بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
باب في الرجل يطأ الأذى برجله
حديث رقم -204-
( صحيح ) حدثنا هنَّاد بن السري وإبراهيم بن أبي معاوية عن أبي معاوية ح وثنا عثمان بن أبي شيبة حدثني شريك وجرير وبن إدريس عن الأعمش عن شقيق قال قال عبد الله : كنا لا نتوضأ من موطئ ، ولا نكف شعرا ولا ثوبا ) قال أبو داود : قال إبراهيم بن أبي معاوية فيه عن الأعمش عن شقيق عن مسروق أو حدثه عنه قال قال عبد الله ، وقال هناد عن شقيق أو حدثه عنه )
من الفوائد :
أن الصحابة رضي الله عنهم كما أخبر عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ما كانوا يغسلون أقدامهم إذا خاضت في مياه الأمطار ، هذا على حمل الوضوء على غسل القدمين كما قال بعض العلماء ، وظاهر الحديث أنه الوضوء الشرعي ، فما كانوا يتوضئون بعدما يطئون مياهً فيها مخاض .
ومن الفوائد :
النهي عن كف الشعر والثوب أثناء الصلاة ، بل يتركان من أن أجل أن يسجدا وأن يركعا مع المصلي، وستأتي أحاديث بإذن الله تعالى في كف الشعر والثوب أثناء الصلاة ، فالبعض من الناس يكف ثوبه ، بضم ثيابه إلى مرفقيه بعد الوضوء ويستمر هذا الحال إلى أن يدخل في الصلاة ، وهذا منهي عنه ، فلا يكف الثوب ولا الشعر .
باب فيمن يحدث في الصلاة
حديث رقم -205-
( ضعيف ) حدثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا جرير بن عبد الحميد عن عاصم الأحول عن عيسى بن حطان عن مسلم بن سلام عن علي بن طلق قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا فسا أحدكم في الصلاة فلينصرف فليتوضأ وليعد الصلاة )
من الفوائد :
يستفاد من هذا الحديث على اعتبار صحته :
أن الحدث الذي هو ( الفُساء ) وهو هواء يخرج من الدبر من غير صوت ، أنه مبطل للصلاة .
ومن الفوائد : أن الواجب على المسلم ألا يستمر في صلاته إذا أحدث ، بل الواجب عليه أن ينصرف ، وهذا الحديث تدل الأحاديث الأخرى على معناه .
باب في المذي
حديث رقم -206-
( صحيح ) حدثنا قتيبة بن سعيد ثنا عبيدة بن حميد الحذاء عن الركين بن الربيع عن حصين بن قبيصة عن علي رضي الله عنه قال : كنت رجلا مذاء فجعلت اغتسل حتى تشقق ظهري فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم أو ذكر له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تفعل إذا رأيت المذي فاغسل ذكرك وتوضأ وضوءك للصلاة ، فإذا فضخت الماء فاغتسل)
من الفوائد :
أن المذْي ويصح المذِي ، يصح الوجهان ، فالمذي لا يوجب الغسل ، خلافا لما توهمه علي رضي الله عنه من ذلك ، لأنه يشبه المني .
المذي : قال ابن حجر رحمه الله هو ” ماء أبيض لزج يخرج عند تذكر الجماع أو عند مداعبة الرجل لزوجته “
ومن الفوائد :
أن تشقق ظهر علي رضي الله عنه لأن هذه الحادثة وقعت له في الشتاء ، كما جاءت بذلك بعض الروايات .
ومن الفوائد :
أن السائل هنا هو علي رضي الله عنه قال ( فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم )
أما على لفظة ( ذُكِر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ) فيكون السائل غيره ، وقد مرَّ معنا أن عليا رضي الله عنه أمر عمار بن ياسر أن يسأل ثم أمر المقداد ،فكونه رضي الله عنه يقول ( فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ) إما أنه لما خفَّ هذا الأمر بسؤال عمار والمقداد سأل رضي الله عنه ، فهو لم يسأل ابتداء لمكان ابنة النبي صلى الله عليه وسلم منه .
وإما نُسب إليه أنه سأل باعتبار أنه هو الآمر ، كما لو قلت ” جلد الأمير فلانا ” ولا يعني أن الأمير قطعا هو الذي جلد ، بل أمر جنده أن يجلدوا فلانا ، فلكونه الآمر نسب إليه هذا السؤال .
ومن الفوائد :
أن بعض العلماء قال : إن الواجب على المسلم قبل الوضوء أن يستنجي أو يستجمر إذا خرج منه شيء ، فلا يصح وضوء ولا تيمم قبل الاستنجاء أو الاستجمار ، فلا يأت إنسان ويتوضأ ثم إذا فرغ من وضوئه أسكب على ذكره الماء بعد البول .
وهذه مسألة خلافية بين أهل العلم ، لو أن الإنسان بال مثلا ثم انقطع بوله وأراد أن يتوضأ قبل أن يغسل ذكره ، ثم لما فرغ من الوضوء غسل الذكر ، أيصح وضوؤه أم لا ؟
قولان لأهل العلم ، والأحوط للإنسان أن يستنجي أو يستجمر قبل أن يتوضأ وقبل أن يتيمم ، لأنه قدَّم هنا غسل الذكر ، قال ( اغسل ذكرك ) فقدَّم غسل الذكر على الوضوء .
ومن الفوائد :أن الاستجمار لا يكون إلا من الخارج المعتاد كالبول والغائط ، ولذلك أمره النبي صلى الله عليه وسلم بغسل الذكر ، لأن المذي ليس خارجا معتادا ، ولذلك لو أن الإنسان خرج من سبيليه مذي أو دم فلا يصح الاستجمار وإنما يصح الاستنجاء فقط .
ومن الفوائد :
أن النبي صلى الله عليه وسلم عمَّم في غسل الذكر ، فيكون الصواب من قولي العلماء أن المذي إذا خرج يغسل الذكر كله ، ولا يكتفى بغسل ما أصاب الذكر كالمقدمة مثلا ، فلابد أن يغسل الذكر كله ولو لم يصبه شيء من المذي ، لأن كلمة ( ذكر ) مفرد أضيف إلى الكاف وهو معرفة فيفيد العموم ، والقاعدة الشرعية [ أن المفرد إذا أضيف إلى معرفة يفيد العموم ] فأفاد عموم غسل الذكر .
ومن الفوائد :
أن المني إذا خرج من الإنسان اليقظان دفقا فيجب منه الغسل ، لقوله ( إذا فضخت ) يدل على الدفع بقوة ، أما إذا خرج من غير لذلة كما يخرج بعد البول عند البعض فهذا يسمى ( وَدْيا ) فلا يجب منه الغُسل وإنما حكمه كحكم البول .
حديث رقم -207-
( صحيح ) حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن أبي النضر عن سليمان بن يسار عن المقداد بن الأسود : أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أمره أن يسأل له رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل إذا دنا من أهله فخرج منه المذي ماذا عليه فإن عندي ابنته وأنا استحيي أن اسأله قال المقداد فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال إذا وجد أحدكم ذلك فلينضح فرجه وليتوضأ وضوءه للصلاة )
من الفوائد :
أن السائل هنا هو المقداد ، فيكون السائل في الحديث الأول هو علي باعتبار أنه الآمر .
ومن الفوائد :
أن ” النضح ” يطلق في الشرع على الرش وعلى الغسل ، والمراد بالنضح هنا هو الغسل .
ومن الفوائد :
أن الوضوء في قوله ( فتوضأ وضوءك للصلاة ) وضوء شرعي ليس بوضوء لغوي ، لأن من بين أنواع الوضوء اللغوي أن يستنجي الإنسان أو أن يغسل يديه ، لكن هنا في هذه الرواية وضحت أن الوضوء هو الوضوء الشرعي الذي يكون لفعل الصلاة .
ومن الفوائد :
أن على المسلم ألا يبقى جاهلا فيما يجري له من قضايا ، فإذا كانت له قضية يستحي أن يسأل عنها ، فليرسل شخصا آخر كما فعل علي رضي الله عنه .
ومن الفوائد :
أن الذكر يطلق عليه ( فرج ) والمقصود من الفرج هنا ( الذكر ) ولا يلزم غسل الدبر .
لو قال قائل :
إذا أمذى وليس عنده ماء يغسل به ذكره ؟
هنا يزيل هذه النجاسة بالأحجار وما شابه ذلك وتكون النجاسة باقية ، لكن لعدم وجود الماء يغتفر له حمل هذه النجاسة لأنه في حال ضرورة .
حديث رقم -208-
( صحيح ) حدثنا أحمد بن يونس ثنا زهير عن هشام بن عروة عن عروة أن علي بن أبي طالب قال للمقداد : وذكر نحو هذا قال فسأله المقداد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليغسل ذكره وأنثييه )
قال أبو داود : ورواه الثوري وجماعة عن هشام عن أبيه عن المقداد عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم.
من الفوائد :
أن رواية ( أنثييه ) ثابتة ، وقد صححها ابن حجر رحمه الله وغيره من العلماء .
الأنثيان : الخصيتان .
فلو قال قائل علام تغسل الأنثيان مع أن المذي لم يصبهما؟
قال بعض العلماء : زيادة في التطهير، لأن المذي سريع التدفق والانتشار ، فربما أصاب شيء من المذي الأنثيين .
وقال بعض العلماء : إن غسل الأنثيين ولاسيما بالماء البارد يخفف خروج هذا المذي ، فتكون العلة طبية على هذا القول
والواجب علينا أن نأتمر بما أمر به الشرع .
ومن الفوائد :
أن هذه الرواية تؤكد ما سلف من أن أصح قولي العلماء أن يغسل الذكر كله .
حديث رقم -209-
( إسناد صحيح ) حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي قال ثنا أبي عن هشام بن عروة عن أبيه عن حديث حدثه عن علي بن أبي طالب قال : قلت للمقداد فذكر معناه )
قال أبو داود : ورواه المفضل بن فضالة وجماعة والثوري وبن عيينة عن هشام عن أبيه عن علي بن أبي طالب ورواه بن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه عن المقداد عن النبي صلى الله عليه وسلم ( لم يذكر أنثييه )
حديث رقم -210-
( حسن ) حدثنا مسدد ثنا إسماعيل يعني بن إبراهيم أخبرنا محمد بن إسحاق حدثني سعيد بن عبيد بن السباق عن أبيه عن سهل بن حنيف قال ” كنت ألقى من المذي شدة وكنت أكثر منه الاغتسال فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ؟ فقال : إنما يجزيك من ذلك الوضوء قلت يا رسول الله فكيف بما يصيب ثوبي منه ؟ قال يكفيك بأن تأخذ كفا من ماء فتنضح بها من ثوبك حيث ترى أنه أصابه )
من الفوائد:
أن عليا رضي الله عنه ليس هو الوحيد الذي اشتهر بكثرة المذي ، بل هناك غيره من الصحابة كسهل رضي الله عنه ، فكان يلقى منه شدة .
ومن الفوائد :
أن المذي لما كان قريبا من المذي في الصفة توهم هذان الصحابيان علي وسهل رضي الله عنهما أنه كالمني في وجوب الغسل ، وهذا يفيدنا بفائدة وهي ” أن الإنسان لا يدخل آراءه في أحكام الشرع ، فأحكام الشرع تؤخذ عن طريق الشارع ، فلا يجوز لأحد أن يجتهد خلاف النص .
ومن الفوائد :
أن النبي صلى الله عليه وسلم اقتصر على الوضوء ، ولا يعني أن غسل الذكر والأنثيين غير داخلين – لا – لوجود الروايات الأخرى .
ومن الفوائد :
أن الصواب من قولي العلماء : أن ما أصاب الثوب من المذي يكتفي فيه النضح ولا يلزم الغسل ، بخلاف ما أصاب البدن ، لقوله ( اغسل ذكرك ) كما سبق .
وبعض العلماء : جنح إلى أن الحكم واحد ما أصاب الثوب وما أصاب البدن يلزم فيه الغسل ، ولكن الصواب التفريق لوجود الدليل .
ولعل وجهة التفريق بين البدن وبين الثوب أن الثوب ينتشر فيه هذا السائل ويختفي ما لا يختفي في البدن ، فمن باب دفع الحرج والمشقة اقتصر عليه الصلاة والسلام على النضح .
ومن الفوائد :
على رواية ( حتى تَرى ) بفتح التاء ، أنه لابد من العلم ، فلابد أن يكون هناك يقين منك أن هذه الحفنة من الماء قد أصابت الثوب.
وأما على ضبط ( حتى تُرى ) بالضم ، يعني حتى تظن ، فيكفي في ذلك غلبة الظن ، ومن ثمَّ فإن الإنسان يجتهد على أن يتيقن وصول الماء ، فإن لم يحصل له ذلك فغلبة الظن كافية ، ولذلك هناك قاعدة في الشرع [ إذا تعذر اليقين رجعنا إلى غلبة الظن ].
حديث رقم -211-
( صحيح ) حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا عبد الله بن وهب ثنا معاوية يعني بن صالح عن العلاء بن الحرث عن حرام بن حكيم عن عمه عبد الله بن سعد الأنصاري قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يوجب الغسل وعن الماء يكون بعد الماء ؟ فقال ذاك المذي وكل فحل يمذي فتغسل من ذلك فرجك وأنثييك وتوضأ وضوءك للصلاة )
من الفوائد :
أن المذي وُضِّح في هذا السؤال ( عن الماء يكون بعد الماء ؟ )
هذه هي صفة المذي لأنه كثير الانتشار ويأتي بعضه تلو البعض ، بينما المني إذا وقف وقف ولا يخرج إلا بعد برهة من الزمن إن خرج ، بينما المذي يتعاقب بعضه إثر بعض، فحكم النبي صلى الله عليه وسلم بأنه ليس موجبا للغسل ، وإنما يكفي فيه الوضوء وغسل الذكر والأنثيين .
ومن الفوائد :
أن المراد من ( الفحل ) أي الذكر ، فالذكر هو الذي يكثر منه المذي ، وهذا يختلف باختلاف الناس .
حديث رقم -212-
( صحيح ) حدثنا هارون بن محمد بن بكار ثنا مروان يعني بن محمد ثنا الهيثم بن حميد ثنا العلاء بن الحرث عن حرام بن حكيم عن عمه أنه : سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يحل لي من امرأتي وهي حائض ؟
قال لك ما فوق الإزار ) وذكر ( مؤاكلة الحائض أيضا ) وساق الحديث .
من الفوائد :
أن بعض العلماء ذهب إلى أن الرجل لا يستمتع من زوجته إلا بما فوق السُّرَّة ، وما عدا ذلك فيحرم عليه .
والصواب : أنه لا يحرم عليه لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما عند مسلم ( اصنعوا كل شيء إلا النكاح ) يعني الجماع ، وتأتي أحاديث أخرى تبين أن النبي صلى الله عليه وسلم ( إذا أراد من زوجته شيئا وهي حائض ألقى على فرجها شيئا ) فيكون المنهي عنه فقط هو موضع الأذى وهو الفرج حال الحيض ، والدبر معروف حكم المباشرة فيه وهو التحريم .
فله أن يستمتع بما شاء من زوجته ، بل نصَّ الفقهاء ” على أنه لو استمنى بيد زوجته فلا حرج في ذلك ، لأن هذا داخل ضمن قوله تعالى { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ{5} إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ{6}
وبعض العلماء يقول : يحمل هذا الحديث على من كان شديد الشهوة فيخشى عليه أن يقع في المحظور باشر تحت السرة ، وهو قول حسن .
حديث رقم -213-
( ضعيف ) حدثنا هشام بن عبد الملك اليزني ثنا بقية بن الوليد عن سعد الأغطش وهو بن عبد الله عن عبد الرحمن بن عائذ الأزدي قال هشام وهو بن قرط أمير حمص عن معاذ بن جبل قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يحل للرجل من امرأته وهي حائض ؟ قال فقال ما فوق الإزار والتعفف عن ذلك أفضل )
قال أبو داود : وليس هو يعني الحديث بالقوي .
من الفوائد :
لو صح هذا الحديث لكان ترك مباشرة المرأة الحائض أفضل ، ولكنه حديث لا يصح .
باب في الإكْسَال
حديث رقم -214-
( صحيح ) حدثنا أحمد بن صالح ثنا بن وهب أخبرني عمرو يعني بن الحرث عن بن شهاب حدثني بعض من أرضى أن سهل بن سعد الساعدي أخبره أن أبي بن كعب أخبره : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنما جُعِل ذلك رخصة للناس في أول الإسلام لقلة الثياب ، ثم أُمِر بالغسل ونهى عن ذلك )
قال أبو داود يعني ( الماء من الماء ) .
من الفوائد :
أن الإنسان إذا اكسل في مجامعة زوجته ، يعني أنه جامعها وأدخل فرجه في فرجها ولم يُنزل ، فيصدق على هذه
الحالة أنها حالة كسل ، فلو أن هذه الحالة أصابت الإنسان هل يجب عليه الغُسل أم لا ؟
قولان لأهل العلم ، فبعض العلماء يرى أن الغسل ليس بواجب عليه ، والصواب أنه واجب عليه ، فيكون التسامح فيما سبق في أول الإسلام كما ذكر أبي رضي الله عنه .
ما علة التسامح في أول الإسلام ؟
قال أبي رضي الله عنه ( لقلة الثياب ) وفي رواية ( لقلة الثبات )
أما رواية ( لقلة الثياب ) لأن الواحد ما كان يملك إلا ثوبا واحدا ، فلو أُمِر بالاغتسال لشق عليه .
وأما رواية ( لقلة الثبات ) فلأنه في أول الإسلام فلربما كان هناك من هو ضعيف الإيمان ، وما أكثرهم في أول الإسلام ، فلربما أودى بهؤلاء إلى أن يخرجوا من الدين .
إذاً الصواب / أن الرجل متى ما أدخل حشفة ذكره ، ولا يلزم أن يدخل الذكر كله – كلا –فلو غيَّب الحشفة كلها ، وهي مقدمة الذكر البارزة منه وهي محل الاختتان ، فمتى ما غيبها وجب عليه الغسل أنزل أو لم ينزل .
حديث رقم -215-
( صحيح ) حدثنا محمد بن مهران البزاز الرازي ثنا مبشر الحلبي عن محمد أبي غسان عن أبي حازم عن سهل بن سعد حدثني أبي بن كعب : أن الفتيا التي كانوا يفتون أن الماء من الماء كانت رخصة رخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم في بدء الإسلام ثم أمر بالاغتسال بعد )
من الفوائد :
أن حديث ( الماء من الماء ) منسوخ .
ومن الفوائد :
أن هذا الحديث فيه جناس تام كما قال البلاغيون ، اتفقت الحروف في الأعداد وفي الترتيب ، وتكون ( من ) سببية ، الماء بسبب الماء ( الماء ) هو الماء المعروف ( من الماء ) هو المني ، يعني الماء الذي يصيب على البدن سببه الماء الذي يخرج من ذكر الإنسان الذي هو المني .
ويستثنى من ذلك فيما لو أن الإنسان أنزل المني وهو نائم ، فمتى ما رأى المني وهو نائم ، رأى جماعا أو لم ير ، فإن الواجب عليه الغسل ، فحديث أُبيّ هنا في حال اليقظة
حديث رقم -216-
( صحيح ) حدثنا مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ثنا هشام وشعبة عن قتادة عن الحسن عن أبي رافع عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا قعد بين شعبها الأربع وألزق الختان بالختان فقد وجب الغسل
)
من الفوائد :
أن الرجل متى ما جامع زوجته وجهدها بتغييب الحشفة وجب عليه الغسل أنزل أو لم ينزل ، ولذا قال ( وألزق الختان بالختان ) فلابد من تغييب الحشفة لرواية ( وتوارت الحشفة ) ولذلك بالإجماع لو أنه ألزق ختانه بختانها ما وجب الغسل ، لأنه من المعلوم أن ختان المرأة أعلى الفرج ، وهي لحمة تشبه عرف الديك يؤخذ جزء منها في ختان المرأة ، فلو أنه مس بذكره هذا الموضع من المرأة لا يوجب الغسل ، فالمقصود هو تغييب الحشفة في الفرج .
لو قال قائل : أين الدليل الواضح على أنه متى ما أدخل ذكره يجب الغسل ؟
الجواب / جاءت روايات أخرى تدل على ذلك ، قال عليه الصلاة والسلام ( ثم جهدها ) فدل على أن هناك جُهدا حصل منه ، وهذا كناية عن الجماع .
ومن الفوائد :
أن أفضل جماع المرأة أن يكون بهذه الصفة لأنه أسهل وأريح كما قال بعض العلماء .
ومن الفوائد :
أن ( الشعب الأربع ) اختلف فيها ، قيل هي يدا المرأة ورجلاها ، ولعل هذا هو الأقرب .
وقيل : رجلاها وفخذاها .
وقيل : رجلاها وشفراها اللذان هما ناحيتا الفرج .
ومن الفوائد :
أن لفظ ( الوجوب ) في مصطلح الشرع يدل على الإلزام ، ولذلك قال ( فقد وجب الغسل ) ومر معنا حديث في المسند ( إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره من غير سِتر فقد وجب الوضوء )
فلعل من قال بوجوب الغسل يوم الجمعة هو أن الوجوب يدل على الإلزام في قول النبي صلى الله عليه وسلم ( غسل الجمعة واجب على كل محتلم .
حديث رقم -217-
( صحيح ) حدثنا أحمد بن صالح ثنا بن وهب أخبرني عمرو عن بن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” الماء من الماء “
وكان أبو سلمة يفعل ذلك .
بابٌ في الجُنب يعود
حديث رقم -218-
( صحيح ) حدثنا مسدد بن مُسَرهد ثنا إسماعيل ثنا حميد الطويل عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف ذات يوم على نسائه في غسل واحد )
قال أبو داود : وهكذا رواه هشام بن زيد عن أنس ومعمر عن قتادة عن أنس وصالح بن أبي الأخضر عن الزهري كلهم عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم .
من الفوائد :
أن الغسل لا يلزم بين الجماعين ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم طاف على نسائه كلهن ، وقد وردت رواية ( أنهن تسع ) ورواية ( أنه طاف على إحدى عشرة امرأة ) ولذا قال أنس رضي الله عنه كما عند البخاري ( لما سئل أيطيق ذلك ؟ قال لقد بلغنا أنه أعطي قوة ثلاثين رجلا) صلوات ربي وسلامه عليه .
ومن الفوائد :
أن تأخير الغسل من الجنب لا يلام عليه شريطة ألا يضيع واجبا عليه ، لأن هذا الفعل منه عليه الصلاة والسلام تأخير للغسل ، فإذا ذهب إلى هذه احتاج إلى أن يذهب إلى تلك وإلى الأخرى ، وهلم جرا ، وهذا يتطلب وقتا .
ومن الفوائد :
أن بعض العلماء قال : إن القَسْم منه عليه الصلاة والسلام بين زوجاته ليس بواجب ، إذ لو كان واجبا كيف يطوف عليهن في ليلة واحدة ، لأنه لا يجوز للرجل أن يجامع إحدى زوجاته في نوبة الأخرى ، فإذا فعل وجب عليه أن يقضي لها في نوبة الأخرى .
أخيوبعض العلماء يقول : إن القسم عليه واجب ، ولكن الصواب أن القسْم على النبي صلى الله عليه وسلم ليس بواجب ، ولكن كان عليه الصلاة والسلام يبتغي الأكمل والأفضل في أموره كلها ، فيكون حاله عليه الصلاة والسلام هنا أنه كان قادما من سفر ، فإذا قدم من سفر قبل أن يقسم بينهن طاف عليهن ثم ابتدأ القسم عليه الصلاة والسلام
باب الوضوء من أراد أن يعود
حديث رقم -219-
( حسن ) حدثنا موسى بن إسماعيل ثنا حماد عن عبد الرحمن بن أبي رافع عن عمته سلمى عن أبي رافع : أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف ذات يوم على نسائه يغتسل عند هذه وعند هذه ، قال فقلت له يا رسول الله ألا تجعله غسلا واحدا ؟ قال هذا أزكى وأطيب وأطهر )
قال أبو داود :وحديث أنس أصح من هذا .
من الفوائد :
أن المؤلف رحمه الله يرى أن الغسل كافٍ عن الوضوء ، إذا كان هذا الغسل عن حدثٍ أكبر وأنه لا وضوء بعد الغسل ، وهذا هو الصواب ، أنه لا وضوء بعد الاغتسال ، لكن لو كان هذا الغسل مجزئا ، لأنه من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل اغتسل الغسل الكامل الذي من بينه وضوء ، لكن الغسل المجزئ هو أن يعمم بدنه بالماء مع المضمضة والاستنشاق أيجزئ هذا عن الوضوء أم لا ؟
قولان لأهل العلم ، سيأتي إن شاء الله تعالى بيان الراجح منهما في أحاديث آتية .
ومن الفوائد :
أن هذا الحديث مخالف للحديث السابق ، مرة أثبت أنه لم يغتسل ومرة اغتسل بين الجماعين ؟
قال بعض العلماء : إن تركه للاغتسال كان في أول الأمر ، ثم بعد ذلك لما علم عليه الصلاة والسلام بفضله من الله عز وجل استمر على الغسل بين الجماعين .
وقال بعض العلماء : إن هاتين حادثتان منفصلتان ، مرة فعل كذا ومرة فعل كذا لبيان الجائز من الأكمل .
ومن الفوائد :
أن الاغتسال أطيب وأنفع وأزكى وأطهر عند معاودة الجماع وأنه أفضل من الوضوء
حديث رقم -220-
( صحيح ) حدثنا عمرو بن عون ثنا حفص بن غياث عن عاصم الأحول عن أبي المتوكل عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا أتى أحدكم أهله ثم بدا له أن يعاود فليتوضأ بينهما وضوءا )
من الفوائد :
أن السنة في حق من أراد أن يعاود الجماع أن يتوضأ بينهم وضوءا ، لم الوضوء ؟
قال بعض العلماء : لأنه إذا قرب من الماء استوى عنده الوضوء والغسل فلربما اغتسل فكان أزكى وأطيب وأطهر له .
ومن الفوائد :
أن من عجز عن الاغتسال فلا يعجزه الوضوء بين الجماعين .
ومن الفوائد :
الرد على من قال إن الوضوء بين الجماعين غير مستحب
، قالوا لأنه ليس بنافع إذ لو أمرناه بالوضوء بين الجماعين
لكان لنا أن نأمره قبل أن يجامع في المرة الأولى أن
يتوضأ .
ولكنهم غفلوا عن مقصود الشرع في الوضوء بين الجماعين لا قبل الجماع الأول وهو عودة النشاط إليه .
ومن الفوائد :
أن بعض العلماء أوجب الوضوء خلافا للطائفة الأولى ، لأنه أمر هنا ، ولكن جاءت رواية عند الحاكم ( فإنه أنشط للعَوْد ) فدل على أنه للاستحباب ، وهذا هو القول الراجح من الأقوال الثلاثة .
ومن الفوائد :
أن الجماع وخروج المني مثقل للبدن ، فتنشيطه يكون بالماء .
بابٌ في الجُنب ينام
حديث رقم -221-
( صحيح ) حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أنه قال : ذكر عمر بن الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تصيبه الجنابة من الليل ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ واغسل ذكرك ثم نم )
من الفوائد :
أن الضمير في قوله ( تصيبه ) راجع إلى ابن عمر وليس راجعا إلى عمر رضي الله عنهما ، فابن عمر سأل أباه ، فسأل عمر رضي الله عنه رسولَ الله صلى الله عليه وسلم.
ومن الفوائد :
أن هذه الجنابة التي وقعت من ابن عمر رضي الله عنهما حُدِّد وقتها وهو الليل ، لكن في الليل المطلق أو في أول الليل ؟
وهذا يفيدنا بأن اللغة العربية مهمة جدا
إن قلنا إن ( من ) بمعنى ( في ) فهذه الجنابة في أي جزء من الليل .
وإن قلنا إن ( من ) ابتدائية زمانية فتكون الجنابة وقعت منه في أول الليل .
ومن الفوائد :
أن بعض العلماء أخذ من ظاهر هذا الحديث أن الوضوء يصح قبل غسل الذكر ، فيصح الوضوء قبل الاستنجاء والاستجمار .
لكنه قال هنا ( توضأ واغسل ذكرك ) و ( الواو ) لا تفيد الترتيب وإنما تفيد مطلق الجمع ، فلا يلزم ما ذهبوا إليه .
ومن الفوائد :
أن الوضوء يخفف الجنابة ، ولذلك كما عند أبي شيبة ( كان الصحابة رضي الله عنهم إذا أرادوا أن يجلسوا في المسجد وهم جنب توضئوا )
ومن الفوائد :
أن ظاهره يدل على أن الوضوء من الجنب قبل النوم واجب عليه ، ولكن الصواب أنه ليس بواجب وإنما هو للاستحباب ، لورود رواية فيها استثناء ( إلا إذا شاء )
باب الجنب يأكل
حديث رقم -222-
( صحيح ) حدثنا مسدد وقتيبة بن سعيد قالا ثنا سفيان عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة )
ومن الفوائد :
أن الوضوء المأمور به منه عليه الصلاة والسلام ليس وضوءا يراد منه الاستنجاء فقط ، وإنما يراد منه الوضوء الذي للصلاة .
حديث رقم -223-
( صحيح ) حدثنا محمد بن الصباح البزاز ثنا بن المبارك عن يونس عن الزهري : بإسناده ومعناه زاد ( وإذا أراد أن يأكل وهو جنب غسل يديه )
قال أبو داود : ورواه بن وهب عن يونس فجعل قصة الأكل قول عائشة مقصورا ورواه صالح بن أبي الأخضر عن الزهري كما قال بن المبارك إلا أنه قال عن عروة أو أبي سلمة ورواه الأوزاعي عن يونس عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم كما قال بن المبارك.
من الفوائد :
قال بعض العلماء : إن الجنب إذا أراد أن يأكل أو يشرب وألحقوا به النوم ” أن له أن يكتفي بغسل يديه “
بينما قال آخرون : إذا أراد أن ينام يتوضأ لأن هذا هو الوارد في النوم ، أما بالنسبة للأكل فورد الوضوء وورد غسل اليدين ، فمن كان جنبا وأراد أن ينام فالسنة في حقه أن يتوضأ ، وإذا أراد أن يأكل أو يشرب فالسنة في حقه والأكمل أن يتوضأ فإن عجز فليغسل يديه .
ومن الفوائد :
أن غسل اليدين قبل الطعام ليس بسنة مطلقة ، وإلا لما احتاج النبي صلى الله عليه وسلم وهو جنب أن يغسل يديه قبل الأكل ، فدل على أن غسل اليدين قبل الطعام ليس بسنة مطلقا ، وإنما يستحب إذا كان هناك أذى في يده حتى لا يصاب بضرر .
ولو قال قائل : ورد حديث ( بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده ) حمل بعض العلماء هذا الحديث على أن المراد غسل اليدين ، ولكن هذا الحديث ضعيف لا تقوم به حجة .
نكتفي بهذا القدر ، والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد .