الشيخ زيد البحري الدرس ( 96 )باب شروط الصلاة ( 18) ( حكم لبس الذهب أربع أصابع فما دونها للرجال )

الشيخ زيد البحري الدرس ( 96 )باب شروط الصلاة ( 18) ( حكم لبس الذهب أربع أصابع فما دونها للرجال )

مشاهدات: 491

بسم الله الرحمن الرحيم

باب شروط الصلاةالدرس السادس والتسعون

لفضيلة الشيخ زيد البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مسألة: [ما ذُكِرَ عن شيخ الإسلام رحمه الله مِن جَوازِ لُبْس الذهب أربع أصابع فما دونها للرجال]

الشرح/ يرى شيخ الإسلام رحمه الله أنه يجوزُ أربعُ أصابع من الذهب فما دون للرجال، وأدلته ما يأتي:

الدليل الأول/ أن النبي ﷺ لما جمع بين الحرير والذهب قال: ” حَرامٌ على ذُكورِ أُمَّتي، حِلٌّ لإناثِهم “

فدل على أن حكمها سواء، ولأن العلةَ -والله أعلم- أنهما في العلة سواء.

الدليل الثاني/ أن النبي ﷺ كما في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود:

” أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ نهى عن لُبسِ الذهبِ إلا مُقطَّعًا “

وإباحته هنا للرجال، لأن الذهب محرمٌ على الرجال في الأصل، ومباحٌ للنساء في الأصل بجميع أنواعه وأشكاله، فَحَمَل رحمه الله هذا الحديث على جواز لُبس الذهب للرجال بهذا المقدار.

الدليل الثالث/ وهو دليلٌ يمكن أن يُستدل به له رحمه الله: ما جاء في الصحيحين من حديث المِسوَر بن مَخْرَمَة، وقد مَرَّ معنا وهو: أن النبي ﷺ أتته أقبِيَة:

” قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَقْبِيَةً، وَلَمْ يُعْطِ مَخْرَمَةَ مِنْهَا شَيْئًا، فَقَالَ مَخْرَمَةُ: يَا بُنَيَّ، انْطَلِقْ بِنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ النبي ﷺ وَعَلَيْهِ قَبَاءٌ مِنْ دِيبَاجٍ مُزَرَّرٌ بِالذَّهَبِ، فَقَالَ: ” يَا مَخْرَمَةُ، هَذَا خَبَأْنَاهُ لَكَ، فأعطاه إيَّاه “

الدليل الرابع/ الذي يمكن أن يُستدل به برأيه: (لأنني ما رأيتُ له إلا دليلَين، كثيرا ما أذكر القول وأذكُر أدلتَهم وأزيد على أدلتهم من باب التأييد لهم حتى يكونَ طالبُ العلم على إحاطةٍ بجميع الأدلة، فإنهم رحمهم الله يذكرون قولَهم ويذكرون بعضَ الأدلة، ومن خلال المراجعة في كتب الحديث قد أجد أدلةً لم يذكروها وأضيفُها إلى هذا القول، وهذا كثيرٌ فيما سبق، ولا أُصَرِّحُ به فيما سبق، لكن أحب أن أنَبِّه إلى أن مِثلَ هذه الأدلة بعضُها قد يكونُ مِن إضافتي، لأن البعضَ قد يطَّلع في كتابٍ على هذه المسألة ولا يرى هذه الأدلة) فالدليلُ الرابع الذي يمكن أن يُستدل به بشيخ الإسلام رحمه الله:

 أن عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه (كانت قَبيعةُ سَيفِه مِن ذهب) والقَبيعة: هي طرفُ مِقبَض السيف. فهذه هي أدلتُه رحمه الله.

والذي عليه الأكثر: أن الذهبَ محرمٌ على الرجال دون استثناء، ويمكن أن يُستدل بالعلماء الذين قالوا بالتحريم بما يأتي:

1/أن النبي ﷺ قال: هذا ” حلالٌ لإناثِ أمَّتي حرامٌ على ذُكورِها “، ولم يُفَصِّل.

2/وقد مَرَّ معنا: ما جاء في مسند الإمام أحمد، قال ﷺ:

” مَن كانَ يؤمنُ باللَّهِ واليومِ الآخرِ فلا يَلبَسْ حَريرًا ولا ذَهَبًا “.

3/ما جاء في مسند الإمام أحمد أنه ﷺ قال:

” مَنْ لَبِسَ الذَّهَبَ مِنْ أُمَّتِي، فَمَاتَ وَهُوَ يَلْبَسُهُ لَمْ يَلْبَسْ مِنْ ذَهَبِ الْجَنَّةِ “.

إضافةً إلى جميع الأدلة التي جاءت بتحريم الذهب على الرجال.

4/ الدليل الرابع: أن الإمام أحمد احتج في رواية الأثرم، بحديث:

” مَنْ تَحَلَّى بِخَرِيصَةٍ مِن ذَهَب كُوِيَ بِهَا يَوْم الْقِيَامَة “.

والخريصةُ: هي بمقدار حبة الشعير، وقيل: بمقدار عين الجرادة، وهذا هو المُرَجَّح.

ــــــــــــــــــــــ

أما أدلةُ شيخِ الإسلام رحمه الله فيُجاب عنها بما يأتي:

الدليل الأول: أن النبي ﷺ جَمَعَ بين الذهبِ والحرير، هذا الدليل يُعكَسُ على رأي شيخ الإسلام، فيقال:

هو دليلٌ لمن قال بالتحريم بجميع أنواع الذهب وأشكاله وأوزانه، لم؟

لأن النبي ﷺ جمع بينهما وفرَّقَ، فاستثنى الحريرَ في حكم جواز لُبس أربع أصابع منه فما دون،

 ولم يستثنِ الذهب، وبالتالي: فإنه لا يُعَدُّ دليلاً له، وإنما يعد دليلاً عليه رحمه الله.

الدليل الثاني: ما جاء في المسند وسنن أبي داود: ” أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ نهى عن لُبسِ الذهبِ إلا مُقطَّعًا “

الجواب عن هذا: أن هذا الحديث مطلق، ولم يذكر في النبي ﷺ أربع أصابع أو أكثر أو أقل، فيُدخَلُ عليه من هذا الباب ويقال: إن هذا الحديث ليس دليلاً صريحاً في جوازِ لُبس الرجل أربع أصابع من الذهب فما دون، إذ لو قيل بعمومه لجاز أكثر من أربع أصابع،

ولكن هذا الحديث محمولٌ كما قال الألباني رحمه الله في أحدِ قولَيه (ليس في هذه المسألة وإنما في مسألة الذهب المحلق) قال: إنه ما كان مُقَطَّعًا مثل: السن والانف، وذلك في حالة الضرورة.

ويُشكِلُ على هذا التوجيه في نظري: أن النبي ﷺ قال عن لُبس الذهب إلا مقطعاً، أفيُمكِن أن يكون السن والأنف في حالة الضرورة، أفيمكن أن يكون في صورة الملبوس أم لا؟

نعم، يكون في حكم الملبوس، بدليل ماذا؟ أنه مَرَّ معنا أن النبي ﷺ نهى عن الجلوس على الحرير كما عند البخاري، والجلوس داخلٌ في معنى اللبس، وقد قررنا هذا فيما سب.ق

أما الدليل الثالث: وهو حديث المِسوَر بن مَخرَمَة، قد سبق الجواب عنه في مسألة لبس الحرير للرجل من غير أن تكون هناك حاجة ولا ضرورة، فنقول كما قلنا سابقاً:

إن حديثَ المسور ابن مخرمة في زمن الإباحة.

أما دليل عمر رضي الله عنه وهو: أنه كان يلبس قبيعةَ سيفه ذهباً

فالجواب عنه: أن هذا الأثر يتناقله علماءُ الحنابلة في كتبهم كابن قدامة رحمه الله، ولم يُسندوه فلا يعرف له أصلا، ثم هَب أن له أصلاً، فيحمل على ماذا؟ يُحمل على أن مثل لبس الذهب في حالة الحرب يختلف فيها عن حالة السلم، ولذا مر معنا في الحرير أنه يجوز أن يلبس الحرير في حال الحرب، لم؟

لأنه من باب إغاظة الأعداء، فإن الأعداء إذا رأوا أن أمثال هؤلاء المجاهدين قد وضعوا الذهب في سيوفهم قُذف الرعب في قلوبهم، فيقولون: إن هؤلاء لم يأتوا إلا وهم غير مبالين بالقتال لأن من هو مقدم

على الموت فإنه في نفسه وجل ليس في حالة إلى أن يتجمل.

وأما أدلة الأكثر: فيؤتى عليها ببعض الملحوظات.

هذه الأدلة قد يُدخل علينا فيقال: إنها أدلة عامة، وأما ما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله في أدلة خاصة خصصت ماذا؟ المُقَطّع، بدليل أنه في الحديث: ” أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ نهى عن لُبسِ الذهبِ إلا مُقطَّعًا “

والاستثناءُ معيار العموم

ولذا عند الأصوليين ( أن من المخصِّصات للعموم الاستثناء ) فإنه ما استثنى إلا لأن المستثنى منه يختلف في الحكم عن المستثنى، فالمستثنى هو المقطع، والمستثنى منه الذهب، فالمستثنى منه منهي عنه واستُثنى في عدم النهي المقطع.

فيجاب عن هذا الإشكال: بما سبق بيانه في الجواب على دليلهم هذا، ماذا قلنا؟

في حالة الضرورة، بدليل أن عرفجة بن أسعد كما جاء عند أبي داود قُطع أنفه يوم الكُلاب، وهو مكان فيه ماء، وقعت فيه وقعه في الجاهلية، فاتخذ أنفا من فضة فأنتن فقال:

 أمرني رسول الله ﷺ أن اتخذ أنفا من ذهب.

أما حديث: ” مَنْ تَحَلَّى بِخَرِيصَةٍ مِن ذَهَب كُوِيَ بِهَا يَوْم الْقِيَامَة “، فهذا يوجهه شيخ الإسلام رحمه الله كما نقل تلميذُه ابن القيم في تهذيب سنن أبي داود:

فيقول: إنه في المنفرد أما في التابع فنحن نقول بالجواز، ولذا رحمه الله يحمل حديث:

” أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ نهى عن لُبسِ الذهبِ إلا مُقطَّعًا “

يقول: إن الجواز في أربع أصابع فما دون في التابع، مثالُه: المِشلَح، لو كان فيه أربعُ أصابع من الذهب من حيث العرض، فيجوز لم؟

 لأنه تابع وكما هي القاعدة ( يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً)، شأنُه كشأن الحرير، ألم نقل في مسألة الحرير، إنه لو لبس الحرير لَبِسَ قطعةَ حرير مقدارُها أربعُ أصابعٍ فما دون فماذا قلنا؟

لا يجوز، والدليل حيث ابن عباس: نَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنِ الْمُصْمَتِ

فأما ما كان تابعاً يقول رحمه الله: فيجوز، وعليه يُحمل حديث:

” أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ نهى عن لُبسِ الذهبِ إلا مُقطَّعًا “

وأما حديث الخُرَيصَة: فيقول إنه في حكم المنفرد؛ ويُجاب عن قوله رحمه الله فيما يظهر لنا:

 لأن مِثلَه رحمه الله لا يُجابُ عنه، ولا ندّعي فيه العِصمَة، ويمكن لو سَمِعَ كلامنا لَفنَّدَه، لكن هذا ما ظهر والحق ضالة المؤمن، فيُجاب عنه: بأنه ليس في الحديث ذِكرٌ للتابع ولا للمنفرد، فليس هناك ذكر للمنفرد في حديث الخُرَيصة، وليس هناك ذِكرٌ للتابع في حديث المُقَطّع، فيكونُ رحمه الله أخذ بهذا الحديث وهو حديث التقطيع، أخذ به على غير عمومه من ناحيتين:

الناحية الأولى/ أنه خصَّصَه بم؟ خصصه بالتابع، وليس فيه ذِكْرٌ للتابع.

الناحية الثانية/ أنه خصصه بأربع أصابع فما دون، وليس فيه ذِكْرٌ لهذا المقدار.

ومِن ثَم: فإن الأدلة واضحةٌ من حيث الأصل على تحريمه على الرجال.

والمشكلة أن هناك مشالِح يُزعَمُ بأنها مُرَصَّعَةٌ بالذهب، وهو هذا الزري في بعضِ المشالح، وتُباع عندنا، كما زُعِم أنها أربع أصابع مِن الذهب، وقد نقل ابنُ عثيمين رحمه الله أن الشيخ ابن باز رحمه الله ذَكر أن الشيخ محمد بن إبراهيم قد قام ببحث هذا الأمر، فَوَجَد أن هذه المشالحَ خاليةٌ مِن الذهب.

 لكن لو افتُرِضَ أنه وُجِدَ، لأن ذلك العصر يختلفُ عن هذا العصر، فالمسألةُ كما ذَكَرنا.