الشرح الموسع لمسائل الحج الدرس ( 17 ) ( محظورات الإحرام ) الجزء السابع ( الجماع والمباشرة )

الشرح الموسع لمسائل الحج الدرس ( 17 ) ( محظورات الإحرام ) الجزء السابع ( الجماع والمباشرة )

مشاهدات: 843

بسم الله الرحمن الرحيم

فقه الحج ـ الدرس ( 17 )

محظورات الإحرام- الجزء السابع (الجماع والمُباشرة)

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

 

المحظور الثامن: الجماع

وهو أعظَمُها، فإن كان قبل التحلل الأول: فَسَدَ الحج.

واعلم بأنَّ الحجَّ لا يَفسُد إلَّا إذا: جامَع قبلَ التحلل الأول على القول الصحيح، وسيأتي له حديث إن شاء الله تعالى.

 

واعلم أنَّ الحجَّ لا يبطُل إلا بالرِّدَّة، وفرقٌ بين البُطلانِ والفساد

 وخذها فائدة: أنَّ الفاسدَ هو الباطل، والباطل هو الفاسد إلَّا في شيئين/

الأول: في النكاح، ففرقٌ بين النكاح الباطل والنكاح الفاسد.

الثاني: في الحج، ففرقٌ بين الحج الباطل والحج الفاسد.

فإذا ارتدَّ – نسألُ اللهَ العافية – بَطَلَ حَجُّهُ ولا يمضي فيه، بينما لو فسَدَ يمضي فيه.

 

قلنا إن المحظور الثامن هو: الجماع

 فإن كان قبل التحلل الأول وقبل الوقوف بعرفة أو بعدَ الوقوف بعرفة فإنه يترتبُ عليه خمسةُ أشياء:-

  1. الإثم. 2. فسادُ الحج. 3. المُضِيّ فيه.    4. القضاء.    5. الفِدية وهي: بَدَنَة

كما حكم بذلك بعض الصحابة.

وأما أبو حنيفة رحمه الله فيقول: إن كان بعد الوقوف بعرفة فلا يفسُد الحج،

 والصحيح: ما قدمناه.

والجماع هو: تغييبُ حَشَفَةٍ أصلية في قُبُلٍ أو دُبُر أصليين.

وبعض العلماء: يُخرِج الدُّبر، والصحيح أنه: وَطء، يترتبُ عليه ما يترتبُ على الوَطء في الفرج.

وبعض العلماء قال: حتى ولو ببهيمة.

 قال ابنُ قدامة رحمه الله: ويتخرَّجُ في البهيمةِ عدمُ الفساد، لأنه لا يُوجِبُ الحَد فأشبَهَ الوَطءَ دونَ الفرج.

 

فلو قال قائل: إن جامع ثم جامع؟

الجواب: كفارة واحدة إن لم يُكفِّر عن الأول.

وقال بعض العلماء: لو كَفَّرَ عن الأول لا يجبُ إلا واحدة لأنَّ هذا الجماع لا أثرَ له فلو جامع لا يفسُدُ حَجُّهُ لأنه فَسَدَ في أول الأمر.

والأقرب القول الأول، وإلا فما الفائدة من إلزامه بالمُضِيِّ فيه.

 

ولو قال قائل: هب أنه لم يجد هدياً؟

فالجواب/ أن بعض العلماء قال: يصومُ عَشَرَةَ أيام قياساً على من لم يجد هدي التمتع، فالمتمتع إذا لم يجد الهدي يصومُ عشرة أيام،

 وقالوا كذلك في حقِّ مَن ترك واجباً فلم يجد الهدي فيصوم،

وكذلك المُحصَر، وهذا هو المشهور.

ولكن علق الشيخ ابن عثيمين رحمه الله على بعض هذه المسائل فقال:

إنه قياسٌ مع الفارِق لأنَّ دمَ هدي التمتع دمُ شكر، فهو يشكُرُ اللهَ عز وجل بهذا الهدي أن سَهَّلَ له في سفرةٍ واحدة نُسُكَين،

أما هنا فهو دمُ جُبران، يَجبُر ويُرَقِّع الخلل الذي حصل منه.

وعندي: أنَّ هذا الكلام في محلِّهِ، ولكنَّ الدليل ليس هو القياس، لأنه يقول رحمه الله لا يصوم، والصحيح: أنه يصوم، لأنَّ مبنى هذه المسألة ليس على هذا القياس وإنما مبناها على آثارٍ وردت عن الصحابة رضي الله عنهم، فقد ورد عن بعضِهِم الأمر بالصيام إذا لم يجد هذا الهدي الذي وَجَبَ بالجماع.

والهدي الواجب هو: البَدَنَة، كما أفتى بذلك ابن عباس رضي الله عنهما.

 

أما لو جامع بعد التحلل الأول/ – وسيأتي بإذن الله تعالى بيانُ التحلل الأول والثاني في الدروس القادمة –

فلو جامع بعد التحلل الأول فإن هذا الفعل يترتبُ عليه محاذير وهي:-

  1. الإثم. 2. عليه فديةُ محظور. 3. يَفسُدُ إحرامُهُ.

وسيأتي لها البيان بإذن الله عند مسائل الرمي.

 

لو قال قائل: إن وطِئَ دونَ الفرج، يعني لم يجامع فما الحكم؟

الجواب: هذا ما يسمى بالمُباشرة، وهي المحظورُ التاسع.

 

المحظور التاسع: المُباشرة

قال بعض العلماء: إن أنزَلَ يَفسُدُ حَجُّهُ وعليه بَدَنَة، وإن لم يُنزِل فعليه دم.

والصواب: أنه متى ما باشَرَ قبل التحلل الأول أو بعدَه، أمنَى أو أمذى أو لم يحصُل لا مني ولا مذي وكان بشهوة: فإنَّ عليه فديةَ محظور.

 أما ما ذُكِرَ من فسادِ الحج وإلزامُه بِبَدَنَة فلا دليلَ عليه.

 

ولو قال قائل: لو أنَّ المحرم راجَعَ زوجتَهُ؟

 فالصحيح: أنه لا يُعَدُّ محظوراً، لأنَّ المُراجَعَةَ إمساك، وفرقٌ -كما سلف- بين الاستدامةِ والابتداء فالقاعدة: [ أنَّ الاستدامةَ أقوى مِن الابتداء].

 

فما ذُكِرَ هي محظورات الإحرام

ولكن لِتَعلَم أنَّ هذه المحظورات الحكمُ فيها يُنَزَّلُ كالتالي:-

الحالة الأولى: إن كان مقترفُها ناسياً أو جاهلاً أو مُكرَهاً: فلا شيء عليه،

 لعموم قوله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}

والنصوص الواردة في هذا المعنى كثيرة.

ويستوي في ذلك على الصحيح ما كان فيه إتلاف وما لم يكُن،

 خلافاً لمن قال: إنَّ حَلْقَ الشعرِ وتقليمَ الأظافرِ ونحوَها فيها الفِدية للقاعدة الفقهية:

 [ الإتلاف يستوي فيه العامدُ وغيرُه ]، وهذه القاعدة إنما هي في حقِّ المخلوقين، أما الله عز وجل فقد أسقَطَ حَقَّهُ تَفَضُّلاً منه.

وخلافاً لمن قال: إنَّ الجماعَ فيه الفِدية، لأنَّ الإنسانَ لا ينسى الجماع، وكيف ينتشِرُ ذَكَرُهُ وهو مُكره على الجماع.

 

الحالةُ الثانية: إن كان معذوراً كأن توجد حاجةٌ تدعوهُ إلى ارتكابِ المحظور، فهذا لا إثمَ عليه وإنما عليه الفدية، ودليلُها:

 (قصةُ كَعب بن عجرة لما تأذَّى من رأسِه، أمَرَهُ النبيُّ بحلقه وألزمه بالفدية)

 لكن متى يُخرِجُ الفدية؟ هل يُخرجها بعد فِعلِ المحظور أو قبلَ فِعلِهِ إذا نواه؟

الجواب/ نقول الأمرُ سواء.

 

الحالة الثالثة: إن كان عامداً لفعلِ المحظور من غيرِ حاجة، فهذا عليه مع الإثم الفدية.