الشرح الموسع لمسائل الحج الدرس ( 25 )(باب أحكام الهدي )

الشرح الموسع لمسائل الحج الدرس ( 25 )(باب أحكام الهدي )

مشاهدات: 985

بسم الله الرحمن الرحيم

فقه الحج ـ الدرس ( 25 )

باب: [ أحكام الهدي ]

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

 

ونختم بمسائلَ تتعلقُ بالهدي

فالهدي الذي هو هديُ التمتع – من شروط وجوبِ الدم :-

  1. ألا يكونَ من حاضري المسجد الحرام.
  2. أن يُحرِمَ بالعمرة في أشهر الحج من الميقات المعتبرِ له.
  3. أن يَحُجَّ من عامهِ، لأن قولَه تعالى: {فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} يقتضي الموالاة.
  4. ألا يسافر، وقد اختلف العلماء في تحديدِ هذا السفر:

 فبعض العلماء يقول: إن سافر مسافةَ قَصرٍ بطلَ تمتعُه.

 وبعضهم قال: إن رجع إلى أهله. وهو الصواب، لأنَّ من سافر إلى غير أهله لم يُنشئ سفراً جديداً فهو ما زال مسافراً، ففي هذه السفرة الواحدة حصلَ له نُسُكان.

  1. أن يُحِلَّ من إحرام العمرة قبل إحرامه بالحج، وهذا لا يكونُ في حق القارن الذي ساق الهدي، فإنه إن ساق الهدي فإنه لا يَحِل على القول الصحيح، خلافاً لمن قال إنه يَحِل

 ولا يأخذ شيئاً من شعره لقوله ﷺ: (لا أحِلّ حتى أنحَر).

  1. أن ينويَ في ابتداءِ العمرة أو في ثناياها التمتع،

فإن نوى التمتعَ بعد فراغه من العمرة فهل تصح عمرتُه عمرةَ تمتع؟

بمعنى: إنسانٌ أتى إلى مكة وهو لا يريدُ حجاً من الأصل، أتى إليها في أشهُرِ الحج، فأخذ العمرة ثم أراد أن يَحُج فهل تُحسَبُ له عمرةَ تمتع؟

اختلف العلماء في هذا/ فبعض العلماء: “ويختاره ابنُ قُدامة وشيخُ الإسلام”

أن النية لا تُشترط لعدم ذكرها في الآية، فالآيةُ إنما ذَكرت التمتع:

 {فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}.

والقول الثاني: إنه لابد من النية لقوله كما في الصحيحين من حديث عمرَ رضي الله عنه: ( إنما الأعمال بالنيات) وهذا هو الصواب.

 

ومما سبق من شروط استفدنا بأنَّ: حاضري المسجدِ الحرام ليس عليهم هدي،

 لكن هل لهم تمتع؟

سبق الحديثُ عنها والخلافُ فيها.

فلو قال قائل: من هم حاضري المسجد الحرام؟

الجواب / بعض العلماء يقول: هم أهلُ مكة، وبعضهم يقول: هم أهلُ الحرم،

وبعضهم يقول: هم من دونَ الميقات.

والصحيح/ أنهم إما أهلُ مكة أو أهلُ الحرم ومن قَرُبَ منهم عرفاً.

 أما القول بأنهم مَن دونَ الميقات: ففيه نظر لأنَّ من يسكنُ في قريةٍ بعد ذي الحُليفة بعشرِ كيلوات أو خمسين كيلاً يكونُ من حاضري المسجد الحرام، والحضور المرادُ منه القُرب، وهل يكون قريباً من يسكن في هذا الموطن؟

فالجواب: لا.

 

لكن لو قال قائل: لو أن شخصاً دخل مكةَ من الآفاقيين ناوياً الاستيطانَ بها فهل عليه هدي؟

الجواب: نعم عليه هدي، شأنُهُ كشأنِ المكي الذي استوطن بلداً ثم أتى إلى مكة فعليه الهدي، أما في العام القادم فإنه يصبح في حكم أهل مكة وليس عليه هدي.

لكن لو أنَّ المكيَّ خرج غيرَ مُنتقِلٍ إلى بلدةٍ أخرى ثم عاد فاعتمرَ من الميقات:

 فلا دمَ عليه.

 

ولو قال قائل: متى وقت وجوب الهدي؟

الجواب: وقتُ وجوبِه/ قال بعض العلماء: إذا أحرم بالحج.

 وقال البعض: بوقوفه بعرفة، وقال البعض: بطلوع فجرِ يومِ النحر لأنه وقتُ ذبحه. والأقرب أنه: وقتُ إحرامِه بالحج لقوله تعالى:

{فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}.

ويترتبُ على هذا مسائل ستأتي معنا.

 

أما وقتُ ذبحِهِ فهو: يوم النحر.

 وقد قال بعض العلماء: له أن يذبَحَهُ بعد إحرامِهِ بالحج.

والصحيح: أنه لا يذبح إلا في يوم النحر.

 قال ابنُ القيم رحمه الله: ( لم يذبح ولا أحدٌ من صحابته قبلَ يومِ النحر)

 ولأنه قال: (لا أحِلّ حتى أنحَر).

ومتى نحَرَ عليه الصلاة والسلام؟ نحر في يوم النحر.

 

فإذا لم يجد الهدي

 فإنه يصومُ عَشَرَة أيام، ثلاثةٌ في الحج وسبعةٌ إذا رجَعَ إلى أهلِهِ.

وهذه الأيامُ الثلاثة رخَّصَ فيها النبيُّ كما جاء عند البخاري أن يُصَمْنَ حتى في أيامِ التشريق، لكنه لو أخَّرَها عن أيامِ التشريق؟ فقد قال بعض العلماء: عليه أن يصوم مع الدم سواءً كان معذوراً أو غيرَ معذور.

وقال بعضُ العلماء: يصوم ولا دمَ عليه.

وقال بعض العلماء: إن كان معذوراً فيصوم ولا دمَ عليه، وهو الصحيح.

 

ولو قال قائل: متى وقتُ انتهاءِ صومِ هذه الأيام الثلاثة؟

الجواب: ينتهي بانتهاء أيام التشريق.

سؤال: إذاً متى يكون وقت جواز صيامها؟

الجواب: وقتُ جوازِ صيامِها قال بعضُ العلماء:

 إذا أحرَمَ بالحج للتنصيصِ على ذلك في الآية.

 وقال بعضُ العلماء: من حين أن يُحرِمَ بالعمرة،

 لأنَّ العمرةَ دخلت في الحج. وهذا هو الصواب.

 

ولا يلزم فيها التتابع ولا التفريق لإطلاقِ النَّص،

 ومثلُها السبعة لا يلزمُ فيها تفريقٌ ولا تتابع.

 

وهل يصومُ السبعة إذا رجع إلى أهله؟ أو له أن يصومَها إذا فَرَغَ من أعمالِ الحج؟

الجواب/ قال بعض العلماء: يجوزُ له، لأنه سيشرع في الرجوع إلى أهله.

 وقال بعض العلماء: لا يصومُها إلا عند أهله لقوله تعالى: {وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ}

وقد بينت السنة أنَّ الرجوعَ هنا هو الرجوع إلى الأهل.

 

قلنا فيما سبق إنَّ وقت وجوب الهدي إذا أحرَم بالحج، فيكونُ وقتُ وجوبِ صيامِها إذا أحرم بالحج.

ومِن ثَمَّ: إذا دخَلَ في الصيام ثم قَدِرَ على الهدي: فلا يلزمُهُ الخروجُ من الصيام إلا إذا شاء خلافاً لمن ألزَمَه بالهدِي.

 

ولو قال قائل: قررنا فيما سبق أنه إذا أحرم بالحج وجب عليه الصوم، فلو أنَّ هناك من أحرم بالحج ولم يَشرَع في الصيام ووجد الهدي فهل يلزمُهُ الهدي أو لا يلزمُهُ؟

الجواب/ قولان لأهل العلم، والصحيح: أنه لا يلزمُه لأنَّ الواجبَ عليه هو الصيام ولا فرقَ بينَه وبينَ المسألةِ السابقة التي إذا شَرَعَ فيها في الصوم ثمَّ قَدِر قلنا: لا يلزمُه،

 لكن لو شاء فله ذلك، بل قال بعضُ العلماء: أنه لو شاء الهدي لا يجزئه ذلك لأنَّ الواجبَ عليه هو الصوم، والصحيح أنه له ذلك.

 

لكن لو قال قائل: متى يبدأ صيامُ هذهِ الأيام؟

الجواب: إذا أحرَمَ بالعمرة.

فلو أنه أحرم بالعمرة فصام فقَدِرَ عليه الهدي، فهل يلزمُه؟

الجواب: الصحيح انه لا يلزمه.

 

 

 

 

 

وهذا هو الهدي الوحيد الذي يجوزُ للحاج أن يأكلَ منه

 ولو وَلَدَ هذا الهدي فهو بمنزلةِ أمِّهِ يُذبَحُ معها،

وله أن يَشرَبَ لبنَ الهدي ما لم يَضُرَّ بالهدي أو يضر ولدَها، فإن خالف ضَمِنَ.

 وله ركوبُ الهدي عند الحاجة بلا ضَرر لقوله ﷺ في صحيح مسلم:

” ارْكَبْهَا بالمَعروفِ، إذَا أُلْجِئْتَ إلَيْهَا”

 وله أن يتزودَ من هذا الهدي إلى بلدِهِ كما فعِلِ الصحابةُ رضي الله عنهم

 ولذا يجوزُ بعد ذَبْحِهِ في مكة أن يَخرُجَ منها ويُوَزعَ على الفقراء بعد إخراجِ نصيبِ فقراءِ الحرم

 فإذا كَثُرَت هذه اللحوم فيُعطى فقراءُ الحرم نصيبَهم والبقيةُ يجوزُ أن تُصرَفَ خارِجَهُ.

 

وفقراء الحرم هم: من في الحرم مِن أهلِ مكة أو من الآفاقيين، فمن قَدِمَ حاجًّاً وهو فقير فيجوزُ أن يُعطى لأنه كما في الصحيحين: أمَرَ علياً أن يُوَزِّعَهُ على الفقراء ولم يستفصِل، والقاعدةُ الأصولية: [ تركُ الاستفصال يُنَزَّل منزلةَ العمومِ في الأقوال ].

 

والسنةُ في الهدي إذا كان يسوقُه

 أن يُقَلَّدَ وأن يُشعَر، فإن كان من الإبل فيُشعَر ويُقَلَّد كما صنع النبي ،

 والإشعارُ هو: طعنُها في سنامِها الأيمن بحيث يسلت الدم عنها فيُعرف أنها هدي، وليست مُثلَة كما يُتَوَهَّم وليس تعذيباً للحيوان،

فإنَّ المصلحةَ الراجحةَ في تعظيمِ الهدي وعدم التعرضِ له تفوقُ بأضعافٍ مضاعفة هذه المفسدة.

وإن كان بقراً فكذلك تُشعَر وتُقَلَّد، لكنَّ الحنابلةَ يقولون: تُشعَر البقر إن كانت لها أسنمة.

والغنم لا تُشعَر وإنما تُقَلَّد فلا يُسنُّ إشعارُها لضعفِها.

 والإشعارُ يكونُ في: جانب السنام الأيمن لفعله عند مسلم،

 وفِعلُهُ أولى من فِعلِ وقولِ ابنِ عمر الذي يرى الإشعار في السنامِ الأيسر.

 

 

ويُسَنُّ لمن لا هديَ عليه واجب، أن:

 يتطوعَ بالهدي

ولْتَعلم أنَّ الذكرَ والأنثى في الهدي سواء لقوله تعالى:

{وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ}

وقد أهدى النبيُّ جملاً كان لأبي جهل، وإنما أهداه حتى يغيظَ الكفار.

 

وهل البقرة تجزئ عنها بدنة؟

الجواب: نعم، الصحيح أنَّ البَدَنَة تجزئ عن البقرة، وتُجزئُ سَبْعُ شِياة عن بدنة،

وتُجزئ البدنة والبقرة عن سَبعِ شِياة.

وقولُنا بالإجزاء فيما سبق/ ما لم يكن هذا الهدي في (قتلِ الصيد)

 لأنَّ قتلّ الصيد كما سبق تُشتَرَطُ فيه المِثلية.

 

 ويُشترط في الهدي ما يُشترط في الأضحية

وشروط الأضحية هي :-

1- أن تكونَ من بهيمة الأنعام وهي: (الإبلُ – والبقرُ – والغنم ضأنُها وماعِزُها )

 وما عداها فلا يُجزئ، لقوله تعالى: {لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ}.

2- بلوغ السن المعتبر شرعاً:

ففي الضأن ستة أشهر فأكثر – وفي المَعز سنة فأكثر – وفي البقر سنتان فأكثر – وفي الإبل خمسُ سنواتٍ فأكثر.

3- أن تكونَ سليمةً من العيوب المانعة من الإجزاء لقوله ﷺ: ( أربعٌ في الأضاحي لا تُجزئ ) والتنصيصُ هنا على الأضاحي – فدلَّ على أنَّ الدم المُتَقَرَّبَ به إلى اللهَ عز وجل لا يكونُ مُجزئاً إلا بسلامته من هذه العيوب.

قال ﷺ: ” أربعٌ لا تجزئُ في الأضاحي: العَوراءُ البيِّنُ عَوَرُها والعرجاءُ البيِّنُ عَرَجُها والمريضةُ البيِّنُ مرَضُها والهزيلةُ التي لا تُنقِي ” يعني: الهزيلة التي لا مُخَّ في عظمها.

ويُلحَقُ بها ما كان مثلَها أو أعظم كالعمياء ومقطوعةِ إحدى اليدين أو الرِّجلَين.

 

4- أن تكوَنَ في وقت الذبح: من بعد صلاة العيد إلى آخِرِ يومٍ من أيامِ التشريق – وهي الأيام الثلاثةُ بعد العيد. فهذه أربعةُ شروط في الأضاحي.

والهدي يلزمُ فيه المكان المعتبر وهو: الحرم

وأما هديُ العمرة فالسنةُ أن يُذبَحَ عند المروة.

 

مسألة: فُالهدي أو الهدايا أو الفِدى تكونُ كالتالي :-

  1. هديُ التمتع يكونُ لفقراءِ الحرم وكذا هديُ القارِن.
  2. هديُ تركِ الواجب ويكونُ لفقراءِ الحرم.
  3. هديُ الاحصار ويكون في مكانِ الاحصار وله أن يَنقُلَهُ إلى الحرم.
  4. هديُ المحظور ويكون في مكانِ فِعلِ المحظور وله أن ينقلَهُ إلى الحرم.

ولكن يُستثنى في هدي المحظور: (الصيد) فهديُ الصيد كما قال عز وجل:

{هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ}

 

فإذا خرج الحاج عليه أن يتقيَ اللهَ عز وجل فيما يستقبِلُهُ من أيام ولذا قال عز وجل:

{ وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ لِمَنِ اتَّقَىٰ ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُون }

فاشترط التُقى.

 

وفي ثنايا خروجِهِ يُكرَهُ له إخراجُ تُرابِ الحرم إلى الحِلّ

 كما ورد عن ابنِ عباس وابن عمر رضي الله عنهم.

 وأما إخراجُ ترابِ المسجدِ الحرام: فحرام،

 وإن كان لقصدِ التبرك: فهو وسيلة من وسائل الشرك.

 

 

 

 

وكان رَسول اللَّهِ إذَا قَفَلَ مِن غَزْوٍ أوْ حَجٍّ أوْ عُمْرَةٍ، يُكَبِّرُ علَى كُلِّ شَرَفٍ مِنَ الأرْضِ ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ، ثُمَّ يقولُ: “لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ له، له المُلْكُ وله الحَمْدُ، وهو علَى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ، آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ، صَدَقَ اللَّهُ وعْدَهُ، ونَصَرَ عَبْدَهُ، وهَزَمَ الأحْزَابَ وحْدَهُ”.

قفل، أي: رجَعَ

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

وبهذا ينتهي الحديثُ عن مسائلِ الحج والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات،

 ونسألُ اللهَ عز وجل أن يجعلَهُ حُجَّةً لنا لا حُجَّةً علينا،

 وأن يرزُقَنا وإياكم العلمَ النافع والعملَ الصالح،

 وأن يجعلَنا مُباركين أينما كنا،

 وأن يجعلنا من العلماء الربانيين من الذين يصلون العمل بالقول

 وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.