بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد :
فقد قال المصنف رحمه الله :
باب اتخاذ المساجد في الدور
حديث رقم -455-
( صحيح ) حدثنا محمد بن العلاء ثنا حسين بن علي عن زائدة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور وأن تنظف وتطيب )
من الفوائد :
أن المصنف رحمه الله لما ذكر بناء مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ناسب أن يذكر حال المساجد الأخرى .
ومن الفوائد :
أن الأمر الصادر منه عليه الصلاة والسلام يدل على الوجوب ، فيجب على المسلمين أن يبنوا المساجد بناء تحصل به كفايتهم .
ومن الفوائد :
أن عليه الصلاة والسلام ( أمر ببناء المساجد في الدور ) فما هي هذه الدور ؟
الدور : جمع دار .
قال بعض العلماء : أمر عليه الصلاة والسلام أن يتخذ أهل البيت مسجدا في دارهم ليصلوا فيها ، وإذا حصل هذا الاتخاذ فإنه يحافظ عليه .
ولكن هذا القول ليس بظاهر ، وإنما الظاهر هو القول الآخر ، وهو : أمره عليه الصلاة والسلام ببناء المساجد في الأحياء وفي الأماكن التي يجتمع فيها الناس، لأن وضع المساجد في البيوت ليس أمرا محتما ، وإنما هذا يعود إلى الإنسان ذاته ، فقلنا إن الدور هي الأماكن التي يجتمع فيها القبيلة ويجتمع فيها الناس ،كما قال عز وجل { سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ }الأعراف145 ، هذه الآية أتت في سياق قصة بني إسرائيل في سورة الأعراف ، ومعلوم أن الدار هنا هو المكان الذي يجتمع فيه القوم .
ومن الفوائد :
أنه يجب أن يعتنى بالمساجد نظافة وتطيبا ، وذكر التنظيف قبل التطييب ، وهذا ما يسمى عند العلماء بـ [ التخلية قبل التحلية ] فإن الأوساخ والأقذار إذا أزيلت عن المكان ناسب أن يأتي بعد ذلك الطيب ، بينما لو طيب المكان مع ما فيه من الأوساخ ثم نظف ما كان مناسبا ومقبولا في النفس ، ولذلك قدَّم التنظف قبل التطيب .
وقد جاءت رواية عند ابن ماجه ( أن تُطهَّر )
وهذا التطييب للمسجد مطلق ، إما بالبخور وهو ما يسمى بالتجمير ، أو بالبخور السائلة المُعطَرة ، وقد نص العلماء على أن الأفضلية في الطيب أن يتحرى أمكنة صلاة الناس من المسجد ، لأن المسجد قد لا يصلى فيه كله ، فيتحرى المواضع التي يصلى فيها ، بل قالوا أحرى الأحرى في هذه المواطن أن تطيب مواضع السجود .
وهذا الحديث يعيدنا إلى قاعدة سبق أن ذكرناها وهي [ حذف المعمول يدل على العموم ] تنظف من ماذا ؟ من كل ما يدنسها ويشوبها ، تطيب بماذا ؟ بكل عطر يحصل به إذكاء وإزكاء المكان ، وعلى حسب عرف كل زمن .
حديث رقم – 456-
( صحيح ) حدثنا محمد بن داود بن سفيان ثنا يحيى يعني بن حسان ثنا سليمان بن موسى ثنا جعفر بن سعد بن سمرة حدثني خبيب بن سليمان عن أبيه سليمان بن سمرة عن أبيه سمرة أنه : كتب إلى ابنه أما بعد فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا بالمساجد أن نصنعها في ديارنا ونصلح صنعتها ونطهرها )
من الفوائد :
هذا الحديث يؤكد ما سبق من أن المساجد يجب أن يعنى بها بعد إقامتها ، فهو عليه الصلاة والسلام لما أمر ببنائها ناسب أن يذكر الاهتمام بها ، لأن المساجد قد تبنى ولا يعتنى بها ، فلما أمر ببناء المساجد وصنعها أمر في المقابل ألا تهمل ، ولذلك المساجد فيما لو أقيمت في أمكنة ما اجتهادا من أصحابها فلم يأتي إليها أحد أو أنها بنيت وأتاها الناس ثم نزحوا عنها ، فإن الواجب في مثل هذا الأمر – لأنه وقف – الواجب أن يهدم هذا المكان أو يباع هذا المسجد بعد هدمه أو وهو على حالته ثم ينقل ثمنه إلى وقف آخر مشابه له إن تيسر ذلك ، فإن كانت قيمته تعجز عن بناء مسجد آخر فإنه يوضع في وقف آخر يعود على صاحبه بالنفع ، أما أن يهمل ويترك هكذا فهذا لا يجوز ، لم ؟ لأن هذا الوقف تعطلت مصالحه ولم يستفد منه شيء .
باب في السُّرُج في المساجد
حديث رقم -457-
( ضعيف ) حدثنا النفيلي ثنا مسكين عن سعيد بن عبد العزيز عن زياد بن أبي سودة عن ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت : يا رسول الله أفتنا في بيت المقدس فقال ائتوه فصلوا فيه وكانت البلاد إذ ذاك حربا فإن لم تأتوه وتصلوا فيه فابعثوا بزيت يسرج في قناديله )
من الفوائد :
هذا الحديث ضعيف ، وتضمن فوائد أتت بها أحاديث أخرى ، من بين هذه الفوائد :
أنه يجوز أن يشد الرحل إلى المسجد الأقصى ، ولذلك قال ( ائتوه ) وشد الرحل والسفر إلى بقعة من بقع الأرض محرم ولا يجوز إلا إلى ثلاث بقع فقط ، ما عدا ذلك فلا ، فلا يجوز أن يشد الرحل إلى مكان إلا هذه المساجد الثلاث ، لكن لو شد الإنسان رحله إلى قريب أو صديق لا إشكال في ذلك ، لكن الحديث محصور في البقع ، لأنه لا بقعة مكرمة ولا قدر لها إلا ما بينه الشرع ، والشرع لم يبين أن البقع المباركة التي يجوز السفر إليها لم يبين إلا ثلاثة أشياء كما جاء في الصحيحين ( لا تشد الرحال إلا إذا ثلاثة مساجد ” المسجد الحرام ومسجدي هذا ، والمسجد الأقصى ” )
والمسجد الأقصى نسأل الله عز وجل أن يعيده إلى المسلمين عاجلا غير آجل ، جاء عند البزار ( أن الصلاة فيه تعدل خمسمائة صلاة فيما سواه ) وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لما بنى سليمان المسجد الأقصى دعا الله عز وجل بثلاث دعوات استجيب له في اثنتين وأرجو أن يجاب في الثالثة ) قال في الثالثة ( ومن أتى هذا المسجد لا يخرجه إلا الصلاة خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ، قال النبي صلى الله عليه وسلم أرجو أن يكون قد أعطيها )
فالمسجد الأقصى له فضل .
ومن الفوائد :
أن الاهتمام بالمساجد مطلوب بإنارتها من سرج ونحوها ، لأن السرج هي أدوات الإنارة آنذاك ، لكن في هذا الزمن اختلف ، ولذلك فإن في إنارتها تعظيما لها ، لأن المساجد إذا أنيرت تمكن المسلمون من الصلاة بيسر وسهولة لاسيما في الظُّلَم من الليل
باب في حصى المسجد
حديث رقم – 458-
( ضعيف ) حدثنا سهل بن تمام بن بزيع ثنا عمر بن سليم الباهلي عن أبي الوليد : سألت بن عمر عن الحصى الذي في المسجد فقال مطرنا ذات ليلة فأصبحت الأرض مبتلة فجعل الرجل يأتي بالحصى في ثوبه فيبسطه تحته فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال ما أحسن هذا )
من الفوائد :
هذا الحديث ضعيف ولكنه في هذا الفعل له ما يؤيده من حيث النصوص الأخرى ، لم ؟ لأن إراحة الناس في المساجد أمر مطلوب شرعا ، ولذلك لما حصل المطر – على افتراض صحة الحديث – لما حصل المطر ابتلت الأرض ، فلما ابتلت الأرض فإنهم أتوا بحصى ليفرشوه ثم ليسجدوا عليه ، ومن ثم فإن العناية بهذه المساجد من حيث تنويرها ، من حيث تنظيفها ، من حيث تطيبها ، من حيث فرشها كما ذكر هنا من وضع الحصى، كل هذا يدل دلالة واضحة على عناية الشرع عناية فائقة بالمساجد فعلى المسلمين أن يهتموا بها ، شريطة ألا يودي بهما هذا الأمر إلى التباهي ، كما مر معنا قوله عليه الصلاة والسلام ( ما أمرت بتشييد المساجد ) ( لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد ) .
ثم هم لم يخرجوا الحصى من المسجد حتى يسجدوا على ما تحته مما لم يصبه البلل، وقد ذكر بعض الشراح – ولم أقف إلى الآن على صحة هذه الأحاديث على أنها مرفوعة – أن الحجارة تناشد صاحبها ألا يخرجها من المسجد .
حديث رقم – 459-
( صحيح مقطوع ) حدثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا أبو معاوية ووكيع قالا ثنا الأعمش عن أبي صالح قال : كان يقال أن الرجل إذا أخرج الحصى من المسجد يناشده )
من الفوائد :
أن هذا الحديث ليس مرفوعا لأنه مقطوع ، لأن عندنا ثلاثة أشياء [ المرفوع والموقوف والمقطوع ]
المرفوع : ما نسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قوله أو فعله أو إقراره .
الموقوف : ما كان من قول الصحابي رضي الله عنه .
المقطوع : ما كان من قول التابعي فمن دونه .
وهذا مما لا يقال بالرأي والاجتهاد ، لو كان هذا القول من صحابي لكان مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم حكما ، لكن مثل هذا مقطوع ولا دليل عليه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا شك أن ترك المساجد على ما هي عليه هو الأصل ، لكن كون الإنسان يخرج الحصاة من المسجد انه يأثم ، هذا لا دليل عليه ، اللهم إلا ما ورد عن السلف رحمهم الله في قضية تراب وحصى الحرم، فإنهم نهوا عن ذلك ، ولعل النهي خيفة من أن يتوسل بهذا الحصى ، لأن بعض الناس قد يأتيه الشيطان ويظن أن في هذا الحصى الموجود في المسجد الحرام – وهذا قديما لما كان فيه حصى – أن فيه بركة وأن فيه فائدة ، فربما يتوصل به هذا الأمر إلى أن يتبرك به ، ومثل هذا لا يجوز ، ولذلك ما نراه من فعل بعض الناس في مكة في أيام الحج من أنه يأخذ من هذا الحصى ثم يبيعه ، فهذا لا دليل عليه ولا يجوز ، لأن هذه أمور مشاعة لا يجوز للإنسان أن يتربح بها ، حتى في أماكن الناس في المشاعر لا في منى ولا في عرفة ولا في مزدلفة ، النبي صلى الله عليه وسلم لما قيل له ( أنضرب لك قبة في منى ؟ قال لا ، منى مَنَاخ من سَبَق ) يعني من سبق إليه فهو أولى ، فالمشاعر منى ، مزدلفة ، عرفة ، هذه أماكن مشاعة مثل المساجد لا يجوز لأحد أن يحجز فيها ، لكن الناس غفلوا عن هذا الجانب وعن هذا الأمر النبوي فأصبح الناس يتربحون في هذه المشاعر ولا يقصدون بذلك وجه الله عز وجل ، حصل ما حصل من وضع بعض الناس الحجوزات في هذه المشاعر فضيق على الناس ، فأصبح الناس لا يستطيعون البقاء في منى ، إما أن يذهبوا إلى مزدلفة أو أن يكونوا في العزيزية أو في أماكن أخرى ، ثم وصل الحال بالناس إلى أن يأخذوا هذا الحصى ويجمعوه في أكياس ثم يبيعونه على الناس ، وهذا من الخطأ ، ولا يجوز لأن هذه أماكن ومشاعر مشاعة للناس ولا تكون محل التربح .
حديث رقم – 60 –
( ضعيف ) حدثنا محمد بن إسحاق أبو بكر يعني الصاغاني ثنا أبو بدر شجاع بن الوليد ثنا شريك ثنا أبو حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة قال أبو بدر أراه قد رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن الحصاة لتناشد الذي يخرجها من المسجد )
من الفوائد :
لو صح هذا الحديث لكان تأييدا لما ذكرنا ، لكن لم أر دليلا صحيحا مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في كون هذه الحصاة تناشد صاحبها باعتبار أنها تخاطب الله ، لأننا لا نفهم ما يقوله الجماد ، وإلا فالجماد له إرادة ، وله حياة لا يعلمها إلا الله جل وعلا { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً }الإسراء44 ، فالنبي صلى الله عليه وسلم أطلعه الله عز وجل على بعض الأشياء ،كان الحصى يسبح في يده ، الشجرة تسلم عليه ، مع أنها جماد ، لكن فيما يخصنا نحن ، فنحن لا ندرك مثل هذا الشيء ، إلا ما أطلعه الله عز وجل عليه نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم .