تعليقات على ( سنن أبي داود ) ــ الدرس الثامن والعشرون من حديث 388 – 392

تعليقات على ( سنن أبي داود ) ــ الدرس الثامن والعشرون من حديث 388 – 392

مشاهدات: 441

تعليقات على ( سنن أبي داود ) ــ الدرس الثامن والعشرون

من حديث 388 – 392

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله  :

 باب الإعادة من النجاسة تكون في الثوب

حديث رقم -388-

( ضعيف ) حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ثنا أبو معمر ثنا عبد الوارث حدثتنا أم يونس بنت شداد قالت حدثتني حماتي أم جحدر العامرية أنها سألت عائشة عن دم الحيض يصيب الثوب فقالت : كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلينا شعارنا وقد ألقينا فوقه كساء فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الكساء فلبسه ثم خرج فصلى الغداة ثم جلس فقال رجل يا رسول الله هذه لمعة من دم،  فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما يليها فبعث بها إلي مصرورة في يد الغلام ، فقال اغسلي هذه وأجفيها ثم أرسلي بها إلي فدعوت بقصعتي فغسلتها ثم أجففتها فأحرتها إليه فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بنصف النهار وهي عليه )

من الفوائد :

أن الحمو : قريب الزوج ، كما نص على ذلك بعض أهل اللغة ، فكل شخص قريب للزوج فإنه يعد ” حمو ” وله في اللغة لغات :

” حمى ” على وزن ” عصى “

و ” حم ” على وزن ” يد “

و ” حمأ ” على وزن ” خبأ “

و” حمو “

وأما ” الختن ” فهو كل شخص قريب للزوجة ، فيقول بعض أهل اللغة ” ما كان قريبا للزوج يسمى ” حموا ” وما كان قريبا للزوجة يسمى ” ختنا “

مع أن بعض أهل اللغة يقول ” إن الحمو يطلق على أقارب الزوج وأقارب الزوجة معا “

فإذا كان كما قالوا فإن الحمو يكون مثل  ” الصهر ” فالأصهار يطلقون من حيث اللغة على أقرباء الزوج وعلى أقرباء الزوجة .

ومن الفوائد :

أن الواجب على من أصابت ثوبه نجاسة أن يغسل موضع النجاسة فقط .

ولا أريد أن أخوض كثيرا في الحديث لأنه ضعيف ، لكن بعض الكلمات وردت فيه مثل ( فأحرتها ) يعني أرجعتها ، كما قال تعالى {إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ }الانشقاق14 يعني أن لن يرجع .

 

 

باب البصاق يصيب الثوب

حديث رقم -389-

( صحيح ) حدثنا موسى بن إسماعيل ثنا حماد أخبرنا ثابت البناني عن أبي نضرة قال : بزق رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثوبه وحك بعضه ببعض )

من الفوائد :

أنه قال ( بزق ) وله من حيث اللغة ثلاثة ضوابط :

أولا : بالصاد ” بصق “

ثانيا : بالسين ” بسق “

ثالثا : بالزاي ” بزق “

ومن الفوائد :

أن اللعاب والبصاق والنخامة طاهرة ، إذ لو كانت نجسة لما لوث رسول الله صلى الله عليه وسلم ملابسه بها .

ومن الفوائد :

أن الرسول صلى الله عليه وسلم بين هذه الطريقة في الصلاة ، فإذا غلب البصاق المصلي فإنه يتفل في ثوبه ، ولكن يدلك بعضه ببعض ، وهذا يدل على أن المسلم مطلوب منه أن يظهر بالمظهر اللائق أمام الناس مع أن البصاق طاهر ، لأن دلك بعضه ببعض يتفرق فلا يظهر له أثر ، فلا يعني في كون الشيء طاهرا أن يدعه الإنسان ، لأن من الخلق النبيل والمظهر الجميل أن يظهر بالمظهر المناسب أمام الناس .

ومن الفوائد :

أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يألو جهدا في تعليم أمته الأحكام الشرعية بالطرق المختلفة منها بالقول ومنها بالإقرار ومنها بالفعل كما هنا ، ولا شك أن الفعل من أعظم الأساليب التي توصل العلم إلى الآخرين .

ومن الفوائد :

أن دلك البصاق بهذه الصورة يدل على أن المصلي كما ذهب إلى ذلك النووي رحمه الله أن المصلي لا يتفل عن يساره إذا كان في المسجد ، فيقول رحمه الله ” إن الأحاديث الواردة في البصاق عن يسار المصلي إنما إذا كان خارج المسجد أما إذا كان داخل المسجد فإنه يبصق في ثوبه ثم يحك بعضه على بعض ” لأن المساجد مأمور بتطهيرها وعدم إلقاء القذر فيها .

مع أن بعض العلماء – كما سيأتي إن شاء الله تعالى تقريره – يرى أن النخامة في المسجد يزول أثمها فيما لو تفل إذا دفنها ، أما لو تفل أو بصق وتركها فإنه يأثم ، أما إذا تفل فدفنها فإنه لا إثم عليه ، وسيأتي إن شاء الله معنا أدلة لما ذهبوا إليه ، وسنعرف الراجح إن شاء الله حينها .

حديث رقم -390-

( صحيح ) حدثنا موسى بن إسماعيل قال ثنا حماد عن حميد عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم ” بمثله “

 

 

 

 

 

 

 

 

قال المصنف رحمه الله :

أول كتاب الصلاة

( باب فرض الصلاة )

 

حديث رقم – 391 –

( صحيح ) حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه أنه سمع طلحة بن عبيد الله يقول ” جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد ثائر الرأس يسمع دوي صوته ولا يفقه ما يقول حتى دنا فإذا هو يسأل عن الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس صلوات في اليوم والليلة قال هل علي غيرهن ؟ قال لا إلا أن تطوع – قال – وذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم صيام شهر رمضان ، قال هل علي غيره ؟ قال لا ألا أن تطوع ، قال وذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم الصدقة ، قال فهل علي غيرها ؟ قال لا إلا أن تطوع ، فأدبر الرجل وهو يقول والله لا أزيد على هذا ولا أنقص فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفلح إن صدق

حديث رقم -392-

( شاذ  بزيادة ” وأبيه ” حدثنا سليمان بن داود ثنا إسماعيل بن جعفر المدني عن أبي سهيل نافع بن مالك بن أبي عامر  بإسناده بهذا الحديث قال ” أفلح وأبيه إن صدق ، دخل الجنة – وأبيه – إن صدق )

من الفوائد :

أن بعض المحدثين قال إن هذا الرجل المذكور هو ” ضمام بن ثعلبة “

بينما يرى آخرون أن الحديث الوارد في ضمام يختلف عن هذا ، لأن الأسئلة الواردة في الحديث الذي ذُكر ضمان بن ثعلبة تختلف عن هذه الأسئلة ، فرأوا أنهما قضيتان مختلفتان .

ومن الفوائد :

أن ” النجد ” يختلف عن ” التهامة ” فتهامة المقصود منها مكة ، وهو ما هبط من الأرض ، بينما ما ارتفع وعلا يسمى نجدا ، وهذا الرجل أتى من نجد وهو المكان المرتفع بين مكة والعراق ، ولذلك الأحاديث الواردة من ( أن نجد تنبعث منها الفتن ) المقصود منها العراق ، وقد جاءت رواية بذكر العراق نصا ، فنجد الحجاز هو العراق ، وليس المقصود نجد التي نسكنها نحن ، وبالفعل من تتبع التاريخ وجد أن معظم الفتن تأتي من جهة العراق ، ولا أدل ولا أظهر في عصرنا هذا فإن الفتن قد كثرت وانتشرت في هذه السنوات من تلك المنطقة .

ومن الفوائد :

أن ( الدوي ) هو الصوت الذي لم يفهم ، مثل” صوت النحل ” ولذلك قالوا ( ولا يفقه قوله ) .

ومن الفوائد :

أن الرجل وصف بأنه ( ثائر الرأس ) ولم يقل ” ثائر الشعر ” وهذه لفتة بلاغية يقصد منها المبالغة ، بمعنى أن شعره كله كان ثائرا ، لأنه أضاف الثوران إلى الرأس ، فإذا كان الرأس كله ثائرا دل على أن شعره كله ثائر .

وقال آخرون من أهل اللغة : إن هذا من باب إطلاق المحل على الحال ” لأن محل الشعر هو الرأس ، فأطلق المحل على الحال لأن الرأس مصدر الشعر .

ومن الفوائد :

أن هذا الحديث استدل به بعض العلماء على أن ما عدا المذكورات في هذا الحديث أنه ليس بواجب ، ولذلك قال بعضهم إن الوتر ليس بواجب ، خلافا للحنفية الذين يوجبونه ، ومعلوم أن الوتر ليس بواجب ، ليس من هذا الحديث وإنما من أحاديث أخرى أوضحت أنه سنة وليس بواجب .

وأسقطوا وجوب صلاة الكسوف ، مع أن بعض العلماء يرى وجوبها ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها ، قال ( فافزعوا إلى الصلاة ) كما في الصحيحين .

وأسقطوا وجوب صلاة العيدين ، وذهب آخرون إلى أنها واجبة بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها كما في حديث أم عطية في الصحيحين .

وأسقطوا أشياء أخر .

المهم أن هذا الحديث عمدة لبعض العلماء في إسقاط وجوب بعض العبادات التي نوزعوا فيها ، إذ قالوا إن ما عدا المذكورات هنا ليست واجبة ، ونحن لا نسلم لهم ، لأن الحديث لم يذكر ” الحج ” إذاً ماذا نقول ؟

نقول : إن هذا الحديث لا ينفي وجوب عبادات إذا وجد سببها ، فهذه عبادات مذكورة لا سبب لها ، لكن هناك أشياء فرضت لسبب .

بل قال ابن حجر رحمه الله ” هناك رواية أثبتت أن الرسول صلى الله عليه وسلم علمه الشرائع كلها ” فانتفى ما ذهبوا إليه .

ومن الفوائد :

بيان أن صلاة الجمعة واجبة وفرض على الأعيان ، ومحل الشاهد أنه قال ( خمس صلوات ) فإذا جاء يوم الجمعة صارت خمسا بالجمعة .

ومن الفوائد :

أن ما ذهب إليه بعض العلماء كالشوكاني رحمه الله إذ قال ” إن صلاة الجمعة إذا وافقت صلاة عيد وصليت صلاة العيد سقطت الجمعة والظهر ” فلا يصلي الجمعة ولا الظهر ، وهذا الحديث يرد قوله ، لأن الواجب عليه إذا أسقط الجمعة بصلاة العيد فعليه أن يصلي الظهر ، وهذا ما عليه جماهير الأمة .

واستدل رحمه الله بفعل ابن الزبير رضي الله عنهما ، ولعله أن يأتي ويُبين وجه الدلالة منه وكيف الجواب عنه .

ومن الفوائد :

أن الزكاة يطلق عليها لفظ ” الصدقة ” وهذا مذكور في قوله تعالى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }التوبة60

ومن الفوائد :

أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ( إلا أن تطَّوَّع ) وضبط ( إلا أن تطَوَع ) .

ومن الفوائد :

أن الرواية المشهورة التي عليها الثقات أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ( أفلح إن صدق ) بينما جاءت رواية عند مسلم ( أفلح وأبيه إن صدق ) وهذه تورث إشكالا ، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم حلف بغير الله ، ومعلوم الأحاديث الواردة في النهي عن الحلف بغير الله ومن بين ذلك الآباء ، وقد جاء في حديث عمر رضي الله عنه ( لا تحلفوا بآبائكم ) فلماذا حلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبيه ؟

وكما قلتُ مسبقا يجب على طالب العلم ألا يلتفت إلى حديث واحد ويلغي الأحاديث الكثيرة ، فالأحاديث الكثيرة جاءت بالنهي عن الحلف بغير الله  ، بينما جاء هذا الحديث فيه حلف بغير الله ( أفلح وأبيه ) فلا يأتي شخص ويقول إن الحلف بغير الله جائز ، لأن الواجب على طالب العلم أن يجمع بين الأحاديث ما أمكنه ذلك ، فلا يدع تلك الأحاديث الكثيرة ويأخذ بحديث واحد فيكون قد عطَّل أحاديث كثيرة ، بينما هذا الحديث الذي أثار إشكالا يجمع مع الأحاديث الأخرى فينتفي الإشكال بإذن الله ، وعلى هذا فقس في مسائل أخرى ، وليس في مسألة الحلف بغير الله فحسب .

إذاً ما الجواب عن هذه اللفظة ( أفلح وأبيه أن صدق ) ؟

بعض العلماء :

يرى أنها شاذة ، كما هو رأي الألباني رحمه الله كما هنا ، والشذوذ علة في الحديث .

والشاذ : هو الذي يخالف فيه الثقة من هو أوثق منه ، إما من حيث العدد وإما من حيث الضبط ، فإن الثقات الكثر ذكروا هذا الحديث بغير هذه اللفظة ، بينما ذكرها شخص واحد وهو ثقة بهذا اللفظ ، فيكون قد أخطأ بمخالفته للثقات ، فنقول إن هذه اللفظة شاذة ، ولا نقول إنها منكرة ، لأن المنكر أشد من الشاذ .

المنكر : هو أن يخالف الضعيف الثقة .

فتكون هذه الرواية شاذة ولا يلتفت إليها ـ لأن نص الحديث واحد والحادثة واحدة .

وقال بعض العلماء :

إن هذا الحلف قبل أن يأتي النهي ، فأتى النهي فنسخ ، ومما يقوي هذا أن أسئلة هذا الرجل وأجوبة النبي صلى الله عليه وسلم تدل على أن هناك أشياء ما فرضت ، فكأن هذا الحديث في أول الإسلام .

وقال بعض العلماء :

إن هذه اللفظة ” مصحفة ”  لأنهم ما كانوا ينقطون ، فتكون في شكلها قريبة من كلمة ( الله ) فتكون ( أفلح والله إن صدق ) .

وقال بعض العلماء :

إن الرسول صلى الله عليه وسلم أضمر شيئا ، فيكون الأصل ( أفلح وربِّ أبيه إن صدق ) فيكون الحلف بالله عز وجل لا بأبيه .

وقال بعض العلماء :

إن هذا يجوز في حق النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لا يقاس بغيره من حيث تعظيم الله عز وجل .

وقال بعض العلماء :

أن كلمة ( وأبيه ) من الألفاظ الواردة عندهم مما لا يقصد منها الحلف ، كقول النبي صلى الله عليه وسلم لصفية رضي الله عنها ( عقرى حلقى ) وقول ( تربت يمينك )  وقول ( ثكلتك أمك )

وقال بعض العلماء :

إن أريد بها التعظيم فإنها محرمة وإن لم يرد بها تعظيم الأب فتجوز لأنها من الألفاظ السائدة .

فهذا مجمل ما ذكره العلماء تحت هذه اللفظة ، والأقرب والعلم عند الله :

إما أن يقال إن هذا قبل النهي ، لأن الحديث في ظاهره يدل على أنه كان في أول الإسلام ، وإما أن تكون هذه اللفظة شاذة .

ومن الفوائد :

أن هذا من المتشابه ، فليحذر طالب العلم من أن يقع فيما وقع فيه أناس ينتسبون إلى العلم الشرعي فزلت أقدامهم ، فأباحوا أشياء من أجل حديث أو حديثين أو نص أو نصين وتركوا الأحاديث الأخرى التي جاءت بالتحريم ، فليكن طالب العلم كالراسخين في العلم يسير سيرهم ويحذو حذوهم ، قال تعالى {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ  } لأنه الأصل ، فالذي ظهر حكمه وظهر معناه هو الأصل { وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ } هذا وهذا ، لم ؟ { كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ }آل عمران7

وما كان من الله عز وجل فلا يمكن أن يكون فيه اختلاف واضطراب ، فإذا بقي الاضطراب والاختلاف فالخلل في عقولنا ، ثم دعوا الله عز وجل { رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ }آل عمران8، لم ؟ لأن هناك يوما سيحاسبون فيه {رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ }آل عمران9، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين ( إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم ) فلا يهتز طالب العلم من نص أو حديث يزعزع عنده قاعدة متينة تدل عليها أحاديث أو نصوص كثيرة ، وإنما يجمع بين الأمرين إذا كان النص الوارد المخالف صحيحا ، ولذلك يقول شيخ الإسلام رحمه الله ” إن عند أهل الحديث علما هو من أجل علومهم وهو علم علل الحديث ” يقول ” يعرفون العلل في الحديث التي ترده أو تبطله “

وذكر رحمه الله أمثلة .

ومن الفوائد :

أن المسلم إذا أتى بالواجبات على الوجه المطلوب شرعا فإن الفلاح قد تحقق فيه فيحصل له المرغوب ويزول عنه المكروه ، هذا إن صدق ، ومعلوم أن من قام بالواجبات حق القيام فإن هذه الواجبات تدعوه إلى أن يأتي بما هو نفل وتطوع ، وهذا شيء مشاهد ، ولكن مما يشاهد أيضا أن الإنسان متى ما أهمل في الواجبات أو تثاقل عن شيء منها فإن هذا التثاقل يودي به إلى أن يدع شيئا منها ، لكن إن كان حريصا على الواجبات فليعلم علم اليقين أنه سيزداد خيرا ، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم كما في المسند  لما قيل له ( إن فلانا يصلي بالليل فإذا أصبح سرق ، قال سينهاه ما تقول ) وبالفعل لو أن الإنسان قام بالواجبات حق القيام فإن الإسلام قد أسقط عنه النوافل فلا يلام عليها ، لكن قد يلام لوما لا يعاقب عليه ، وإنما يلام بعظم منزلته فإن طالب العلم لا يليق به أن يدع ما يدعه غيره ، فهذا مما لا يليق به حتى ولو كان نفلا ، ولذلك ابن عمر رضي الله عنهما كما في الصحيحين لما كان مقصرا في صلاة الليل رأى رؤيا ، أن ملائكة أخذوه إلى النار ، فرأى ملكا ففزع ، فقال إنك لن تراعى ، فقصها على حفصة فقصتها حفصة رضي الله عنها على رسول الله صلى الله عليه وسلم (  فقال صلى الله عليه وسلم نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل ) قال سالم ابنه فكان عبد الله لا ينام من الليل إلا قليلا ) فكيف أوقف على النار ؟ لأن مثل ذلك لا يليق ابن عمر رضي الله عنهما مع أنه نفل ولا يلزم به ، ففرق بين إنسان عادي وبين إنسان يطلب العلم والخير .

ومن أرى الله عز وجل من نفسه خيرا أمده الله عز وجل وأعانه ، وأنصح نفسي ومن يسمعني أن يكثر من دعاء الله عز وجل أن يعينه ، لأن العبد ضعيف ، يعتريه ما يعتريه من النقص مهما يكن ، فإنه يأتيه من النقص ما يأتيه ، فليكثر من دعاء الله عز وجل بالثبات والإعانة على طاعته ، ولاسيما في هذا الزمن الذي كثرت فيه الفتن وكثرت فيه الصوارف والشواغل ، فإذا لم يتنبه الإنسان إلى قلبه وعمره فإنه مع خضم هذه الفتن وهذه المغريات وهذه الشهوات قد يزل ، ونحن نرى – نسأل الله عز وجل الثبات – نرى أناسا كانوا على خير وهدى حتى ممن ينتسب إلى العلم الشرعي ، تغيرت حاله ، وتغيرت آراؤه ، فهذه وقفة تستوجب منا أن نتنبه إلى ذلك الأمر ، ولذلك صدق ابن مسعود رضي الله عنه إذ قال ( من كان مستنا فليستن بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة ) لكن ما السبيل إلى الثبات ؟ أن يدعو الله عز وجل ، ولذلك ما جعل النبي  صلى الله عليه وسلم ( الدعاء هو العبادة ) إلا لأنه يدل على حاجة العبد حاجة ملحة إلى توفيق الله عز وجل وتسديده وإعانته  ،فدرسنا هذا الآن حرم منه أناس كثير ، فإذا وفق العبد لها يسأل الله عز وجل أن يعينه على الثبات وأن ينفعه بما علمه وأن يسأل الله عز وجل المزيد من فضله ، لأن هذه الحياة إذا صار فيها الإنسان من غير علم زاغ قلبه – نسأل الله العافية – فإذا لم يكن عالما ولا متعلما ، ولذلك بعض السلف يقول ” كن عالما أو متعلما ولا تكن الثالث فتهلك ” الثالث هو الذي لا يعلم ولا يتعلم ، ويكفي من دروس العلم أن الملائكة تحف الإنسان ، أما أن يبقى الإنسان هكذا دون أن يتعاهد قلبه وحاله ولاسيما في مثل هذه الأيام ، ولذلك ( لما قال رجل للمقداد رضي الله عنه هنيئا لك رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاربت معه وناصرته ، فقال له احمد الله على الإسلام ، فإن هناك من أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وحاربه )

فقضية تتبع الإنسان لقلبه وعمله من الضرورة بمكان في هذا العصر ، ولذلك نرى بين الفينة والأخرى أناسا كان فيهم من الخير قد تخطفتهم الأهواء والشبهات أو الشهوات فنسأل الله عز وجل السلامة والعافية ، وأيضا مع الدعاء عليه أن يختار صحبة طيبة ، لأن بعض مجالس الأخيار – وللأسف – أصبح فيها القيل والقال واللغو الذي لا ثمرة منه ولا فائدة ، ومن بين الأشياء التي لا ثمرة فيها ولا فائدة أن يخاض في أعراض الناس أو في أعراض الأخيار ، لست ملزما بالناس ، إنما أنت ملزم بصلاح قلبك ، فإذا صلح قلبك فإن هذا الصلاح سيدعوك إلى أن تنصح أخاك المسلم الذي وقع في هذه المعصية  .

وأم سلمة رضي الله عنها كما عند الترمذي ( لما سئلت ما أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في بيتك ؟ قالت كان يكثر من قول ” اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ” ، فسألته ، فقال إن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبهما كيف ما يشاء ) وفي رواية ( من شاء زاغ ومن شاء قام )

والإمام أحمد رحمه الله مع جلالة قدره أتاه الشيطان في سكرات الموت فقال فتني يا أحمد ، فتني يا أحمد ” يعني لا سبيل لي عليك ، فقال بعد بعد ، وهو لا يخاطب من أمره أن يقول لا إله إلا الله ، وإنما يخاطب الشيطان ، يعني بما أن الروح لازالت بين جنبي فلم أفتك “

فلما أفاق سئل فأخبرهم ، وهو إمام أهل السنة والجماعة ، والشيطان قد توعد بني آدم { لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً }الإسراء62، وأعظم ما يبتلى به الناس ولاسيما أهل الخير والصلاح الدنيا ، فإذا انفتحت الدنيا على الإنسان ولم يسأل الله عز وجل خيرها وتكون إعانة له على طاعته فإنه توشك أن ترديه ، ولذلك عند الترمذي قوله عليه الصلاة والسلام ( لكل أمة فتنة وفتنة أمتي في المال ) فبعض الناس يوفق ويعطى من الدنيا فيظفر بخير عظيم ، فيصرف هذا المال في وجهه الشرعي المباح ، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( نعم المال الصالح للرجل الصالح ) والمال سماه الله عز وجل خيرا {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ }العاديات8 ، سماه خيرا باعتبار ما سيكون إن أحسن الإنسان التصرف فيه ، لأنه خير يعود عليه من أجر الله عز وجل له ، سماه أيوب عليه السلام بركة ( لما تساقط عليه الجراد من الذهب ، فقال الله عز وجل يا أيوب ألم أكن أغنيتك عن هذا ؟ قال لا غنى لي يا رب عن بركاتك )

والله تعالى أعلم ، وصلى الله على نبينا محمد .