أكله،

وأكلُه بعد قتلِه مَيتة، مع أنه يجوز في حالة الضرورة.

وبعض العلماء يقول: إذا لم تقبل نفسُه فله أن يُقّدِّمَ الصيد،

ولعله الأقرب، لكن: إن لم تعافه نفسه فلا يُقدِمْ على قتلِ الصيد.

 

 

ومن المسائل المتعلقة بقوله تعالى: { لَا تَقْتُلُوا }:

أنه لو اشترك في قتله معَ مُحرِمٍ آخَر فننظُر:

 إن كان جَرَحَهُ والثاني أجهَزَ عليه فيَضمَنُ الجارحُ الأَرش وعلى الثاني تتمتُه.

 

ومن المسائل المتعلقة بقوله تعالى: { لَا تَقْتُلُوا }:

أنه لو أشار عليه أو دلَّ عليه فإنه يَحرُمُ عليه، ويَضمن إن دَلَّ مُحِلًّا، مثال ذلك:

لو قال المُحرِم لِمُحِلّ: انظُر هذا الصيد، أو: ناولَهُ السهم؛ فإنه يحرم عليه الصيد ويضمنه ولا شيءَ على المُحِل، وذلك لأنه هو المتسبب، والقاعدة [ أنَّ المُتَسَببَ كالمُباشر ] والمباشر لا يمكن تضمينُه فشأنه كشأن من نصب أُحبولةً ووقع فيها الصيد،

 ولذا في الصحيحين: ( لما أحرمَ أصحابُ أبي قتادة فرأوا حماراً وحشياً، وكان أبو قتادة غيرَ منتبه له فجعل بعضُهم يضحك ) وفي رواية: ( يتراءون فيما بينهم ففطِنَ أبو قتادة وكان مُحِلاً وهم مُحرِمون، فركِبَ فرَسَه، وَنَسِيَ سهمَه، فسألهم أن يُناولوه السهم فقالوا: والله لا نعينُك عليه بشيء فنزل فأخذ سهمَهُ فصادَه فأشكلَ عليهم أيأكلون منه أم لا؟

فسألوا النبي فقال ﷺ: ( هل منكم من أمَرَهُ أن يَحمِلَ عليه؟ قالوا: لا، قال: أو أشار إليه ؟ قالوا: لا، فأذِنَ لهم في أكلِه) .

 

ومن المسائل المتعلقة بقوله تعالى: {لَا تَقْتُلُوا}:

لو دلَّ مُحرِمٌ مُحرِماً فعلى من يكونُ الجزاء؟

قال بعض العلماء: يكون بينهما لأنهما اشتركا في قتل صيدٍ واحد.

وقال بعض العلماء: على كل واحدٍ منهم جزاء، باعتبار أنَّ فِعلَ كلِّ واحدٍ منهم وقعَ حالَ الإحرام.

وقال بعض العلماء: إنه لا يضمنُ الدال إنما يضمن القاتل له، وهذا أظهر وأوفق للقاعدة الشرعية [ أنَّ المباشرَ والمتسبب إذا اجتمعا في الضمان فيتحملُه المباشر ]

ومِن ثَمَّ لو دَلَّ بعضُهم بعضاً إلى أن بلغوا عشرة أشخاص؟

 فعلى القول الأول: يشتركون في الجزاء.

وعلى القول الثاني: على كل منهم جزاء.

وعلى القول الثالث: لا شيء عليهم إنما الضمانُ على المُباشر.

 

ومن المسائل المتعلقة بقوله تعالى: {لَا تَقْتُلُوا}:

أنه لو أعارَهُ سكيناً لغيرِ الصيد أو سهماً لغير الصيد فصاد به: فلا شيءَ على المُعير،

 أما إذا أعارَهُ للصيد ولو كان مُستغنياً عن هذا السهم لوجود أسهُمٍ عندَهُ: فإنه يَضمَن.

 

ومن المسائل المتعلقة بقوله تعالى: { لَا تَقْتُلُوا }:

لو أنَّ المُحرِمَ وُجِدَ منه ضَحِكُ أو نظرٌ فَفَطِنَ الصائد فلا شيءَ على الدال، لما ورد:

 ( أنهم يضحكُ بعضُهم إلى بعض).

 

ومن المسائل المتعلقة بقوله تعالى: { لَا تَقْتُلُوا }:

لو أنَّ المدلول رأى الصيدَ قبل الدلالة أو قبل الإشارة فلا شيءَ على الدال ولا على المُشير لعدم وجود سبب منهما.

 

ومن المسائل المتعلقة بقوله تعالى: { لَا تَقْتُلُوا }:

أنَّ الدال إذا كان مُحِلاً فلا شيء عليه لو قتله المُحرِم،

 وإذا قلنا لا شيء عليه فيما مضى من مسائل فلا يعني أنه سالم من الإثم، فهو آثم ولكن لا فديةَ عليه.

 

ومن المسائل المتعلقة بقوله تعالى: { لَا تَقْتُلُوا }:

أنَّ المُحِلَّ إذا صادَهُ فأطعمه المُحرم هل يجوز للمحرم أن يأكلَ منه؟

الجواب / اختلف العلماء في هذه المسألة:

فبعض العلماء يقول: يحرُم أن يأكل منه، لأنَّ الصَّعب رضي الله عنه أهدى إلى النبي لحمَ حمارٍ وحشيّ فَرَدَّهُ ثم قال: ( إنَّا لم نرده عليك إلا لأنَّا حُرُم )

وقال بعض العلماء: يجوز أن يأكلَهُ المُحرم لحديث أبي قتادة، وقد أكل النبي وهو  محرِم أكل مما صاده أبو قتادة.

القول الثالث: أنه يجوز ما لم يكن المُحِل صاده من أجل المُحرِم. وهذا هو الصواب جمعاً بين الأدلة، والقاعدة الأصولية تقول [ إن إعمال الدليلين أولى من إلغاء أحدهما ].

فيُحمَلُ حديث الصَّعب رضي الله عنه على أنه صاده من أجلِ رسول الله ، وذلك لأنه نزل ضيفاً على الصعب.

 ويُحمَلُ حديث أبي قتادة على أنه ما صاده من أجل المُحرِم.

ولذا جاء في المسند قوله ﷺ: ( صيدُ البر حلالٌ لكم ما لم تُصيدوه أو يُصَد لكم )

وقد صححه جماعة من العلماء وضعفه آخرون،

 وأما قولُه تعالى: { وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا } وهذه الآية يستدل بها من يقولُ بالمنع إذ قال إنَّ قوله تعالى: {صَيْدُ الْبَرِّ} ليس فيه هذا المعنى الذي ذكرتموه؟

الجواب: أنَّ كلمة {صيد} مصدر، والمصدر يحول إلى فعل المضارع، و [أن] المصدرية، فيكون المعنى: وحُرِّمَ عليكم أن تصيدوا، وليس معنى {صيد} بمعنى مصيد اسم المفعول.

ثم لو سلَّمْنا لما قلتم فإن الأحاديث دلَّتْ على ما ذكرنا.

 

ومن المسائل المتعلقة بقوله تعالى: { لَا تَقْتُلُوا }:

أن المحرم إذا دل عليه أو أشار فصاده مُحِل فإن هذا المصيد حلالٌ للمحلين، لكن:

 هل هو حلالُ للمحرمين غيرِ هذا المحرم الدال؟

قال بعض العلماء: لا يحرُم لورود أثرٍ عن عثمان رضي الله عنه.

وقال بعضهم: يحتَمَلُ أنه يَحرُم لقولِ علي رضي الله عنه: ( أطعِموه حلالاً فإنَّا حُرُم ) وهذا هو الصواب، ويعضُدُه ظاهر حديث أبي قتادة، إذ قال ﷺ: ( هل منكم من أمَرَه أن يَحمِلَ عليه أو أشار إليه؟) فكأنَّ إشارةَ أحدِهِم تُحَرِّمُه على الجميع.

 

ومن المسائل المتعلقة بقوله تعالى: { لَا تَقْتُلُوا }:

لو أن المحرم قتل الصيد ثم أكله فالصحيح أنه يضمنُه لقتلِه لا لأكلِهِ كما لو أتلَفَهُ بغيرِ الأكل.

 

 

 

ومن المسائل المتعلقة بقوله تعالى: { لَا تَقْتُلُوا }:

لو أن المحرم أكل ما صِيدَ لأجلِه فإنه يضمنه على الصحيح لقوله ﷺ: (إنا لم نرده عليك إلا لأنَّا حُرُم ) ففيه إشارةٌ إلى أنه إذا أكله ضَمِنَهُ.

 

ومن المسائل المتعلقة بقوله تعالى: { لَا تَقْتُلُوا }:

لو أن المحرم جرحه ثم أجهز عليه المُحِلّ: فلا شيءَ على المًحل،

 وعلى المُحرم ضمانُ الجُرح.

 

ومن المسائل المتعلقة بقوله تعالى: { لَا تَقْتُلُوا }:

لو أنه أكل بعضَ ما صِيدَ لأجله لم يأكله كله ولكن أكل بعضه فإنه يضمنُ هذا البعض.

 

ومن المسائل المتعلقة بقوله تعالى: { لَا تَقْتُلُوا }:

أنه لو ملَكَهُ بشراء فإن هذا الشراء فاسد، ومِن ثَمَّ لو مَلَكَهُ على وجهِ الاختيار بشراءٍ أو هِبَةِ أو نحوِه فَتَلِف فإنه يضمَن،

 أما إن مَلَكَهُ بغيرِ اختيارِه وذلك في مسألةِ الإرثِ والصَّدَاق/

 فمسألة الإرث: لو وَرِثَ وهو مُحرم صيداً فإنه يملِكُه،

 وكذلك لو أصدَقَ امرأةً صيداً فطلقها قبلَ الدخول فيرجِعُ إليه نصفُ مهرِهِ.

 

ومن المسائل المتعلقة بقوله تعالى: { لَا تَقْتُلُوا }:

أنه لو ملَك الصيد قبل إحرامِه ثمَّ أحرم، فيقال له: أزِلْ يدَك المُباشِرَة عن هذا الصيد،

 أما يدُك الحُكمية فلا تزولُ عن هذا الصيد،

 بمعنى/ أنه يقال له: أنت ملكتَ هذا الصيد في وقتٍ يجوزُ لك أن تملُكَهُ فيه، هو مُلْكُك لكن لا تُحرِم وهو معك، ضَعهُ عند من تريد، وذلك لأنَّ [ استدامةَ الإمساك إمساك]، ويتضحُ هذا: لو أنه حلَفَ ألا يُمسِكَ هذا القلم ثم بعد يمينه استدام إمساكَهُ فهل يحنَث أم لا؟

يحنث، وهو الصواب، خلافاً لمن قال: لا تزول يد المشاهدة عن هذا الصيد.

 

ومن المسائل المتعلقة بقوله تعالى: { لَا تَقْتُلُوا }:

أنه لو أتلَفَت دابته التي هو راكبٌ لها أو سائقُها أو قائدُها، إن أتلفت بمُقدمتها صيداً فيضمن، وإن قتلت بِمُؤخِّرِها فلا يضمن لقول النبي : (العجماء جبار ) كما عند النسائي وغيره، والعجماء : البهمية ، جبار : هدر ، وفرقنا بين المقدمة والمؤخرة لرواية ( رجل العجماء جبار ) وإن كان الألباني رحمه الله يضعفها ، لكن القواعد الشرعية تؤيدها.

 

من المسائل المتعلقة بقوله تعالى: { الصيد}:

أنَّ الصيد المراد منه: الصيد المأكول البري أصلاً.

وقولنا المأكول: يُخرِجُ غير المأكول، وقولنا البري: يُخرِجُ البحري.

وقولنا أصلاً: يُخرِجُ الحيوانَ الإنسي الذي استوحش، فلو شرد بعيرٌ واستوحش فيجوز صيده وأكله، ولو أن غزالاً أُمسِكَ واستأنس فصِيدَ فهو مُحرَّم.

فقولنا المأكول: يُخرِجُ غير المأكول،

وغيرُ المأكول ثلاثةُ أنواع:

النوع الأول: ما أمَرَ الشرعُ بقتلِهِ كما جاء في الصحيحين:

” خَمسٌ من الفَواسِق يُقتَلْنَ في الحِلِّ والحَرمِ: العَقْرب والفأرة والغُرابُ والكلبُ العَقورُ والحِدَأةُ “

 

فهذه يُسَنُّ قتلُها حتى للمُحرِم، وألحقوا بها ما هو مثيلٌ لها أو أعظم منها،

 ولذا قال العلماء: يسن قتلُ كل مؤذي، لأنَّ المؤذي لا حرمَةَ له ولا قيمة.

 

لكن لو قال قائل/ لو كان غيرَ مؤذٍ بطبعه إلَّا إذا انفرَدَ بالإنسان، مثل: الأسد والفَهْد

فقال بعض العلماء: يُكرَهُ قتْلُهُ، وقال بعض العلماء: لا يُكرَه.

والذي يظهر أنه لا كراهةَ في هذا، لأنه ذكر الكلب العقور، وهل المراد الكلب أو كل سَبُع عادي؟

 

 

 

النوع الثاني: ما نهى الشرع عن قَتْلِهِ، فقد نهى النبي عن قتل:

( النملة، والنحلة، والهدهد، والضفدع ، والصُرَد )

 والصُّرَد: هو طائر بطنُه أبيض وظهره أخضر، أحمر المِنقار، فهذا لا يجوزُ قَتْلُهُ لا للمُحِل ولا للمُحرِم.

 

النوع الثالث: ما سكت عنه الشرع:

مثل: الخُنفُساء، قال بعضُ العلماء: لا يُكرَهُ قتلُها لأنَّ ما سُكِتَ عنه فهو عفو.

وقال بعض العلماء: يُكره لأنها ليست مؤذية وهي مخلوقةٌ لِحكمة، قال تعالى:{ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} والراجح أنه يكره.

 

ولو قال قائل: ما تولَّدَ مما هو صيد ومما ليس كذلك، مثلا: تولَّدَ من الخيل والحمار الوحشي؛  لو حصل ظراب بين حمار إنسي وخيل وتولد من هذا الظراب ولد

 فهذا المُتولد هل يُلحق بالصيد؟

نعم يُلحق بالصيد، لأن القاعدة الشرعية تقول: [ إذا اجتمع مبيح وحاظر قُدِم الحاظر لأنه أبرأ للذمة] ، بل لا يجوز للمحل أن يأكله .

ويُعبر عنها الأصوليين بقولهم [ ما لا يُترك المحرم إلا بترك المباح فيجب تركُه ].

 

قولنا البري: البري يُخرِج البحري.

وإذا قلنا البحري: هو الذي لا يعيشُ إلا في الماء، سواء كان في بحرٍ مالحٍ أو عَذْبٍ،

 أو أنهارٍ أو عيون، فالصيد البحري يجوز للمُحرِم، لقوله تعالى:

 {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ}

ولو قال قائل: ما رأيكم في البرمائي؟ وهو ما يعيشُ في الماء وفي البر، مثل: السُلحفاة لأنَّ السُّلْحفاة يجوزُ أكلُها، فماذا تقولون؟

الجواب: يَحرُم، بناءً على القاعدة [ إذا اجتمع مبيح وحاظر قُدِّمَ الحاظر ] فإنه يحرم.

ولو قال قائل: ما رأيكم في طير الماء؟

نقول: إذا صِيدَ يُضمن لأنه يبيض ويُفَرِّخ خارجَ الماء.

 

إذاً: الصيدُ المنهيُّ المُحرِم عن صيدِهِ هو: [ الصيد المأكول البرِّي أصلاً ] .

 

قوله تعالى {وَأَنتُمْ حُرُمٌ}:

يُفهم منه أن الإنسان إذا حَلَّ أنه يَحِلُّ له الصيد، هذا بالمفهوم، أما بالمنطوق ففي أول سورة المائدة قال تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا}.

 

قوله تعالى {وَأَنتُمْ حُرُمٌ}:

يشمل كون الإنسان محرماً أو غيرَ محرم لكن في حدودِ الحرم، وهذا ما يُسمى بصيد الحرم، وصيدُ الحرم: حرامٌ على المُحِلّ وعلى المُحرِم، لقوله ﷺ:

” إنَّ هذا البَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ لَا يُنَفَّرُ صَيْدُه ولا يُخْتَلَى خَلَاه “.

 

فمن المسائل المتعلقة بصيد الحرم: أنَّ صيدَ المُحِل له يُعَدُّ مَيتة كصيدِ المُحرم.

 

فمن المسائل المتعلقة بصيد الحرم:

أن المحرم لو قتل صيداً فيه فهل عليه جزاءان أو جزاءٌ واحد؟

الجواب/ لا يلزمُه جزاءان من جهةِ الإحرام والحَرَم لدخولِ أحدِهما في الآخَر.

 

ومن المسائل المتعلقة بالحرم

أن المُحِل لو أدخلَ صيداً في الحرم فهل يلزمُه أن يُزيلَ يدَهُ المُشاهَدَة؟

اختلف العلماء في هذا / فبعضهم يقول: يلزمُه، قياساً على المحرم إذا ملك صيداً قبل إحرامه ثم أحرم فإنه يُزيلُ يد المُشاهَدَة، فكذلك المُحِل إذا دخل به إلى الحرم.

وبعض العلماء: يرى الجواز، ولا يلزمُهُ إزالةُ يد المُشاهَدَة، وهو الصواب، لأن الناس في عهد عبدِ الله بن الزبير كانوا يجلِبون الصيدِ ويبيعونه ولم يُنكر هو رضي الله عنه ولا غيرُه.

 

ومن المسائل المتعلقة بصيد الحرم

لو أن المُحِل كان في الحِل فرأى صيداً في الحرم، مثل: الحديبية بعضُها في الحِلّ وبعضُها في الحرم، فلو رأى مثلاً صيداً في الحديبية في موضعِ الحَرَم منها وهو في موضع الحِل منها فصادَهُ، فالصحيح: أنه يضمن.

ومثلُه: لو رمى صيداً على غصنِ شجرة، هذه الشجرة في الحِل، والغصن الذي عليه الطير في الحرم: فيضمن لعموم قوله ﷺ: ( لَا يُنَفَّرُ صَيْدُه ).

ولو عكسنا المسألتين:

عكس المسألة الأولى/ فلو كان المحل في الحرم، والصيد في الحل: فإنه لا يضمن.

عكس المسألة الثانية/ لو رمى صيداً على غصن شجرة، هذه الشجرة في الحرم وغصنُها في الحِل فما هو الحكم؟

الجواب: خلاف بين العلماء، فبعضهم يقول: لا يضمن لأنَّ أصلَ الصيد في الحِل،

وبعض العلماء يقول: يضمن لأن أصلَ الشجرة في الحرم وغُصنها تابعٌ لها، وهذا اختيار الشنقيطي رحمه الله، للقاعدة:

 [ إذا اجتمع مبيحٌ وحاظِر، قُدِّمَ الحاظِر ] وهذا هو الراجح.

 

ومن المسائل المتعلقة بالحرم وهي تشبه هذه الصوَر

لو أنه رمى صيداً بعضُ قوائمه في الحِل وبعضُ قوائمه في الحرم فإنه: يضمن، للقاعدة: [ إذا اجتمع مبيحٌ وحاظِر، قُدِّمَ الحاظِر ]

 

ومن المسائل المتعلقة بالحرم/ لو نَفَّرَ صيداً فَتَلف هذا الصيد فهل يضمنُهُ؟

الجواب / نعم يضمنه، للقاعدة: [ المُتسبب كالمُباشر ].

 

عكس هذه الصورة/ لو أن صيداً نَفَر أو نُفِّر فَسَكَّنَهُ وهَدَّأَ مِن رَوْعِهِ، فَتَلِف فهل يضمن؟

الجواب/ لا يضمن لأنه مُحسن، فهو أراد أن يمتثل قول النبي ﷺ: ( لَا يُنَفَّرُ صَيْدُه ).

 

ومن المسائل المتعلقة بصيد الحرم:

لو أنَّ حمامةً من حمامِ الحرم خرجت إلى الحِل فهل يجوز صيدها؟

الجواب / نعم يجوز.

ومما يُذكر في كتب السير أن أصل هذا الحمام الذي في الحرم هما الحمامتان اللتان باضتا وفرختا على غار ثور في وقت الهجرة فليس بصحيح، بل إن قصة الحمامتين ليست صحيحة.

 

ومن المسائل المتعلقة بصيد الحرم:

[ صيد البحر في الحرم ]

فلو كانت هناك بركة في الحرم وكان فيها سمك فهل يُصاد؟

الجواب: اختلف العلماء في ذلك/ فقال بعض العلماء: لا يصاد لأن النبي قال: (لَا يُنَفَّرُ صَيْدُه ) وهذا عام يشمل الصيد البري والبحري.

وبعض العلماء يقول: يجوز صيده لعموم قوله تعالى:

{أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَة}

ولأنه يُباح في حالة الإحرام فيُباح في الحرم.

فتعارض عندنا عمومان، عموم قول النبي ﷺ: ( لَا يُنَفَّرُ صَيْدُه )، وعموم قوله تعالى:

{أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ}

فالجمع هنا متعذر، والقاعدة تقول: [ إذا تعذر الجمع بين الدليلين نظرنا إن كان التاريخ قد ثبت بأن أحدهما مُتأخر، فالمتأخر ناسخٌ للمتقدم وإن لم نعلم فنرجح]

[ نرجئ هذه المسألة حتى نصل لقوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} ] .

 

ومن المسائل المتعلقة بالحرم

أنه لا يجوزُ التعرُّضُ لشجرِهِ ونباتِهِ

ويُستثنى من ذلك: حالة الضرورة كما قال بعض العلماء،

ويستثنى من ذلك: ما زرعه الآدمي لأن النبي قال: ( ولا يُخْتَلَى خَلَاه )

 فأضافَهُ إلى الحرم، فَدَلَّ على أنَّ ما أنبَتَهُ الآدمي لا يدخُلُ في التحريم،

ويستثنى: الإذخِر، وهو من نبات الحرم، وهو نباتٌ دقيق أصلُهُ وجذُورُهُ مُتعَمِّقٌ في الأرض لأن النبي استثناه فقال: ( إلَّا الإذْخِرَ )

 وكانوا يستخدمونه في بناء البيوت وفي القبور وفي الحِدادة.

 

ولو قال قائل: الشوك هل يُقطع لأنه مؤذي؟

الصحيح أنه لا يُقطع ولو آذى لقوله ﷺ: ( لا يُعْضَدُ شَوْكُهُ )

وفرقٌ بين الأذيَّة والضرورة، حتى لا تلتبِسَ بمسألة الاستثناء الأول.

وصورتها: كأن يضطر الحجيج إلى أن يسلكوا هذا الطريق وليس هناك طريقٌ آخر، وفيه شجر فيجوز قطعُهُ للضرورة، للقاعدة [ لا مُحرَّم معَ ضرورة ].

 

ومن المسائل المتعلقة بالحرم:

أنه لا بأس في قطعِ الشجر الميت، لأنه لا فائدةَ منه فهو في حكم المقطوع.

لكن لو قال قائل: لو أن شخصاً قام بقطع الحيّ منه، أتى إلى غصن فَقَطَعَه، فهل له أو لغيره أن ينتفعَ به في تدفئةٍ أو في طبخٍ؟

الجواب: أنَّ القاطِعَ المُتعمد يُعامَل بنقيضِ قصدِه فلا ينتفعُ به،

 أما إذا لم يكن عامدا أو كان غير القاطع المتعمد، قال ابن قدامة رحمه الله:

 يُحتملُ الانتفاع به، ويُحتمل عدمُ الانتفاع؛ والذي يظهر أنَّ له الانتفاع به لأنه ليس مباشراً ولا متسبباً في قطعه، والنبي نصَّ على القطع، ولذا لو سقط بنفسه جاز الانتفاع به.

 

لكن لو قال قائل: هل يجوز أخذ ورق شجر الحرم؟

الجواب: الصحيح أنه لا يجوز لقوله ﷺ: ( لا يُخْبَطُ شَوْكُهَا )، وقياساً على ريشِ الطائر.

 

ولو قال قائل: ما رأيكم في [ الفَقْع ] -وتُسمى الكمأة عندَ البعض- هل يجوز أخذها؟

الجواب: نعم يجوز، لأنه لا أصلَ له فأشْبَهَ الثمرة.

 

ولو قال قائل: هل يجوز رعيُهُ؟

الجواب: قال بعض العلماء: لا يجوز أن تترك البهائم ترعى منه،

 والصحيح أنه يجوز لأن النبي لم يأمر بأفواه الجِمال أن تُكَمم،

ولأن ابن عباس رضي الله عنهما يقول: ( أتيت إلى النبي وهو في مِنى يُصلى إلى غيرِ جدار، وكنتُ على أتَان ) والأتان هي: أُنثى الحمار، قال: ( وكنت على أتان، فدخلت الصف وتركت الأتانَ ترتع ) وهذا نصٌّ في الموضوع.

 

ولو قال قائل: لو أن شخصاً أتلفه عمداً فهل عليه ضمان؟

الجواب: قال بعض العلماء: عليه ضمان لورود بعض الآثار عن بعض الصحابة رضي الله عنهم

ففي الشجرة الكبيرة: بقرة.

وفي الصغيرة: شاة.

وفي الحشيش: قيمتُهُ.

وبعض العلماء: يرى عدم الضمان لعدم ورود ذلك عن النبي

فالشرع بيَّنَ أنَّ في صيده الجزاء، ولم يُبين الضمان في شجره وحشيشه، ولعله الأقرب.

 

ولو قال قائل: أهناك حرم غير حرم مكة؟

الجواب: نعم وهو حرم المدينة عند جمهور العلماء.

فيحرُمُ صيدُ المدينة، وقطعُ شجرِها وحشيشِها لأن النبي قال كما في الصحيحين:

( المدينةُ حرمٌ ما بين عَيْرٍ إلى ثَوْرٍ )

وثور: من جهة الشمال، وعَير: من جهة الجنوب، يعني من الشمال إلى الجنوب.

ومن الشرق والغرب: قال : ( المدينة حرم مما بينَ لابَتيها) وهما الحرَّتَان.

وبعضهم يقول: إنه ليس بحرم، وذلك لأن ثَور جَبَلٌ في مكة دخله النبي في طريقه للهجرة، والصحيح أن ثور جبلٌ آخَر في المدينة، جبلٌ صغير خَلْفَ جبلِ أُحد.

 

سؤال: لو قتل الصيد في حرم المدينة أو قطَعَ الشجر، هل فيه جزاء؟

الجواب: قال أكثر العلماء: لا جزاءَ فيه لعدم ورود دليل في هذا.

 

وقال بعض العلماء: بل فيه الجزاء، وهو: أنَّ من صاد أو قَطَعَ شجراً فإنه يُسلب، والسلب هو: أخذ ما عليه من الثياب، ولكن قال بعض العلماء: يدع سراويلَهُ لستر عورته، وقالوا أيضاً: لا تُؤخَذُ دابته لأنه إنما جاز سلبُها في القتال لأنه يستعينُ بها.

ويدل لهذا ما جاء عند مسلم:

 ( أنَّ سعْدَ بن أبي وقاص رضي الله عنه رأى غلاماً يقطعُ شجرة، فأخَذَ ما عليه، فجاء أهلُهُ، فقال: لا أرُدُّهُ عليكم وقد نَفَّلَنِيه رسولُ الله )

وقال أصحاب القول الأول: إن قولَه ( نَفَّلَنِيه ) يدل على الخصوصية لسعد رضي الله عنه.

والصواب: أنه لا يدل على التخصيص، لعدم الدليل في هذا، بل جاء عن سعد في روايةٍ أخرى: ( أن النبي أذِنَ لهم في سَلْبِ مَن قَطَعَ شجرَ المدينة ) وهذا هو الأقرب.

 

ولو قال قائل: هل هناك فروقٌ بين حرم المدينة وحرم مكة؟

الجواب: نعم هناك فروق منها :-

أولاً: حرمُ مكة مُجْمَعٌ عليه، وأما حرمُ المدينة فمختلفٌ فيه.

ثانياً: حرمُ مكة صيدُهُ مَيتة، وحرمُ المدينة صيدُهُ يَحِلُّ أكلُهُ.

ثالثاً: حرمُ مكة لا يجوز على قولٍ أن يدخُلَ المُحِلّ بالصيدِ إلي الحرم،

 وأما حرمُ المدينة فيجوزُ لقوله لذلك الطفل: ( يا أبا عُمَير ما فَعَلَ النُّغَير).

رابعاً: حرم مكة لا يجوزُ قَطْعُ شَجَرِهِ إلَّا عند الضرورة، وأما حرمُ المدينة فيجوزُ قَطْعُهُ للحاجة، كَعَلَفٍ ونحوِه، فقد أرخَصَ النبيُّ في ذلك كما في المُسند.

خامساً: حرم مكة لا يجوزُ صيدُ البحرِ فيه على قَول، وحرمُ المدينة فلم أرَ خِلافاً في هذا.

سادساً: حرم مكة حَرَّمَهُ إبراهيم ، أمَّا المدينة فَحَرَّمَهُ النبيُّ .

سابعاً: حرم مكة على أحدِ الأقوال/ تُضاعف فيه أُجور الصلاة،

أما حرم المدينة/ فلم أرَ من تعرَّضَ إلى أنَّ المُضاعفةَ تحصُلُ في الحرم.

ثامناً: حرم مكة لا يدخله الكفار لقوله تعالى:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَٰذَا}

وأما حرم المدينة فيجوز لأن ثمامة رضي الله عنه أُخذ أسيراً حال كفره وربط في سارية المسجد.

 

 

لو قال قائل: أهناك حرم غيرُ مكةَ والمدينة؟

الجواب: قد جاء حديثٌ في المُسند: ( صَيْدُ وَجٍّ مُحرَّمٌ )

و( وَجّ ) قيل: هو وادي في الطائف، وقيل: مكان في الطائف، وقيل: كل الطائف،

قال بعض العلماء: إنه حَرَم.

 والصحيح الذي عليه جمهور العلماء: أنه ليس بحرم، وهذا الحديثُ ضعيف، ضَعَّفَهُ الإمامُ أحمد رحمه الله.

 

ثم لو قال قائل: أهناك حرمٌ غير هذه الثلاثة المذكورة؟

فالجواب: لا.

فلو قال قائل: إذاً أين المسجد الأقصى أليس بحرم؟

فالجواب: نقول المسجد الأقصى ليس بحرم، وقد أنكر شيخُ الإسلام رحمه الله على من سمَّاهُ حرماً، وقال إنه ليس هناك حَرَمٌ في الأرض سِوى حَرَمِ مكةَ والمدينة.

 

قوله تعالى: {وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا}/ قوله تعالى: {ومَن قَتَلَه} يدل على أن الجزاء يتعدد بتعدد القتل،  فلو أنه قتل صيداً ثم قتل آخَر شبيهاً له أو مثلَه فعليه جزاءان،

 بينما المحظورات الأخرى فإنه إن كرر محظوراً من جنس واحد ولم يَفْدِ عن الأول/ أجزأهُ جزاء واحدا ما لم يتحايل فيُعامل بنقيضِ قصدِه

مثاله: لو تطيب المحرم فعليه فدية محظور، إن كَفَّرَ ثم تطيَّب مرة أخرى: فعليه فديةٌ أُخرى؛ لكن إن تطيب ثم لم يفدِ وتطيب مرة أُخرى: فعليه فدية واحدة، إلَّا إذا كان متحايلاً، ترك الفديةَ من أجل أن يتطيبَ مرةً أُخرى:

 فيُلزَم بجزاءَين معاملةً له بنقيضِ قصدِه،

 أما الصيد: فعليه بكل صيد فدية، فَدى أو لم يفدِ.

 

سؤال: من رمى صيدا فصاد بهذه الرمية عدة طيور فهل يتعدد الجزاء مع أنها رمية واحدة، وأيضاً المقصود منها أن يصيد صيداً واحداً؟

الجواب: نعم عليه فدية بعدد المصيد ولو كانت الرمية واحدة.

 

وقوله تعالى: {مُّتَعَمِّدًا}: يُخرِج الناسي والجاهل، فلو أنه نسِيَ فصاد، فلا إثمَ عليه ولا جزاء، خلافا لمن قال: عليه الجزاء ولا ذنبَ عليه لأن القتلَ إتلاف، والإتلاف يستوي فيه العامد وغيرُ العامِد،

 والجواب عن هذا: أنًّ هذه القاعدة صحيحة ولكن في حقِّ المخلوقين، أما الله عز وجل فقد صرَّحَ هنا بإسقاطِ حقهِ، قال: {مُّتَعَمِّدًا}، ثم إنَّ الناسي لم يُذكَر في الآية، بل في آخرِ الآية ماذا قال؟ { لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ ۗ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ ۚ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ}

هذا يدل على أنَّ الحكمَ في حقِّ العامد لأن الناسي معذور لا يُنتَقَمُ منه.

 

                                                 

 

ثم قال تعالى: { فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ}

من المسائل المتعلقة بقوله تعالى: { فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ}:

أن من قتل صيداً في الحرم أو وهو محرم فإن الواجبَ فيه كالتالي:-

أن يكون المَصِيد مما له مثيلٌ من بهيمةِ الأنعام، وبهيمةُ الأنعام هي:

 [ الإبل – والبقر – والغنم ]

فإن كان له مثيل فالواجبُ أن يُخرِجَ هذا المِثل، أو: له أن يُقوِّمَ هذا المِثل بدراهم ويشتري بهذه الدراهم طعاماً فيُطعمُ كلَّ مسكينٍ مُدَّاً، أو يصوم عن كلِّ مُدٍّ يوماً.

مثالٌ لصيدٍ له مثيلٌ من بهيمةِ الأنعام: لو صاد نعامة ففيها بَدَنَة،

 أما إذا لم يكن له مثيل وذلك كالعصافير: فإنه يُقوِّمُ هذه العصافير، يُقَوِّمُها بدراهم ويشتري بهذه الدراهمِ طعاماً فيُطعم كل مسكينِ مُدَّاً أو يصوم عن كل مُدٍّ يوماً.

وبعض العلماء يقول:

إن ما له مثيل إن أراد أن يَعدِلَ عن المثيل فلا يُقَوِّم هذا المثيل إنما يُقَوِّم الصيد،

 ولكنَّ الصحيح: أن التقويم يكون للمِثل لاشتراطِ المثلية في الآية.

 

وتقويم المِثل يكون بمحل التلف أو بما يقرُبُ منه، لأن البدنة مثلاً قد يختلفُ ثمنُها من مكان إلى آخر.

ولو قال قائل: أصوم عن البعض وأطعم البعض:

فلا يجزئ لأن الآية حددت إما الإطعام وأما الصيام.

ولو قال قائل: إن الصيد لم يحصل وإنما حصل اعتداء على هذا الصيد أو على ما هو تابع له، فما الحكم؟

الجواب: إن كان الاعتداء على الصيد فسبق تفصيله، لكن: لو اعتدى على ما هو تابع له وذلك كالاعتداء على بيضه فما الجزاء؟ أو احتلبه فما الجزاء؟

الجواب: عليه قيمة البيض واللبن فيشتري به طعاماً فيطعم كل مسكينا مدا، أو يصوم عن كل مد يوما، وإن نتف ريشه فعليه قيمة ما نقص من قيمة هذا الطائر.

 

 

وقوله تعالى{ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ }:

تحديد هذا المِثل يُنَصَّبُ فيه حكمان عدلان، ثم نقول:

 إن كان النبي حكمَ به/ فالحكم حكمُه ﷺ، وذلك كالضبع إذا صِيد فيه كبش.

وإن كان الحاكم فيه الصحابة/ فقال بعض العلماء: يُحتاج إلى تجديد حكم،

والصواب: أنه لا يحتاج لأنهم أعدلُ الناس حكماً ولذا حكموا:

في النعامة: بدنة.

وفي الحمامة: شاة.

وفي الغزال: عنز.

وفي الأرنب: عناق، لها ثلاثة أشهر ونصف الشهر تقريباً.

وفي الضب: جدي، ما تَمَّ له ستة أشهر.

وفي اليربوع: جَفْرَة، ما تَمَّ له أربعة أشهر، واليربوع هو: المعروف عندنا بالجَربوع.

 

وتحديد المثلية قد يكون خفياً، فيُرجع فيه إلى أهل الاجتهاد فقد تكون المثلية في الحجم كالنعامة فيها بدنة، وقد تكون المثلية ليست في الحجم وإنما في صفة، فمثلاً الحمامة فيها شاة لأنهما يتفقان في صفةِ شرب الماء، فهما يُعبَّانِ الماء عَبَّاً.

 

وقوله تعالى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ}:

فيه وجوب إيصاله إلى الحرم، فإن حصل مانع يمنعه من إيصاله جاز ذبحه في غيره، والأقرب: أنه إن عجز يذبحه في مكان التلف أو قريباً منه لقوله تعالى:

{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}.

ومثلُه: الطعام فيجب إيصاله إلى الحرم، فيُوزع على فقرائه، وهذا القولُ الصحيح،

 خلافاً لمن قال يصرفه في أي مكان شاء

حتى قيمة الحليب والبيض، تصرف لفقراء الحرم.

وبالمناسبة فإنه لو قال قائل/ لماذا قلنا بالقيمة في البيض؟

قلنا لأنه صحَّ عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما موقوفاً: ( أن في بيض النعام القيمة)

وأما الصوم فإنه يُجزئ في أي مكان، لأنه خاص بالشخص ولا يتعدى نفعه إلى غيره.

 

وقوله تعالى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ}:

 ليس المراد الكعبة، لأن الكعبة في البيت وإنما المراد الحرم بلا خلاف.

 

وهذه الكفارة على التخيير خلافاً لمن قال هي على الترتيب،

 فبعضهم قال: المِثل فإن تعذر فالإطعام فإن تعذر فالصوم، ولكن الصحيح أن الآية صريحة في التخيير لقوله تعالى: {أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَٰلِكَ صِيَامًا}

 

ثم قال تعالى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ}:

ومن ثم وصلنا إلى مسألتنا / هل الصيد البحري في الحرم يجوز؟

مثلا: بِركة في الحرم وفيها سمك فهل يُصاد أو لا يُصاد؟

الجواب/ النص هنا عام {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ}

وقوله ﷺ: ( لَا يُنَفَّرُ صَيْدُه ) كذلك هو عام،

فعند هذا التعارض نلحَظُ أن قولَه ﷺ: (لَا يُنَفَّرُ صَيْدُه ) هذا في جانب التحريم،

 وأنَّ قولَه تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} في جانب التحليل،

[ وإذا اشتبه المبيح بالحاظر على وجهٍ لا يتميزُ فيه الحاظر، غُلِّبَ جانبُ الحظر]

فعلى هذا: يَحرُمُ صيدُ البحرِ في الحرم.

والأقرب عندي، وإن كان الأول هو الأحوط ، الأقرب أنه:  يجوز،

وذلك لأن القاعدة الأصولية تقول:

 [ إن النص الوارد في موضوعه يُقدم على النص الوارد في غير موضوعه ]

ويتضح هذا بمثالٍ في مسألةٍ جاء نصٌّ عامٌ بتحريمها، وجاء نصٌ عامٌ بإباحتها:

 قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} إلى أن قال: { وَأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ}

 فهذا عام، لا يجوزُ للرجل أن يجمعَ بين أُختين، سواءٌ كانتا أُختَين من النسب أو أختين من الرضاع أو أختين رقيقتين.

 

و النص الآخر/ جاء بالإباحة في الإماء، ذكر في أول سورة المؤمنون في بيانِ صفات المؤمنين:  {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} واستثنى وقال: { إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} وهنا عام، فالسيد له أن يجمع بين أُختين رقيقتين في الجماع فنقول: هذا مُحرم، لأن ما في سورة المؤمنون لا عَلاقةَ له بالمُحرمات من النساء، بينما سورة النساء فَصَّلَتْ فيُقَدَّم.

 

كذلك الشأن هنا/ فإن الله عز وجل فصَّلَ في آية المائدة فقال تعالى:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ }

فقوله: {وَأَنتُمْ حُرُم } شامل للمكان والزمان والإحرام.

تقولُ: ( أحرَمَ فلان ) قد يُراد منه: دخل في الأشهر الحُرُم،

 أو: دخل في الحرم، أو: دخل في الإحرام؛

والزمان خرج من هذه الآية بالإجماع.

فرتَّبَ عز وجل على قتل الصيد في الحرم والإحرام ما ذكره قال تعالى:

{وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ}

هذا تفصيلٌ للصيد البريّ، ثم جاء بعد الصيد البري الصيدُ البحري عاماً قال تعالى:

{أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ}

أما قوله ﷺ: (لَا يُنَفَّرُ صَيْدُه ) فليس فيه تفصيل وإنما ذكر هذه الجملة ضمن ما يَحرُمُ في الحرم ، وهذا هو الأقرب لقوة الأدلة، والأحوط ألا يصيد.