بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد :
فقد قال المصنف رحمه الله
باب في مؤاكلة الحائض ومجامعتها
حديث رقم -258-
( صحيح ) حدثنا موسى بن إسماعيل ثنا حماد ثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك : أن اليهود كانت إذا حاضت منهم امرأة أخرجوها من البيت ولم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوها في البيت فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأنزل الله تعالى ذكره {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ } إلى آخر الآية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم جامعوهن في البيوت واصنعوا كل شيء غير النكاح ، فقالت اليهود ما يريد هذا الرجل أن يدع شيئا من أمرنا إلا خالفنا فيه ، فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالا يا رسول الله إن اليهود تقول كذا وكذا أفلا ننكحهن في المحيض فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننا أن قد وجد عليهما فخرجا فاستقبلتهما هدية من لبن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث في آثارهما فسقاهما فظننا أنه لم يجد عليهما )
من الفوائد :
بيان ضلال اليهود إذ إنهم جعلوا المرأة بمثابة الشيء النجس ، وهذا يعارض ويتناقض مع ما يدعون إليه عبر وسائل الإعلام من أن للمرأة حقوقا وأن الإسلام قد هضم حقها ، وفي الحقيقة هم الذين هضموا حق المرأة .
ومن الفوائد :
أن{ الْمَحِيض } المذكور في الآية هو زمان ومكان الحيض ومن الفوائد :
أن القائلين أن المرأة الحائض يجوز لزوجها أن يباشرها في أي موضع سوى الفرج والدبر أن هؤلاء القائلين بهذا القول يعضدهم هذا الدليل ،لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( اصنعوا كل شيء إلا النكاح ) وهنا قاعدة عند الأصوليين [ أن الاستثناء معيار العموم ] فلما أمر عليه الصلاة والسلام استثنى ، فدل على أن ما عدا المستثنى عام ، فلما أتى الاستثناء دل على التخصيص
ومن الفوائد :
أن الله سبحانه وتعالى ذكر في هذه الآية أن المحيض أذى ، فيستنبط من كلمة الأذى أن دم الحيض دم أسود يختلف عن الدم الطبيعي ، وأن رائحته كريهة تختلف عن الدم الطبيعي وأنه غليظ يختلف عن الدم الطبيعي ، فإذا قيل ما الدليل على هذه العلامات ؟ فقل إن الآية هنا جمعت كل الأوصاف في قوله تعالى { قُلْ هُوَ أَذًى } .
ومن الفوائد :
أن السنة مبينة للقرآن ، فإن الله سبحانه وتعالى أمر باعتزال النساء ، فيفهم من هذا أنهن يعتزلن في كل شيء ، لكن النبي صلى الله عليه وسلم وضَّح أن المراد من الاعتزال هو الوطء في الفرج .
ومن الفوائد :
أن قوله تعالى { قُلْ هُوَ أَذًى } يستفاد منه تحريم جماع المرأة في الدبر ، لأن الله سبحانه وصف زمن ومكان الحيض بأنه أذى وهو أذى مؤقت في وقت محدد ، فكيف بالدبر الذي مستمر فيه الأذى ؟
بل أذاه أعظم من أذى الدم .
ومن الفوائد :
أن الجماع عُبِّر عنه بالنكاح ، وذلك لأن النكاح سبب لإباحة الجماع ، وهو أسلوب من أساليب اللغة ، ولأهل البلاغة كلام في هذا الأمر .
ومن الفوائد :
أن علاج البدعة لا يعالج ببدعة ، والخطأ لا يعالج بخطأ ، فإن اليهود لما قالت ما قالت أراد هذان الصحابيان رضي الله عنهما أن يخالفا اليهود ، لكن هذه المخالفة توقع في خطأ أكبر ، ولذلك تمعر وجه النبي صلى الله عليه وسلم لما طلبا منه أن يبيح لهم أن يجامعوا المرأة في الحيض .
ومن الفوائد :
أن النبي صلى الله عليه وسلم يغضب حينما تنتهك محارم الله عز وجل .
ومن الفوائد :
أن على المتعلم إذا رأى أن عالمه قد غضب أو قد أغلظ عليه القول فعليه أن يسكت وألا يتكلم ، فهذان الصحابيان رضي الله عنهما لم يصدر منهما أي كلمة بعد هذا القول من النبي صلى الله عليه وسلم .
ومن الفوائد :
خلو قلب النبي صلى الله عليه وسلم من البغض والحقد ، إذ لما أتته هديه بعث عليه الصلاة والسلام إليهما تطييبا لخاطرهما .
ومن الفوائد :
أن كلمة ( وجد ) يمكن أن تطلق على الحزن أو الغضب
” وجدتُ على فلان ” يعني حزنت على فلان .
حديث رقم -259-
( صحيح ) حدثنا مسدد ثنا عبد الله بن داود عن مسعر عن المقدام بن شريح عن أبيه عن عائشة قالت : كنت أتعرق العظم وأنا حائض فأعطيه النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فمه في الموضع الذي فيه وضعته وأشرب الشراب فأناوله فيضع فمه في الموضع الذي كنت أشرب منه)
من الفوائد :
أن ( التعرق ) هو أخذ اللحم الذي يكون على العظم بأطراف الأسنان ، ويسمى ( بالنهس ) ومن ثمَّ فإن بعض عادات الناس يرون أن هذا من القبيح أن يحمل الإنسان عظما أثناء الطعام فيأكله ، وهذا ليس بصحيح فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع العظم وكان يأكل منه عليه الصلاة والسلام .
ومن الفوائد :
بيان طهارة لعاب المرأة الحائض ، فإن شرب عائشة رضي الله عنها مع أنها حائض من هذا الماء وكذلك تعرق العظم لا يخلو من أن يبقى شيء من ريقها في هذا الموضع ، فكان عليه الصلاة والسلام يضع فمه حيث وضعت عائشة رضي الله عنها فمها من العظم ومن الشراب .
ومن الفوائد :
بيان ملاطفة النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها .
ومن الفوائد :
أن الزوج لو قبَّل زوجته مع شفتيها فإن هذا لا يعاب على الإنسان بل له أصل كما تدل عليه كلمة عائشة رضي الله عنها هنا ، وقد جاء حديث وفيه شيء من الضعف ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمص لسان عائشة رضي الله عنها ) ولعموم قوله تعالى {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ {5} إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ }المؤمنون6 ، فعموم هذا النص يدل على جواز مثل هذا الأمر .
حديث رقم -260-
( صحيح ) حدثنا محمد بن كثير ثنا سفيان عن منصور بن عبد الرحمن عن صفية عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع رأسه في حجري فيقرأ وأنا حائض )
من الفوائد :
بيان طهارة المرأة الحائض كما سلف في الأحاديث الماضية.
ومن الفوائد :
أن قراءة القرآن حول المكان النجس لا بأس به ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ القرآن ورأسه في حجر عائشة رضي الله عنها ، وهذا قريب من موضع الحيض الذي يسيل منه الدم النجس .
بابٌ في الحائض تُناول من المسجد
حديث رقم -261-
( صحيح ) حدثنا مسدد بن مسرهد ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن ثابت بن عبيد عن القاسم عن عائشة قالت قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ناوليني الخمرة من المسجد فقلت إني حائض فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن حيضتك ليست في يدك )
من الفوائد :
طهارة المرأة الحائض ، لأن هذا الدم النازل منها لا يتسرى إلى غير هذا الموضع فلا تلحق نجاسة هذا الموضع بنجاسة موضع آخر ، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام (إن حيضتك ليست في يدك ) .
ومن الفوائد :
أن بعض العلماء أخذ منه أن المرأة الحائض لها أن تعبر المسجد ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن تناوله عائشة رضي الله عنها الخمرة من المسجد .
وهذا ما عليه كثير من الأئمة، فكلمة ( من المسجد ) هل هي متعلقة بقوله عليه الصلاة والسلام ( قال ) أو بقوله ( ناوليني ) ؟
فإن كانت كلمة من المسجد مرتبطة بقوله ( ناوليني ) فحينها يكون ما ذهب إليه كثير من الأئمة هو الصواب ، يعني تكون المناولة من المسجد ، بمعنى أنها تدخل المسجد ثم تناوله عليه الصلاة والسلام .
لكن لو كانت كلمة ( من المسجد ) متعلقة بقوله ( قال) فيكون المعنى – وهذا ما ذهب إليه بعض العلماء من نهي المرأة الحائض من الدخول إلى المسجد – يكون المعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد وطلب منها وهي خارج المسجد أن تناوله الخمرة دون أن تدخل .
ومن الفوائد :
أن ( الخمرة ) بساط يصنع بمقدار الوجه والكفين .
وقال بعض العلماء : إنها لا تكون إلا بمقدار الوجه فقط .
ولكن سيأتي معنا أحاديث بإذن الله جل وعلا تدل على أن الخمرة قد تكون أكبر من ذلك .
بابٌ في الحائض لا تقضي الصلاة
حديث رقم -262-
( صحيح ) حدثنا موسى بن إسماعيل ثنا وهيب ثنا أيوب عن أبي قلابة عن معاذة : أن امرأة سألت عائشة أتقضي الحائض الصلاة فقالت أحرورية أنت لقد كنا نحيض عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نقضي ولا نؤمر بالقضاء )
من الفوائد :
أن الخوارج قد ضلوا وأضلوا ، ومن بين ضلالاتهم أنهم كانوا يأمرون المرأة الحائض بقضاء الصوم وقضاء الصلاة ،ولذلك أنكرت عائشة رضي الله عنها على معاذة فقالت ( أحرورية أنت ؟ ) نسبة إلى حروراء وهي بلدة قريبة من العراق ، أول ما خرج الخوارج خرجوا منها على علي رضي الله عنه .
ومن الفوائد :
أن فيه أعظم الحكم في أوامر الشرع ، فإن عائشة رضي الله عنها ردت هذه المرأة إلى أعلى الحكم وهي إتباع الشرع ، فإنها تستفهم لماذا تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ؟
فلم تعلل لها عائشة رضي الله عنها بعلل ، وإنما عللت بعلة هي أعظم العلل ، ولذلك إذا لم تعرف حكمة أمر أو حكمة نهي فقل هذا أمر الشرع والدليل حديث عائشة رضي الله عنها .
وقد ذكر العلماء أن من بين العلل في كون المرأة الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة : قالوا لأن الصوم لا يتكرر فيشق على المرأة ، بينما الصلاة تتكرر ، فلو ألزمت المرأة بقضاء الصلاة مع تكرر الصلاة لكانت هناك مشقة عليها .
حديث رقم -263-
( صحيح ) حدثنا الحسن بن عمرو أخبرنا سفيان يعني بن عبد الملك عن بن المبارك عن معمر عن أيوب عن معاذة العدوية عن عائشة : بهذا الحديث قال أبو داود وزاد فيه فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة )
بابٌ في إتيان الحائض
حديث رقم -264–
( صحيح ) حدثنا مسدد ثنا يحيى عن شعبة حدثني الحكم عن عبد الحميد بن عبد الرحمن عن مقسم عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم : في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال يتصدق بدينار أو نصف دينار )
قال أبو داود : هكذا الرواية الصحيحة قال ( دينار أو نصف دينار )
وربما لم يرفعه شعبة .
من الفوائد :
هذا الحديث ضعفه بعض الأئمة ، ومن ثم فإنهم يرون أن من أتى امرأته وهي حائض فقد ارتكب ذنبا عظيما وعليه أن يستغفر الله عز وجل ولا يلزم بكفارة ، لأن الحديث عندهم ضعيف ، لم هو ضعيف ؟
قالوا لأنه مضطرب ، فمرة ( يتصدق بنصف بدينار ) ومرة ( إن كان الدم عبيطا فدينار وإن لم يكن فنصف دينار ) وهناك روايات أخرى ، لكنها ضعيفة ، لكن أبا داود رحمه الله بين أن هذه هي الرواية الصحيحة ( يتصدق بدينار أو بنصف دينار ) يعنى هذا الأمر مبني على الخيار ، ومن ثمَّ فإن أبا داود رحمه الله كأنه يجنح إلى ترجيح ما ذهب إليه بعض الأئمة من أن الرجل إذا وطئ امرأته وهي حائض أن عليه الكفارة ، ما هي الكفارة ( يتصدق بدينار أو بنصف دينار )
وهنا اختلف هل هو مبني على ما يريده هو حيث شاء من الدينار أو نصف الدينار ؟ هذا هو الأرجح أنه مخير .
بعض العلماء يقول : إن كان الدم عبيطا فدينار وإن لم يكن فنصف دينار .
وقال بعضهم : إن كان أثناء الدم فدينار وإن كان بعد انقطاع الدم وقبل الاغتسال فنصف دينار .
وقال بعضهم : إن هذا مبني على اليسر والعسر ، فمن كان موسرا فدينار ومن كان معسرا فنصف دينار .
ولكن الصواب أنه مبني على التخيير .
والدينار : عبارة عن ” أربعة جرامات وربع من الذهب “
حديث رقم -265-
( صحيح موقوف ) حدثنا عبد السلام بن مطهر ثنا جعفر يعني بن سليمان عن علي بن الحكم البناني عن أبي الحسن الجزري عن مقسم عن بن عباس قال : إذا أصابها في أول الدم فدينار وإذا أصابها في انقطاع الدم فنصف دينار .
قال أبو داود وكذلك قال بن جريج عن عبد الكريم عن مقسم .
من الفوائد :
هذا هو رأي ابن عباس رضي الله عنهما وهو راوي الحديث ، فيرى رضي الله عنه أنه أثناء الدم دينار وبعد انقطاع الدم وقبل الاغتسال نصف دينار .
حديث رقم -266-
( ضعيف ) حدثنا محمد بن الصباح البزاز ثنا شريك عن خصيف عن مقسم عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا وقع الرجل بأهله وهي حائض فليتصدق بنصف دينار )
قال أبو داود وكذا قال علي بن بذيمة عن مقسم عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا .
( ضعيف ) وروى الأوزاعي عن يزيد بن أبي مالك عن عبد الحميد بن عبد الرحمن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال آمره أن يتصدق بخمسي دينار وهذا معضل .
من الفوائد :
هذه إحدى الروايات الضعيفة ، إذ جاءت بذكر ( نصف دينار ) فقط ، وكذلك رواية ( خمسي دينار )
باب في الرجل يصيب منها ما دون الجماع
حديث رقم -267-
( صحيح ) حدثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الرملي ثنا الليث بن سعد عن بن شهاب عن حبيب مولى عروة عن ندبة مولاة ميمونة عن ميمونة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يباشر المرأة من نسائه وهي حائض إذا كان عليها إزار إلى أنصاف الفخذين أو الركبتين تحتجز به )
من الفوائد :
أن فيه دليلا لمن قال بأن المرأة الحائض لا يستمتع منها بما دون السرة ، ولا بما أعلى الركبتين وما كان بين ذلك فله ذلك .
والصواب / أن هذا مبني على حال الإنسان من حيث قوة الشهوة ومن حيث عدمها ، من حيث ملكه لنفسه من عدم ذلك ، فهذا دليل بأن المرأة الحائض يستمتع بها مما فوق السرة ودون الركبتين .
حديث رقم -268-
( صحيح ) حدثنا مسلم بن إبراهيم ثنا شعبة عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر إحدانا إذا كانت حائضا أن تتزر ثم يضاجعها زوجها – وقال مرة – يباشرها )
من الفوائد :
أن هذا الحديث أيضا فيه دليل لمن قال بأن المرأة لا تباشر بما دون السرة ولا بما أعلى الركبتين ، لأن الإزار موضعه هذا الموضع من السرة إلى الركبتين .
ومن الفوائد :
بيان فضل أمهات المؤمنين رضي الله عنهن ففي هذا الحديث عائشة وفي الحديث السابقة ميمونة ، فدل على أن لهن فضلا على هذه الأمة إذ نقلن لهم ما كان سيخفى عليهم من حال رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أزواجه .
حديث رقم -269-
( صحيح ) حدثنا مسدد ثنا يحيى عن جابر بن صبح سمعت خلاسا الهجري قال سمعت عائشة رضي الله عنها تقول : كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نبيت في الشعار الواحد وأنا حائض طامث فإن أصابه مني شيء غسل مكانه ولم يعده ثم صلى فيه وإن أصاب – تعني ثوبه – منه شيء غسل مكانه ولم يعده ثم صلى فيه )
من الفوائد :
فيه استحباب مضاجعة الرجل لزوجته في فراش واحد ، خلافا لما جرت عليه بعض عادة الناس ، وأنا أعلم طائفة من الناس لا يمكن أن تنام معه المرأة ، إن أراد منها جماعا جرى ما جرى ثم لا تنام معه ، فهذا غير مستساغ عنده ، لكن النبي صلى الله عليه وسلم كان أعظم الناس ملاطفة لزوجاته حتى وهن حيَّض ، ولذلك قالت مؤكدة ( حائض طامث ) طامث : يعني حائض ، فهذا من باب التأكيد على أنها كانت في حال حيض .
ومن الفوائد :
أن التعمق في أمور الدين مما لم يأت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مذموم ويوقع الإنسان في مصائد الشيطان ، فهو عليه الصلاة والسلام ما تكلَّف أكثر من حالته ، فإنه لما أصابه الدم منها كان يغسل هذا الموضع فقط من بدنه ومن ثوبه ولم يتجاوز هذا المحل ثم يصلي فيه ، خلافا للموسوسين الذين ربما يغسلون الثوب كله .
ومن الفوائد :
أن عائشة رضي الله عنها لم تقل ( وأنا حائضة ) لأن التاء التي تدل على التأنيث يؤتى بها إذا كانت هذه الكلمة تطلق على الرجل أيضا ، لكن كلمة حائض لا تطلق على الرجل ولذلك نطقت بها من غير أن تأتي بالتاء .
حديث رقم -270-
( ضعيف ) حدثنا عبد الله بن مسلمة ثنا عبد الله يعني بن عمر بن غانم عن عبد الرحمن يعني بن زياد عن عمارة بن غراب أن عمة له حدثته : أنها سألت عائشة قالت إحدانا تحيض وليس لها ولزوجها إلا فراش واحد قالت أخبرك بما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل فمضى إلى مسجده – قال أبو داود- تعني مسجد بيته فلم ينصرف حتى غلبتني عيني وأوجعه البرد ، فقال ادني مني فقلت إني حائض ، فقال وإن اكشفي عن فخذيك فكشفت فخذي فوضع خده وصدره على فخذي وحنيت عليه حتى دفئ ونام )
من الفوائد :
هذا الحديث لو صح لكان فيه بيان أن المرأة الحائض طاهرة إذ لامس بدن النبي صلى الله عليه وسلم فخذي عائشة رضي الله عنها، ولذلك من يرى تحسين هذا الحديث يقول فيه بيان جواز استدفاء الرجل ببدن زوجته ، فإن عائشة رضي الله عنها دفأته بفخذيها .
حديث رقم -271-
( ضعيف ) حدثنا سعيد بن عبد الجبار ثنا عبد العزيز يعني بن محمد عن أبي اليمان عن أم ذرة عن عائشة : أنها قالت كنت إذا حضت نزلت عن المثال على الحصير فلم نقرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ندن منه حتى نطهر )
من الفوائد :
هذا الحديث ضعيف ، ولو صح فإن نفي القرب هنا نفي للجماع لا ما سواه .
حديث رقم -272-
( صحيح ) حدثنا موسى بن إسماعيل ثنا حماد عن أيوب عن عكرمة عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد من الحائض شيئا ألقى على فرجها ثوبا )
من الفوائد :
أن هذا الحديث يعضد قول من يقول بأن الزوج له أن يستمتع من زوجته بما شاء ما عدا الفرج حال الحيض ، ولكن هل يلزم أن يضع شيئا على فرجها أو لا يلزم ؟
قال بعض العلماء : يلزم ، باعتبار أن النبي صلى الله عليه وسلم ألقى على فرجها ثوبا ، كما في هذا الحديث .
وقال بعض العلماء : لا يلزم – وهو الصواب – لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( اصنعوا كل شيء إلا النكاح ) لكن من خشي على نفسه فإن عليه أن يضع شيئا على فرجها .
ولو قال قائل : كيف نوفق بين الأحاديث التي أتت بأن له أن يستمتع بما شاء وبين الأحاديث التي نهت إلا بوضع ثوب على فرجها وبين الأحاديث التي لم تبح ما بين السرة والركبة ؟
التوفيق بين هذه الأحاديث كلها : أن من لم يخش على نفسه الوقوع في الفرج فإن له أن يستمتع بما شاء من زوجته ، لكن من خشي وضعف فإنه يحرم عليه أن يستمتع فيما بين السرة والركبة
حديث رقم -273-
( صحيح ) حدثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا جرير عن الشيباني عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا في فوح حيضنا أن نتزر ثم يباشرنا ، وأيكم يملك إربه كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملك إربه )
من الفوائد :
أن وقت نزول الدم يختلف عن آخره ، فإن أوله من ظاهر هذا الحديث يتوقى حال فوران الدم يتوقى ما بين السرة والركبة ، بينما يختلف الحال فيما لو كان في آخر الحيض ، ثم بينت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أملك الناس لإربه أي لحاجته ، فلا يمكن أن يقع فيما سيقع فيه آخرون .
حديث رقم -274-
( حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن نافع عن سليمان بن يسار عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم : أن امرأة كانت تهراق الدماء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاستفتت لها أم سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ” لتنظر عدة الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها ، فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر فإذا خلفت ذلك فلتغتسل ثم لتستثفر بثوب ثم لتصل فيه )
من الفوائد :
فيه دليل للقول القائل بأن المرأة المعتادة إذا استمر معها الدم فأصبحت في حكم المستحاضة أن عليها أن تعود إلى عادتها الأولى ولا تلتفت لا إلى تمييز ولا إلى غيره ، فلو كانت عادتها مثلا سبعة أيام من اليوم الأول من الشهر تحسب سبعة أيام ثم بعد ذلك تغتسل وتتحفظ ، ولذا قال ( ولتستثفر ) ثم تصلي .
ومن الفوائد :
الغسل المأمور به هنا مرة واحدة ، وذلك عند إدبار عادتها ولا تلزم بغسل آخر .
ومن الفوائد :
أن الصلاة أثناء الحيض محرمة .
حديث رقم -275-
( صحيح ) حدثنا قتيبة بن سعيد ويزيد بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن موهب قالا ثنا الليث عن نافع عن سليمان بن يسار أن رجلا أخبره عن أم سلمة : أن امرأة كانت تهراق الدم فذكر معناه قال ( فإذا خلفت ذلك وحضرت الصلاة فلتغتسل ) بمعناه .
حديث رقم -276-
( صحيح ) حدثنا عبد الله بن مسلمة ثنا أنس يعني بن عياض عن عبيد الله عن نافع عن سليمان بن يسار عن رجل من الأنصار : ( أن امرأة كانت تهراق الدماء ) فذكر معنى حديث الليث قال ( فإذا خلفتهن وحضرت الصلاة فلتغتسل) وساق الحديث بمعناه .
حديث رقم -277-
( صحيح ) حدثنا يعقوب بن إبراهيم ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا صخر بن جويرية عن نافع : بإسناد الليث وبمعناه قال فلتترك الصلاة قدر ذلك ثم إذا حضرت الصلاة فلتغتسل ولتستثفر بثوب ثم تصلي )
حديث رقم -278-
( صحيح ) حدثنا موسى بن إسماعيل ثنا وهيب ثنا أيوب عن سليمان بن يسار عن أم سلمة بهذه القصة قال فيه : تدع الصلاة وتغتسل فيما سوى ذلك وتستثفر بثوب وتصلي قال أبو داود سمى المرأة التي كانت استحيضت حماد بن زيد عن أيوب في هذا الحديث قال فاطمة بنت أبي حبيش )
حديث رقم -279-
( صحيح ) حدثنا قتيبة بن سعيد ثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن جعفر عن عراك عن عروة عن عائشة أنها قالت : إن أم حبيبة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الدم فقالت عائشة فرأيت مركنها ملآن دما فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي قال أبو داود ورواه قتيبة بين أضعاف حديث جعفر بن ربيعة في آخرها ورواه علي بن عياش ويونس بن محمد عن الليث فقالا جعفر بن ربيعة .
أيضا هذا الحديث يؤكد ما مضى .
حديث رقم -280-
( صحيح ) حدثنا عيسى بن حماد أخبرنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن بكير بن عبد الله عن المنذر بن المغيرة عن عروة بن الزبير أن فاطمة بنت أبي حبيش حدثته أنها : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكت إليه الدم فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ذلك عرق فانظري إذا أتى قرؤك فلا تصلي فإذا مر قرؤك فتطهري ثم صلي ما بين القرء إلى القرء )
من الفوائد :
أن القرء المذكور في قوله تعالى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ }البقرة228 ، أن المراد منه الحيض وليس الطهر كما رآه بعض العلماء .
حديث رقم -281-
( صحيح ) حدثنا يوسف بن موسى ثنا جرير عن سهيل يعني بن أبي صالح عن الزهري عن عروة بن الزبير حدثتني فاطمة بنت أبي حبيش أنها أمرت أسماء أو أسماء حدثتني أنها : أمرتها فاطمة بنت أبي حبيش أن تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرها أن تقعد الأيام التي كانت تقعد ثم تغتسل )
( صحيح بما قبله ) قال أبو داود : ورواه قتادة عن عروة بن الزبير عن زينب بنت أم سلمة أن أم حبيبة بنت جحش استحيضت فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تدع الصلاة أيام إقرائها ثم تغتسل وتصلي قال أبو داود لم يسمع قتادة من عروة شيئا .
( صحيح ) قال أبو داود : وزاد بن عيينة في حديث الزهري عن عمرة عن عائشة أن أم حبيبة كانت تستحاض فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فأمرها أن تدع الصلاة أيام إقرائها )
قال أبو داود : وهذا وهم من بن عيينة ليس هذا في حديث الحفاظ عن الزهري إلا ما ذكر سهيل بن أبي صالح وقد روى الحميدي هذا الحديث عن بن عيينة لم يذكر فيه تدع الصلاة أيام إقرائها )
( صحيح موقوف ) وروت قمير بنت عمرو زوج مسروق عن عائشة المستحاضة تترك الصلاة أيام إقرائها ثم تغتسل )
( صحيح بما قبله ) وقال عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تترك الصلاة قدر إقرائها )
( صحيح ) وروى أبو بشر جعفر بن أبي وحشية عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن أم حبيبة بنت جحش استحيضت فذكر مثله وروى شريك عن أبي اليقظان عن عدي بن ثابت عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم المستحاضة تدع الصلاة أيام إقرائها ثم تغتسل وتصلي )
( صحيح ) وروى العلاء بن المسيب عن الحكم عن أبي جعفر أن سودة استحيضت فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم إذا مضت أيامها اغتسلت وصلت )
( صحيح ) وروى سعيد بن جبير عن علي وبن عباس المستحاضة تجلس أيام قرئها )
( صحيح ) وكذلك رواه عمار مولى بني هاشم وطلق بن حبيب عن بن عباس .
( إسناده ضعيف ) وكذلك رواه معقل الخثعمي عن علي رضي الله عنه .
( صحيح ) وكذلك روى الشعبي عن قمير امرأة مسروق عن عائشة رضي الله عنها .
قال أبو داود : وهو قول الحسن وسعيد بن المسيب وعطاء ومكحول وإبراهيم وسالم والقاسم ( أن المستحاضة تدع الصلاة أيام إقرائها ) .
سؤال : هل العنعنة تضعف الحديث ؟
الجواب : لا ، العنعنة ليست مضعفة للحديث إلا إذا كان المعنعن مدلسا ، فإن كان مدلسا فعنعن فإن حديثه لا يقبل إلا إذا صرح بالتحديث .
والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد .