تعليقات على ( سنن أبي داود ) ـ الدرس السابع والثلاثون من حديث 410- 411

تعليقات على ( سنن أبي داود ) ـ الدرس السابع والثلاثون من حديث 410- 411

مشاهدات: 489

تعليقات على ( سنن أبي داود ) ـ الدرس السابع والثلاثون

من حديث  410- 411

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله :

باب في وقت صلاة العصر

حديث رقم -410-

( صحيح ) حدثنا القعنبي عن مالك عن زيد بن أسلم عن القعقاع بن حكيم عن أبي يونس مولى عائشة رضي الله عنها أنه قال : أمرتني عائشة أن اكتب لها مصحفا ، وقالت إذا بلغت هذه الآية فآذني {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى }البقرة238 ، فلما بلغتها آذنتها فأملت علي حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين ثم قالت عائشة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم )

ومن الفوائد :

هذا الحديث وهو حديث عائشة رضي الله عنها من أنها كتبت في المصحف ( {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى } وصلاة العصر ) يقتضي أن الصلاة الوسطى المذكورة هنا في هذه الآية ليست صلاة العصر ، لأنها نصت على ذكر صلاة العصر ، ومعلوم أن الصلاة الوسطى لو كانت صلاة العصر ما قالت ( وصلاة العصر )

وهذا يخالف ما جاء في الحديث السابق وهو حديث صحيح صريح ( حبسونا عن صلاة الوسطى صلاة العصر ) لو قالت عائشة رضي الله عنها ( {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى } صلاة العصر ) لكان قولها هذا تبيينا من أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر ، لكنها أتت بالواو ، والواو في اللغة تقتضي المغايرة ، فدل على أن الصلاة الوسطى غير صلاة العصر ، فكيف يجاب عن هذا الأثر منها رضي الله عنها ؟

قال بعض العلماء : إن الواو هنا زائدة ، ومن ثم فيستقيم ما جاء هنا وما صرح به النبي صلى الله عليه وسلم من أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر .

وقال بعض العلماء : إن الواو هنا تفسيرية ، لأن من بين معاني الواو التفسير  ، ففسرت أن الصلاة الوسطى صلاة العصر .

وقال بعض العلماء : إن عائشة رضي الله عنها لما رأت تأكيد النبي صلى الله عليه وسلم على صلاة العصر ظنت أنها قرآن ، فذكرت صلاة العصر ، وإلا فهي في الأصل ليست قرآنا .

وقال بعض العلماء : إن هذا الحديث شاذ ، ومكمن شذوذه أن القرآن لا يثبت بالآحاد ، وإنما يثبت بالتواتر .

والمتواتر : ما رواه جماعة عن جماعة يستحيل في العادة أن يتواطئوا على الكذب على أمر محسوس .

وهنا روت رضي الله عنها أن هذا قرآن ، والذاكر لهذه الجملة من أنها قرآن هي وحدها رضي الله عنها ، إذاً ليس بمتواتر ، فدل على شذوذ ما ذكرته رضي الله عنه .

وقال بعض العلماء : يمكن أن تكون قرآنا لكنها نسخت حكما ورسما ، فظنت عائشة رضي الله عنها أنها ما نسخت فذكرتها .

فخلاصة القول ما ذكر من أقوال ، فلا يكون هذا الحديث حجة على أن الصلاة الوسطى ليست بصلاة العصر ، لأن عندنا حديثا صحيحا صريحا من الرسول عليه الصلاة والسلام .

فإن قلنا إنه شاذ    فلا إشكال في ذلك ، وإن قلنا إن ليس بشاذ وإنما هو ثابت فأقرب ما يكون إما أن تكون الواو زائدة أو تفسيرية .

ومن الفوائد :

أن تتمة الآية { وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ }

قال بعض العلماء : مطيعين .

وقال بعض العلماء : ساكتين عن الكلام إلا ما أباحه الشرع في الصلاة ، ولذلك نزلت الآية لما كان الصحابة رضي الله عنهم في أول الأمر يكلم بعضهم بعضا في الصلاة فنزلت هذه الآية { وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ } فقال ( أمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام ) وليس مطلق السكوت ، لأن السكوت في الصلاة إن كان لعذر فلا إشكال فيه ، وإن كان بغير عذر وطال ، فإن العلماء يبطلون الصلاة ، فليس في الصلاة سكوت .

حديث رقم -411-

( صحيح ) حدثنا محمد بن المثنى حدثني محمد بن جعفر ثنا شعبة حدثني عمرو بن أبي حكيم قال سمعت الزبرقان يحدث عن عروة بن الزبير عن زيد بن ثابت قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة ولم يكن يصلي صلاة أشد على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منها ، فنزلت {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى البقرة 238 ، وقال إن قبلها صلاتين وبعدها صلاتين )

من الفوائد :

أن ظاهر هذا الحديث يدل على أن الصلاة الوسطى هي صلاة الظهر ، وقد ذكرت فيما مضى أن الصلاة الوسطى اختلف العلماء في تعيينها ، فمنهم من قال إنها صلاة الصبح ، وهو قول قوي ، لأنها في الوسط ، وقبلها صلاتان ليلية وبعدها صلاتان نهارية ، فاستحقت بهذا الوصف أن تكون الصلاة الوسطى .

وبعضهم قال إنها صلاة الظهر ، ودليلهم هذا الحديث ، وبعضهم قال إنها صلاة العصر ، ودليلهم ما سبق ( حبسونا عن صلاة الوسطى صلاة العصر ) .

ومنهم من قال إنها صلاة المغرب ، ولا دليل واضح على ما ذكروه .

ومنهم من قال إنها صلاة العشاء ، ومنهم من قال إنها صلاة الضحى ، ومنهم من قال إنها صلاة الأوابين ، ومنهم من قال إنها صلاة التهجد ، ومنهم من قال إنها صلاة الجنازة ، ومنهم من قال إنها صلاة العيد ، ومنهم من قال إنها صلاة الجمعة ، ولا أدلة واضحة على ما ذكروه ، ومنهم من قال إن الله عز وجل أخفاها كما أخفى ساعة الإجابة  في يوم الجمعة ، وكما أخفى ليلة القدر من أجل أن يحرص الناس على الاعتناء بجميع الصلوات ، وإن كان في هذا تأكيد للمسلم على الاهتمام بجميع الصلوات إلا أن الدليل الذي مر معنا ينقض هذا القول وهو قوله عليه الصلاة والسلام ( حبسونا عن صلاة الوسطى صلاة العصر ) .

أما من قال بأنها صلاة الظهر ، فاستدلوا بهذا الحديث لأن نزول الآية لما اشتد على الصحابة رضي الله عنهم صلاة الظهر بالهاجرة ، وقال بعدها – وهو محل الشاهد – قال ( إن قبلها صلاتين وبعدها صلاتين ) فقوله ( إن قبلها صلاتين ) أي ليلية ونهارية ( وبعدها صلاتين ) أي ليلية ونهارية ، وهذا لا يصدق إلا على صلاة الظهر ، لأن قبلها صلاة نهارية وليلية الفجر والعشاء ، وبعدها صلاة نهارية وليلية وهي صلاة العصر والمغرب ، فاستحقت أن تكون بهذا التعيين أن تكون هي الصلاة الوسطى ، وهذا مبناه على أن قوله ( إن قبلها صلاتين وبعدها صلاتين ) هي من قول النبي صلى الله عليه وسلم ، والصواب أنه ليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما هو من قول زيد بن ثابت رضي الله عنه ، كما جاء مصرحا في رواية أخرى ، فيكون هذا القول منسوبا إلى زيد بن ثابت ، وقول زيد بن ثابت رضي الله عنه لا يعارض ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم .

<