تعليقات على سنن أبي داود ـ الدرس الرابع عشر ــ من حديث 307 – 316

تعليقات على سنن أبي داود ـ الدرس الرابع عشر ــ من حديث 307 – 316

مشاهدات: 442

تعليقات على سنن أبي داود ـ الدرس الرابع عشر

من حديث  307 – 316

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله :

باب في المرأة ترى الصفرة والكدرة بعد الطهر

حديث رقم -307-

( صحيح ) حدثنا موسى بن إسماعيل أخبرنا حماد عن قتادة عن أم الهذيل عن أم عطية وكانت بايعت النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئا )

من الفوائد :

أن المرأة تجري معها بعض السوائل ، من بين هذه السوائل ( الكدرة ) وهو ماء متكدر متسخ .

وكذلك يحصل معها ( الصفرة ) وهو ماء يعلوه اصفرار .

فهذه الكدرة وهذه الصفرة إذا نزلت مع المرأة هل تعد حيضا أو لا تعد ؟

المسألة فيها ثلاثة أقوال :

قال بعض العلماء : تعد حيضا مطلقا، فإذا انقطعت عنها فيلزمها أن تغسل وأن تصلي .

وقال بعض العلماء : لا تعدها شيئا مطلقا .

وقال بعض العلماء – وهو الصواب – أن الكدرة والصفرة تندرج تحت القاعدة الشرعية [ يثبت تبعا ما لا يثبت استقلالا ] فإذا أتت هذه الكدرة والصفرة في زمن الحيض فهو حيض ، أما إذا أتت بعد الطهر أو قبل نزول الحيض فإنها لا تعد شيئا فتكون في حكم الطاهرات ، ولذلك في قول أم عطية رضي الله عنها ( كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئا )

ومن الفوائد :

أن ما ذكره الراوي مضيفا هذا المذكور إلى زمن وعهد النبي صلى الله عليه وسلم يكون من قبيل الحديث المرفوع حكما ، لأن الحديث المرفوع نوعان ” حقيقي وحكمي ” فهذا من قبل الحديث المرفوع حكما ، فإذا نسب صحابي أمرا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فهذا يكون من قبيل الحديث المرفوع حكما .

حديث رقم -308-

( صحيح ) حدثنا مسدد ثنا إسماعيل أخبرنا أيوب عن محمد بن سيرين عن أم عطية : بمثله .

قال أبو داود : أم الهذيل هي حفصة بنت سيرين كان ابنها اسمه هذيل واسم زوجها عبد الرحمن .

 

 

 

باب المستحاضة يغشاها زوجها

حديث رقم -309-

 ( صحيح ) حدثنا إبراهيم بن خالد ثنا معلى بن منصور عن علي بن مسهر عن الشيباني عن عكرمة قال : كانت أم حبيبة تستحاض فكان زوجها يغشاها )

قال أبو داود : وقال يحيى بن معين معلى ثقة وكان أحمد بن حنبل لا يروي عنه لأنه كان ينظر في الرأي .

من الفوائد :

أن أم حبيبة رضي الله عنها كانت تحت عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه كما وضحت الأحاديث السابقة ، وكانت مستحاضة وليست حائضا ، والمستحاضة كما أسلفنا في حكم الطاهرات ، فهل لزوجها أن يجامعها مع نزول هذا الدم الذي ليس بدم حيض إنما هو دم فساد أو دم استحاضة ؟

بعض العلماء يقول يكره له ذلك  ، تنزها .

ولكن الصواب أنه جائز وللزوج أن يغشى زوجته أثناء الاستحاضة ، ولذا لم يتورع عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه عن هذا الفعل ، ولم يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المستحاضات أن ينهين أزواجهن عن جماعهن

حديث رقم -310-

( حسن ) حدثنا أحمد بن أبي سريج الرازي أخبرنا عبد الله بن الجهم حدثنا عمرو بن أبي قيس عن عاصم عن عكرمة عن حمنة بنت جحش : أنها كانت مستحاضة وكان زوجها يجامعها )

باب ما جاء في وقت النفساء

حديث رقم -311-

( حسن صحيح ) حدثنا أحمد بن يونس أخبرنا زهير ثنا علي بن عبد الأعلى عن أبي سهل عن مسة عن أم سلمة قالت : كانت النفساء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تقعد بعد نفاسها أربعين يوما أو أربعين ليلة وكنا نطلي على وجوهنا الورس يعني من الكلف )

من الفوائد :

أن المرأة النفساء في حكم الحائض فلا تصلي ولا تصوم ، ولكن ما هي المدة المحددة شرعا لها ؟

قال بعض العلماء : تضبط بالعرف .

وقال بعضهم : إن أقصى مدة للنفاس أربعون يوما ، كما جاء في حديث أم سلمة .

وقال بعضهم : خمسون يوما .

و قال بعضهم : ستون يوما ، لأن بعض النساء قد يستمر معها الدم أكثر من أربعين يوما .

ولكن الصواب: أن المرأة النفساء تبقى إلى أربعين يوما ، وما زاد عن ذلك فليس بدم نفاس ، لأن قول أم سلمة رضي الله عنها في هذا الأمر وتحديده بأربعين يوما ونسبت هذا إلى عهد النبي صلى الله عليه وسلم يدل على أن المرأة مأمورة كما جاء في بعض الروايات ( كانت تؤمر بأن تجلس أربعين يوما ) دل على أن أقصى مدة هي أربعون يوما .

ومن ثم فإن النفساء ينظر إليها من عدة أمور :

أولا  :

إذا طهرت المرأة النفساء قبل أربعين يوما فإنها تغتسل وجوبا وتكون في حكم الطاهرات ربما تطهر بعد عشرين يوما أو بعد عشرة أيام فتكون في حكم الطاهرات ، لأن الحكم مناط بالدم .

ثانيا :

إذا استمر معها الدم تبقى إلى أربعين يوما ، فإذا زاد إلى ما بعد الأربعين نقول إن هذا الدم الزائد لا يلتفت إليه ، اللهم إلا إذا وافق يوم الأربعين يوم عادتها قبل حملها ، فنقول تحسبين مدة الحيض فقط وما زاد عن ذلك يعد طهرا  مثال ذلك / امرأة قبل أن تحمل كان الحيض يأتيها في اليوم الثاني من الشهر ، فحملت وولدت واستمر معها الدم ، فلما جاء اليوم الأربعون لها والدم مستمر معها وافق ذلك اليوم الثاني من الشهر ، فماذا نقول ؟

نقول لها أنت حائض .

أما لو كان الحيض يأتي معها قبل الحمل في اليوم العاشر وجاء اليوم الأربعون لها في اليوم الثاني من الشهر ماذا نقول ؟

نقول أنت طاهرة .

ومن الفوائد :

أن المرأة يعتريها بعد الولادة أمور في بدنها ربما تغير لونه من الكلف ، وهو لون بين الحمرة والسواد ، فخليق وحري بالمرأة أن تتجمل وتعالج ما ينجم منها بعد الولادة ، فإن الورس : نبت يشبه الزعفران يعالج به مثل هذه الكلف

 

 

حديث رقم -312-

( حسن ) حدثنا الحسن بن يحيى أخبرنا محمد بن حاتم يعني حبي حدثنا عبد الله بن المبارك عن يونس بن نافع عن كثير بن زياد قال حدثتني الأزدية يعني مسة قالت : حججت فدخلت على أم سلمة فقلت يا أم المؤمنين إن سمرة بن جندب يأمر النساء يقضين صلاة المحيض ، فقالت لا يقضين ، كانت المرأة من نساء النبي صلى الله عليه وسلم تقعد في النفاس أربعين ليلة لا يأمرها النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء صلاة النفاس )

قال محمد – يعني ابن حاتم – واسمها مسة تكنى أم بسة قال أبو داود : كثير بن زياد كنيته أبو سهل .

من الفوائد :

أن المرأة النفساء في حكم المرأة الحائض ، فإنه يحرم عليها أن تصوم وأن تصلي ، لكن إذا طهرت فإنها تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ، وهذا اجتهاد سمرة رضي الله عنه ، وقد ردت أم سلمة رضي الله عنها قوله وبينت سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، لأن هذا أمر يتعلق بالنساء ومعرفة المرأة بأحكامها أكثر من الرجل في ذلك ، لاسيما أنها تحت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقريبة منه لأنه زوجها .

باب الاغتسال من الحيض

حديث رقم -313-

( ضعيف ) حدثنا محمد بن عمرو الرازي ثنا سلمة يعني بن الفضل أخبرنا محمد يعني بن إسحاق عن سليمان بن سحيم عن أمية بنت أبي الصلت عن امرأة من بني غفار قد سماها لي قالت : أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم على حقيبة رحله ، قالت فوالله لنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصبح فأناخ ونزلت عن حقيبة رحله فإذا بها دم مني فكانت أول حيضة حضتها قالت فتقبضت إلى الناقة واستحييت ، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بي ورأى الدم ، قال ما لك لعلك نفست ؟ قلت نعم قال فأصلحي من نفسك ثم خذي إناء من ماء فاطرحي فيه ملحا ثم اغسلي ما أصاب الحقيبة من الدم ، ثم عودي لمركبك ، قالت فلما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر رضخ لنا من الفيء ، قالت وكانت لا تطهر من حيضة إلا جعلت في طهورها ملحا وأوصت به أن يجعل في غسلها حين ماتت )

من الفوائد :

هذا الحديث اختلف العلماء في ثبوته فبعض العلماء كالخطابي وغيره يرون ثبوته ويفرعون عليه أحكاما .

ومن الفوائد :

أن هذه المرأة هي زوجة أبي ذر الغفاري رضي الله عنه .

ومن الفوائد :

جواز الإرداف على الدابة إذا كانت تطيق ذلك ، أما إذا كانت لا تطيق فلا يجوز الإرداف .

ومن الفوائد :

أن هذا الإرداف من النبي صلى الله عليه وسلم لتلك المرأة لا يعني أنها ملاصقة له ، بل بينهما حائل وهي حقيبة الرحل ، وهو ما يُشدُّ به على الرحل الذي يوضع على ظهر البعير ، وليست هناك خلوة لأنه مشاهد وعلى العيان ، فلا يستدل به على جواز الخلوة في مثل هذا العصر من أن المرأة لها أن تركب مع السائق وحدها في طرق المدينة ولا شيء عليها ، وهذا لا شك أنه مخالف للشرع ، لأنه فرق بين المركوب في هذا العصر والمركوب في ذلك العصر .

ومن الفوائد :

أن هذه الحيضة هي أول حيضة تأتيها إما ابتداءً وإما أول حيضة تأتيها في السفر .

ومن الفوائد :

أن هذه المرأة لما نزل معها الدم وثبت إلى البعير استحياء من رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لا يرى منها هذا الدم .

ومن الفوائد :

أن إزالة النجاسة بشيء مطعوم لا بأس به إذا كانت هذه النجاسة لا تزال إلا به ، لأن الملح مطعوم ، ولذا يجوز للإنسان أن يستحم وأن يغتسل بمطعوم مخلوط بماء كما في بعض الشامبوهات التي تكون بالبيض أو بشيء آخر من هذه المأكولات ، ومن ثم يجوز للمرأة أن تضع على وجهها من الفواكه أو من الخضراوات ما يجمل وجها أو ما شابه ذلك فلا حرج في ذلك ، لأن كل هذا مخلوق لنا نحن البشر {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً }البقرة29 لينتفع به ، شريطة ألا يهان ، أما إذا وضع على سبيل الإهانة لا على سبيل الانتفاع فلا يجوز ، لأنه صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله ( أكرموا الخبز )

 

حديث رقم -314-

( حسن صحيح ) حدثنا عثمان بن أبي شيبة أخبرنا سلام بن سليم عن إبراهيم بن مهاجر عن صفية بنت شيبة عن عائشة قالت : دخلت أسماء على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله كيف تغتسل إحدانا إذا طهرت من المحيض ؟ قال تأخذ سدرها وماءها فتوضأ ثم تغسل رأسها وتدلكه حتى يبلغ الماء أصول شعرها ، ثم تفيض على جسدها ثم تأخذ فرصتها فتطهر بها ، قالت يا رسول الله كيف أتطهر بها ؟ قالت عائشة فعرفت الذي يكني عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت لها تَتَّبعين بها آثار الدم )

من الفوائد :

أن المرأة الحائض ينبغي لها أن تبالغ في غسلها ، فتأخذ مع الماء السدر ليكون أبلغ في التنظيف .

ومن الفوائد :

أن هذا الحديث دليل لما قاله بعض العلماء من أن المرأة الحائض إذا أراد أن تغتسل يجب عليها أن تنقض شعر رأسها حتى يصل الماء إلى أصول الشعر .

ومن الفوائد :

بيان حرص النبي صلى الله عليه وسلم على أن تبقى الألفة بين الزوجين ، فإنها عليه الصلاة والسلام أمرها أن تأخذ ( فرصة ) وهي قطعة من القماش أو من الصوف أو القطن ، وفي رواية ( مُمَسَّكة ) يعني فيها طيب تتبع به آثار الدم ، الذي هو الفرج وما حوله ،  تعجب عليه الصلاة والسلام كيف لها ألا تفهم ما رمى إليه عليه الصلاة والسلام قال ( سبحان الله ) وفي بعض الروايات ( قرصة ) يعني قطعة بحجم ما يكون بين الأصبعين ، لأن القرصة تكون ما بين الأصبعين .

حديث رقم -315-

( حسن صحيح ) حدثنا مسدد بن مسرهد أخبرنا أبو عوانة عن إبراهيم بن مهاجر عن صفية بنت شيبة عن عائشة أنها ذكرت نساء الأنصار فأثنت عليهن وقالت لهن معروفا ، وقالت دخلت امرأة منهن على رسول الله صلى الله عليه وسلم – فذكر معناه إلا أنه قال – فرصة ممسكة ”

قال مسدد : كان أبو عوانة يقول فرصة وكان أبو الأحوص يقول قَرصة .

من الفوائد :

بيان ما كان عليه نساء الأنصار رضي الله عنهن من الحرص على التفقه في الدين وسؤال النبي صلى الله عليه وسلم عما أشكل عليهن ، ولذا أثنت عليهن عائشة رضي الله عنها ، بل جاء في صحيح مسلم قولها رضي الله عنها ( نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء من أن يسأل عن أمور دينهن )

حديث رقم -316-

( حسن ) حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري أخبرنا أبي عن شعبة عن إبراهيم يعني بن مهاجر عن صفية بنت شيبة عن عائشة : أن أسماء سألت النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه ؟ قال فرصة ممسكة ، قالت كيف أتطهر بها ؟ قال سبحان الله تطهري بها واستتر بثوب – وزاد – وسألته عن الغسل من الجنابة فقال تأخذين ماءك فتطهرين أحسن الطهور وأبلغه ثم تصبين على رأسك الماء ثم تدلكينه حتى يبلغ شؤون رأسك ثم تفيضين عليك الماء ، قال وقالت عائشة نعم النساء نساء الأنصار لم يكن يمنعهن الحياء أن يسألن عن الدين وأن يتفقهن فيه )

من الفوائد :

تعجب النبي صلى الله عليه وسلم من سؤال هذه المرأة لما أمرها أن تأخذ الفرصة الممسكة ، ولذلك استحيى فاستتر بثوب ، لأن هذا أمر لا يحتاج فيه إلى أن يوضح أكثر من ذلك ، فقامت عائشة رضي الله عنها وبينت لها ما يريده الرسول صلى الله عليه وسلم .

ومن الفوائد :

أن هذا الحديث دليل لمن قال من العلماء إن المرأة الجنب يجب عليها أن تنقض شعر رأسها حتى يصل الماء إلى أصوله ورؤوسه ، وهذا يناقض حديث أم سلمة رضي الله عنها لما قالت يا رسول الله ( إني أشد ضفر رأسي أفأنقضه لغسل الجنابة ) وفي راوية ( والحيضة ؟ قال لا ، إنما يكفيك أن تحثي على رأسك الماء )

فمن خلال هذا الأحاديث اختلف العلماء في هذه المسألة ، ولكن الصواب كما أسلفنا أن يصل الماء إلى أصول الشعر سواء نقضته أم لم تنقضه .

ومن الفوائد :

أن الدلك غير واجب في الغسل ، لأن الإفاضة المذكورة هنا تدل على الإسالة ، وليس فيها دلك ، فما ذهبت إليه المالكية من أن الدلك شرط من شروط صحة الوضوء أو شرط من شروط صحة الغسل لا دليل عليه .

والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم عليى نبينا محمد .