تعليقات على سنن أبي داود ـ الدرس التاسع والستون حديث 490- 492 الجزء الأول

تعليقات على سنن أبي داود ـ الدرس التاسع والستون حديث 490- 492 الجزء الأول

مشاهدات: 394

تعليقات على سنن أبي داود ـ الدرس التاسع والستون

حديث 490- 492 ( 1 )

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :

( باب في المواضع التي لا تجوز فيها الصلاة  )

حديث رقم – 490-

حدثنا سليمان بن داود أخبرنا بن وهب قال حدثني بن لهيعة ويحيى بن أزهر عن عمار بن سعد المرادي عن أبي صالح الغفاري : أن عليا رضي الله عنه مر ببابل وهو يسير فجاءه المؤذن يؤذن بصلاة العصر فلما برز منها أمر المؤذن فأقام الصلاة فلما فرغ قال إن حبيبي صلى الله عليه وسلم نهاني أن أصلي في المقبرة ونهاني أن أصلي في أرض بابل فإنها ملعونة )

 ( ضعيف )

هذا الحديث ضعيف ، وضعفه في ابن لهيعة ، واسمه ” عبد الله ” وقد اختلط رحمه الله في آخر حياته .

وهذا الحديث لو صح لكان دليلا آخر مع أدلة أخرى على تحريم الصلاة في المقابر ، والصلاة في المقابر سيأتي لها حديث إن شاء الله .

والقول الفصل فيها : أن الصلاة في المقابر لا تصح، ومن فعل ذلك فإنه يستحق الإثم والعقاب من الله عز وجل .

وأما ( أرض بابل ) فإنها أرض السحر ، كما ذكر عز وجل عن الملكين ، قال تعالى :

{وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ }البقرة102، فهذان الملكان ” هاروت وماروت ” أنزلهما الله عز وجل بأرض بابل بالعراق ، لكي يعلما من شاء أن يتعلم السحر أن يعلماه ابتلاء وفتنة ، ومع ذلك فإنهما ينصحانه ألَّا يقدم على السحر ، وما ورد أنهما :

( زنيا في نجم الزهرة ) فهذا لا يصح ولا يليق بالملائكة ، بل نزول هذين الملكين ابتلاء وامتحاناً من الله عز وجل .

فهذه الأرض وهي ( أرض بابل ) أرض السحر ، وأيضا هي أرض الخسف كما قال بعض المفسرين :

” أن النمرود بنى بنيانا عظيما فخسف الله به “

ويقولون : إن قوله تعالى :

{  فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ }النحل26

لكن هذا الحديث ضعيف ، وبالتالي فإن الصلاة في أرض بابل كما قال الخطابي رحمه الله ، قال :

” لم أرَ أحداً من العلماء حرَّم الصلاة فيها .

ويزيد هذا الحديث ضعفا ، عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين :

( جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا )

فالأصل أن كل مكان هو مكان للصلاة ، إلا ما استثناه الشرع مثل:

” المقبرة – معاطن الإبل – الحمام – الحش

ولو صح هذا الحديث : فإن هذا الحديث يمكن أن يكون مخصوصا به علي رضي الله عنه .

”  ونحن نذكر مثل هذا التنزل لتدريب طالب العلم على المسائل “

لم ؟

لأن هذا المكان هو المكان الذي انقلب فيه أهل الكوفة على علي رضي الله عنه ، فما كان من المناسب أن يبقى .

ويمكن أن يقال : إن أرض بابل النهي عن الصلاة فيها ليس الصلاة بذاتها ، وإنما اتخاذها مسكناً ، فلا يليق بك يا علي أن تتخذها مسكناً وتصلي فيها مع ما جرى من أهلها معك .

لكن الحديث ضعيف .

( ومن الفوائد )

وردت رواية :

( نهاني أن أصلي بأرض بابل أرض الخسف ثلاثا )

فجملة ( ثلاثا ) عائدة على قوله ، وليس على أرض بابل ووقوع الخسف فيها ثلاث مرات ، إنما وقع الخسف فيها مرة واحدة .

حديث 492 ( 1 )

حدثنا موسى بن إسماعيل ثنا حماد ح وثنا مسدد ثنا عبد الواحد عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال موسى في حديثه فيما يحسب عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

الأرض كلها مسجد إلا الحمام والمقبرة “

( صحيح )

( من الفوائد )

” أن الاستثناء معيار العموم “

مر معنا قوله صلى الله عليه وسلم :

( جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا )

وهنا قال :

( إلا الحمام والمقبرة )

فدلَّ على أن عموم ذلك الحديث :

( جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا )

ليس مرادا ، وإنما يستثنى منه أشياء  ، من هذه الأشياء :

” المقبرة والحمام “

وقاعدة :

[ الاستثناء معيار العموم ]

قاعدة أصولية مهمة جدا لطالب العلم ، ما معناها ؟

أن النص لم يبق على عمومه “

مثال : قول الله عز وجل :

{ وَالْعَصْرِ{1} إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ{2}

لو وقفنا هنا : أقسم الله عز وجل بأن كل إنسان لفي خسر، فالجميع في خسر ، لكن لما استثنى بقوله :

{  إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ{3}

دلَّ هذا على أن ذلك العموم السابق ليس باقٍ على عمومه .

( ومن الفوائد )

أن ” المقبرة “ هي ما كان بها قبور ولو كان قبرا واحدا ، فإنها لا يجوز أن يصلى فيها ، ولذلك ما استثناه بعض الفقهاء من أن المقبرة إذا كان بها ثلاثة قبور فأقل فتجوز الصلاة فيها فإنها قول فاسد .

هم استدلوا : بأن النبي صلى الله عليه وسلم مقبور هو وصاحباه أبو بكر وعمر في المسجد النبوي .

وهذا ليس بصحيح : فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يقبروا في المسجد ، وإنما قبروا في بيت عائشة رضي الله عنها ، وكان منفصلا ، لكن لما جاءت الدولة الأموية ووسع المسجد النبوي ، وسعوا من جهة الشرق فدخلت الحجرة في المسجد النبوي ، بل أنكر كبار التابعين آنذاك ، خشوا أن يلتصق المسجد بالحجرة ، ومع ذلك قوة السلطان في ذلك الزمن أجبرت الجميع على أن يذعن .

وللحديث تتمة إن شاء الله تعالى .