الشرح الموسع لمسائل الحج الدرس ( 22 )( صفة الحج ) الجزء الرابع

الشرح الموسع لمسائل الحج الدرس ( 22 )( صفة الحج ) الجزء الرابع

مشاهدات: 724

بسم الله الرحمن الرحيم

فقه الحج ـ الدرس ( 22 )

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

 

لو قال قائل/ إن قلنا إن التحديدَ بنصف الليل أو بثلثي الليل فما الحكمُ لو دفع من مزدلفةَ قبلَ هذا؟

الجواب/ المذهب يرى: أنه نصف الليل ولذا قالوا [ من دفع قبل النصف فعليه دم إن كان معذوراً وإن لم يكن معذوراً فهو آثم مع لزوم الدم ]

 لكن قالوا لو أنه عاد، أي: المعذور أو غير المعذور، ممن دفَعَ قبل نصفِ الليل لو أنه عاد إلى مزدلفة قبلَ الفجر فلا شيء عليهما.

فإن كان الحاج ما وصل إلا قبل الفجر، لم يصل من عرفة إلا قبل الفجر فلا شيء عليه والدليل واضح: ” الحجُّ عرَفَةَ، فمَنْ أدرك قبلَ الفجْرِ فقد أدرك”  

 

ولو قال قائل/ لو أنه لم يصل إلا بعد الفجر لزحامٍ ونحوه؟

فقال بعضُ العلماء: يلزمه دم.

 والصحيح: أنه لا يلزمُه شيء للقاعدة الشرعية: [ لا واجب مع العجز ].

 

القاعدة: [ أنَّ التحايُلَ على المُحَرَّم لا يجوز، كما أنَّ التحايُلَ في إسقاطِ الواجب لا يجوز ]

فإذا بات بها فالسنةُ أن يصليَ الفجر بها بغَلَس.

وأما ما ورد أنه صلاها قبل وقتها فليس المراد قبل وقتها المشروع!  لا

وإنما المراد: أنه صلاها قبل وقتها الذي اعتادَهُ في غير هذا الوقت، فصلاها بغَلَس

قال غداةَ جَمْع، يعني: فجرَ المُزدلفة قال:

عَنْ بِلَالِ بْنِ رَبَاحٍ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لَهُ غَدَاةَ جَمْعٍ : ” يَا بِلَالُ، أَسْكِتِ النَّاسَ “. أَوْ: ” أَنْصِتِ النَّاسَ “، ثُمَّ قَالَ: ” إِنَّ اللَّهَ تَطَوَّلَ عَلَيْكُمْ فِي جَمْعِكُمْ هَذَا، فَوَهَبَ مُسِيئَكُمْ لِمُحْسِنِكُمْ، وَأَعْطَى مُحْسِنَكُمْ مَا سَأَلَ، ادْفَعُوا بِاسْمِ اللَّهِ “.

 

وقد وقف بعد الصلاة عند المشعر الحرام يدعو اللهَ ويذكرُهُ حتى أسفَرَ جداً

وذلك قبل طلوع الشمس مخالفةً للمشركين الذين يبقون إلى أن تطلُعَ الشمس

 إذ كانوا يقولون: ” أشرِقْ ثَبِيرُ كيما نُغِيرُ “

يعني: لِتَطلُعَ الشمس من وراء هذا الجبل حتى نذهبَ إلى منى.

 

فلما أسفر جداً ركِبَ ناقته وأردف خلفه الفضل بن العباس

وكان رجلاً وسيماً فجاءت امرأة من خثعم تسأل النبي قالت:

” إِنَّ فَرِيضَةَ الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ “

فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَجَعَلَ النَّبِيُّ يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الْآخَرِ.

 

وهذا الحديث يستدلُّ به الألباني مع أحاديث أخرى على جواز كشف الوجه للمرأة

وعند التأمل ليس فيه دليل: لأنَّ الفضل ينظرُ إليها وتنظرُ إليه وليس فيه إنها كشفت وجهها، حتى لو كان فيه فالمرأةُ المحرمة السنةُ لها أن تكشِفَ وجهَها،

 فلعلَّ هذه المرأة ظنَّت أنَّ الحكمَ على إطلاقه، وقد جاء عند أبى داود:

” أنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ مُحْرِمَاتٌ، فَإِذَا حَاذَوْا بِنَا سَدَلَتْ إِحْدَانَا جِلْبَابَهَا مِنْ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا، فَإِذَا جَاوَزُونَا كَشَفْنَاهُ “

فكيف يؤخذُ بهذا الدليل وترك أدلة كثيرة من الكتاب ومن السنة ومن النظر ومن القياس، ومسألة الحجاب تطول وليس هذا محله.

 

فأردَفَهُ فقال الصحابة: ( سيُخْبِرُنَا صَاحِبُنَا بِمَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ )

وفي حَجَّتِهِ هذه ﷺ قال البعض: ( ادعُ لنا يا رسول الله، فعمم فقال: غفر اللهُ لكم )

 

وكان معه أسامةُ وبلال/ كان أحدُهما يقودُ راحلَتَه، والآخَر يُظَلله بثوب عن الشمس حتى رمى الجمرة.

 

وأمر في طريقه ابنَ عباس رضي الله عنهما أن يَلْقُطَ له حصى الجمار

 وفي هذا دليل على أنه أحبَّ من أهلِهِ ومن قرابتِهِ أن يُشارِكوه في النُّسُك وأن يشتغلوا بالنسك،

 فهذا الصغيرُ ابنُ عباس أُمِرَ أن يلقُطَ الحصى

 وهذه عائشةُ رضي الله عنها تَفْتِلُ قلائدَ هديِهِ وهي في المدينة

 وهذا العباسُ بن عبد المطلب يُرَخِّصُ له النبي أن يبيتَ خارجَ مِنى لسُقيا الحجيج.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فالتقط له مثلَ حصى الخَذْف، حددها وقرَّبَها بعضُ العلماء:

 بأنها أكبرُ من حبةِ الحُمُّص، وأصغر من حبةِ البُندُق، قال ﷺ:

” أمثالَ هؤلاءِ فَارْموا، ثمَّ قالَ: يا أيُّها النَّاسُ إيَّاكم والغُلوَّ في الدِّينِ فإنَّهُ أهْلَكَ من كانَ قبلَكُمُ الغلوُّ في الدِّينِ “.

 

وهذا يدلُّ على: أنَّ اشتغال البعض بلَقْطِ حصى الجمار ليلةَ مزدلفة ليس من السنة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فلما بلغ [ مُحَسِّرَ ]: ومُحَسِّر من الحرم، لكنه ليس بمشعَر، يعني: أنه ليس من المشاعر، ولذا أسرع فيه فهو حرمٌ وليس بِمَشعَر.

بينما مزدلفة حرمٌ ومَشعَر،

وعرفة حِلٌّ ومَشعَر.

وبطنُ عُرَنَة ليس بحَرَمٍ ولا مَشعَر

 ومِنى حرمٌ ومَشعَر.

 

 

 

 

 فلما بلغ وادي مُحَسِّر أسرَعَ ﷺ/ قال ابنُ القيم رحمه الله كما في الزاد:

 هذا هو هديُهُ في المواضِع التي نَزَلَ بها بأسُ اللهِ عز وجل بأعدائه

وذلك كإسراعِهِ لما مَرَّ بديارِ ثمود.

 

فوادي مُحَسِّر لأنَّ الفيلَ حَسَرَ وانقطَعَ عن الذهاب، لما أرادَ أبرهة أن يهدِمَ الكعبة، فأنزلَ اللهُ بأبرَهَةَ عذابَه في هذا الموطِن.

وقال بعض العلماء: إنما أسرَعَ لأنَّ هذا الموطِن كان الكفار يجتمعون فيه في جاهليتهم ويذكرون آباءَهم ويمدحونَهم.

كما قال تعالى في سورة البقرة:

{فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ۖ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّين (198) ثمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (199) فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا}

 

وأما الموطِنُ الذي نزلَ به عذابُ الله بأبرهة فهو مكان يسمى: ( المُغَمِّس ) وعلى كلِّ حال سواء كان هذا أو هذا، فهذه سُنَّةٌ فِعليةٌ منه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

 ومُحَسِّر ليس من مِنى وإنما هو برزخ، يعني: فاصل بين مِنى ومزدلفة

 فمِنى حدُّها الشرقي: من مُحَسِّر، وحدُّها الغربيّ: جمرة العقبة

 وأما الحدُّ الشَّمالي والجَنوبي: فهما الجبلان المرتفعان

 وِمن ثَمَّ/ مُحَسِّر ليس من مِنى

 وجمرةُ العقبة ليست من مِنى

والجبلان ليسا من منى، إلا أنَّ بعضَ العلماء قال:

 ما أقبل من وجوهِ هذه الجبال فهو من منى وما أدبَرَ فليس منها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

 

وكان يلبي حتى رمى جمرة العقبة

فلا يُرمى في يومِ النحر إلا هذه الجمرة.

والسنةُ أن: يبدأ بالرمي، لأنَّ رميَ جمرةَ العَقَبة هي تحيةُ مِنى

 وسُميت بجمرة العقبة: لأنَّ وراءَها من الجهة الشَّمالية جبل ولذا وقف مستقبلا للجمرة، وسبق معنا أنه في يوم العيد لا يرمى إلا هذه الجمرة.

 

وهذا اليوم هو يوم النحر

 جاء عند أبى داود قوله ﷺ: ” أفضلُ الأيَّامِ عندَ اللهِ يومُ النحر”

وهو يوم الحج الأكبر كما ثبت تفسيرٌ الآية عن النبيِّ ﷺ عند البخاري.

وإنما حازَ هذا الفضل لأن به أعمالاً كثيرة كذبح الأضاحي والهدي والرمي والحلق والطواف والسعي.

 

فرماها مستقبلاً لها جاعلاً مكةَ عن يساره، ومنى عن يمينه

 فكان يرمي ويُكَبِّرُ مع كلِّ حصاة.

ومِن ثَمَّ تنقطِعُ التلبية، لأنه سيشرِعُ في التحلل ثم هو سيشتغل بعد ذلك بالتكبير.

وهل تنقطع التلبية في أول رميَة أو في آخرها؟

جاء حديث يصححه الألباني رحمه الله: أنها تنقطعُ عند آخِرِ رميَة.

فيُكبِرُ مع كل حصاة.

 

وأما قول: ( اللهم اجعله حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً وذنباً مغفوراً ) أثناء الرمي، فلا دليلَ عليه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ويجوزُ الرمي بأيِّ حصى/ فكل ما يسمى حصى فإنه يُجزئ، بل حتى على الصحيح لعدم الدليل له أن يرمي بما رُمِيَ به كأن يأخُذَ من الحوض حصاةً ويرمي بها.

ولا يستحب على الصحيح غَسْلُهُ ولا دَفنُهُ بل يَطرَحُهُ

 

 

 ولا يجزئ عند الحنابلة: الرمي بحصاةٍ صغيرةٍ جداً أو كبيرةٍ جداً.

 ويرى الجمهور: صحةَ الرمي مع الكراهة، وهو الصحيح لأنه قال:

 ( أمثالَ هؤلاء فارمُوا ) وحذَّرَ من الغلو فيها، فَفَرقٌ بين التحذير وبين عدمِ الإجزاء، والصحيح أنه محرم لا يُقتصر على الكراهة

ولا يُجزئ بغيرِ الحصى ولو كان ثميناً كذهب أو فضة.

 

ويرميها بسبع حَصَيات، يُكبِّرُ مع كلِّ حصاة

والأفضل أن يرميَ جمرة العقبة يوم العيد راكباً لفعله

كما أن الأفضل رميُها بعد طلوع الشمس.

 

والواجبُ أن تقع الحصاةُ في الحوض

وهذا الحوض وُضِعَ كتحديد، لأنَّ حدودَ الجمرة كما قال البعض: ثلاثةُ أَذرُع

والذراع: من أطرافِ أصابِعِ اليد إلى المِرفَق.

وليسَ الشاخِص موضِعَ الرمي

لذا لو ضرَبَت في الشاخِص ثم خرَجَت لم تُجزئ، وهذا ما نعلَمُهُ من كلامِ العلماء، مع أنَّ صاحب الحاشية، الشيخ/ عبد الرحمن بن قاسم رحمه الله قال:

“يكفي الرمي على الشاخص” إذا قال:

 ” لا يبعُد أن يكونَ هذا الشاخص وُضِعَ بأمرِ النبي ﷺ”

ولا أعلمُ أنَّ أحدا سَبَقَهُ إلى هذا، أو تَبِعَهُ في هذا.

ولو أنَّ الحصاةَ وقعَت في الحوض ثم تدحرجت فخرجت:

حصلَ الإجزاء بحصول مُسمَّى الرمي.

لكن لو رماها على شخصٍ فوقعت في ثوبه، فرماها الآخَرُ في الحوض:

لم يُجزئ لعدم وجود الرمي من الرامي.

وكذلك على الصحيح/ لا يُجزئُ طَرْحُهُ كما لو: أتى بحصاة وطَرَحَها، فالصحيح من قولَي العلماء: أن هذا لا يُعَدُّ رميا.

 

وأما ما اشترطه بعض الفقهاء في الرمي من رفع يده حتى يبدوَ إبطُهُ: فلا دليل عليه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

والواجب أن يقومَ كلُّ شخصٍ بأداء المناسك التي عليه ومنهُ الرمي، لأنه هو الأصل

 

والرمي على الصحيح/ يمتد إلى ما بعد غروب الشمس

 لقوله لذلك الرجل الذي سأله كما عند البخاري:

 ( رميتُ بعدما أمسيت، فقال: ارمِ ولا حرج )

ومادةُ ( مسى ) تطلق على ما قبل الغروب وبعدَه

 ولأنه لم يحدد وقتاً للانتهاء، فيمتدُّ وقتُهُ إلى طلوعِ الفجر،

 فإذا كان لا يتحملُ الزِّحام: يؤخرُهُ إلى الليل

 وإن كان لا يستطيع الرمي مطلقاً أو أنه يستطيع كالنساء لكن عليهن ضررٌ في آخر الأيام: فيجوزُ التوكيل لقول جابر: ( حَجَّ معنا الصبيان فلبَّينا ورمينا عنهم ).

 

ولكن/ لا يجزئ رميُ غيرِ الحاج

فلو وكَّلَ الحاجُّ شخصاً غيرَ حاج فلا يُعتَدُّ به.

 وكذلك لا يجوزُ أن يرميَ عن مُوَكِّلِهِ قبلَ أن يرميَ عن نفسه ولا سيما في الفرض.

 

وإن كان التوكيل في الأيام الأخرى

 فليس مأموراً بأن يرميَ عن نفسه أولا ثم إذا فرغ يعود ويرمي عن موكله.

مثاله / يذهب ويرمي عن نفسه الجمرة الأولى ثم الوسطى ثم العقبة، ثم يعود مرة أخرى من أجل أن يرمي عن موكله فهذا غير لازم،

 والصحيح: أنه يرمي عن نفسه وعن موكله في وقتٍ واحد، لكنه يبدأُ بنفسه،

 يأتي إلى الأولى فيرميها بسبع حصيات عن نفسه، ثم وهو في مكانه يرمي سبعاً عن موكله ثم الوسطي ثم العقبة.

 

والنبي لم يقف عند جمرةِ العقبة للدعاء

 وقد قيل: لأنَّ المكانَ ضيق لوجود الجبل، ولهذا لم يستقبل القبلة أثناءَ رميِها.

 وعلى هذا القول/ ففي هذا الزمن قد أزيح الجبل فهل يدعو؟ وهل يرمي وهو مستقبل القبلة؟

الصحيح أنه لا يفعلُ هذا.

 

وهناك خطأٌ كبير يحصل من الحجاج

وهذا الخطأ حصل بعدما أزيح الجبل، وهو: أن بعض الحجاج أصبحوا يرمون من الجهة الشَّمالية التي كان فيها الجبل فلا تقع جمارُهم في الحوض.

لكن لو أن أحدهم رمى من هذه الجهة التي كان فيها الجبل ووقعت جماره في الحوض فهل رميه هذا مجزئ؟

نعم يكون هذا الرمي مجزئا له، لكنَّ السنةَ أن يجعلَ مكةَ عن يسارِهِ ومِنى عن يمينه، وله أن يرميَها من أعلاها.

 

ولا يُظَنُّ أنَّ هذا الشاخص هو الشيطان!

 بل هي علامات على الجمرات، وقد وردت آثار لعل بعضَها يسنُدُ بعضاً:

 أنها مواقف وقف فيها إبليسُ لأبينا إبراهيمَ عليه الصلاة والسلام حينَ أرادَ ذَبْحَ ابنِهِ، فرماهُ في كلِّ موقف بسبعِ حَصَيات.

 

ولذا يستحضر المسلم حالَ الرمي أنه يعظمُ شعائرَ الله، ويذكُرُ الله

 لقوله كما عند أبى داود:

” إِنَّما جُعِلَ الطوافُ بالبيت، وبينَ الصفَا والمرْوَةِ ورمْيُ الجمارِ: لإقامَةِ ذِكْرِ اللهِ”

 

وفي هذا اليوم خطب النبي فقال في خُطبته:

” إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وأعراضَكم عليكم حَرَام كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا”

وكرر هذه الجملة في يوم النحر لأنَّ عِرض ودم ومال المسلم عظيم،

ولذا هذه الجملة: ” إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وأعراضَكم عليكم حَرَام ” قالها في خُطبةِ عرفة وقالَها في خُطبة يوم النحر، وقالها في خُطبة يومِ القَر.

 

ثم إن كان معه هدي ينحرُ هديَهُ

 وقد كان سخياً كريماً جواداً، كان يكفيه سُبعُ بَدَنَة، فأهدى مائةَ بَدَنَة

 ونحرَ منها كما عند أبى داود: ثلاثاً وستين، ثم أمرَ علياً رضي الله عنه أن يُكملَ الباقي وأن يتصدق بلحومها وجلودها وما عليها.

 

ووقوفه عند هذا العدد كأنَّ فيه إشارةً إلى أنَّ عُمُرَهُ لن يتجاوزَ هذا العدد،

 وبالفعل توفيَ وعُمُرُه ثلاثٌ وستون سنة.

 بل جاء أنه لما أتي إليه بخَمْسِ بُدَن، كلُّ واحدِة تُسابِقُ الأخرى أيتُها تُنحَر قبلَ صاحِبَتِها بيدِهِ الشريفة عليه الصلاة والسلام.

 

ولم يكتفِ بذلك: بل نحر عن نسائه البقر

ولم يكتفِ بذلك: بل كما جاء عند مسلم: أنه أخذ قطيعاً من الغنم وَذَبَحَه

ولذا أمر عليا رضي الله عنه أن يتصدق بكل لحومها ، مائة ناقة أمر أن يتصدق بلحومها وجلودها وجلالها، مفردها جل وهو ما يغطى به الجمل من قماش أو كساء .

 

 وأمر أن يؤخذ من كل بدنة بَضعة، فيجمعها ويطبخها

 فدل على أن الأكلَ من الهَدِي مُتَأكَّد، حتى إنَّ بعضَ العلماء أوجبَهُ لقوله تعالى:

 {فَكُلُوا مِنْهَا}، ولأنه ﷺ أكل.

وهذا هو الهدي الذي يجوزُ للحاج أن يأكلَ منه وما عداه فلا،

وكما يُصنَعُ بالأضحية يُصنَعُ به.

وسيأتي فصل في آخر هذه الدورة عن الهدي، إن شاء الله تعالى.

 

قال ﷺ من باب التخفيف:

 ( نحرتُ هاهنا وكلُّ مِنى مَنحَر ) بل قال: (كلُّ فِجاج مكةَ طريقٌ ومَنحَر ) .

لأنه ﷺ مرَّ بطُرُق في تنقلاته، في دخوله، فقال: ( كلُّ فجاج مكةَ طريقٌ ومَنحَر )

وهذا من باب التخفيف.

وأما حديث: ( كل منى منحر إلا ما وراءَ العقبة ) فالجملة المستثناة ضعيفة،

وهي جملة ( إلا ما وراء العقبة) ضعيفة .

إذاً/ النحرُ لا يجوزُ إلا في الحرم، فلو أنه ذَبَحَ في عرفة فإنه لا يجزئ لأنَّ عرفة من الحِلّ