الشرح الموسع لمسائل الحج الدرس ( 19 ) ( صفة الحج ) الجزء الأول

الشرح الموسع لمسائل الحج الدرس ( 19 ) ( صفة الحج ) الجزء الأول

مشاهدات: 813

بسم الله الرحمن الرحيم

فقه الحج ـ صفة الحج

الدرس ( 19)

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

 

صفة الحج

– يستحب له إذا دنا من مكة أن يغتسل، لفعل النبي كما ثبت في الصحيحين.

قال الشافعي رحمه الله: إن هذا الاغتسال ليس للإحرام وإنما هو لمكة، فيسن لمن دخلها ولو لم يكن محرماً أن يغتسل.

ويستحبُّ له كما قال بعض العلماء: أن يدخلَ من أعلاها وأن يخرجَ من أسفلها، وأن يدخل البيت من باب بني شَيْبَة

وبعض العلماء لا يرى هذا كما سيأتي إن شاء الله تعالى في مسألة: ( التحصيب ) أي: البقاء في الأبطح.

ويستحب له إذا دخل البيت فرأى الكعبة: أن يرفع يديه ويدعو لفعل ابنِ عمرَ وابن عباسٍ رضي الله عنهم.

قال الألباني رحمه الله: فإن شاء أن يدعو بدعاءِ عمر فحسن وهو:

 ( اللهم أنت السلام ومنك السلام فَحَيِّنا ربَّنَا بالسلام ).

 

ويستحب له أن يقطع التلبيةَ إن كان متمتعاً لأنه سيشرع في التحلل،

وما هو بداية التحلُل؟ الطواف.

 

أما القارن والمفرد: فإنهما يقطعانها عند رمي جمرةِ العَقَبَة.

لكن هل لهما أن يلبيا في طواف القدوم؟

الصواب: أنهما لا يُلَبِّيَان.

 

ويستحبُّ له أن يأتيَ المُلتَزَم: وهو ما بين الحجر الأسود والباب، فيضعُ يدَيه وصدرَهُ ووجهَهُ عليه

 قال شيخُ الإسلام رحمه الله: وقد صحَّ عن الصحابة وكانوا يفعلونه إذا قَدِمُوا مكةَ،

 ثم قال: ولا بأس أن يؤخرَه.

قال الألباني رحمه الله: قد جاء التزام الملتزم عند أبي داود من فعل النبي ويشهدُ لهُ فِعلُ الصحابة.

وإن شاء أن يدعو بدعاء ابنِ عباس رضي الله عنهما فله ذلك، وهذا الدعاء طويل جداً.

 

والسُّنَّةُ ألا يُقَدِّمَ شيئاً قبلَ الطواف: فإنَّ النبيَّ لما قَدِمَ أناخَ راحلتَه ثم بدأ بالطواف.

 

لكن قال العلماء: لو أنَّ هناك فريضةً أو فائتةً فتُقَدَّم على الطواف لأنَّ وجوبَها أسبَق، وتأخيرُ الطواف أيضاً ليس بِمُحَرَّم، ولذا لو شاء الإنسان أن يذهبَ فيستأجرَ مكاناً ثم يطوف فالأمرُ فيه سَعَة، ولكنَّ الأفضل أن يبدأَ بالطواف.

 

فيبدأ بالحجر الأسود

فيأتي إلى الحجر الأسود، والحجر الأسود وردت فيه أحاديث في السنن وغيرِها قال ﷺ:

” نزلَ الحجرُ الأسوَدُ منَ الجنَّةِ وَهوَ أشدُّ بياضًا منَ اللَّبنِ فسَوَّدَتهُ خطايا بَني آدمَ “

وفي رواية: ” حتى سوَّدَتْه خطايا أهلِ الشِّركِ “

قال ابن حجر رحمه الله في الفتح: إذا كانت الذنوب تؤثر في الحجر فما ظنكم بالقلوب.

 

فإذا استَلَمَهُ، والاستلامُ كما قال شيخُ الإسلام رحمه الله: هو مَسْحُهُ باليد،

ولا يُشرَعُ مَسْحُ شيءٍ في الأرض على وجهِ التعبد إلا الحجر الأسود والركن اليماني.

وقد قال ﷺ: ” إنَّ مسحَ الحجرِ الأسودِ، والركنَ اليمانيَّ، يَحُطَّان الخطايا حطًّا “

وأخبر ﷺ: ” يأتي هذا الحَجَرُ يومَ القيامةِ له عينانِ يُبصِرُ بهما، ولسانٌ ينطِقُ به، يشهَدُ لمن استَلمَه بحَقٍّ “

 

 

– والسُّنَّةُ عندَهُ/ إما أن: يستلمَهُ ويُقَبِّلَهُ، وهذا ثابتٌ في الصحيحين.

أو: يستلمَهُ بيده ويُقَبِّل يدَهُ، كما عند مسلم.

أو: يستلمَهُ بشيءٍ ويُقَبِّلَ هذا الشيء، فالنبي كما عند مسلم ( استلمه بالمِحجَن ) وهو: ما يشبهُ العصا، وقَبَّلَهُ، أي: قَبَّلَ المِحجَن.

أو: يشيرَ إليه بيدٍ واحدة، خلافاً لما يُصنَع من الإشارةِ باليدين كالصلاة!

فإذا أشار لا يُقَبِّل اليد، كما جاء في صحيح البخاري.

وهناك صفة مختلَفٌ في ثبوتِها عندَ المُحَدِّثين وهي: صفة السجود عليه، فمن مُصَحِّح ومن مُضَعِّف.

 

سؤال: وهل يقول عند استلام الحجر شيئاً؟

الجواب: ورد ( اللهم إيماناً بك وتصديقاً بكتابك ووفاءً بعهدك واتباعاً لسنة نبيك…..الخ).

وورد على أنه حديث ولكنه ضعيف.

 

فإذا وصل الحجر فإنه يستقبلُه إذا لم يستطع استلامَهُ لقوله لعمرَ رضي الله عنه كما في المُسنَد: ” يا عمرُ إنكَ رجلٌ قويٌّ لا تزاحِم على الحَجَرِ فتؤذِيَ الضعيفَ إنْ وجدتَّ خَلْوَةً فاستَلِمْهُ وإلا فاسْتَقْبِلْهُ فهَلِّلْ وَكَبِّرْ “

 

– والسُّنَّةُ عند البداية: أن يُكبرَ لكنَّ زيادة ( البسملة ) في بداية الطواف صَحَّتْ عن ابنِ عمرَ رضي الله عنهما موقوفاً ولم تأتِ مرفوعة كما قال الألبانيُّ رحمه الله.

 

ويجب أن يُحاذِيَ الحجرَ ببدنه كُلِّهِ وإلا لم يصح طوافُه أعني الشوط الأول،

 فالواجبُ أن يجعلَ كُلَّ الحجرِ عن يمينِهِ عند البداية، فإن حاذى الحجرَ ببعضِهِ فلا يَصِحُّ هذا الشوط؛ وقال ابنُ قدامة رحمه الله: يُحتملُ الإجزاء

 ولكنَّ الذي يظهر أنه: لا يُجزِئُه.

 

وهذا الطوافُ في حقِّ القارن والمُفرِد: سُنَّة،

 أما في حقِّ المتمتع فهو: ركن، لأنه طوافٌ للعمرة.

 

سؤال: هل طواف القدوم سُنَّة لأهلِ مكة؟

الجواب: اختلف العلماءُ في هذا، وهذه المسألة لها أهميتُها في ثبوتِ سُنية طوافِ القدوم لأهلِ مكة من عدَمِها

فمن قال إنه سُنَّة قال: إنَّ السعيَ الذي يُؤتَى به بعد هذا الطواف يَصِحُّ على أنه سعيُ حج، لأنَّ السعي لا يَصِحُّ إلا بعدَ طوافِ نُسُك، وطواف النُّسُك ثلاثة:

طوافُ القدوم.

طوافُ الإفاضة.

طوافُ الوداع.

 

فمن قال إنه ليس بسنة: فلو طاف أهلُ مكةَ ثم سَعَوا فسعيُهُم للحجِّ غيرُ صحيح.

 

ولذا قال الشيخ ابنُ عثيمين رحمه الله: أعجَبُ ممن يُفتي لأهلِ مكةَ بأن يطوفوا طوافَ القدوم ثم يسعَوا سعيَ الحج فإن هذا السعيَ لا يَصِحٌّ منهم، وهذه الفتوى لم تأتِ عن الأئمة وليس لها أصل، فكيف يُفتَى بهذا ا.هـ

 

ونحن أيضاً نعجب من كلام الشيخ رحمه الله: كيف والعلماء قد اختلفوا فيها،

بل إنَّ الأكثر يرى أن طوافَ القدوم سُنَّة لأهلِ مكة،

وهي موجودةٌ في المُغني وفي حاشيةِ الرَّوْض.

وعلى هذا الاختلاف/ هل يصح سعيُ أهلِ مكةَ بعد هذا الطواف أو لا يَصِح؟

ولو سألت: هل أهلُ مكة قَدِمُوا حتى يكونَ في حَقِّهِم طوافَ قدوم؟

الجواب / لا، والصحيح أنه ليس بسنة في حق أهل مكة.

 

 

مسألة/ قال شيخ الإسلام رحمه الله: ولا يُستحبُّ طواف القدوم للمتمتع ولا لغيرِه بعد الوقوفِ بعرفة،

خلافاً لمن قال: إنَّ الحاج ولا سِيَّما القارن والمُفرد إذا رَجَعَ بعد الوقوف بعرفة يُسنُّ له طوافُ القدوم إذا لم يَطُف أوَّلَ مجيئه.

فيقول رحمه الله: وفِعلُ عائشة يَرُدُّ قولَه، فهي لما أتت حاضت ولم تَطُف طوافَ القدوم وذهبت مع الناس في عرفة ثم لمَّا رجَعَت لم تطف طوافَ القدوم،

وقال أيضاً رحمه الله: من عَجَزَ عن الطوافِ لسَلَسِ بولٍ ونحوه يطوفُ ولا شيءَ عليه بالاتفاق ا.هـ

وهذا القول المنقولُ عن العلماءِ من هذا العالِم بالاتفاق يَرُدُّ قولَ من أفتى بعدمِ الجواز في هذا العصر.

 

ويُستحبُّ في الطواف أن يضطبع

 والاضطباع هو: أن يجعلَ وسَطَ ردائه تحتَ عاتِقِهِ الأيمَن، ويجعلَ طَرَفَيهِ على عاتِقِهِ الأيسر.

ويكونُ هذا الاضطباع في جميعِ الأشواط

 خلافاً لمن قال: إنَّ الاضطباعَ تابعٌ للرَّمَل،

والرَّمَل هو: الهرولة، ويكونُ في الأشواطِ الثلاثةِ الأولى.

 

فيضطبِعُ في جميعِ الأشواط ،ولا يُقاسُ عليهِ السعي.

والاضطباع والرَّمَل سُنَّة في طوافِ القدومِ فقط.

 

والرَّمَلُ لا يُسَنُّ لأهلِ مكةَ ولا لمن هو قريبٌ منها، لأنه إظهارٌ للجَلَد والنشاطِ والقوة.

 

 

 

 

سؤال: هل الرَّمَل في الثلاثة أشواط الأولى مِن أولها إلى آخرها؟

 أو من الحجر الأسود إلى الركن اليماني؟

الجواب: خلاف بين العلماء، وسببُ هذا الخلاف أنَّ النبي في عمرة القضيَّة كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما:

 (قالت قريشٌ: سيفِدُ إليكم قومٌ من المدينة قد وهَنَتهُم حُمَّى يثرِب)

 فلما عَلِمَ بقولِهم أمرَ الصحابة رضي الله عنهم أن يرمَلوا الأشواطَ الثلاثةَ الأولى،

وكان المشركون جالسين من الجهةِ الشَّمَالية،

 فأمرَهُم أن يرمَلوا إلى الركنِ اليماني، فإذا وصلوا إلى الركن اليماني بحيث لا يراهم المشركون مَشَوا)

وإنما لم يأمرهم النبي بالرَّمَلِ في جميعِ الأشواط حفاظاً على صحتهم، ولذا تعجَّبَ المشركون.

وهذا في السَّنَةِ السابعة من الهجرة

فلما قَدِمَ في حَجَّةِ الوداع رمَل في الأشواطِ الثلاثةِ الأولى من الحجرِ الأسود إلى الحجرِ الأسود، فيكونُ الصحيح: أنه من الحجر إلى الحجر

 أما حديثُ ابن عباس رضي الله عنهما فإنه نافي، والحديثُ الآخَر مُثبِت

 والقاعدةُ الشرعيةُ الأصوليةُ الحديثيةُ: [ أنَّ المُثبِت مُقَدَّمٌ على النافي]

ولأنَّ حديثَ ابن عباس رضي الله عنهما مُتَقّدِّم في السنةِ السابعة وهذا في السنةِ العاشرة في حَجَّةِ الوداع.

ولأنَّ ابنَ عباس رضي الله عنهما كان صغيرا.

 

والسُّنَّةُ في الطواف: أن يدنوَ من البيت، قال تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}.

لكن لو أنَّ الرَّمَل لم يتحقق إلا بالبُعد/ فأيهما يُقَدِّم: الدنو مع عدم الرَّمَل أو البُعد مع الرَّمَل؟

الجواب: يُقَدِّم الرَّمَل ولو كان بعيداً عن البيت، للقاعدةِ الشرعية:

 [ الفضل المتعلق بذاتِ العبادة أولى من الفضل المتعلق بمكانها أو زمانها ].

 

 

 

والطوافُ محلُّهُ المسجدُ الحرام، ولو لم يرَ البيت، قياساً على:

 المُصلي إذا كان يصلي في المسجد فإنَّ صلاتَهُ صحيحةٌ ولو بَعُد، حتى لو لم يرَ الإمامَ أو المأمومين إذا كان هناك من يُزيلُ فِذّيَّتَه، ما يكونُ مُنفردا “لا صلاةَ لمنفردٍ خلف الصفِّ”

 

ولذا قالت أمُّ سَلَمة رضي الله عنها لمَّا طافت وهي راكبة قالت:

” فَطُفْتُ ورَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُصَلِّي إلى جَنْبِ البَيْتِ “

 

فيرمُلُ ولو كان بعيداً.

 

ولو قال قائل: لو تذكر الرمَل في الشوط الثاني فهل يرمل؟

نعم يرمُلُ في الثاني ولا يقضي الأول، ولو تذكره بعد الثالث فلا يرمُل لأنها سُنَّة فاتَ محلُّها

 

وأهلُ مكةَ ليس عليهم رَمَل/ لقولِ ابنِ عباسٍ وابنِ عمر رضي الله عنهم.

 

فلو طاف في غيرِ المسجدِ الحرام فإنَّ طوافَهُ لا يَصِح.

وقد تنازع المعاصرون/ هل المسعى من المسجد الحرام أو ليس منه؟

ولقد كان في القديم منفصلاً عنهُ تمامَ الانفصال، أما الآن فهو منفصلٌ عنه بجدارٍ قصير، والأكثرُ على أنه ليس من المسجدِ الحرام،

 ومِن ثَمَّ لو طاف فيه أو في سَطْحِهِ: فلا يَصِحُّ طوافُه،

 وهذا قد يحصُل في السطح إذا اشتدَّ الزِحام عند قُربِ الطائفِ من الحجر لضيق المكان فيحتاجُ البعضُ إلى أن ينزلَ تلافياً للزِحام، فيكونُ طوافُه أو جزءٌ من طوافِه على سطحِ المسعى.

والبعض يرى أن المسعى الآن داخل في المسجد الحرام لعدم وجود الفاصل الواضح.

 

 

 

وكذلك لا يَصِحُّ الطوافُ داخلَ الكعبة/

 لأنَّ الطوافَ بها وليس فيها، وهذا يحصُلُ فيما لو طاف بين الكعبةِ والحِجر.

 

وتُسمِّيهِ العوام: ” حِجرَ إسماعيل “، وليس لإسماعيل صِلةٌ بهذا الحِجر،

ولذا لما قالت عائشةُ رضي الله عنها: ( يا رسولَ الله أصلي في البيت ؟ قال صلي في الحِجر فإن قومَكِ لما قَصُرَت بهم النفقة أخرجوه من الكعبة )

وهذا يدل على حكمته البالغة، فدرأُ المفاسد وتقليلها من الشرع،

 قال ﷺ: ( لولا أنَّ قومَكِ حديثوا عهدٍ بكفر لنقضتُ الكعبة، وجعلتُ لها بابَين، بابٌ يدخلُ منهُ الناس وبابٌ يخرجون منه )

 لأنَّ قريشاً لما أرادت أن تُجَدد بناء البيت قالوا: لنجمع أطيب النفقة،

 فجمعوها، لكنَّ النفقةَ الطيبةَ قَصُرت بهم، فأخرجوا هذا الجزء من الجهةِ الشَّمالية لأن الجهة المقابلة فيها الحَجَرُ الأسود والركنُ اليماني،

 وأغلقوا البابَ الثاني باب الخروج، وجعلوا باباً واحداً ورفعوه عن الأرض حتى يُدخِلوا من شاءوا ويمنعوا من شاءوا،

 وقد ظلَّتْ على ما هي عليه حتى جاء عبدُ اللهِ بن الزبير رضي الله عنهما وأعادها على ما كانت عليه في عهد إبراهيمَ عليه الصلاةُ والسلام،

 فلمَّا استولى الحجَّاجُ على الحجاز قال للخليفة الأموي: إنَّ ابنَ الزبير قد أحدثَ في الكعبة حدثاً، فأمرَهُ أن يُعيدَها مرةً أخرى،

 فلما جاء عهدُ هارون الرشيد وهو الخليفة العبَّاسي أراد أن يُجددها فاستشارَ بعضَ العلماء، فناشدَهُ العلماء أن يدعَها على ما هيَ عليه حتى لا يُجعلَ البيتُ أُلعوبةً بيدِ المُلوك.

 

فمن طاف بين الحِجرِ وبين البيت فطوافه غير صحيح

 لأنَّ هذا الحِجر كما جاء عند البخاري فيه: (ستةُ أذرُعٍ وشيء من الكعبة )

 وقد ضبطه بعضُ العلماء فقال: إنَّ الجزءَ الذي من الكعبة هو الجزء المستوي فإذا بدأ في الانحناء فهو خارجٌ منها.

ولو أنه طاف على جدار هذا الحِجر فلا يصح لأنَّ به جُزءاً من الكعبة.

 

 

 

فلو قال قائل: هب أنه طاف على الجزء من جدار هذا الحِجر الذي ليس من الكعبة؟

فنقول: لا يَصِح للقاعدة الشرعية [ يثبُتُ تبعاً ما لا يثبُتُ استقلالاً ].

 فلو كان منفصلاً لقلنا بالجواز، لكن لما اتصل بهذا الجزء الذي اتصل بالكعبة أخذ حُكْمَهُ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

ويُشترطُ في الطوافِ عند كثير من العلماء: الطهارة

وهي: الطهارة من الحدث والنجاسة.

وهذا هو قول الأكثر، ويستدلون على ذلك بأدلة/

منها قولُه تعالى: {وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُود}  [البقرة:125]

فإذا كان البيت يُطهَّر فكذلك يتطهرُ الطائف.

ومنها قولُه ﷺ: من حديث ابن عباس رضي الله عنهما:

” الطوافُ بالبيتِ صلاةٌ إلا أن اللهَ أباح فيه الكلامَ “

 

فجعل ﷺ الطواف بالبيت صلاة، والصلاةُ لا تصح من غير طهارة الحدث والنجاسة.

 

وذهبَ بعضُ العلماء ويختارُهُ شيخُ الإسلام رحمه الله ومن المعاصرين الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ذهبوا إلى: أنَّ الطهارة لا تُشترط وذلك لعدم الدليل.

قال شيخُ الإسلام رحمه الله: لم يُنقَل عنه ﷺ مع احتياجِ الناس إلى بيانِ هذا الحكم لم يُنقَل عنه أنه أمَرَهُم بالوضوء مع وجودِ الحاجةِ إلى هذا البيان،

ولهذا لما احتاجت عائشةُ رضي الله عنها إلى هذا الحكم بيَّنَهُ ﷺ فقال:

(لا تطوفي بالبيت حتى تطهُري) .

– ووضوؤه ﷺ مُجردُ فعل يدل على الاستحباب.

– أما الآيةُ فليس فيها دلالة، فالتطهيرُ للبيت لا للطائف، ثم هو شرعُ مَن قبلَنا.

وأما أمرُهُ ﷺ لعائشة فليس لكونها حائضاً، وإنما لأنَّ الحائضَ لا يجوزُ لها أن تمكُثَ في المسجد.

وأما حديثُ ابنِ عباس فإسنادُه ضعيف.

 

ونازَعَهُم أصحابُ القول الآخَر، وقالوا: ليس بضعيف.

ولو سلَّمنا أنه ليس بضعيف من حيثُ السند، فهو ضعيفٌ من حيثُ المتن باعتبار نسبته إلى رسولِ الله ﷺ، ولذا قال شيخُ الإسلام رحمه الله:

لا يمكن أن يَصدُرَ هذا الكلام من أفصَحِ وأبلَغِ الناس ﷺ.

 

وبيانُ هذا: أنَّ [الاستثناءَ معيارُ العموم ] كما هي القاعدةُ الأصولية

 

قال ﷺ: ” الطوافُ بالبيتِ صلاةٌ” ثم استثنى “إلا أنَّ اللهَ أباح فيها الكلامَ “

فهذا يدل على أن الجائزَ فيه فقط هو: الكلام، مع أنكم تُبيحون شربَ الماء والأكل فيه، فكيف يكونُ صلاة؟ وكيف يكونُ صلاةً وأنتم لا توجبون فيه قراءةَ الفاتحة والركوع والسجود وسائرَ أركانِ الصلاة؟

ولا شك أنَّ هذا القولَ قويٌ جداً لا سيَّما في وقت الزِحام، فتكليفُ الناس بما أنه ليس هناك دليلٌ صريحٌ قوي، تكليفُهُم بهذا مما لم تأتِ به الشريعة،

ومع ذلك فالأحوط ألا يدعَ الوضوء ولا يدَعَه حتى لو انتقض، لاسيما في حالِ السَّعَة

أما في حالِ الزِحام كالحج فالتوسعةُ فيه مطلوبة، لاسيما مع عدم الدليل القوي.

 

ولذا يرى شيخُ الإسلام رحمه الله:

أن الحائضَ متى ما خشيت فواتَ رِفقَتها وليس لها من ينتظرُها حتى تطهُر، فلها استباحةُ مُحَرَّمِ المُكث لوجودِ الضرورة، فتتحفَّظ وتطوف وطوافُها صحيح.

ولو قال قائل: على القول بأنَّ الطهارةَ من الحَدَث شرطُ للصحة، فماذا يقولون في تفصيل هذا القول؟

الجواب/ يقولون: إن أحدَثَ في طوافه متعمداً: فعليه أن يُعيدَ الطواف، فلو كان في الشوط السابع فإنه يبتدأ على أنه الشوط الأول.

وإن لم يتعمد: وإنما سبقه الحدَث فقد اختلفوا/

هل يُعيد كحالة المتعمد أو أنه لا يُعيد وتكون الأطواف السابقة صحيحة، ولكن يعيد هذا الشوط الذي أحدَثَ فيه؟

الجواب قولان/ فبعضهم قال: يبتدئ قياساً على الصلاة،

وبعضهم قال: يتوضأ ويبني،

وهذا أيضا مما يُدخَلُ عليهم، فاختلافُهُم يدلُّ على شيءٍ من الضَّعف في قولهم.

 

ومما يُشترط في الطواف: سَتْرُ العورة

وكلٌّ بحَسَبِهِ كما هو مقرر في شروط الصلاة، – سَتْرُ العورة – فالناسُ يختلفون فيها.

لقوله ﷺ: “لا يطوفُ بالبيتِ عُريانٌ”

ولذا لو طاف وعليه إزار يظهر منه لون البشرة فلا يصِحُّ طوافُهُ.

 

ومما يُشترط في الطواف: الموالاة

فلابد أن يواليَ بين الأشواط،

وقال النووي رحمه الله في المجموع: إن الموالاة سُنَّة.

ولكنَّ الصحيح: أنَّ الموالاة شرط،

فكيف يُقال لشخصٍ طاف شوطاً واحداً ثم بعد شهرٍ أكمَلَ طوافَه، كيف يقال له أن طوافه صحيح.

فالصحيح أن الموالاة شرط، فلو ترك الموالاة وطال الفَصل ابتدأ من جديد،

وإن لم يَطُل الفصل فلا حَرَج، كما لو أُقيمت الصلاة فإنه يُصلي ثم يُكمِل طوافَهُ.

 

سؤال: لكن هل يُكمِل مِن حيثُ توقف أو أنه يرجع إلى الحَجَر فَيُكمل هذا الشوط؟

الجواب: قولان، والأقرب أنه يبني على ما توقَّفَ عندَهُ، لأنَّ ما مضى وقع على وجهه الصحيح.

وأما إن طال الفَصل من غيرِ عذرٍ ابتدأ من جديد

وإن كان لعذرٍ فقيل: يُعيد، وقيل: يبني، والصحيح: أنه يبني.

 

ولا بأس في الطواف بقراءة القرآن فيه على الصحيح

فإن النبيَّ ﷺ قرأ الآيةَ التي في سورةِ البقرة، قرأها بين الركنين وهي قوله تعالى:

{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201]

وقد وردَ جوازُ هذا عن عمرَ وعبدِ الرحمنِ بنِ عَوف رضي الله عنهما.

 

سؤال: إن شك في عدد الطواف؟

الجواب/ قال بعضُ العلماء: يبني على الأقل،

فلو شكَّ هل هي ستة أو سبعة؟

يجعلُها ستة على أيِّ درجةٍ كان هذا الشك حتى يخرجَ بيقين.

والصحيح أن يُقال: إن كان طرفا الشك متساويين فيأخذ بالأقل،

وإن كان أحدُهما أرجَحَ من الآخَر فيأخُذ بالأرجَح.

فمثلاً: لو شك هل هي ستة أو سبعة ولم يترجح عندَه شيء؟

فنقول له: يلزمُك شوط،

وإن كان عندَه شك ولكن غَلَبَ على ظَنِّهِ أنه فَرَغَ من الشوطِ السابع؟

فنقول له: تَمَّ طوافُك.

ودليلُنا: أنَّ الصلاةَ جاء فيها هذا التقسيم فيمن شك في عدد الركعات، وهي أعظم من الطواف، ولذا قَعَّدَ العلماءُ قاعدةً: [ إذا تعذَّرَ اليقين رجعنا إلى غلبةِ الظن ] .

 

لكن لو أخبره ثقة فهل يأخذ بكلامه؟

الجواب: نعم يأخذ بكلامه، إلَّا إن تيَقَّنَ حالَ نفسِه،

والمقصود في المثال السابق/ إذا كان الشك في أثناء الطواف، يعني: لو شك هل هو السادس أو السابع؟!

أما إذا حصل الشك بعد الفراغ من الطواف فلا يُلتَفَتُ إلى هذا الشك.

 

 

 

ويشترطُ في الطواف: أن يجعلَ البيتَ عن يسارِهِ

فلو جَعَلَهُ عن يمينه لم يَصِح، لأنَّ هذه الصفة، وهي: جَعلُ البيت عن يساره مُطبقٌ عليها فهي فعلُ النبي ﷺ وصحابتِه ومن جاء بعدَهم.

 

ولأبي حنيفة رحمه الله رأي وهو: أنه لو طاف وجعل البيت عن يمينه يجبُرُه بدم.

والصحيح: قولُ الجمهور.

 

ومِنْ ثَمَّ/ لو أنَّ شخصاً حَمَلَ صبياً، فكان وجهُ هذا الصبي إلى وجهِ الحامل، سيكونُ البيت عن يمين هذا الطفل، فهل يَصِحُّ طوافُه أو لا؟

الجواب: لا يصح، لأنه لم يطُف جاعلاً البيتَ عن يسارِهِ،

ولو اعترَضَ علينا مُعتَرِض، وهذا الاعتراض يحمِلُ لواءَهُ الشيخُ ابنُ عثيمين رحمه الله إذ قال: يصح طوافه، ودليله (أنَّ المرأة التي رفعت الصبي قالت: يا رسول الله ألهذا حج ؟ قال نعم ولك أجر ) ولم يأمُرْها ﷺ أو يُرْشِدُها إلى أن تُراعيَ هذا الأمر،

والنبي ﷺ لا يجوزُ له تأخيرُ البيان عن وقتِ الحاجة، فالمرأةُ كانت جاهلة، فلما لم يُخبِرها دلَّ على أنَّ الطفلَ لو طِيفَ به محمولاً على هذه الصفة فإن حَجَّهُ صحيح.

 

والذي يظهر لي: أنَّ حَجَّهُ لا يصح، لأن الاستدلالَ بحديث المرأة ليس دليلاً على صحة الطواف، إذ إنَّ هذه المرأة تعرِفُ الحج، ولذا قالت: (ألهذا حج)

وما دامت أنها تعرفُ الحج، فهو الحجُّ الذي على الصفةِ المعروفة.

 

ويُشترط في الطواف: أن يكون ماشياً مع القدرة

وهذه مسألةٌ مُختَلفٌ فيها،

فبعض العلماء يرى: أن من شروطِ صحةِ الطواف أن يطوفَ ماشياً إذا كان قادراً فإن لم يكُن قادراً فلا جُناحَ عليه أن يطوفَ راكباً.

وبعض العلماء يرى: صحةَ الطواف راكباً مع عدمِ العذر، ويقولُ: إنَّ النبي ﷺ طاف راكباً مع قدرته على المشي.

والذي يظهر رُجحان القول الأول جمعاً بين الأدلة

لأن النبي ﷺ إنما طاف راكباً لما التفَّ حولَهُ الناس، وكان ﷺ لا يُطرَدُ أحدٌ حولَه.

ولو كان الطوافُ راكباً يُجزئ لَما استفتته أمُّ سَلَمَة رضي الله عنها إذ قال لها:

” طُوفي مِن ورَاءِ النَّاسِ وأَنْتِ رَاكِبَةٌ “

فلو كان الركوبُ مُجزئاً لوَضَّحَ ذلك ﷺ لها ولغيرِها، كأن يقول لها: طوفي راكبة شاكية أو غيرُ شاكية، لأنه ﷺ أعلَنَها في حجة الوداع قال:

( خذوا عني مناسككم ) فهو يريد التبيين،

 وهذه حُجَّةُ شيخ الإسلام رحمه الله أيضاً في عدم اشتراطِ الطهارة.

 

– فإذا مَرَّ بالرُكنين الركن العراقي والشامي فلا يُسَنُّ استلامُهُما ولا تقبيلُهما ولا الإشارةُ إليهما لأنهما لم يستلمهما النبي ﷺ

 ولذا معاوية رضي الله عنه لما استلمَهُما أنكرَ عليه ابنُ عباسٍ رضي الله عنهما فقال معاوية رضي الله عنه: ( ليس شيءٌ من البيتِ مهجور) فقال ابنُ عباس رضي الله عنهما: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}

فقال معاوية رضي الله عنه: ( صدقت ).

ولعلَّ الحكمةَ من عدم استلامِهِما أنهما على غيرِ قواعدِ إبراهيمَ عليه الصلاة والسلام.

 

– فإذا مر بالركن اليماني فإنَّ السُّنَّةَ أن يستلمَهُ فقط دونَ تقبيل ودون قولِ شيء،

وما جاء عند الطبراني أنه قال عندَهُ: ( بسم الله والله أكبر ) إن كان صحيحاً فإنَّ المراد بذلك الحَجَر الأسود، لأنه قد يُطلقُ على الحَجر الأسود ركناً،

 ولذا مَن كتبَ في المناسك لم يَذكُر هذا، وإن كان قد ذُكِرَ في مَنسَكِ الشيخ ابن باز رحمه الله وهو قديم لعله أخذه من الحاشية [ حاشية الرَّوض ].

 

 

 

– ثم يكونُ هكذا حاله في الطواف عند الركنِ اليماني وعند الحجرِ الأسود/ ففي كل شوطٍ يستلم الركن اليماني، وفي كل شوطٍ يستلِم الحجر الأسود ما عدا الشوطَ السابع، فيستلمُ الركنَ اليماني ولا يستلمُ فيه الحَجَرَ الأسود.

 

 ولا يجوزُ أن يُمسَحَ شيءٌ على وجهِ التعبد مما على وجه الأرض إلا:

 الركن اليماني والحجر الأسود

 فَمَسْحُ المقام وجُدران المسجد من البدع المُفضيةِ إلى الشرك.

 

– ويقول بين الركنين ما ثبت عن النبي ﷺ:

 {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}

 أما قول: ( اللهم إني أسألك العفو والعافية ) وإنه إذا قالها ( يُوَكَّل به سبعون ألفَ مَلَك )   فإنه عند ابن ماجة بسندٍ ضعيف.

فالواردُ إذاً/ التكبير كلما مَرَّ عند الحَجَرِ الأسود إلَّا في الشوطِ الأخير،

وقولُه: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}

يكون بين الركنين.

 

ولو قال قائل/ لو أنَّ شخصاً لم يُكمِل الأشواط، أو طاف بين الحِجرِ وبين البيت فماذا يصنع؟

الجواب/ الواجب أن يعود ويُعيد الطواف ولو كان في بلده.

 خلافاً لأبي حنيفة رحمه الله القائل: إن رجع إلى بلده فما عليه إلا الدم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقد ورد في الطواف أحاديث:

” مَن طافَ بالبيتِ أسبوعًا وصلى ركعتين كانَ كعَدلِ رقبةٍ يُعتِقُها “

وفي رواية: ” مَن طافَ بالبيتِ أسبوعًا لا يَلغو فيهِ “

وورد: ” ما رفعَ رجلٌ قَدَمًا ولا وضعَها؛ إلَّا كُتِبَ لهُ عَشْرُ حَسَناتٍ، وحَطَّ عنهُ عشرَ سيئاتٍ، ورفعَ لهُ عشرَ درجاتٍ “.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

ثم إذا فرغ من الطواف يأتي للمقام

وقد نقل المؤرخون أنه كان قريباً من البيت ثم نُقِل إلى هذا المكان.

ولكن مما يُشوِش على هذا النقل قولُ جابر عند مسلم: ( ثم أتى إلى المقام ) وهذا يدلُّ على أنه بعيد، والله أعلم بصحة هذا النقل.

 

فإذا دنا منه قرأ: {وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}

فيُصلي ركعتين كما ثبت من فعله ﷺ كما عند مسلم:

يقرأ في الأولى بعد الفاتحة بـ {قل يا أيها الكافرون}

وفي الثانية بعد الفاتحة بـ { قل هو الله أحد }

وبدلالةِ اللزوم لأنه ﷺ قيامُه فركعتُه فسجودُه فاعتدالُه قريباً من السواء، بدلالة اللزوم تكون السُّنَّةُ في هاتين الركعتين عدم الإطالة خلافاً لما يفعله البعض من الناس.

 

ولا يلزم أن يكون المقام بينه وبين الكعبة

فلو صلَّاها في أيِّ مكان من الحرم جاز، ولذا صلَّاها عمرُ رضي الله عنه بذي طُوى.

 

وقد قال بعض العلماء: إنها واجبة لأنها تابعةٌ للطواف، والطواف واجب.

وبعض العلماء يقول: إنها سُنَّة، وهذا هو الذي عليه الأكثر، وذلك لأن هذا التعليل ليس بمنضبط فالسعيُ تابعٌ للطواف ومع ذلك لو طاف الإنسان عدةَ مرات لا يُكرر السعي، بل كما سيأتي لا يُشرَعُ التطوعُ بالسعي

 

ولكن لو استدلوا بفعله ﷺ مع قراءته للآية لكان استدلالاً فيه قوة، لأنَّ اللهَ عز وجل أمرنا بقوله: {وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} وفسَّرَهُ النبي ﷺ بصلاته لهاتين الركعتين

 

سؤال: هل تجزئ عنهما المكتوبة؟

الجواب: اختلف العلماء في هذا، والذي يظهر أن المكتوبةَ لا تُغني وذلك لأنها مشروعةٌ للنسك فيصليهما ويصلي المكتوبة.

 

لو قال قائل: ما رأيكم في صنيع رجل يطوفُ سبعةَ أشواط، ثم سبعةً أخرى، ثم سبعةً أخرى ثم يركعُ ركعتين لكل سبعةِ أشواط؟

الجواب: نقول يجوز هذا،

له أن يطوف واحداً وعشرين شوطاً ثم يصلي ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين، لفعل عائشة رضي الله عنها والمِسْوَر بنِ مَخْرَمَة،

وكونه ﷺ لم يفعل هذا لا يوجب الكراهة،

وهذا يدل على أنَّ الموالاةَ بين الطواف وركعَتَيه غيرُ مشترطة، وفِعلُ عمر رضي الله عنه بتأخيرِها إلى ذي طُوى يدل على هذا.

 

ثم إذا صلى هاتين الركعتين وأراد أن يسعى

يأتي إلى الحَجر الأسود ثم يستلمُهُ فقط، فإن لم يتيسر فلا يُشِيرُ إليه ولا يُكبِّر،

هذا إن أراد أن يسعى، فإذا لم يُرِد أن يسعى فلا يُسَنُّ له استلامُهُ ولو تيسَّر.

 

ثم إذا استلمه يأتي إلى الصفا من بابه

فإذا دنا من الصفا يقرأ قوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ}

( أبدأُ بما بدأ اللهُ به ) كما جاء عند مسلم من حديث جابر،

وهذه الآيةُ وهذا القَول يكونُ عند دُنُوِّهِ من الصفا، ولا يقالُ إلا مرةً واحدة في هذا المقام خلافاً لصنيعِ البعض، والذي يظهر أنه لا يكمل الآية.

 

 

فإذا دنا من الصفا

فإذا دنا من الصفا سُنَّ له أن يرقاه حتى يرى البيت ويستقبلَه

فيُوَحِّدُ اللهَ ويكبرُهُ، ولا نعلم أنه ﷺ كان يُشير إليه كما يفعلُه البعض

فيقول: ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له – له المُلك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) ولو زاد: ( يحيي ويميت) فقد جاءت بها السنة

(لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزابَ وحده ) ثم يدعو

قال جابر رضي الله عنه: (يفعل ذلك ثلاثَ مرات، يدعو بين ذلك)

 

ومِن ثَمَّ اختلف العلماء/ هل الدعاء يُقالُ مرتين أو ثلاثَ مرات؟ مع اتفاقهم أن الذكر يُقالُ ثلاثَ مرات

والذي يظهر ورجَّحَهُ النووي رحمه الله أنَّ الدعاءَ ثلاث مرات.

 

وإن لم يرقَ الصفا لا شيء عليه

لأن رُقياه من السنة ولكن عليه أن يستوعبَ ما بين الصفا والمروة

والواجبُ منه: هو حَدُّ العربات، فما زاد فهو من السنة كما قال الشيخُ ابن عثيمين رحمه الله

والمرأةُ لا ترقى

والمرأةُ لا ترقى دفعاً للمفسدة لأنها مأمورةٌ بالستر، ولذا لا ترمُلُ بين العلَمين فلا يُسَنُّ لها هذا.

ولذا قال بعضُ العلماء: لو تُصُوِّرَ أنَّ المسعى خلا من الرجال فيُسَنُّ لها الرمل.

ودليلُ السنية: صنيعُ هاجر رضي الله عنها، كما في صحيح البخاري -وقصتُها معروفة-.

ولذا لما سُئِل ابنُ عباس رضي الله عنهما عن حكمةِ الرمَل بين العلمين؟

قال: لنذكُرَ حالَ أمِّ إسماعيل.

 

 

 

وليس هناك ذكرٌ مُعين لكل شوط لا في الطواف ولا في السعي

وهذا من البدع ولذا قد ينتهي الشوط ويبقى شيءٌ من هذا الذكر المُخَصص لهذا الشوط وقد ينتهي منه قبل أن يصل إلى نهايةِ الشوط.

 

ومِن ثَمَّ فله أن يقرأ القرآن ويدعوَ الله عز وجل ويذكرَهُ وإن قال كما ثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه: (ربِّ اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعزُّ الأكرَم) فهذا شيء حسن.

 

ذهابُه سَعيَه ورجوعُهُ سَعيَه

يبدأ من الصفا وينتهي بالمروة

 فإن بدأ من المروة سقط شوط

 وقد غَلَّطَ العلماءُ الطَّحاوي إذ قال: إنَّ الشوطَ الواحِدَ يكون من الصفا مروراً بالمروة إلى الصفا

قال ابن القيم رحمه الله: وكيف والنبي ﷺ انتهى سعيُهُ عند المروة، فلو كان كما قال الطحاوي سينتهي سعيُهُ عند الصفا، وقد قال رحمه الله: إنَّ من أوهام ابنِ حزم رحمه الله قولَه: يرمُل في السعيِ ثلاثاً، يعني: في الأشواط الثلاثة،

 فيقول كيف يرمُلُ والنبي ﷺ سعى راكباً، ويقول رحمه الله:

” عذر ابن حزم رحمه الله أنه لم يحُج “.

 

فإذا وصل إلى المروة يفعل عليها كما فعل على الصفا، إلا في الشوط الأخير

فلا يقول شيئاً عند المروة.

 

ولا تجبُ الموالاة بين السعي والطواف

 فلو طاف ثم طال الفَصل ثمَّ سعى فلا بأس، ولكنَّ السنةَ هي الموالاة.

وكما سلف لا يصح السعي إلا وقبلَه طوافُ نُسُك.

 

 

 

 

سؤال: هل السعي ركن كما أنَّ الطوافَ ركن؟

الجواب/ اختلف العلماء في هذا:

-فبعض العلماء يرى: أنه سُنَّة لقوله تعالى:

{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ ۖ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ} ثم قال:

 {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا}

فدلَّ على أنه سُنَّة فنفيُ الجُناح يدل على السُّنية.

وبعضُ العلماء يقول: إنه واجب يمكن أن يُجبَرَ بدم، لقوله ﷺ:

” إنَّ اللهَ كتبَ عليكمْ السعيَ فاسعَوْا “

وبعض العلماء يقول: إنه ركن، لهذا الحديث، ولقول عائشة رضي الله عنها مُنكرَةً على من زَعَمَ أنَّ السعيَ ليس بفرض، تقولُ كما عند مسلم:

“فَلَعَمْرِي، ما أَتَمَّ اللَّهُ حَجَّ امرئٍ حتى يطوف بينهما، فليس لأحدٍ أن يترك الطواف بينهما”

 

وإذا قلنا إنه ركن فإنه لا يجبر بدم فلابد من الإتيان به.

 

والقول بالسنية قولٌ ضعيف: لأنَّ الآيةَ لها سبب، وذلك:

 أنَّ صَنَمَين واحدٌ منهما عندَ المروة وواحدٌ عند الصفا في الجاهلية، فكانوا يطوفون بينهما فتحرَّجُوا في الإسلام بأن يطوفوا بين الصفا والمروة فنزلت هذه الآية.

 

وأما القول بالوجوب: فقد اختاره ابنُ قُدامة رحمه الله وقال:

 إن الأمر بالسعي في الحديث لا يدل إلا على الوجوب.

 

والصحيح هو القول الثالث أنه ركن:

 فإذا جمعنا هذا الحديث ” إنَّ اللهَ كتبَ عليكمْ السعيَ فاسعَوْا “

مع قول عائشة رضي الله عنها دل على الركنية.

 

 

فلو اعترض معترض فقال: الحق ما قُلتم لو أنَّ عائشةَ رضي الله عنها لم يُخالفْها أحدٌ من الصحابة؟

فالجوابُ عن هذا الاعتراض:

أنَ هذا القَول كما قال ابنُ حجر والشنقيطي رحمهما الله:

 إنَّ قولَها فيه دلالة أنها أخذت قولها من النبي ﷺ لأن [ الفاء ] من مسالك العلة، فقولها:

“فَلَعَمْرِي، ما أَتَمَّ اللَّهُ حَجَّ امرئٍ حتى يطوف بينهما، فليس لأحدٍ أن يترك الطواف بينهما”

معناه: ليس لأحدٍ أن يدعَ الطواف بينهما لأن الله لا يُتمُّ حَجَّهُ

 فهي لما حكَمَت بهذا الحكم في صدرِ قولِها قالت: ” فليس لأحدٍ “

 

فإذا فرغ من السعي

 فإن كان متمتعاً/ قَصَّر حتى يُبقيَ شيئاً من شعره لِحَلْقِهِ في الحج

 

ولو قال قائل: لو كانت المدةُ طويلة؟ بمعنى: أنه اعتمر عمرة التمتع في شوال

 فهل السنة له الحلق أو التقصير؟

الجواب: الذي يظهر أن السنةَ له الحلق.

 

فلو قال قائل: خالفتُم أمرَ النبيِّ ﷺ، أمرَكَم بالتقصير وتأمرونَه بالحلْق؟

فنقول: لم نُخالف بل وافقناه لأنه ﷺ بيّن فضلَ الحلق بقولِهِ وبِفِعلهِ وبأمرِه، فدلَّ على أنَّ أمرَهُ بالتقصير لهذه العلة، والقاعدة [ أنه إذا انتفت العلة انتفى المعلول ].

 

ثم إذا كان مفرداً أو قارناً فنقول/ الأفضل أن تتحللَ وتجعلَها عمرةَ تمتع، كما فعل الصحابةُ رضي الله عنهم، ويستثنى من هذا الفضل: القارِن الذي ساق هديَه، بل لا يجوزُ له لقوله ﷺ ( لا أحِلّ حتى أنحر)، ولو كان يجوز لما قال ﷺ:

” لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِن أَمْرِي ما اسْتَدْبَرْتُ ما سُقْتُ الهَدْيَ، ولجعلتُها عمرة “

 

 

سؤال: هل يسعى راكباً أو ماشياً؟

الجواب: الأفضلُ أن يسعى ماشياً، لكن لو سعى راكباً فالأمرُ فيه سَعَة لما ورد أنَّ النبي ﷺ كما جاء عند أبي نُعيم: ( أنَّ المشيَ إليه في السعي أعجَبُ من الركوب )

قلت: إن هذا الدليل دليلٌ على أن الركوبَ في الطواف لا يجوز بغير عذر،

 ووجه الدلالة: أنه ﷺ فرَّقَ بين السعي والطواف وذلك بسكوتِهِ عن الطواف.

 

والواجبُ في التقصير والحلق الجميع

 أن يأخذَ من جميع شعره، أما قَصُّ بعضِ الشعر فالصحيح أنه لا يجزئ لقوله تعالى:

{مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} وهذا يدل على العموم لا التبعيض

ويزيدُهُ بياناً فعلُ النبي ﷺ، وقد دعا النبي ﷺ للمحلقين ثلاثاً وللمقصرين مرة.

 

ولا يلزم من كل شعرة بعينها

 لوجود الحرج، ويحصل النُّسُك حتى بنتفِهِ ولكن الحلْقَ بالأدواتِ أفضل.

 

ويستحبُّ أن يبدأ بالأيمن: لثبوت ذلك عن النبي ﷺ في صحيح مسلم.

 

والمرأةُ كالرجل في وجوبِ تعميم التقصير

 لأنه لا حلقَ عليها، فيجب أن تُقصِّرَ من جميعِ شعرِها بقدرِ أُنمُلَة أو أقل لعدمِ التحديد، ولعلَّ الحكمةَ من ذلك: أن الشعرَّ مما هو جمالٌ للنساء،

 ولكن في هذا الزمن يبدو أن الأمر قد انعكس.

 

ولو قال قائل: ثبت عند مسلم أن زوجات النبي ﷺ لما توفي قَصَّرنَ شُعورَهُن؟

الجواب: لأنهن غيرُ محتاجاتٍ إلى الزينة لتحريم نِكاحهن قال تعالى:

{وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا}

فتقصير الشعر جائز بشرط: ألا يكون فيه تشبه بالرجال والكافرات.

 

والصحيح أنه لا يُشترط للسعي طهارة ولا سِتر عورة

فالطهارةُ من الحَدَثِ والنجاسةِ وكذا سَترُ العورة: أمورٌ مستحبة في السعي،

 لأن النصوص التي جاءت إنما جاءت في أمر الطواف.

 

ولو كان حدثه حدثا أكبر؟ فهو مبنيٌ على مسألة المسعى:

هل هو من المسجد الحرام أو هو خارج؟

ومن ثَمَّ تأتينا مسألةُ الحائض:

لو أنها نزل معها الدم بعد الطواف فإن لها أن تسعى لأن المسعى ليس من المسجد الحرام

 

ووقت السعي والطواف

عند أكثرِ العلماء غيرُ مُحددٍ وقتُهُ لعدم الدليل،

 فمثلاً: لو أنه أخَّرَ طوافَ الإفاضة أو سعيَ الحج إلى ربيع جاز له هذا.

وبعض العلماء يقول: لا يجوز أن يؤخرَه إلى ما بعد ذي الحِجة إلا لعذر.

فالذي يرى عدم الجواز الشيخ ابن عثيمين رحمه الله وهو الصواب

 ولكنه لو خالف على هذا القول: يأثم ويَصِحُّ طوافُه وسعيُه.

 

فلو قال قائل: إذاً ما هو دليلكم على عدم الجواز؟

الجواب: نقول إن الطوافَ والسعي من الحج، فيجب أن تكون أعمال الحج في أشهُرِهِ قال تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ}.

 

 

 

 

 

 

 

فإذا طاف وسعى المتمتع وقصَّر/ فإنه يتحلل التحللَ الكامل

أما المفرد والقارن/ فيبقيان على إحرامِهما،

والمشروعُ في حقِّهِما: التلبية، والمرأة في هذا كالرجل

وقد جاء عن عائشة رضي الله عنها أنها ترفعُ صوتَها بالتلبية حتى سَمِعَها بعضُ الصحابة فنقل فِعلَها.

 وهذا لا يُخالف ما قررناه سابقاً من: أنها تُخفي صوتَها

 فيكون التوجيه كما قال شيخُ الإسلام رحمه الله:

 أنها ترفعُ صوتَها بالتلبية عند رفيقاتِها.

 فلعل الناقل سمع تلبيتها.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ