بسم الله الرحمن الرحيم
فقه الحج ـ الدرس ( 15 )
محظورات الإحرام
الخامس/ الطيب وحلق الشعر وتقليم الأظافر
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
المحظور الثالث: التطيب في البدن وثياب الإحرام:
والطيب هو ما تَطِيبُ رائحتُه ويُتَّخَذُ للشم، وهو على ثلاثةِ أقسام:-
أولاً: ما لا يُستنبت للطيب ولا يُتَّخذ منه الطيب كنبات الصحراء، ومثلُهُ ما يُنبته الآدميّ من غيرِ قصدِ الطيب كالحناء: فهذا شَمُّهُ مُباحٌ على الصحيح.
النوع الثاني: ما يُنبتُهُ الآدميون للطيب ولا يُتَّخَذُ منه الطيب كالريحان،
وهذا فيه خلاف بين العلماء:
فمن نظر إلى القصد حَرَّمَهُ، ومن نظر إلى عدم الاتخاذ أجازَهَ، وليس هناك دليلٌ واضح، وهذا يختلف باختلاف العرف، فالريحان في هذا الزمن يتخذ للطيب.
النوع الثالث: ما يُنبَتُ للطيب ويُتَّخَذُ منه الطيب:
فهذا إن استعمله أو شمَّهُ ففيه الفدية، لكن إن ذهبت رائحتُهُ بطولِ الزمان أو خُلِطَ بشيءٍ فذهبت رائحتُه: فيجوزُ على الصحيح لأنه لا أثرَ له.
ولو قال قائل: لو وُضِعَ في طعامٍ أو شراب وذلك كالزعفران، فالصحيح:
أنَّ الطِيبَ في المأكول يُحرِّمُ هذا المأكولَ على المُحرِم.
فإن بقيت رائحتُهُ فَيَحرُم،
وإن ذهبت الرائحةُ وبَقِيَ اللونُ والطعم فخلاف، والصحيح: التحريم، وذلك لأنَّ من أنواع الطيب ماله لونٌ وليس له رائحة، فقد قال ﷺ في طيب النساء: ( ماله لونٌ وليس له رائحة).
ولو قال قائل: لو أنه لم يستعمله، وإنما شَمَّهُ؟
فبعض العلماء يقول: لا يكون محظوراً
والصحيح إنه محظور إن تعمَّدَ شمَّهُ، لأن الأصل الأكبر في الطيب رائحتُه
لكن قال بعض العلماء: إن شمه ليشتريه فلا حرج لأنَّ هذا لا يسلمُ منه أحد.
ولْتَعلَم أنَّ مِثلَ الاستعمال: لو جلسَ عليه، ولذا قال الفقهاء: إلا إن وضع ثوبا صفيقا يمنع المباشرة له والرائحة.
لو قال قائل: لو مسَّ ما لا يعلَقُ بيده مثلُ: العود ( كِسرةٌ من عود ) مسَّها؟ فلا حرج.
ولو قال قائل: هب أن شخصا استعمله ناسيا أو عامدا فماذا يقال له؟
الجواب: الواجبُ أن تُزيلَهُ، والدليل قوله ﷺ لصاحب الجُبَّة:
( واغسل الطيب الذي بك ثلاثَ مرات ).
لو قال قائل: يزيلُه بنفسه أو يأمرُ غيرَه؟ فإن أزالَهُ بنفسه استعملَ الطيب؟
فالجواب: أنَّ ظاهرَ الحديث ( اغسل عنك الطيب ) ظاهرُه أنه: يُزيلُهُ بنفسِهِ، وهذا يؤكد ويقرر مسألة سابقة وهي: أنَّ التخلُصَ من المحظور لا إثمَ فيه.
سؤال: الصوابين والشامبوهات الموجودة في الأسواق هل تدخل في محظور الطيب لأنه يوجد فيها روائح طيبة؟
الجواب: نعم تدخل لأنه في الحقيقة الصابونات والشامبوهات الموجودة في السوق المقصود منها إعطاء الجسم رائحة طيبة، وأيضاً يوجد هناك أنواع من الصابونات لا يوجد فيها رائحة فتغني عن تلك.
المحظور الرابع من محظورات الإحرام: تقليم الأظافر.
والدليلُ عليه: الإجماع، قد أجمع العلماء على أنه من المحظورات،
وَلْيَعلَم المسلم بأنَّ ما في الظفر يلزم فيما في بعضه
فقصُّ بعضُ الظفر فيه ما في جميعِهِ إلّا إذا: انكسر ظفره فآذاه فإنّه يجوز أن يزيله
للقاعدة: ( كلُّ مدفوعٍ لآذاه لا حرمةَ له و لا قيمة ).
المحظور الخامس: حلق الشعر
فإذا حلقَ شعرَه سواء كان شعرَ رأسٍ أو شعرَ لِحيَةٍ -وإن كان حلْقُها مُحرما-
ولكن لو أنه فعل، فيكونُ آثما بِحَلْقِهِ للحية وآثما لارتكابه المحظور، أو شعرَ إبِطِهِ أو عانتِهِ وهذا هو المشهور.
وبعض العلماء يقول: إن التحريمَ خاصٌّ بالرأس لأن الآيةَ نَصَّتْ على ذلك قال تعالى:
{ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ }
ودليل من قال بالتعميم: هو القياس، فقاس غيرَ شعرِ الرأس على شعرِ الرأس لجامع الترفُّه، فإنه لو حلق عانتَهُ أو إبطَهُ فالمعنى الموجود فيه كالمعنى الموجود في الرأس. والقائلون بأنَّ الحكمَ ٌّخاص بالرأس قالوا:
إنَّ القياس قياسٌ مع الفارق، فالعلةُ وهي: الترفُّه ليست منضبطة، فيقولون لأصحاب القول الأول: هل تمنعون المُحرِمَ من أطايبِ المأكولاتِ والمشروبات مع أنها من الترفُّه؟
فالجواب: لا يُمنَع.
ومِن ثَمَّ قال الشيخُ ابنُ عثيمين رحمه الله: إنه قول قوي ولكن الأحوط هو عدمُ الأخذ.
ولكن عندي أن الراجح هو: التحريم، لأنَّ القياسَ منضبط، فالعلة التي ذكرها أصحابُ القول الأول لا يريدون الترفه بعمومه وإنما يريدون الترفه الذي في نفسِ حلق شعر الرأس، والناظر يرى أنَّ حَلْقَ شعرِ الإبط والعانة ونحوِهِما هي نفسُها، ولذا قال عز وجل:
{ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ}، وقال ﷺ: (وكان قبلَ ذلك قد وقف بعرفة فقد تم حَجُّهُ وقضى تَفَثَه ) ولذا ذُكِرَت الأظافر من المحظورات لأنَّ الترفُّهَ الموجود فيها هو بمعنى الترفه الذي في الرأس، والآيةُ إنما نَصَّت على الرأس لأنها جاءت لبيان الواقع، فالواقعُ الذي حصل لكعب بن عُجرة حَصَلَ في رأسه، ولذا أمَرَهُ ﷺ بذبحِ شاة أو صيامِ ثلاثةِ أيام أو إطعامِ ستةِ مساكين لكل مسكين نصفُ صاع، وهذا موجود في نفس الآية قال تعالى:
{ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ }
والنص إذا جاء لبيان الواقع فلا مفهومَ له.
ولذا النبي ﷺ لم يأمر كعباً بأن يغسلَ رأسَه، مع أن في غَسْلِهِ تَرَفُّهًا، لكنه أمَرَهُ بالحلق لأنَّ الحلقَ فيه من الترفه ما ليس في الغَسل،
والصحيح: أنَّ الحلْقَ لأيٍّ شعرٍ يُقاسُ على شعرِ الرأس.
ولو قال قائل/ لو أن المحرم حُلِقَ رأسُهُ بإذنه؟
فنقول: عليه الفدية، أما إن لم يكن بإذنه فالفديةُ على الحالِق مُحرِماً أو حلالاً.
ومن المسائل المتعلقة بالحلق
-وقد أسلفنا هذا- أنه لو حلق أكثرَ من مرة ولم يُكَفِّر عن الأول:
ففديةٌ واحدة ما لم يقصِد التحايل،
لكن الذي أريد أن أصِلَ إليه: أنَّ الحكمَ باقٍ ولو اختلفَ المَحَل،
فلو مثلاً/ حلقَ رأسَه وحلَقَ عانَتَهُ وحَلَقَ إبطَهُ:
ففديةٌ واحدة ما لم يكن كفَّرَ عن السابق أو كان متحايلاً،
وكذلك سائر المحظورات/ فلو طَيَّبَ رأسَهُ ثم طَيَّبَ لِحيَتَهُ فكذلك،
واستثنينا الصيد كما سبق.
ومن المسائل المتعلقة بالحلق
لو حلقَ محرِمٌ حلالاً: فلا بأس في ذلك
لكنه لو حَلَقَ مُحرماً: سبقت معنا المسألة قبل قليل.
ومن المسائل المتعلقة بالحلق:
إذا قطع عضواً وهذا العضو عليه شعرٌ فلا بأس، لأنَّ الشعرَ تَبَع،
مثالُه: لو أن يدَه قُطِعَت وعليها شعرٌ كثيف، قُطِعَت بإذنِه لِعِلَّةٍ مرَضيَّة:
فلا أثرَ لهذا القطع على الشعر لأن الشعرَ تبع.
ومن المسائل المتعلقة بالحلق:
أن المحرمَ له أن يحتجم كما ثبت في الصحيحين من فعله ﷺ،
لكنَّ الحجامةَ كما هو معلوم يَلْزَمُ فيها قَطعُ بعضِ الشعر، فهل عليه الفدية؟
الجواب: المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله: أنَّ عليه الفدية.
والصحيح: أنه لا فِديِةَ عليه لأنه ﷺ لم يفدِ.
وإنما جازت الحجامةُ لأنها – والله أعلم -تُشْبِهُ الدواء، والنصُّ الذي عندنا هو الفيصل.
ولو قال قائل: ما القدر الذي تجبُ فيه الفدية من قطع الشعر؟
الجواب/ أنَّ المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله: أن الثلاث الشعرات فيها دم، لأن أقلَّ الجمع ثلاثة، أما ما دونها فيُطعِمُ عن كلِّ شعرة مسكيناً.
ولكن الصحيح: أن الفديةَ لا تكونُ إلا فيما تندفِعُ الأذيةُ بِقَطعِهِ، حتى يَصدُقَ عليه أنه تَرَفُّه،
ومع ذلك نقول: إنَّ هذا هو الضابط في وجوبِ الفدية، ولكن لو أخذ ولو شعرةً واحدة متعمداً فهو آثم للقاعدةِ الشرعية:
[ ما لا يتم امتثال الأمر إلا بفعله كلِّه، وما لا يتم الامتثال بالنهي إلا بتركه كله فهو: واجب]