تعليقات على سنن أبي داود ــ الدرس الثاني عشر ــ من حديث 282- 287

تعليقات على سنن أبي داود ــ الدرس الثاني عشر ــ من حديث 282- 287

مشاهدات: 462

تعليقات على سنن أبي داود ــ الدرس الثاني عشر

من حديث 282- 287

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المؤلف رحمه الله :

باب من روى : أن الحيضة إذا أدبرت لا تدع الصلاة

حديث رقم -282-

( صحيح ) حدثنا أحمد بن يونس وعبد الله بن محمد النفيلي قالا ثنا زهير ثنا هشام بن عروة عن عروة عن عائشة : أن فاطمة بنت أبي حبيش جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إني امرأة استحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة ؟ قال إنما ذلكِ عرق وليست بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي )

من الفوائد :

أن الحيض له قدر معين من الأيام ، فإن الدم إذا استمر مع المرأة استمرارا منضبطا فلا يصدق عليه بأنه حيض حتى مع استمراره ، ولذلك قالت رضي الله عنها ( إني استحاض فلا أطهر ).

ومن الفوائد :

أن الطُهر يعرف عند النساء إما بخروج القَصة البيضاء ، وهي سائل يخرج عند إدبار الحيضة تعرف المرأة به طهرها .

وإما يعرف طهرها بانقطاع الدم ، بمعنى الجفاف ، بدليل قولها ( إني استحاض فلا أطهر ) .

ومن الفوائد :

أن المرأة إذا استمر معها الدم استمرارا مطبقا فإنها تعود إلى حيضتها السابقة ، فإن كانت مثلا تحيض في اليوم الأول من الشهر ومدة العادة سبعة أيام ، فإنه إذا جاء اليوم الأول من الشهر تعتبر نفسها حائضا إلى أن تمضي سبعة أيام ثم تغتسل وتصلي وتصوم ولا يضرها استمرار هذا الدم ، لأن هذا الدم دم استحاضة .

ومن الفوائد :

أن دم الاستحاضة يختلف عن دم الحيض ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم وصف دم الاستحاضة بأنه دم عرق ، ومعلوم أن الدم الذي يخرج من العرق لونه أحمر رقيق ليست له رائحة كريهة .

ومن الفوائد :

أن على الحائض إذا طهرت أن تغتسل .

 

ومن الفوائد :

أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر زوجها أن يعتزلها أثناء دم الاستحاضة ، فدل على جواز الجماع أثناء نزول دم الاستحاضة ولا يقاس على الحيض ، إذاً لا يكره – خلافا لبعض العلماء – لا يكره له أن يجامعها .

ومن الفوائد :

أن الدم الخارج من السبيلين دم نجس لقوله ( فاغسلي عنك الدم ) .

ومن الفوائد :

أن الصلاة تحرم على الحائض ولا تصح منها ، بمعنى أنها تكون آثمة لو صلت .

حديث رقم -283-

( صحيح ) حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن هشام : بإسناد زهير ومعناه وقال فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة فإذا ذهب قدرها فاغسلي الدم عنك وصلي)

من الفوائد :

أن هذا الحديث يؤكد ما ذكرناه من أن المرأة إذا استمر معها الدم أصبحت في حكم المستحاضات فتعود إلى عادتها السابقة ، خلافا لما ذهب إليه بعض العلماء من أنها تميز بين هذه الدماء ، فإن كانت هذه الدماء تتسم بصفات دم الحيض في كون أسود ثخينا كريه الرائحة فإنه يلزمها أن تدع الصلاة إذا وُجد هذا الدم الموصوف بهذه الصفات ، أما إذا جاءت أيام باستمرار هذا الدم وكان هذا الدم أحمر رقيق ليس كريه الرائحة إنما هو دم عرق فلا يلزمها أن تدع الصلاة ، بل يجب عليها أن تصلي ، هذا ما ذهب إليه بعض العلماء .

لكن الصواب / أن المرأة متى ما عرفت عادتها أنها تعود إليها .

باب من قال : إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة

حديث رقم -284-

( ضعيف ) حدثنا موسى بن إسماعيل ثنا أبو عقيل عن بهية قالت سمعت امرأة تسأل عائشة : عن امرأة فسد حيضها وأهريقت دما فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن آمرها فلتنظر قدر ما كانت تحيض في كل شهر وحيضها مستقيم فلتعتد بقدر ذلك من الأيام ثم لتدع الصلاة فيهن أو بقدرهن ثم لتغتسل ثم لتستثفر بثوب ثم لتصل )

على افتراض صحة هذا الحديث يستفاد منه :

أن المرأة التي استمر معها الدم فأصبحت في حكم المسحاضات أنه يلزمها أن تتحفظ وأن تستثفر ، وقد جاءت روايات أخرى صحيحة تدل على هذا ، فيجب عليها أن تتحفض من الدم حتى لا ينزل معها فيلوث بدنها وثيابها .

حديث رقم -285-

( صحيح ) حدثنا بن أبي عقيل ومحمد بن سلمة المصريان قالا ثنا بن وهب عن عمرو بن الحارث عن بن شهاب عن عروة بن الزبير وعمرة عن عائشة : أن أم حبيبة بنت جحش ختنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحت عبد الرحمن بن عوف استحيضت سبع سنين ، فاستفتت رسول الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن هذه ليست بالحيضة ، ولكن هذا عرق فاغتسلي وصلي )

من الفوائد :

أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تغتسل ، وقد مر معنا في الأحاديث السابقة وجوب غسل الدم ، إذاً يجتمع في هذا أمران غسل الدم الذي أصاب الثوب والبدن والاغتسال

ومن الفوائد :

أن أم حبيبة عُرِّفت تعريفا على تعريف ، عرِّفت بأنها ختنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه تحت عبد الرحمن بن عوف .

والأختان : هم أقارب الزوجة .

والأحمام : هم أقارب الزوج .

ويطلق على الصنفين لفظ ” أصهار ” فالصهر يطلق على أقارب الزوج وأقارب الزوجة .

ومن الفوائد :

بيان ما يصيب بعض النساء من هذه الدماء التي تفسد عليها صلاتها ، فإن أم حبيبة رضي الله عنها قد مكثت سبع سنين وهي تستحيض ، ومن ثم فإن على المرأة في هذا العصر ألا تستدعي ما يفسد عادتها من بعض الحبوب التي تتناولها إما لحبس الدورة أو لما شابه ذلك فإن بعض النساء قد تستعمل حبوبا لمنع نزول الدم أو أنها تضع لولبا أو ما شابه ذلك من هذه الأشياء التي تفسد عليها حيضها .

( صحيح ) قال أبو داود زاد : الأوزاعي في هذا الحديث عن الزهري عن عروة وعمرة عن عائشة قالت ” استحيضت أم حبيبة بنت جحش وهي تحت عبد الرحمن بن عوف سبع سنين فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي )

قال أبو داود : ولم يذكر هذا الكلام أحد من أصحاب الزهري غير الأوزاعي ورواه عن الزهري عمرو بن الحارث والليث ويونس وبن أبي ذئب ومعمر وإبراهيم بن سعد وسليمان بن كثير وبن إسحاق وسفيان بن عيينة ولم يذكروا هذا الكلام قال أبو داود وإنما هذا لفظ حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة .

قال أبو داود : وزاد بن عيينة فيه أيضا أمرها أن تدع الصلاة أيام إقرائها وهو وهم من بن عيينة وحديث محمد بن عمرو عن الزهري فيه شيء يقرب من الذي زاد الأوزاعي في حديثه .

ومن الفوائد :

أن هذه المرأة قريبة من النبي صلى الله عليه وسلم ومع ذلك لم يأمرها أن تمنع زوجها من جماعها ولم يمنع زوجها من جماعها وهو عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ، فدل على ما ذكرنا سابقا من أن المرأة المستحاضة في عداد الطاهرات لها ما للطاهرات وعليها ما على الطاهرات سواء بسواء .

 

حديث رقم -286-

( حسن ) حدثنا محمد بن المثنى ثنا محمد بن أبي عدي عن محمد يعني بن عمرو قال حدثني بن شهاب عن عروة بن الزبير عن فاطمة بنت أبي حبيش : أنها كانت تستحاض فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان دم الحيضة فإنه دم أسود يعرف فإذا كان ذلك فامسكي عن الصلاة فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي فإنما هو عرق )

قال أبو داود : قال بن المثنى حدثنا به بن أبي عدي من كتابه هكذا ثم حدثنا به بعد حفظا قال ثنا محمد بن عمرو عن الزهري عن عروة عن عائشة أن فاطمة كانت تستحاض فذكر معناه .

من الفوائد :

بيان صفات دم الحيض إذ وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه دم أسود تعرفه النساء ، وقد قال بعض العلماء إن قوله عليه الصلاة والسلام ( فإنه دم أسود يعرف ) أن كلمة ( يعرف ) مرتبطة بكلمة ( عَرْف ) وهي بمعنى الرائحة ، فدل على أن دم الحيض من صفاته أنه أسود وأنه ذو رائحة .

وأما على المعنى الأول فإن النساء يعرفن دم الحيض .

ومن ثم فإن على طالب العلم إذا سألته امرأة عن هذا الدم ، عليه أن يسألها فيقول أهو دم الحيض المعروف لديك أم أنه غير ذلك ؟

فإذا قالت هو دم الحيض الذي يأتيني في عادتي فيحكم عليها بأنها حائض .

وأما إذا كان الآخر أو خلاف ما تعرفه من صفات دم الحيض فإنه يعتبر دم استحاضة  .

ومن الفوائد :

أن بعض العلماء أخذ منه أن المرأة إذا استمر معها الدم فعليها أن تأخذ بالتمييز ، فتميز هذه الدماء من حيث الصفات حتى ولو كانت تعرف عادتها ، والصواب كما أسلفنا أنه ينظر إلى العادة ، فإن كانت لديها عادة فترجع إليها ، وأما إذا نسيت عادتها أو أنها كانت مبتدأة يعني أتاها الحيض في أول أمرها وليست لها عادة سابقة ، فمن حين ما ابتدأت في الحيض استمر معها الدم ، هنا نحيلها إلى التمييز ، فأعظم ما نحيل عليه المرأة تحيل على عادتها ، فإن لم تكن لها عادة أو كانت لها عادة ونسيتها نقول عليك بالتمييز ، فتمييز دم الحيض معروف في صفاته عن صفات دم الاستحاضة .

ومن الفوائد :

أن الدم إذا وجد بهذه الصفات بأنه دم أسود فإن المرأة يحكم عليها بأنها حائض ، متى ما وجد هذا الدم الموصوف بهذه الصفات في الحديث والموصوف في قوله تعالى {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى }البقرة222، فإذا وجد هذا الدم الذي هو ( أذى ) كيف يكون أذى ؟ بكونه أسود وكريه الرائحة ، هنا نقول أنت أيتها المرأة حائض .

لو قالت : أتاني هذا الدم بهذه الصفات في اليوم الأول من الشهر وأنا اعتدت في الحيضة على أن تأتيني في اليوم الخامس ؟

فنقول : أنت حائض .

لو قالت : إن هذا الدم زاد معي ، كان يأتيني سبعة أيام فأصبح عشرة أيام ؟

نقول : أنت حائض .

متى لا نلتفت إلى هذه الصفات ؟

إذا استمر معها الدم أكثر الشهر ، أكثر من خمسة عشر يوما لا يلتفت إلى هذه الصفات ، فإن زاد معها حتى أصبحت عادتها أكثر من خمسة عشر يوما واضطربت عليها عادتها نقول عودي إلى عادتك السابقة ، إذا لم تكن لها عادة أو نسيت عادتها نقول اعملي بالتمييز .

فهذه قاعدة في باب الحيض ” متى ما وجد الدم المعروف بأنه حيض فاحكم على المرأة بأنها حائض “

إذا قالت المرأة الدم مستمر معي ؟

نقول ما صفات هذا الدم ؟ أهي صفات دم الحيض ؟

فإن قالت نعم ، نقول أنت حائض ، إلا إذا استمر معها الدم أكثر الشهر ، هنا علمنا بأن هذه المرأة قد اضطربت عليها عادتها ، ومن ثم فإن هذا الدم دم استحاضة أو دم فساد .

 

 

 

مسألة :

لو أن هناك امرأة اعتادت على أن تكون حيضتها عشرين يوما ، مستمرة عادتها على هذا النحو ، اليوم الأول من الشهر يأتيها الحيض وتطهر في اليوم العشرين ؟

هنا الدم تجاوز أكثر الشهر ، هنا نقول أنت حائض ، لم ؟

لأن عادتك مستقرة ، فمتى ما استقرت عادتها على عدد معين وليس فيه اضطراب هنا نقول أنت حائض ، لكن لو كان هذا الدم ليس مستقرا لها في العادة وتجاوز أكثر الشهر ، هنا نقول أنت مستحاضة .

( صحيح ) قال أبو داود وقد روى أنس بن سيرين عن بن عباس في المستحاضة قال إذا رأت الدم البحراني فلا تصلي وإذا رأت الطهر ولو ساعة فلتغتسل وتصلي )

وقال مكحول : إن النساء لا تخفى عليهن الحيضة إن دمها أسود غليظ فإذا ذهب ذلك وصارت صفرة رقيقة فإنها مستحاضة فلتغتسل ولتصل ) .

من الفوائد :

أن ابن عباس رضي الله عنهما وصف دم الحيض بأنه ( دم بحراني ) لم ؟

لأن البحر يدل على الكثرة والسعة ، فدل على أن دم الحيض دم متدفق كثير ، وهذا شيء معروف عند النساء ، ووصفه بأنه بحراني لكثرته ولما له من الصفات التي ذكرناها سابقا ، فإن بعض مياه البحار تكون حمراءً سوداء ، وهذا وصفٌ ينطبق على دم الحيض .

ومن الفوائد :

أن المرأة لو رأت الطهر في ساعة فعليها أن تغتسل .

مسألة :

بعض النساء ينقطع عنها الدم ولا ينزل معها الدم في ثنايا عادتها نصف يوم أو يوم ، فهل تعد حائضا أم لا فيلزمها أن تغتسل ؟

ولذا عبارة بعض الفقهاء ” لو رأت الطهر يوما والنقاء يوما فعليها أن تغتسل في يوم النقاء وأن تصلي “

وهذه شيء يحصل للنساء ، قد تكون عادتها مثلا سبعة أيام في أحد هذه الأيام قد لا ينزل معها الدم يوم أو نصف يوم ، هنا انقطاع هذا الدم في ثنايا أيام الحيض هل يلزمها أن تغتسل وتصلي ؟

قولان لأهل العلم :

بعض العلماء يقول : يلزمها أن تغتسل وأن تصلي ، فإذا جاء الدم في  آخر اليوم أو في اليوم الثاني فتكون حائضا ، لو جاءها دم الحيض في اليوم الثاني ثم جفت نصف يوم ، يقولون أيضا يلزمها أن تغتسل وأن تصلي ، وهلم جرا .

ولعل أثر ابن عباس رضي الله عنهما هنا يؤكد ما ذهبوا إليه

وقال بعض العلماء : لو رأت الطهر نصف يوم أو يوما فإنها لا تعد طاهرة ، بل تكون في حكم الحيَّض ، لم ؟

لأن النساء إذا احتشين بالقطن في عصر عائشة رضي الله عنها كن ينظرن انقطع الدم أم لم ينقطع ، ماذا كانت تقول رضي الله عنها ؟

كانت تقول ( لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء ) فدل على أن انقطاع الدم نصف يوم أو يوم في ثنايا العادة لا يعد طهرا ، فتبقى على ما هي عليه ، وهذا أرفق بالمرأة ، لأن بعض النساء قد تجف نصف يوم في اليوم الأول والثاني مثله ، فعلى القول الأول يمكن أن تغتسل سبع مرات في ثنايا عادتها ، وتصلي بعض الأوقات وتترك بعض الأوقات ، وفي ذلك حرج شديد عليها .

ولعل هذا هو الأقرب من أن جاف نصف يوم أو يوم في ثنايا الحيض ليس طهرا .

( صحيح ) قال أبو داود : وروى حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن القعقاع بن حكيم عن سعيد بن المسيب في المستحاضة إذا أقبلت الحيضة تركت الصلاة وإذا أدبرت اغتسلت وصلت )

وروى سمي وغيره عن سعيد بن المسيب تجلس أيام إقرائها وكذلك رواه حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال أبو داود وروى يونس عن الحسن الحائض إذا مد بها الدم تمسك بعد حيضتها يوما أو يومين فهي مستحاضة وقال التيمي عن قتادة إذا زاد على أيام حيضها خمسة أيام فلتصل قال التيمي فجعلت أنقص حتى بلغت يومين فقال إذا كان يومين فهو من حيضها وسئل بن سيرين عنه فقال النساء أعلم بذلك )

من الفوائد :

هذا أثر عن سعيد بن المسيِّب ، ويصح أن تنطق بفتح الياء المُسيَّب ، يصح الوجهان كما قال النووي رحمه الله ، وأصحهما كما قال رحمه الله فتح الياء ” المسيَّب “

وهذا الأثر رأي له رحمه الله مأخوذ من سنة النبي صلى الله عليه وسلم من أن المرأة إذا جاء معها دم الحيض يحرم عليها أن تصلي وإذا أدبر دم الحيض يلزمها أن تصلي .

من الفوائد :

أن هذا الحديث يسميه علماء الحديث بـ ( المقطوع ) لأن ابن المسيَّب من كبار التابعين ، فإذا كان اللفظ من الرسول صلى الله عليه وسلم يسمى حديثا مرفوعا ، وإذا كان من لفظ الصحابي فيسمى حديثا موقوفا ، وإذا كان من لفظ التابعي فمن دونه فيسمى حديثا مقطوعا ، والمقطوع يختلف عن المنقطع ، والانقطاع يدل على ضعف الحديث إذا سقط من هذا الحديث راوي أو أكثر .

حديث رقم -287-

( حسن ) حدثنا زهير بن حرب وغيره قالا ثنا عبد الملك بن عمرو ثنا زهير بن محمد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن إبراهيم بن محمد بن طلحة عن عمه عمران بن طلحة عن أمه حمنة بنت جحش قالت : كنت استحاض حيضة كثيرة شديدة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أستفتيه وأخبره فوجدته في بيت أختي زينب بنت جحش فقلت يا رسول الله إني امرأة استحاض حيضة كثيرة شديدة فما ترى فيها قد منعتني الصلاة والصوم ؟ فقال أنعت لك الكرسف فإنه يذهب الدم ، قالت هو أكثر من ذلك قال فاتخذي ثوبا ، فقالت هو أكثر من ذلك إنما أثج ثجا ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سآمرك بأمرين أيهما فعلت أجزأ عنك من الآخر وإن قويت عليهما فأنت أعلم ، فقال لها إنما هذه ركضة من ركضات الشيطان فتحيضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله ثم اغتسلي حتى إذا رأيت أنك قد طهرت واستنقأت فصلي ثلاثا وعشرين ليلة أو أربعا وعشرين ليلة وأيامها وصومي فإن ذلك يجزيك ، وكذلك فافعلي في كل شهر كما تحيض النساء وكما يطهرن ميقات حيضهن وطهرهن ، وإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر فتغتسلين وتجمعين بين الصلاتين الظهر والعصر وتؤخرين المغرب وتعجلين العشاء ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين فافعلي ، وتغتسلين مع الفجر فافعلي ، وصومي إن قدرت على ذلك ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا أعجب الأمرين إلي  )

من الفوائد :

أن بنات ” جحش ” قد أصبن باستمرار الدم ، حتى ذكر بعض العلماء أن زينب رضي الله عنها وهي تحت النبي صلى الله عليه وسلم قد استمر معها الدم ، فدل على أنهن مصابات بهذا الأمر ، ولعله يوحي بأن الوراثة أو أن القرابة لها دور في اكتساب الصفات

ومن الفوائد :

أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تضع الكرسف وهو القطن من أجل أن تسد موضع نزول الدم ، قال ( أنعت لك الكرسف ) قالت ( إنما اثج ثجا ) يعني أن هذا الدم شديد معها ، ولذلك وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه ( ركضة من ركضات الشيطان )

إما لأن الشيطان ضرب برجله في رحمها فنزل هذا الدم ، فيكون هذا الحديث على ظاهره ، وإما أن النبي صلى الله عليه وسلم وصفه بأنه ( ركضة من ركضات الشيطان ) لأن الشيطان يحب ذلك ، فيلبس عليها بهذا الدم صلاتها وعبادتها ، فنسبت الركضة إليه باعتبار أن الشيطان يحب هذا الشيء ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( التثاؤب من الشيطان ) ومعلوم أن التثاؤب بأمر الله عز وجل ، لكنه نُسب إلى الشيطان لأن الشيطان يحبه لأنه ينشأ عن الكسل والخمول الذي لا يتوافق مع العبادة .

فأفادنا بأن تحفظ المرأة واجب عند نزول الدم حتى لا يلوث بدنها ولا ثيابها .

ومن الفوائد :

أن الاستحاضة مرض ، وإذا كانت مرضا فإن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز لها الجمع بين الصلاتين ، فدل على أن من مبيحات الجمع المرض ، حتى ولو كانت في الحضر ، فإنه يباح لك الجمع إذا كنت مريضا ، وليس أي مرض بل المرض الذي يشق على الإنسان معه أن يجعل كل صلاة في وقتها ، فإذا شق عليه فله أن يجمع بين الصلاتين .

ومن الفوائد :

أن هذا الجمع جمع حقيقي ليس جمعا صوريا ، فإن بعض العلماء قال إنه جمع صوري فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تؤخر صلاة الظهر في آخر وقتها ، فلما فرغت من صلاة الظهر خرج وقت صلاة الظهر ودخل وقت صلاة العصر فصلت العصر ، وكذلك الشأن في المغرب ، فهو ليس جمعا حقيقيا .

ولكن الصواب أنه جمع حقيقي وليس جمعا صوريا .

ومن الفوائد :

أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أعجب الأمرين إليه أن تغسل المستحاضة في اليوم ثلاثة أغسال ، فإن الأمر الأول أمرها أن تغتسل مرة واحدة عند إدبار حيضتها ، بينما الأمر الثاني الذي هو أعجب إليه أن تغتسل ثلاث مرات ، لأن به نقاء وطهرا ، ولكنه ليس أمر وجوب وإنما هو أمر استحسان ، أن تغتسل للجمع بين صلاتي الظهر والعصر ثم تغتسل للجمع بين صلاتي المغرب والعشاء ثم تغسل لصلاة الفجر .

ومن الفوائد :

أن ( الواو ) لا تفيد ترتيبا وإنما تفيد مطلق الجمع ، فإنها رضي الله عنها قالت ( أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأستفتيه وأخبره ) وكان من الترتيب في الكلام أن تقول ( أخبره وأستفتيه ) فيكون الخبر مقدما على الاستفتاء ، لكن لما كانت الواو لا تفيد ترتيبا جاز الأمران ، ومعلوم أن الاستفتاء مقدم هنا على الإخبار .

( ضعيف ) قال أبو داود : ورواه عمرو بن ثابت عن بن عقيل قال فقالت حمنة فقلت هذا أعجب الأمرين إلي لم يجعله من قول النبي صلى الله عليه وسلم جعله كلام حمنة

قال أبو داود : وعمرو بن ثابت رافضي رجل سوء ولكنه كان صدوقا في الحديث وثابت بن المقدام رجل ثقة وذكره عن يحيى بن معين .

قال أبو داود : سمعت أحمد يقول حديث بن عقيل في نفسي منه شيء .

من الفوائد :

ذهب بعض العلماء إلى أن جملة ( وهذا أعجب الأمرين إلي ) ليست من قول النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن ثمَّ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرها إلا مرة واحدة بالاغتسال عند إدبار الحيضة ، ولم يأمرها أن تغتسل لا عند كل صلاة ولا عند الجمع بين صلاة الظهر والعصر ولا الجمع بين صلاتي المغرب والعشاء ولا عند صلاة الفجر .

ولكن الصواب / أنه أمرٌ من النبي صلى الله عليه وسلم من باب الاستحباب .

لكن الواجب في حقها كما جاء في الأمر الأول أن تتوضأ لكل صلاة .

ومن الفوائد :

أن من به سلس بول أو سلس غائط أو سلس دم كمستحاضة أن الواجب عليه أمور :

أولا : أن ينظف المحل الذي ينزل معه هذا الناقض .

ثانيا : أن يتحفظ .

ثالثا : أن يتوضأ عند دخول وقت الصلاة ولا يتوضأ قبل دخول وقت الصلاة ، فلو كان أذان الظهر يؤذن له مثلا في الساعة الثانية عشرة لا يتوضأ في الساعة الثانية عشرة إلا ربعا أو إلا عشر دقائق ، فلا يتوضأ إلا بعد دخول وقت الصلاة ، فإذا خرج وقت صلاة الظهر ودخل وقت صلاة العصر عليه أن يتوضأ مرة أخرى .

ومن الفوائد :

أن المسلم المصاب بسلس البول أو الغائط أو الدم أنه لو أتى بالواجب الذي عليه من غسل المحل والتحفض ثم غلبه هذا الخارج فخرج لا يؤثر عليه ، ولذلك لم يؤكد ويجزم النبي صلى الله عليه وسلم لحمنة بهذا الأمر ، ومعلوم أنها قالت ( إنما أثج ثجا ) فدل على تدفقه وكثرته .

والله تعالى أعلم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد