الشرح الموسع لمسائل الحج الدرس ( 2 ) باب شروط الحج الجزء الأول

الشرح الموسع لمسائل الحج الدرس ( 2 ) باب شروط الحج الجزء الأول

مشاهدات: 801

فقه الحج ـ الدرس ( 2 )

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

والقول الصحيح أنَّ الحج يجبُ على الفور

وإذا قلنا إنه واجب على الفور فإنه لا يلزم الإنسان حتى تتوفرَ فيه خمسةُ شروط وهي ما تسمى بـ

شروط وجوب الحج

وهي على النحو التالي:

[ الإسلام   – العقل   –    البلوغ     –   الحرية  –   الاستطاعة ]

والشرطُ في عُرفِ الأصوليين إما:

شرطُ صِحة، أو شرط إجزاء، أو شرط وجوب.

وهذه الأنواع وُجِدَت في شروط الحج.

فالإسلام والعقل شرطان للوجوب والصحة

والبلوغ والحرية شرطان للوجوب والإجزاء

والاستطاعة شرطٌ للوجوب فقط.

 

الشرط الأول: ( الإسلام )

والإسلام ضده الكفر، فالكافرُ لا يجبُ عليه الحج ولا يَصِحُّ منه،

وليس معنى عدم الوجوب انه لا يؤاخَذ بل إنَّ الكفار على القولِ الصحيح: مُخاطَبون بفروع الشريعة فيُعاقبون على كفرهم و

ما اقترفوه من الذنوب قال تعالى:

{ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46حَتَّىٰ أَتَانَا الْيَقِينُ }

فذكروا أنَّ من أسباب دخولهم سقر ذكروا منها ترك الصلاة وترك إطعام الطعام .

-وأما الدليلُ على عدم الصحة: قوله تعالى {وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ} (التوبة:54)

لو قال قائل: لو أن الكافر حج ثم أسلم بعد ذلك فهل يُثابُ على حَجِّهِ؟

الجواب/ نعم لقول النبي كما في الصحيحين: ( لحكيمِ بن حِزام لما سأله عن أعمالٍ كان يعملُها في الجاهلية؟ قال له: أسلمتَ على ما أسلفتَ من خير)،

ولِمَا جاء عند مسلم: (أنَّ عائشةَ رضي الله عنها سألت رسولَ اللهِ عن ابنِ جُدعان فكان يَقري الضيف، ويُغيث الملهوف ، قالت يا رسول الله: فَهلْ ذاكَ نافِعُهُ؟ قالَ: لا يَنْفَعُهُ، إنَّه لَمْ يَقُلْ يَوْمًا: رَبِّ اغْفِرْ لي خَطِيئَتي يَومَ الدِّينِ)

فدل على أنه لو قالها نفعَتْهُ تلك الأعمال ولقوله ﷺ: ( إذا اسلم العبد فحسن إسلامه كتب الله له كل حسنة أزلفها )،  وقال رسول الله ﷺ:

(إذا أَسْلَمَ العبدُ، فحسُنَ إسلامُهُ؛ يُكَفِّرُ اللهُ عنه كلَّ سيِّئةٍ كان زَلَفَها، وكان- بعدُ- القِصاصُ: الحسنةُ بعشرِ أمثالِها إلى سَبْعِ مِئَةِ ضِعْفٍ، والسَّيِّئةُ بمِثْلِها؛ إلَّا أنْ يَتجاوَزَ اللهُ عنه).

 

 

الشرط ُالثاني: ( العقل )

فالمجنون لا يجبُ عليه الحج ولا يَصِحُّ منه لو حج، لأنه لا نيةَ له،

والدليل على عدم الوجوب قولُه ﷺ: (رُفِعَ القلمُ عن ثلاثة ) ذكر منهم (المجنون حتى يُفيق).

وتبدُرُ هنا مسالة:

وهي: لو كان هناك مجنون فهل يَصِحُّ أن يُحرِمَ عنه وَلِيُّهُ باعتبار أنَّ علاماتِ الإفاقةِ تظهَرُ عليه أو يُتوقع منه أن يَفيق، فهل يَصِحُّ؟

الجواب / اختلف العلماء، قال بعضُ العلماء: لا يصح إحرامُه، لأنه لا نيةَ له، وقياسُهُ على الصغير قياسٌ مع الفارق لأن الحجَّ من الصغير يَصِح بينما الحجُّ من المجنون لا يصح.

والقولٌ الآخر/ يَصِحُّ أن يحرِمَ عنه وَلِيُّهُ قياساً على الصغير

والصحيح/ القولُ الأول.

ونظيرُهُ المُغمى عليه، فالخلافُ فيه كالخلافِ في المجنون.

 

ثم لو قال قائل: لو أن الشخص أحرَمَ وهو عاقل ثم جُنَّ بعد إحرامه أو أُغمِيَ عليه بعد إحرامه فهل يبطُلُ إحرامُه؟  الجواب / لا يبطل

لو قال لماذا هذا الفرق؟ فالجواب / أنه فرقٌ بين الاستدامةِ والابتداء، كما قررنا في الدرس السابق،

ولأن النبي قال في شأنِ من وَقَصَتْهُ دابَّتُه فمات: ( كفنوه في ثوبيه ولا تحنطوه ولا تخمروا رأسَه فإنه )  (فإنه يُبعثُ يومَ القيامة مُلبياً) أخرجه البخاري ومسلم .

فإن كان الإحرام لا يَبطُلُ بالموت فمن باب أولى ألا يبطُلَ لا بجنون ولا بإغماء ولا بِسُكْر.

وخذها قاعدة: ( لا يبطُلُ الإحرامُ إلا بالردة )  .

 

الشرطُ الثالث من شروط الحج: ( البلوغ )

وضده الصِّغَر، فالصغيرُ لا يجبُ عليه الحج ولا يُجزئُهُ لو حَجَّ عن حَجَّةَ الإسلام لكن يَصِحُّ منه.

والدليل على عدم الوجوب:

قوله : (رُفِعَ القلمُ عن ثلاثة) وذكر منها ( الصغير حتى يبلغ ).

وأما الدليل على عدم الإجزاء عن حجة الإسلام :

قول ابن عباس مرفوعاً وموقوفا:

( أيُّما صبيٍّ حجَّ ثم بلغ الحِنْثَ فعليهِ أن يَحُجَّ حجَّةً أخرى، وأيُّما عبدٍ حجَّ ثم أُعْتِقَ ، فعليهِ حجَّةٌ أخرى)

 

والبلوغ يحصُلُ بواحدٍ من ثلاثةِ أشياء -هذا للذكر- أو بواحدٍ من أربعةِ أشياء -وهذا للأنثى- :

فعلامات البلوغ عند الذكر:

  1. إنزالُ المني باحتلامٍ أو غيره
  2. نباتُ الشعر الخَشِن حَولَ القُبُل
  3. تمام خمسَ عشرةَ سنة، ويمكن أن يبلغَ قبل ذلك.

أما علامات البلوغ عند الأنثى فهي: الثلاث المتقدمة مع زيادة الحيض.

وبعضُهم يزيد: علامةَ الحمل، ولكنَّ الصحيح أن الحمل ليس بعلامة لأن الحملَ يَسْبِقُهُ علامةٌ أخرى وهي علامةُ: إنزالِ المَنِيّ.

 

ولو قال قائل: هل يمكن أن يحج مَن عُمُرُهُ يوم أو ساعة؟

الجواب/ نعم ويَصِح، والدليل:

عُموم جواب النبي لتلك المرأة التي رفعت صبياً ألهذا حج؟

فقال ﷺ: (نعم ولكِ أجر) أخرجه مسلم.

فيستوي في الحج المميز وغيرُ المُمُيز، بخلافِ سائرِ العبادات كالصلاةِ والصيامِ ونحوها فيُشتَرَطُ فيها التمييز فمن دونَ التمييز صلاتُهُ لا تَصِح، صيامُه لا يَصِح، وهكذا شأنُ سائرِ العبادات ما عدا الحج.

ثم لو قال قائل: كيف يحرم الصبي؟

الجواب: يقال إن كان مُمَيزاً فيأمره وَليُّهُ، وإن كان غيرَ مميز فينوي عنه وليُّهُ.

ولو قال قائل: هل يشترط في المميز أن يأذنَ وليُّه أو له أن يَحُج من غيرِ إذنِ وَليِّهِ؟

الجواب/ اختلف العلماءُ في ذلك، فقال بعضُ العلماء:

لا يلزمُ إذنُ الولي قياساً على الصلاةِ والصيامِ فله أن يصوم وأن يصليَ من غيرِ إذن الولي.

وبعضُ العلماء يقول: يلزمُ إذنُ الولي، لماذا؟ لأنها عبادةٌ تتعلقُ بالمال. وهذا هو القول الصحيح.

لأنَّ الصغيرَ محجورٌ عليه، وقياسُه على الصلاةِ والصيام قياسٌ مع الفارِق، لأنه قياسُ عبادةٍ بدنيةٍ مالية على عبادةٍ بدنية.

 

ثم لو قال قائل: لو أن هؤلاء الصغار أحرموا ثم بعد إحرامِهم رفضوا الإحرام -أبى الصغير أن يُتِمَّ نُسُكَهُ- فهل يُلزَم بالإتمام؟

الجواب / الصحيح أنه لا يُلزَم، لماذا؟ لأنها عبادةٌ لم تجب عليه، وقد رُفِعَ القلمُ عنه

 

 

 

 

وعلى هذا القول هل برفضه يُجبر هذا الرفض بدم؟

الجواب قولان لأهل العلم:

قال بعضُ العلماء: يُجبَرُ بدم، لأنه ترك نُسُكاً فأشبَهُ أحوالِه بحال من ترك واجباً من واجبات الحج ناسياً، والدليل على وجوب الدم على من ترك واجباً من واجبات الحج ناسياً: قول ابن عباس رضي الله عنهما (من ترك نسكا ًأو نَسِيَهُ فَلْيُهْرِق دماً )

والقول الآخر: أنه لا يلزمه دم  ودليلهم: أن القلم مرفوعٌ عنه وهو الراجح.

وأما قولُ ابنِ عباس رضي الله عنهما (من ترك نسكا ًأو نسيه فليهرق دماً ) فهذا في حق البالغ.

 

ثم لو قال قائل: لو أنَّ الصغيرَ فعل محظوراً من محظورات الإحرام فعلى مَن تكون الفدية؟ على الصبي في ماله أو في مالِ الولي؟

قولان لأهل العلم:

القول الأول: أنه على الصبي، لأنه هو المُتلبِسُ بالنُسُك.

القول الثاني: أنه على الولي، لأنه هو الذي أمره وأذِنَ له بالدخولِ في النسك وليس دخولُه في النسك واجباً عليه.

والأقرب أن يقال -جمعاً بين القولين- :

إن كان هناك تفريطٌ من الولي فالفديةُ على الولي وذلك لأن عائشةَ رضي الله عنها قالت: (كنا نُجَرِّدُ اللباس من الصبيان عند الإحرام ) وإن لم يكن تفريط من الولي فلا شيء على الصبي لأنه غيرُ بالغ، ومرفوعٌ عنه القلم.

 

 

 

 

 

 

 

 

الشرطُ الرابع من شروطِ الحج: ( الحرية )

وضد الحرية الرِق، فالعبدُ لا يجبُ عليه الحج ولا يُجزئُ عنه عن حَجةِ الإسلام، ولكن يَصِحُّ منه.

والدليل قول ابن عباس مرفوعاً وموقوفا:

( أيُّما صبيٍّ حجَّ ثم بلغ الحِنْثَ فعليهِ أن يَحُجَّ حجَّةً أخرى، وأيُّما عبدٍ حجَّ ثم أُعْتِقَ ، فعليهِ حجَّةٌ أخرى)

ومثلُه: [المُبَعَّض] وهو من بعضُه حر وبعضُه رقيق.

وهل يمكن أن يُتصور المُبَعَّض؟

نعم وذلك أن يملكَ اثنان عبداً فيُعتِقُ أحدُهما نصيبَهُ فإن كان هذا المُعتِق غنياً سرى عليه عِتقُ الكل، يقال له: ادفع نصيبَ صاحِبِك ويكونُ هذا العبدُ حُراً.

أما إن كان هذا المُعتِقُ فقيراً فتأتي صورةُ [المُبَعَّض] لأنَّ العتقَ لا يسري عليه هنا لفقرِه.

 

لو قال قائل لماذا لا يجبُ الحج على الرقيق والمبعض؟

الجواب / لأن منافعَهُ مملوكةٌ لسيدِهِ، وحقُّ السيد الذي هو المخلوق مبنيٌّ على المُشَاحَّة، وحقُّ اللهِ عز وجل مبنيٌّ على المُسامحة.