بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد :
فقد قال المصنف رحمه الله :
حديث رقم -402-
( صحيح ) حدثنا يزيد بن خالد بن موهب الهمداني وقتيبة بن سعيد الثقفي أن الليث حدثهم عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة – قال بن موهب- بالصلاة ، فإن شدة الحر من فيح جهنم )
من الفوائد :
أن السنة في صلاة الظهر إذا اشتد الحر أن تؤخر ، وهذا التأخير مر معنا أنه يكون قبيل صلاة العصر ويكون قبل ذلك ، كما في حديث ابن مسعود رضي الله عنه السابق ، فمقدار التأخير يكون بانكسار شدة حرارة الشمس ، ولكن كلما تأخر وبرد الجو كان أفضل ، شريطة ألا يخرج صلاة الظهر عن وقتها .
قال بعض العلماء : الضابط في هذا أنه يدخل في صلاة الظهر فيخرج منها وقت خروج وقتها ودخول وقت صلاة العصر .
ومما يؤكد أن الإبراد يكون في أواخر وقت صلاة الظهر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في الصحيحين ( من صلى البردين دخل الجنة ) والبردان هما العصر والفجر ، فدل على أن القرب من دخول وقت صلاة العصر هو وقت للإبراد لأن الجو قد برد واعتدل ، ليس اعتدالا يروق للإنسان ، ولكنه اعتدال وبرودة بالنسبة إلى أول وقت صلاة الظهر .
مثل ما قالت تلك المرأة في حديث أم زرع كما في الصحيحين ( زوجي كليل تهامة لا حر ولا قر ولا مخافة ولا سآمة ) فقولها ( لا حر ولا قر ) يعني لا حر ولا برد ، ومعلوم أن تهامة حارة الجو ، لكن ليلها بالنسبة إلى أهلها يختلف نهارها
ومن الفوائد :
أن ذكر الحر هنا فيه دلالة – وهي دلالة اللزوم – على أنها صلاة الظهر ، لأن صلاة الظهر لم تذكر هنا ، ومعلوم أن الصلاة التي يشتد الحر فيها هي صلاة الظهر ، وقد ورد النص صريحا عند البخاري بذكر صلاة الظهر ( إذا اشتد الحر فأبردوا بصلاة الظهر )
ومن الفوائد :
قال بعض العلماء إن كلمة ( عن ) زائدة ( إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة ) يعني ( فأبردوا الصلاة )
وقال بعض العلماء : إنها للمجاوزة ، يعني تجاوزوا عن وقتها المعتاد .
وقال بعض العلماء : إنها بمعنى ( الباء ) يعني ( أبردوا بالصلاة ) ولعل الرواية التي بعدها تدل على هذا ، قال ابن موهب ( بالصلاة ) .
ومن الفوائد :
أن العلة قد تكون موجودة في النص ، وقد نص الحديث هنا عليها ( فإن شدة الحر من فيح جهنم ) فعلل حكم تأخير صلاة الظهر عن أول وقتها بسبب ( أن شدة الحر من فيح جهنم ) .
وإذا كانت العلة ظاهرة كان أبلغ في الاطمئنان في الامتثال، وإذا كانت خفية فيجب على الإنسان أن يعمل بالأمر ولو كانت خفية ، لأن عدم علمه أبلغ له في الانقياد والتسليم ، فهو في كلتا الحالتين إذا ذكرت العلة أو لم تذكر فهو في كلتا الحالتين على خير .
ومن الفوائد :
أن شدة الحر تكون في أول وقت صلاة الظهر ، وسبب ذلك أنه ( إذا قام قائم الظهيرة تسجر جنهم ) كما جاء في صحيح مسلم من حديث عمرو بن عبسة رضي الله عنه ، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم عن جنهم ( أن الله – عز وجل – أذن لها بنفسين ، نفس في الصيف ونفس في الشتاء ، فأشد ما تجدون من الحر من سمومها ، وأشد ما تجدون من البرد من زمهريرها )
ولذا عبَّر هنا بالـ ( فيح ) مأخوذ من ” مكان أفيح ) يعني واسع أو ” أرض فيحاء ) أي واسعة .
وهذا يدل على انتشار حرارتها .
بينما يقول بعض العلماء : إن هذا تمثيل يدعو الإنسان إلى الحذر من حرارة جهنم ، فإذا كانت حرارة الدنيا تؤلمه فعليه أن يحذر من الحرارة العظمى الكبرى ، وهي حرارة جهنم ، ولكن الصواب هو القول الأول .
ومن الفوائد :
أن ( جهنم ) سميت بهذا الاسم لجهومتها وغلظتها ، ولا شك في ذلك فإنها قد ( سألت الله عز وجل أن يعجل بأصحابها فقالت ” أكل بعضي بعضا ) .
حديث رقم -403-
( حسن صحيح ) حدثنا موسى بن إسماعيل ثنا حماد عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة ” أن بلالا كان يؤذن الظهر إذا دحضت الشمس )
من الفوائد :
( دحضت الشمس ) يعني زالت ، كما لو قلت ” دحضت حجة فلان ” يعني أزلتها ، قال تعالى { وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ }الشورى16
ومن الفوائد :
أنه صرح في هذا الحديث بأن أحد مؤذني رسول الله صلى الله عليه وسلم بلال رضي الله عنه ، ومعلوم أن بلالا رضي الله عنه كان يؤذن له في المدينة .
ومن الفوائد :
أن في ظاهره يخالف ما في الحديث السابق ، لأن الحديث السابق أمر بالإبراد ، وهذا الحديث أذَّن لما ( دحضت الشمس ) يعني زالت ، فكيف يوفق بينهما ؟
قال بعض العلماء : إن هذا في وقت وذاك في وقت آخر ، هذا مثلا في البرد وذاك في شدة الحر ، وقد مر معنا عند النسائي ( أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان في الصيف آخَّر الظهر وإذا كان في البرد عجَّل )
وقال بعض العلماء : إن هذا قبل الأمر بالإبراد .
وقال بعض العلماء : إن هذا لبيان أن الأمر بالإبراد ليس على سبيل الوجوب ، وإنما هو على سبيل الاستحباب .
والذي يظهر أنه في وقت وذاك في وقت آخر .
لكن هذه الأقوال تفيدنا فيما لو جاء حديث يعارض الحديث السابق معارضة قوية ، وقد مر معنا شيء من هذا ، تجيب بمثل هذه الأقوال ، لأن الوقوف على أقوال العلماء فيه خير عظيم ، وذلك قال شيخ الإسلام رحمه الله في ” مقدمة أصول التفسير ” لما ذكر أقول المفسرين بأنها متعددة ، قال رحمه الله ” هي من اختلاف التنوع التي يدخل بعضها في بعض ، فلو قيل ببعضها لكان الجواب سائغا ، لكن لو ألم طالب العلم بجميع الأقوال كان أكمل وأنفع وأحسن “
ومن الفوائد :
أن في ظاهره دلالة لقول من يقول إن الأذان لدخول الوقت ، بينما مر معنا أنه للصلاة .
قال رحمه الله :
باب في وقت صلاة العصر
حديث رقم -404-
( صحيح ) حدثنا قتيبة بن سعيد ثنا الليث عن بن شهاب عن أنس بن مالك أنه أخبره : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصر والشمس بيضاء مرتفعة حية ويذهب الذاهب إلى العوالي والشمس مرتفعة )
من الفوائد :
استحباب أداء صلاة العصر في أول وقتها ، لأن مثل هذا الذهاب إلى العوالي وهي ” القرى المجتمعة في نجد المدينة ” وما كان من قرى في تهامة المدنية يسمى ( بالسافلة ) أما ما كان في مرتفعها فيسمى بالعوالي ، فصلاة الصحابي مع النبي صلى الله عليه وسلم وذهابه إلى العوالي والشمس ما زالت حية ، يدل على أن من السنة أن تعجل صلاة العصر .
والأصل في الصلوات كلها أن تؤدى في أول وقتها ، إلا ما جاء الدليل باستثنائه ، لما جاء في الصحيح ( لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أحب الأعمال إلى الله ؟ قال الصلاة في وقتها ) وفي رواية الترمذي ( الصلاة لأول وقتها ) فالحديث عمم ، إلا ما جاء من دليل يستثني بعض الصلوات في بعض الأحاديث ، وهذا من المسابقة إلى الخيرات { فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ }البقرة148 .
ومن الفوائد :
أن الشمس إذا بقيت حرارتها ولونها تسمى ( حية ) وتسمى ( بيضاء ) وتوصف ( بالنقاء ) متى ؟
إذا لم يتغير لونها ولم تضعف حرارتها .ن الأن الشم
حديث رقم -405-
( صحيح مقطوع ) حدثنا الحسن بن علي ثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري قال : والعوالي على ميلين أو ثلاثة قال وأحسبه قال أو أربعة )
حديث رقم -406-
( صحيح مقطوع ) حدثنا يوسف بن موسى ثنا جرير عن منصور عن خيثمة قال : حياتها أن تجد حرها )
حديث رقم -407-
( صحيح ) حدثنا القعنبي قال قرأت على مالك بن أنس عن بن شهاب قال عروة ولقد حدثتني عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصر والشمس في حجرتها قبل أن تظهر )
من فوائد ما ذُكر :
أن الألباني رحمه الله قال ( صحيح مقطوع ) والمقطوع يختلف عن المرفوع والموقوف .
فالمرفوع : ما نسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
والموقوف : ما نسب إلى الصحابي .
والمقطوع : ما نسب إلى غير الصحابي من تابعي وممن جاء بعده .
والمقطوع يختلف عن المنقطع ، لأن المنقطع حديث رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولكن يكون في إسناده انقطاع ، بمعنى أن هناك راويا قد سقط، هذا يسمى بالمنقطع .
ومن الفوائد :
أن ( العوالي ) تبعد عن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ميلين أو ثلاثة أو أربعة ، وهذا يؤكد على بعد المسافة ، لأن الميل يقدر بالكيلو بكيلو وستين، وهذا يدل على بعد العوالي .
ومن الفوائد في حديث عائشة رضي الله عنها :
أن الإنسان يمكن أن يذكر اسم أبيه أو اسم قريبه مجردا دون أن يذكر صلته به ، فإن عروة رضي الله عنه هو ابن أخت عائشة رضي الله عنها ولم يقل خالتي ، وإنما قال ( حدثتني عائشة ) وكان بعض الصحابة يذكر اسم أبيه ، مثل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يذكر في الحديث اسم أبيه ( عمر ) دون أن يقول ( قال أبي ) .
ومن الفوائد :
أن بقاء الشمس في حجرة عائشة رضي الله عنها يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعجل بصلاة العصر ، ولذا قالت ( والشمس في حجرتها لم تظهر )
والظهور : هنا هو الصعود ، يعني لم تتعلق بالجدران والحيطان ، كما قال تعالىٍ{ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ }الزخرف33، فهي لم تظهر إلى الجدران ، فهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يعجل بصلاة العصر ، ولذا قال النووي رحمه الله ” من دلالة اللزوم أن عرصة الحجرة صغيرة وأن الحيطان كانت قصيرة “
ومن الفوائد – وهي فائدة عقدية مهمة جدا :
فيه الرد على من اختلق آثارا وأحاديث من أن الصحابة رضي الله عنهم إذا شكوا جدبا أو مصيبة أو بلاءً – وخصوصا القحط والجدب – أنهم يكشفون عن سقف عائشة رضي الله عنها حتى لا يكون هناك ساتر بين جثمانه صلى الله عليه وسلم وبين السماء “
فنقول أين هذا السقف والشمس في حجرتها ؟!
ففيه رد على ما زعموه وما اختلقوه .