الشرح الموسع لمسائل الحج الدرس ( 7 ) ( الصبي والعبد والكافر والمجنون في الحج )

الشرح الموسع لمسائل الحج الدرس ( 7 ) ( الصبي والعبد والكافر والمجنون في الحج )

مشاهدات: 829

بسم الله الرحمن الرحيم

فقه الحج ـ الدرس ( 7 )

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

(الصبي والعبد والكافر والمجنون في الحج)

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

 

مسألة: لو أنَّ الصبي أو العبد وُجِدَ بهما يومَ عرفة سبب الوجوب، كيف؟

مثاله: لو أنَّ الصبي بلغ في عرفة، والسيد أعتَقَ عبدَهُ بعرفة،

 فهل يُجزئه عن حَجَّةِ الإسلام؟

الجواب: نعم يجزئه على الصحيح، مع أنه في أول إحرامه أحرم بنفل،

 وهذا مما يمتاز به الحج.

 

لو قال قائل: لو خرج من عرفة ثم بلغ فعاد إلى عرفةَ في وقتِ الوقوف، هل يجزئه؟

الجواب: نعم يجزئه؛ لكنَّ بعضَ العلماء يُقَيِّد فيقول: يجزئه إن بلغ في عرفة عن حَجَّةِ الإسلام بشرط: ألا يكونَ سعى بعد طواف القدوم، لأنه قد يأتي ُمفرداً أو قارناً فطاف طوافَ القدوم وسعى سعيَ الحج وهو غيرُ بالغ أو هو عبد، فلما وقَفَ بعرفة بلغ أو عَتَقَ، فيقولون: لا تُجزئه لماذا؟ لأنه أتى بركنٍ من أركانِ الحج وهو السعي أتى به قبل بلوغه.

ولو قيل لهم سيعيد السعي؟ يقولون: لا، فالسعيُ لا يُشرَعُ تِكرارُه.

وقال بعض العلماء: يجزئه لأنه أدرك عرفةَ وهي الركنُ الأعظم ولا فرقَ بين إدراكِهِ لعرفة قبل السعي أو بعدَهُ.

وهو قولٌ قوي، والقولُ الأول أيضاً قوي،

والأحوط: أن يجعلَها نفلاً ويَحُجَّ حَجَّةَ الفرضِ فيما بعد.

ومثلُه العمرة: فلو أنه بلغ في الطواف فلا تجزئه عن عمرةِ الإسلام ولو أعاد الطواف لأنه لا ُيشرَعُ تِكرارُهُ.

 

لو قال قائل: لو فرَغَ من حَجِّهِ أو من عمرته التي كان يَظُنُّ فيها أنه صبيّ أو أنه رقيق ثم تبيّنَ له أن هذه الحَجَّةَ وقعت وقْتَ بلوغ وَوَقْتَ عِتق، فهل تجزئه عن حَجَّةِ الإسلام؟

الجواب: نعم تجزئه عن حَجَّةِ الإسلام.

 

لو قال قائل: هل يُقاس الكافرُ على الصغير والرقيق لو أسلمَ في عرفة؟

الجواب: يقال إذا أسلمَ الكافرُ في عرفة فإنه ينوي الحج ويُجزئه عن حَجة الإسلام، وكذا لو وقف بها وهو كافر ثم خَرَج فأسلَمَ ثم عاد إليها في وقتِ الوقوف ناوياً بها الحج فتجزئه عن حَجَّةِ الإسلام.

 

لو قال قائل: هذا هو الصغير وهو شرطٌ كما سبق/ فالبلوغ شرطٌ للوجوبِ والإجزاء، ونظيرُه الرقيق في هذا الحكم، وأتْبَعْتُم هذين الشخصين بالكافر، والإسلامُ شرطٌ للوجوبِ والصِّحَّة.

فلو قال قائل: نسيتُم المجنون! شخصٌ وقفَ بعرفة وهو مجنون فأفاق بها، فماذا يصنع؟ وماذا يُقال له؟

الجواب: يُقال له/ إن قيل بصحة إحرامِ الولي عن المجنون:

فيمضي في حَجِّهِ وحَجُّهُ صحيح.

وإن قيل بعدم صحة إحرام الولي عن المجنون:

فيُقال لا يَصِحُّ هذا الحج إلَّا إذا نوى بعدَ إفاقتِه بعرفة، وَرُجِّحَ هناك عدم الصحة،

 فنقولُ له: لتنوِ الحجَّ بعرفة.

 

لو قال قائل: لو أنَّ شخصاً أحرَمَ وهو عاقل ثم جُن وأُخِذَ هذا المجنون مع الحجيج وَوُقِفَ به في عرفة، وظَلَّ في جنونه إلى أن فاتَ وقتُ الوقوف، فلما فاتَ وقتُ الوقوف أفاق -أو مثلا: مُغمى عليه- فماذا يُقال؟ هل يَصِحُّ حجه أم لا؟

الجواب: اختلف العلماء في ذلك/

وهذه المسألة مبنية على مسألة سابقة وهي:

هل أعمالُ الحج أعمالٌ مستقلة، لِكُلِّ عَمَلٍ حُكْمُهُ في النية، أو أنَّ أعمالَ الحج أعمالٌ واحدةٌ في النية كالصلاة؟ (الصلاة: هل تنوي الركوع؟ هل تنوي السجود؟ ج/ لا تنوي هذا)

الجواب: من قال إنها أعمالٌ مُتفرقة/ يقول:

 لا يَصِحُّ حَجُّهُ لأنه لم ينوِ الوقوف.

إذاً ماذا نصنعُ به؟ (سبق معنا: فاته الحج)

قال بعضهم: يتحلل بعمرة.

وعلى القول الآخَر/ وهي أنها أعمالٌ واحدةٌ كأعمالِ الصلاة، يقولون:

يُجزئه الوقوف ويَصِحُّ حَجُّهُ بدليل أنَّ العلماء يقولون: لو وَقَفَ بعرفة ناسياً أو جاهلاً أجزأهُ الوقوف، ويستدلون على ذلك بحديثِ عُروة بن مُضَرِّس الطائي الذي أتى النبيَّ وهو واقفٌ بمزدلفة إذ قال:

(أكللتُ راحلَتي وأتعَبْتُ نفسي، واللهِ ما تركتُ من جبلٍ إلا وقفتُ عليه فهل لي من حجٍّ؟

 فقال رسولُ اللهِ: من شهد صلاتَنا هذه ووقف معنا حتى ندفعَ وقد وقف قبل ذلك بعرفةَ ليلًا أو نهارًا فقد تم حجُّه وقضى تفثَه)

 

ويُرَجِّحُ هذا القول – وهو أنَّ أعمالَ الحج كأعمالِ الصلاة في النية [الشنقيطي رحمه الله] صاحبُ كتابِ أضواءِ البيان، وذكَرَ مسألةَ المُغمى عليه/

 (والإغماء لا شكَّ أنهُ نوعٌ من أنواع الجنون)

قال رحمه الله: ” الذي يظهر لي أنه يَصِحُّ حَجُّه “

وممن اختارَ القولَ الآخر/ سماحةُ الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، إذ نَصَّ على أنَّ المجنونَ إذا أفاقَ بعدَ عرفة فإنَّ الحجَّ قد فاتَه.

وقرأتُ لابنِ قُدامةَ أنه يقول:

إنَّ الإمامَ أحمدَ توقفَ فيها.

والمسألةُ قوية ولذا سلك بعضُ العلماء مسلكاً آخر فقال:

إن كان هذا العمل لا يتطلب من الحاج فِعلاً بنفسِه: وذلك كالطواف فلا يُجزئ.

وإن كان لا يتطلبُ فِعلاً إنما يتطلب مُكثاً: كالوقوف ِبعرفة فيُجزئ.

 

ولا شك أنَّ الأحوطَ أن يُقالَ فاتَهُ الحج لأنَّ القياسَ على الصلاة قياسٌ مع الفارق، لأن الإغماءَ لو حصل في الصلاة ولو جُزءًا يسيراً بطلت الصلاة، بينما لو حصل في عرفة ثم أفاق لا يُبطِلُ الوقوف.

 

ومن ثم لو قال قائل: ما الحكم فيما لو جُنَّ بعد وقوفِهِ بعرفة؟

الجواب: مبنية هذه المسألة على الخلافِ السابق/

 فمن قال إنَّ أعمالَ الحج تكفي فيه النيةُ الأولى وهي نيةُ الدخولِ في النسك كالصلاة: يُطافُ بهذا المُغمى عليه ويُسعى به ويُرمَى عنه.

وأما على القول الآخر فيقولون: هو في حُكْمِ المُحصَر.

 

من المسائل المتعلقةِ بالعبد:

لو أنَّ العبدَ أحرَمَ بغيرِ إذنِ سيدِهِ فما الحكم؟

الجواب/ الحكمُ أنَّ إحرامَهُ ينعقِد ولسيدِهِ تحلِيلُهُ ويكونُ في حُكمِ المُحصَر،

 أما إن كان بإذنِ السيد فليس له تحلِيلُه.

 

ومثل مسألةِ الإذن مسألةُ النذر:

 فإن نذَرَ حجاً وكان هذا النذرُ من غيرِ إذنِ سيدِه: صَحَّ، ولسيدِهِ مَنْعُهُ فإذا عَتُقَ فليلزمُه الوفاءُ بهذا النذر بعد حَجَّةِ الإسلام.

وأما إن كان هذا النذرُ بإذنِ سيدِه: فليس له تحلِيلُه.

 

مسألةٌ تتعلقُ بالصبي:

يُصنَعُ ويُفعَلُ عن الصبي ما يَعجَزُ عنه إلا الصلاة لأنه قد يكونُ عُمُرُه خمس سنوات فالأصلُ أنَّ صلاتَه لا تصح، لكن في النُسك -والله أعلم- الذي يظهر لي:

 أنه في النُسك تصِحُّ منه الصلاة لأنها تابعة ليست مستقلةً عن النسك،

ولذا/ قال بعضُ العلماء: لا يجوزُ أن يصليَ أحدٌ عن أحد إلا النائب في الحج فتقعُ ركعتا الطواف عن المُنيب.

 

لكن لنجعل المسألة: أنَّ الصبي عجَز فهل يُصلَّى عنه؟

الجواب/ لا.

 

واستحبَّ بعضُ العلماء في الرمي:

 أن يجعلَ الحصاةَ في يدِ الصبي فيحصُلُ اشتراكٌ من الصبي مع وليِّهِ في الرمي.

 

مسألةٌ أخرى تتعلقُ بالصبي:

هل طواف الولي بالصبي محمولاً يُجزئُ عنهما، أو لا يجزئ عنهما، أو يجزئ إن كان الصبيُّ المحمولُ يَعقِلُ النية

فيقال له انوِ، وأما إن كان لا يعقِلُ فلا يَصِحُّ الطواف؟

الجواب ثلاثة ُأقوال:

والصحيح: أنه يُجزئ مطلقاً، والدليل ما جاء في صحيحِ مسلم:

 (المرأة التي رفعت الصبي فقالت: يا رسول الله ألهذا حج؟ فقال: نعم ولك أجر)

ولم يبين النبي هذا الحكم مع أنَّ السائلة جاهلةٌ، والقاعدة الأصولية:

 [أنَّ تأخير البيان عن وقتِ الحاجة منه عليه الصلاة والسلام لا يجوز].

 

ولو قال قائل: لو أنَّ الصبيَّ لم يستطع أن يطوفَ لا محمولاً ولا راكباً؟

الجواب / قال شيخُ الإسلام رحمه الله: يطوفُ عنه وليُّهُ.

 

 مسألةٌ تُشابِهُ الطوافَ بالصبي:

وهي مسألةُ طواف المتعذر بنفسه، بمعنى: شخصٌ لا يستطيع الطواف إلا محمولاً، فَحَمَلَهُ شخص فهل يقعُ عنهما؟ أو يقع عن المحمول فقط؟

الجواب / الذي يظهر أنه يقع عنهما إذا نواه الحامل والمحمول،

وذلك كما لو وقَفَ به في عرفة كأن يكون هناك شخصٌ لا يتلاءمُ معه إلا أن يُحملَ فلو وُقِفَ به محمولاً أجزأَ وقوفهُ.