الشرح الموسع لمسائل الحج الدرس (18 ) ( باب الإحصار )

الشرح الموسع لمسائل الحج الدرس (18 ) ( باب الإحصار )

مشاهدات: 785

بسم الله الرحمن الرحيم

فقه الحج ـ الدرس ( 18 )

باب: [ الإحصار ]

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

باب الإحصار

الإحصار هل هو منضبطٌ بعدد أو بوصف؟

فبعضُ العلماء: يرى أنه منضبط بعدد وهو الإحصارُ بالعدو لقوله تعالى:

{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ۚ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}

والنبي إنما أُحصِرَ في الحديبية بسبب العدو.

 

والقولُ الثاني: أنَّ الحصرَ لا يتحددُ بنوعٍ معين ولا بعددٍ معين، وإنما كل ما أُعِدَّ إحصاراً أي: مانعاً من إتمام النُّسُك فهو إحصار، لقوله تعالى: { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ }

 وحذْفُ المعمول – كما هي القاعدة في التفسير- يدلُّ على العموم،

لم يقل ( فإن أُحصرتم بعدو ) وإنما أطلق وعمم،

وهذا هو اختيار شيخ الإسلام رحمه الله وكثيرٍ من المُحَققين.

 

فإذاً/ من أُحصِرَ بسبب ضياعِ نَفَقَتِه أو بسببِ مرض ونحوِ ذلك فَيَصدُقُ عليهِ وَصفُ الإحصار، حتى قال شيخُ الإسلام رحمه الله: إنَّ الحائضَ لها التحلُل

 بل لو أُحصِرَ الإنسانُ عن طوافِ الإفاضة فله أن يتحلل لعموم النص،

لكن/ لو أُحصِرَ عن واجب: فلا يتحلل، كما لو أحصِرَ عن المبيتِ في مِنى أو عن طوافِ الوداع فلا يتحلل وإنما يجبُرُهُ بدم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

ولو قال قائل: لو أحصِرَ عن عرفة فماذا يصنع؟

الجواب: يتحلل ولكن بعمرة، لأنه يمكنُهُ أن يطوفَ ويسعى بالبيت، وليس عليه هدي،

 هذا إذا كان الحصرُ قبلَ فواتِ وقتِ الوقوفِ بعرفة،

 فإن كان الإحصارُ بعد فواتِ وقتِ الوقوف: فيكون حكْمُهُ حُكْمَ من فاتَهُ الحج،

 وستأتي أحكامُ الفواتِ بإذن اللهِ تعالى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ومن المسائل المتعلقة بالإحصار: هل عليه الهدي؟ هل الهدي في حقه واجب؟

الجواب/ اختلف العلماءُ في هذا:

 فبعضُ العلماء يقول: عليه الهدي لقوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}

والنبيُّ أهدى لما أُحصِر.

وبعضُ العلماء يقول: إنَّ الهديَ ليس بواجبٍ عليه، وذلك أنَّ جَمْعاً من الصحابة الذين كانوا مع النبي لم يَهدوا، فهذا الجَمْع لم يُهدِ ولم يُلْزِمُهُم النبي فيما يُستقبل أنَّ عليهم الهَدِي، وهذا اختيار ابن القيم رحمه الله.

 

قلتُ: إن كان معه هدِي فالذي يظهَرُ أنه يجبُ أن يذبحَهُ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ومن المسائل المتعلقة بالحصر: هل عليه قضاء إذا مُنِع من النُّسُك؟

الجواب: اختلف العلماء في هذا المسألة، نفس الخلاف السابق

 واختيار ابنُ القيم رحمه الله: أنه ليس عليه قضاء لأنَّ مَنْ أتى في عمرةِ القضية ليس كل من كان مع النبي في الحديبية، وهذا اختيارُ ابن القيم رحمه الله.

أما فِعلُ النبي فلا يدلُّ على الوجوب وإنما يدلُّ على الاستحباب.

 

ولو قال قائل: لو تحلل فزالَ المانعُ وأمكَنَهُ الحج، هل يلزمُهُ؟

الجواب/ على الخلاف السابق:

 يلزمُه إن قيلَ بوجوبِ القضاء، لكن إن كان فرضاً فيلزمُهُ،

وإن كان هذا النُّسُك تطوعاً فلا يلزمُهُ؛ إلَّا إن قيل بوجوبه على القول الآخر.

 

ولو قال قائل: لو أن شخصاً جامع قبل التحلل الأول فماذا يكونُ حَجُّه؟

الجواب/ يفسُدُ حَجُّهُ.

فلو قال قائل: لو أنه أفسَدَ حَجَّهُ فيلزمُهُ المُضي فيه، لكنه لو أُحصِرَ في هذا الحجِّ الفاسد ثم تحلل ثم أمكنه الحج فما الحكم؟

الجواب/ يلزمُهُ القضاء، ولا يُتَصَوَّر قضاءٌ في الحجِّ الفاسد في سَنَةٍ واحدة إلَّا في هذه الصورة، لأنه إن لم يُحصَر نقول له: يَحُج من العام المُقبِل ويمضي في هذا الحج الفاسد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ومن المسائل المتعلقة بالإحصار

إذا لم يجد المُحصَر هدياً على القول بوجوبه فماذا يفعل؟

الجواب/ يصومُ عشرة أيام ثم إذا صام يَحِل،

ولذا قالوا: لو نوى التحللَ قبل ذبح هديه أو قبلَ الصيام لم يتحلل ولا فديةَ عليه بهذه النية لقوله تعالى:

{وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}

 

سؤال: وهل يلزمُهُ بعد الهدي أن يحلقَ أو يقَصِّر؟

الجواب/ قولان لأهل العلم:

فبعضُ العلماء يقول: ليس عليه حلْق ولا تقصير،

ولا دليلَ على ما ذكروه، فالآيةُ نَصَّتْ على الحلق قال تعالى:

{وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}

والنبي لما أحصر في الحديبية أهدى ثم حلق كما في صحيح البخاري.

فالصواب/ وجوب حلق الرأس أو التقصير على المحصر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

ولو قال قائل: لو أمكن هذا المُحصَر أن يُقاتِلَ مَن أحصَرَهُ فهل يُقاتِلُهُ؟

الجواب: قال ابن قدامة رحمه الله: يجوز قتالُهُم وإن كانوا مسلمين، والأولى تركُهُ،

وإن كانوا مشركين: لم يجب قتالُهُم، لكن إن غَلَب عليهم الظَّفَر استُحِبَّ قتالُهُم.

 

 

 

مسألة: الحج الفاسد

قلنا يترتب عليه خمسةُ أشياء/

 من بينها وجوبُ مُضِيِّهِ في هذا الحج الفاسد، وهذا هو الصحيح لأمْرِ عمر رضي الله عنه من أفْسَدَ حَجَّهُ بذلك،

 خلافاً لمن قال: يجعلُها عمرة، فكيف يمضي في نُسُكٍ فاسد،

 والصحيح ما سلف لأنه قول صحابيّ، وأيُّ صحابِيّ؟ إنه عمر رضي الله عنه ولا مُخالِفَ له، والله عز وجل يقول: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} فلا يكونُ إفسادُهُ له مُبَرِّراً في عدمِ الإتمام،

 فيُتِمُّهُ وعليه القضاء من قابِل ويكونُ هذا القضاء مُجزئا له ولو كان هذا الحجُّ الذي أفسَدَهُ فرضاً،

وإنما قلنا يقضي من العام المُقبِل لأنه مبنيٌّ على الفَور.

 

سؤال/ وهل يمكنه أن يقضيَ في نفس السنة؟

الجواب/ نعم إذا أُحصِرَ في هذا الحجِّ الفاسد ثم تحلل ثم أمكَنَهُ الحج.

فإذا أتت السنةُ القادمة فإنه يُحرِمُ – أي من أفسد حجه ولم يحصر في حجه الفاسد –

سؤال/ لكن من أين يُحرم؟

الجواب/ اختلف العلماء في ذلك:

قال بعض العلماء: يُحرِمُ من أبعد المَوْضِعَين [ الميقات – أو موضع إحرامِه السابق ]

والداعي إلى هذا: لأنَّ الميقات قد يكونُ قبلَ موضِعِ إحرامِهِ السابق،

 فَنَمْتَثِل بهذا قولَ النبي ﷺ:

” هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أهلهن مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ “

وقد يكونُ موضِعُ إحرامِهِ قبلَ الميقات، فنقول:

 أحرِمْ منهُ، لماذا؟ للقاعدة الشرعية: [ القضاء يحكي الأداء ]  وهي قاعدة عليها دليل فالنبيُّ لما فاتتهُ صلاةُ الفجر صلَّاها كما كان يُصلِّيها في كلِّ يوم، يعني:

 أنه جَهَرَ بالقراءة مع أنه صلَّاها بعد طلوع الشمس.

فيُحرِم من أبعد الموضِعَين، خلافاً لمن قال: يُحرِم من موضِعِ الجِماع.

 

 

 

ويستحبُّ – خلافاً لمن قال بالوجوب – يُستَحَبُّ لهذين الزوجين في هذا القضاء:

 أن يتفرقا من مَوضِعِ الجماع حتى يقضياه، وذلك لأمرِ عمر رضي الله عنه، من أفسَدَ حَجَّهُ بهذا.

بل قال البعض: يتفرقا من حين الإحرام،

 وكلُّ ذلك من أجل ألا يتذكَّرَا تلك الفاحشة فيعودا إليها.

 

ثم لو قال قائل/ مع هذه التحذيرات أو الإرشادات أفسَدَ هذا القضاء مرةً أخرى

  • حاج أفسد حجه فقلنا له: اقضِ، فقضى، فأفسد حجه مرة أخرى – فماذا يصنع؟

الجواب/ نقول يجبُ عليه قضاءُ الأول، ولا يجب عليه قضاءُ هذا الفاسد،

فليس عليه قضاءان وإنما عليه قضاءٌ واحد للحج الأول،

ولكن يلزمُهُ المُضِيّ فيه، ويترتب عليه ما يترتب على إفسادِه لِحَجِّه الأول.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

وبعد الفراغ من هذه المسائل ندخل في صفة الحج في الدرس التالي.