تعليقات على سنن أبي داود ـ الدرس العاشر من حديث 239- 257

تعليقات على سنن أبي داود ـ الدرس العاشر من حديث 239- 257

مشاهدات: 482

تعليقات على سنن أبي داود ـ الدرس العاشر

من حديث 239- 257

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله

بابٌ في الغسل من الجنابة

حديث رقم -239-

( صحيح ) حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ثنا زهير ثنا أبو إسحاق أخبرني سليمان بن صرد عن جبير بن مطعم : ( أنهم ذكروا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الغسل من الجنابة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما أنا فأفيض على رأسي ثلاثا وأشار بيديه كلتيهما )

من الفوائد :

أن يفرغ الإنسان بكلتا يديه على رأسه ، وذكرت هنا الإفاضة وهي الإسالة ، ولكن تأتي أحاديث أخرى تبين أن النبي صلى الله عليه وسلم ( كان يخلل أصول شعره حتى إذا ظن أنه أروى بشرته أفاض الماء على بدنه )

حديث رقم -240-

( صحيح ) حدثنا محمد بن المثنى ثنا أبو عاصم عن حنظلة عن القاسم عن عائشة قالت :  ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة دعا بشيء نحو الحلاب فأخذ بكفه فبدأ بشق رأسه الأيمن ثم الأيسر ثم أخذ بكفيه فقال بهما على رأسه )

من الفوائد :

أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت أحواله تتنوع في الغسل من حيث قدر الماء إما بزيادة وإما بنقصان ، فكما أخبرت عائشة رضي الله عنها من أنها ( اغتسلت هي ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء يقال له الفرق ) هنا من إناء ( نحو الحلاب ) يقال إنه إناء شبر في شبر من حيث السعة .

ومن الفوائد :

أن الرأس يغسل ثلاث مرات على حسب ما رآه بعض العلماء ، فيسن تكرار غسل الرأس ثلاث مرات .

وقاسوا بقية أعضاء البدن عليه ، فقالوا إذاً يسحب التثليث في الغسل ، كما أنه مستحب في الوضوء ، بل إنه أولى من الوضوء في التثليث ، لأن الغسل يراد منه المبالغة في استيعاب الماء للبدن ، فهو أحق بذلك .

ولكن الصواب/ أن التثليث في الغسل لا يسن ، لا في رأس ولا في بدن ، لأن فعل النبي صلى الله عليه وسلم هنا لا يدل على تكرار تعميم غسل الرأس بالماء ثلاث مرات ، وإنما عممه مرة واحدة بأكفٍ ثلاثة ، بدأ بشقه الأيمن من رأسه ثم الأيسر ثم وسط رأسه ، فحصل من ذلك أن الغرفات تعددت بينما الغسل مرة واحدة .

ومن الفوائد:

أن التيامن في الغسل مستحب ، فقد بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بشقه الأيمن ثم الأيسر ثم على وسط رأسه .

ومن الفوائد:

أن ( الشق ) قد يكون معناه النصف ، ويمكن أن يكون معناه القطعة من الشيء كما هنا ، فليس المقصود نصف الرأس .

ومن الفوائد:

أن القول يطلق على الفعل ، وهذا أسلوب من أساليب اللغة ( فقال بهما على رأسه ) .

حديث رقم -241-

( ضعيف جدا ) حدثنا يعقوب بن إبراهيم ثنا عبد الرحمن يعني بن مهدي عن زائدة بن قدامة عن صدقة ثنا جميع بن عمير أحد بني تيم الله بن ثعلبة قال : دخلت مع أمي وخالتي على عائشة فسألتها إحداهما كيف كنتم تصنعون عند الغسل ؟ فقالت عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وضوءه للصلاة ، ثم يفيض على رأسه ثلاث مرات ونحن نفيض على رؤوسنا خمسا من أجل الضفر )

من الفوائد :هذا الحديث ضعيف ، ولو صح فإن المرأة مأمورة بالمبالغة في رأسها أكثر من الرجل إذ كن يحثين على رؤوسهم خمس مرار ، لو صح هذا الحديث ، لكنه حديث ضعيف ، ولو صح لكان دليلا لمن يقول بأن المرأة في غسل الجنابة والحيض يجب عليها أن تنقض ضفائرها ، لأنها عللت هنا قالت ( من أجل الضفر ) والمقصود من ( الضفر ) الضفائر ، وهو أن يجمع الرأس ويلوى حتى تكون ضفائر .

حديث رقم -242-

( صحيح ) حدثنا سليمان بن حرب الواشحي ومسدد قالا ثنا حماد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة قال سليمان يبدأ فيفرغ من يمينه على شماله – وقال مسدد غسل يديه -يصب الإناء على يده اليمنى – ثم اتفقا-  فيغسل فرجه – قال مسدد – يفرغ على شماله وربما كنت عن الفرج ثم يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يدخل يديه في الإناء فيخلل شعره حتى إذا رأى أنه قد أصاب البشرة أو أنقى البشرة أفرغ على رأسه ثلاثا فإذا فضل فضلة صبها عليه .

من الفوائد :

أن السنة في الغسل أن يبدأ بغسل كفيه ثم يغسل فرجه ثم يتوضأ ، ومن ثم فإن غسل الفرج أصبح فاصلا بين غسل الكفين اللذين هما من الوضوء وبين بقية أعضاء الوضوء .

ومن الفوائد:

أن الفرج يطلق على القبل وعلى الدبر ، ومن ثمّ فإن من وجب عليه غسل يجب عليه أن يغسل دبره لدخول ذلك في مسمى الفرج .

ومن الفوائد:

وجوب تخليل شعر الرأس بالماء حتى يبلغ الإنسان مبلغ غلبة الظن ، لأن اليقين قد يتعذر ، ومن ثم فإن بعض العلماء أخذ من هذا الحديث ومن غيره أن الواجب على الجنب سواء كان رجلا أم امرأة الواجب عليه أن يخلل رأسه ولا يكتفِ بصب الماء لفعل النبي صلى الله عليه وسلم .

بينما آخرون : يرون أن المرأة تختلف عن هذا ، والجمهور يرون أنه متى ما وصل الماء إلى أصول الشعر فإنه لا يلزم نقض الشعر إن كان ملفوفا سواء كان للرجل أم للمرأة ، فإن لم يصل الماء إلى أصول البشرة كما يراه الجمهور فيجب النقض .

ومن الفوائد:

أن على المسلم أن يربي نفسه بإتباع النبي صلى الله عليه  وسلم فيما يقول وفيما يفعل ، ومن هنا نعرف أن من يبالغ في الغسل مبالغة توصله إلى الوسوسة قد خالف طريقة النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو أكثر الناس شعرا ومع ذلك ما كان يشدد على نفسه بل كان يخلل فإذا ظن أنه أروى بشرته اكتفى بذلك .

حديث رقم -243-

( صحيح ) حدثنا عمرو بن علي الباهلي ثنا محمد بن أبي عدي حدثني سعيد عن أبي معشر عن النخعي عن الأسود عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يغتسل من الجنابة بدأ بكفيه فغسلهما ثم غسل مرافغه وأفاض عليه الماء فإذا أنقاهما أهوى بهما إلى حائط ثم يستقبل الوضوء ويفيض الماء على رأسه )

من الفوائد:

استحباب تقديم غسل الكفين في الغسل قبل غسل الفرج .

ومن الفوائد:

حرص النبي صلى الله عليه وسلم على التنظف ، لكن كما أسلفنا من غير أن يصل بالإنسان إلى حد الوسوسة ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما غسل كفيه ضرب بهما على الحائط زيادة في التنظيف ، ومن ثم أخذ بعض العلماء أن المستحب في حق المسلم إذا أزال الأذى عنه وخرج من الخلاء أن يضرب بيده الحائط لإزالة الرائحة ، أو ما يغني عنه كما في هذا العصر من المنظفات .

ومن الفوائد:

أن على المسلم أن يتعاهد ( المرافغ )

المرافغ : قال بعض العلماء إنه الفرج .

وقال البعض : ما انطوى من البدن مثل الآباط ، مثل ما هو خلف الركبة ، مثل السرة ، مصل غضاريف الأذنين ، ولعل هذا الرأي الأخير أشمل وإن كان المعنى الأول له وجه ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( إذا التقى الرفغان فقد وجب الغسل ) فهنا جمعت عائشة رضي الله عنها فقالت ( غسل مرافغه ) فدل على الأكثرية ، فيجب على المسلم أن يتعاهد هذه المواطن في الغسل ، لكن كما قلت لا يصل بالإنسان إلى حد الوسوسة ، ولذلك ذكر فقهاء الحنابلة أنه يتعاهد إبطيه وغضاريف أذنيه ، وإذا قيل ما الدليل ؟ فقل هذا الدليل كما عند أبي داود .

حديث رقم -244-

( ضعيف ) حدثنا الحسن بن شوكر ثنا هشيم عن عروة الهمداني ثنا الشعبي قال قالت عائشة رضي الله عنها : لئن شئتم لأرينكم أثر يد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحائط حيث كان يغتسل من الجنابة )

من الفوائد:

هذا الحديث يضعفه الألباني رحمه الله ، ويرى آخرون ثبوته ،فإن كان ثابتا فإن ( حيث ) هنا تحتمل الزمان وتحتمل المكان ، فإن احتملت الزمان فقد بينت رضي الله عنها متى كان النبي صلى الله عليه وسلم في ثنايا الغسل يضرب بيده على الحائط ، وإن كان للمكان فإنها بينت لمن حضر أثر يد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحائط ، لكن وإن كان هذا الحديث ضعيفا فإن الأحاديث السابقة بينت أن السنة أن الإنسان يتنظف بعدما يزيل الأذى في ثنايا غسله بتراب أو بمطهر كالصابون وما شابه ذلك .

حديث رقم -245-

( حدثنا مسدد بن مسرهد ثنا عبد الله بن داود عن الأعمش عن سالم عن كريب ثنا بن عباس عن خالته ميمونة قالت : وضعت للنبي صلى الله عليه وسلم غسلا يغتسل به من الجنابة فأكفأ الإناء على يده اليمنى فغسلها مرتين أو ثلاثا ، ثم صب على فرجه فغسل فرجه بشماله ، ثم ضرب بيده الأرض فغسلها ، ثم تمضمض واستنشق وغسل وجهه ويديه ، ثم صب على رأسه وجسده ، ثم تنحى ناحية فغسل رجليه ، فناولته المنديل فلم يأخذه وجعل ينفض الماء عن جسده )

فذكرت ذلك لإبراهيم ، فقال كانوا لا يرون بالمنديل بأسا ولكن كانوا يكرهون العادة )

قال أبو داود : قال مسدد فقلت لعبد الله بن داود كانوا يكرهونه للعادة فقال هكذا هو ولكن وجدته في كتابي هكذا.

من الفوائد:

بيان موضع ضرب اليد على الحائط ، متى ؟ بعد غسل الفرج .

ومن الفوائد:

أن الماء يجوز من حيث اللغة وهو أسلوب عربي يجوز أن يطلق عليه الغَسل ، بناء على أنه سبب في إزالة الجنابة .

ومن الفوائد:

ما ذهب إليه بعض العلماء من استحباب تأخير غسل القدمين إلى ما بعد الغسل ، فترك هنا غسل القدمين إلى ما بعد الغسل .

ومن الفوائد:

أن نفض اليدين جائز ، وما جاء من أحاديث ( تهنى عن نفض الأيدي ) فهذا الحديث يردها ويضعفها .

ومن الفوائد:

أن بعض العلماء استحب التنشيف ، وموضع الدلالة من هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم ما أنكر عليها ، فدل على أن عادته أو أن غالب عادته أنه يؤتى إليه بالمنديل ،

فما أتت به إلا لأنها اعتادت على الإتيان به .

بينما يرى بعض العلماء : أن التنشيف لا يستحب ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم  ( جعل ينفض الماء ) وهذا يدل على عدم رغبته في هذا الفعل .

لكن من يقول بالاستحباب يقول إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأخذه إلا لعلة في المنديل ، قد يكون فيه وسخ ، أو لأنه عليه الصلاة والسلام كان مستعجلا ، فقد يكون هناك عذر منعه من التنشيف بالمنديل .

ولعل الأقرب ما ذهب إليه الحنابلة في المشهور عنهم أنه مباح ، من غير أن يرتقي للاستحباب ومن غير أن يقال إنه مكروه .

ومن الفوائد:

أن هناك رواية جاءت بلفظ ( فلم يُرِده ) بعضهم أخطأ فقال ( فلم يَرُدَّه ) فإذا أثبتنا أنه لم يَرُده دل على أنه تنشف ، ولكن هذا الضبط ترده هذه الرواية ( فجعل ينفض الماء )

ومن الفوائد:

الرد على من زعم أن الماء المستعمل في أعضاء الوضوء أو في أعضاء الغسل أنه نجس ، لو كان نجسا لما فعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا الفعل .

حديث رقم -246-

( ضعيف ) حدثنا حسين بن عيسى الخرساني ثنا بن أبي فديك عن بن أبي ذئب عن شعبة قال : أن بن عباس كان إذا اغتسل من الجنابة يفرغ بيده اليمنى على يده اليسرى سبع مرار ثم يغسل فرجه ، فنسي مرة كم أفرغ فسألني كم أفرغت ؟ فقلت لا أدري ، فقال لا أم لك وما يمنعك أن تدري ، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يفيض على جلده الماء ، ثم يقول هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتطهر )

 

من الفوائد:

هذا الحديث ضعيف ، ولو صح فإنه محمول على ما كان في أول الأمر ، فإن الجنابة كانت سبع مرات  ، وغسل النجاسة سبع مرات ، فخفف كما أن الصلاة كانت خمسين صلاة فخففت ، لكن هذا الحديث ضعيف ، ولو صح لكانت فيه فائدة وهي أن العالم قد يغلظ القول على الطالب فيما إذا غفل عن الاستماع أو الانتباه إلى شيء ينبغي أن يهتم به ، لاسيما أنه أتى من طريق الفعل ، لم يأت من طريق القول – كلا – بل طبَّق ، ولذلك قال ( لا أم لك ) يعني ما فائدتك إذا لم تستحضر ما فعله إذ طبقت أمامك ما كان يصنعه النبي صلى الله عليه وسلم .

حديث رقم -247-

( ضعيف ) حدثنا قتيبة بن سعيد ثنا أيوب بن جابر عن عبد الله بن عصم عن عبد الله بن عمر قال : كانت الصلاة خمسين والغسل من الجنابة سبع مرار وغسل البول من الثوب سبع مرار فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل حتى جعلت الصلاة خمسا والغسل من الجنابة مرة وغسل البول من الثوب مرة )

من الفوائد:

هذا الحديث كما سلف ضعيف ، والثابت في الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم ما سأل ربه ليلة المعراج التخفيف إلا في الصلاة، ولذلك أخذ بعض فقهاء الحنابلة من هذا الحديث بعض الأحكام كوجوب غسل النجاسة سبع مرار ، لكن كما قلنا إن هذا الحديث لا يصح .

حديث رقم -248-

( ضعيف ) حدثنا نصر بن علي حدثني الحرث بن وجيه ثنا مالك بن دينار عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن تحت كل شعرة جنابة فاغسلوا الشعر وأنقوا البشر )

قال أبو داود : الحرث بن وجيه حديثه منكر وهو ضعيف .

من الفوائد:

هذا الحديث حسنه بعض العلماء ، فعلى افتراض تحسينه يستفاد منه :

أنه يجب أن يخلل شعر الرأس ، ومن ثم فإنه إذا لم يصل الماء إلى أصول الشعر فيجب نقض الشعر إن كان ضفائر من المرأة أو من الرجل .

ومن الفوائد:

أن المضمضة والاستنشاق واجبتان في الغسل لأنهما داخلان ضمن البشرة ، بل إن الاستنشاق داخل ضمن الشعر ، لأن في الأنف شعرا ، وهذا يرد قول من يقول بأن المضمضة والاستنشاق في الغسل سنة ، كما قالوا في الوضوء .

والصواب / أنه يجب على من اغتسل غسل الجنابة أن يتمضمض وأن يستنشق ، ليس من هذا الحديث فحسب ، بل من حديث أبي ذر رضي الله عنه ، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم ( الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته )

موضع الشاهد ( وليمسه بشرته ) ومعلوم أن المضمضة والاستنشاق من البشرة الخارجية وليس من الداخل ، لو كانا من الداخل لبطل صيام الإنسان .

حديث رقم -249-

( ضعيف ) حدثنا موسى بن إسماعيل ثنا حماد أخبرنا عطاء بن السائب عن زاذان عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من ترك موضع شعرة من جنابة لم يغسلها فعل به كذا وكذا من النار قال علي فمن ثم عاديت رأسي فمن ثم عاديت رأسي ثلاثا وكان يجز شعره )

من الفوائد:

أن هذا الحديث لو صح لكان فيه دلالة على أن حلق الشعر بالاستمرار جائز ، وأن تربية الشعر ليس بسنة ، وهذا هو الصحيح أنه ليس بسنة ، إلا إذا كانت عادة أهل البلد يتخذونه ، بناء على موافقة أهل البلد ، إذ لو كان سنة لما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حق شعر الصبي الذي حلِق بعضه وترك بعضه ( احلقوه كله أو اتركوه كله ) لو كان سنة لقال ” اتركوه كله “

باب في الوضوء بعد الغسل

حديث رقم -250-

( صحيح ) حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ثنا زهير ثنا أبو إسحاق عن الأسود عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل ويصلي الركعتين وصلاة الغداة ولا أراه يحدث وضوءا بعد الغسل )

من الفوائد:

أن الوضوء بعد الغسل ليس بمستحب ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم في غسله كان يتوضأ فلا داعي أن يتوضأ مرة أخرى ، هذا إذا اغتسل الإنسان كغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لكن لو أنه اغتسل غسلا مجزئا تمضمض واستنشق وغسل جميع بدنه هل الأفضل في حقه أن يتوضأ أم لا ؟

من يقول بأن غسل البدن مع المضمضة والاستنشاق هو غسل مجزئ ويكتفى به عن الوضوء فلا داعي إلى الوضوء ، لكن من يقول إن الغسل المجزئ لا يجزئ بل لابد أن يتوضأ فعليه أن يتوضأ بعد الغسل .

والصواب / أن الغسل المجزئ كافٍ عن الوضوء لقوله تعالى { وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ }المائدة6، فأطلق ،وسيأتي معنا إن شاء الله تعالى أحاديث تبين أن الغسل المجزئ كافٍ عن الوضوء .

بابٌ في المرأة هل تنقض شعرها عند الغسل

حديث رقم -251-

( حدثنا زهير بن حرب وبن السرح قالا ثنا سفيان بن عيينة عن أيوب بن موسى عن سعيد بن أبي سعيد عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة عن أم سلمة أن امرأة من المسلمين – وقال زهير – إنها قالت : يا رسول الله إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه للجنابة ؟ قال إنما يكفيك أن تحفني عليه ثلاثا – وقال زهير – تحثي عليه ثلاث حثيات من ماء ثم تفيضي على سائر جسدك فإذا أنت قد طهرت )

من الفوائد:

أن هذه المرأة التي كنت بها أم سلمة هي نفسها أم سلمة ، لأنها قانت ( إني أشد ضفر رأسي )

ومن الفوائد:

قال بعض العلماء إن المرأة لا يجب عليها في غسل الجنابة أن تنقض شعر رأسها ، بل يكفي أن تحثي عليه الماء ثلاث حثيات ، وقدمنا فيما سبق أن الجمهور يرون وجوب وصول الماء إلى أصول الشعر ولا يلزم النقض إذا وصل ، لكن إن لم يصل يجب النقض في حق الرجال وفي حق النساء .

وبعض العلماء : يرى أنه لا يلزم النقض لا في غسل الجنابة ولا في غسل الحيض استدلالا بهذا الحديث .

وبعض العلماء قال يجب بكل حال وصل الماء أو لم يصل ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ( كان يخلل أصول شعره )

وبعض العلماء يقول : يجب في حق الرجال دون النساء ، لأن من عادته أن يشد ضفر رأسه هم النساء ، وهذا قليل في الرجال .

وقال بعض العلماء : لا يُنقض في غسل الجنابة وإنما في الحيض ، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل هذا السؤال جاءت رواية عن مسلم ( قالت أفأغسله لغسل الجنابة والحيضة ؟ قال لا )

فرأى بعض العلماء أن لفظة ( والحيضة ) شاذة ، لأنه ورد حديث عند مسلم لما ذكر غسل المرأة من الجنابة وغسل المرأة من الحيض ، قال عليه الصلاة والسلام في غسل الحيض ( فتصب على رأسها الماء حتى يبلغ شؤون رأسها وتدلكه دلكا شديدا ) بينما لما ذكر غسل الجنابة لم يذكر الدلك الشديد ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الذي استدلوا به قالوا إن النبي صلى الله عليه وسلم ( أمر الحائض أن تأخذ معها سدرها ) ومعلوم أن استعمال السدر يلزم منه نقض الرأس ، بينما لم يأمر بذلك في الجنابة ، ولأن الجنابة لو شدد فيها بالنسبة للمرأة فهي مستمرة قد تحصل في اليوم مرتين أو ثلاثا على حسب قوة جماع زوجها ، بينما الحيض في الشهر مرة ، فهذا يختلف ، فقالوا إنها شاذة .

لكن قال علماء آخرون : هي ثابتة ، فتبقى على ما هي عليه ويكون النقض سنة وليس بواجب .

على كل حال الناظر يرى أن الأقرب – والعلم عند الله – أن الماء يجب أن يصل إلى أصول الشعر ، لما ورد في أحاديث من بينهما ( اغمزي قرونك) فملخص الأحاديث أن المرأة متى ما وصل الماء إلى أصول شعرها فإنه لا يلزمها النقض لا في غسل الحيض ولا في غسل الجنابة ، لكن إن لم يصل فإن الظاهر والعلم عند الله أنه يلزمها أن تنقض شعرها .

ومن الفوائد:

أنه لا يلزم الدلك ، خلافا للمالكية الذين اشترطوا الدلك لأنه قال ( ثم تفيضي ) والإفاضة هي الإسالة ، فبمجرد الإسالة يكفي ولا يلزم الدلك .

ومن الفوائد:

أن كلمة ( سائر ) تدل على البقية ، أي على بقية الجسد ، ومن ثم فإن المسلم حينما يغتسل غسل النبي صلى الله عليه وسلم ففي ثنايا غسله الوضوء ، فهل إذا اغتسل هل يلزمه أن يعود مرة أخرى ويغسل أعضاء الوضوء في الغسل وكان قد غسلها في الوضوء أم لا ؟

قولان ، ويأتي إن شاء الله ما يدل على الراجح .

فقوله هنا ( سائر ) يدل على أن أعضاء الوضوء التي غُسلت لا يلزم أن تغسلها في الغسل .

حديث رقم -252-

( حسن ) حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح حدثنا بن نافع يعني الصائغ عن أسامة عن المقبري عن أم سلمة : أن امرأة جاءت إلى أم سلمة – بهذا الحديث-  قالت فسألت لها النبي صلى الله عليه وسلم – بمعناه – قال فيه ( واغمزي قرونك عند كل حفنة )

من الفوائد:

أن سبب سؤال أم سلمة رضي الله عنها هو سؤال امرأة لها ، فذكرتها هذه المرأة بحالتها رضي الله عنها فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ومن الفوائد:

أن أمره عليه الصلاة والسلام لها بغمز قرونها يدل دلالة واضحة على أن الواجب على المرأة في غسل الجنابة وفي غسل الحيضة أن توصل الماء إلى أصول شعرها .

حديث رقم -253-

( صحيح ) حدثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا يحيى بن أبي بكير ثنا إبراهيم بن نافع عن الحسن بن مسلم عن صفية بنت شيبة عن عائشة قالت : كانت إحدانا إذا أصابتها جنابة أخذت ثلاث حفنات هكذا تعني بكفيها جميعا فتصب على رأسها وأخذت بيد واحدة فصبتها على هذا الشق والأخرى على الشق الآخر )

من الفوائد:

أن السنة في الغسل هي التيامن ، في غسل الرأس و في غسل البدن ، أما غسل الرأس فقد مر معنا ، وأما في غسل البدن فإنه بعدما يغسل الرأس يبدأ الغاسل للجنابة بشقه الأيمن ثم بشقه الأيسر .

 

 

ومن الفوائد:

بيان قلة الماء المستعمل من الصحابة رضي الله عنهم في غسل الجنابة  ، هذا يدل على أنهم ما كانوا يزيدون في الماء زيادة بالغة كحالنا ، فيا ترى ماذا يقول الموسوس لو سمع ما روته عائشة رضي الله عنها ؟!

حديث رقم -254-

( صحيح ) حدثنا نصر بن علي ثنا عبد الله بن داود عن عمر بن سويد عن عائشة بنت طلحة عن عائشة رضي الله عنها قالت : كنا نغتسل وعلينا الضماد ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محلات ومحرمات )

من الفوائد:

أن الماء متى ما وصل إلى شعر الرأس فإن هذا هو الواجب ، لأن ( الضماد ) خرقة يشد بها على الرأس ، فكن يغتسل وهذا الضماد على رؤوسهن .

ومن الفوائد:

أن تغطية المرأة المحرمة لرأسها ليس من محظورات الإحرام ، فليست كالرجل ، لأنها قالت ( ونحن محلات ومحرمات ) .

 

 

ومن الفوائد:

أن الغسل للمحرم جائز .

حديث رقم -255-

( صحيح ) حدثنا محمد بن عوف قال قرأت في أصل إسماعيل بن عياش قال بن عوف وثنا محمد بن إسماعيل عن أبيه حدثني ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد قال أفتاني جبير بن نفير عن الغسل من الجنابة أن ثوبان حدثهم أنهم استفتوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال : أما الرجل فلينشر رأسه فليغسله حتى يبلغ أصول الشعر ، وأما المرأة فلا عليها أن لا تنقضه لتغرف على رأسها ثلاث غرفات بكفيها )

من الفوائد:

ما ذهب إليه بعض العلماء : من أن الرجل يختلف عن المرأة في قضية نقض الرأس ، والمسألة مرت من أن المرأة ميسر لها في نقض شعرها شريطة أن يصل الماء إلى أصول شعرها ، ولذلك أنكرت عائشة رضي الله عنها على ابن عمر رضي الله عنهما لما كان يأمر المرأة في الغسل أن تنقض شعر رأسها ، فقالت رضي الله عنها ( أفلا يأمرهن أن يحلقن رؤوسهن ؟ )

باب في الجنب يغسل رأسه بالخطمي أيجزئه ذلك ؟

حديث رقم -256-

( ضعيف ) حدثنا محمد بن جعفر بن زياد ثنا شريك عن قيس بن وهب عن رجل من بني سواءة بن عامر عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه كان يغسل رأسه بالخطمي وهو جنب يجتزئ بذلك ، ولا يصب عليه الماء )

من الفوائد:

لو صح هذا الحديث فإن ( الخطمي ) هو نبت يغسل به الرأس زيادة في التنظيف  ، ومن ثم فإنه لو وضع هذا الخطمي على رأسه ثم صب عليه الماء سيختلط هذا الماء بهذا الخطمي ، فهل يلزمه بعد هذه الغسلة أن يغسله مرة أخرى للغسل أم أنها كافية ؟

الحديث يدل على أنها كافية ، وليس معنى الحديث أنه يأخذ حفنة من ماء ويضع فيها الخطمي ثم يغسله ، فهذا لا يجزئ ، وإنما المقصود أنه وضع الخطمي ثم صب عليه الماء ، لما تساقط هذا الخطمي أيلزمه أن يغسل مرة أخرى بناء على أن هذا الماء قد مسه الخطمي أم لا ؟

الجواب / لا يلزمه .

مع أن بعض العلماء قال : لعله مختلط لكن كان هذا الخطمي قليلا لا يؤثر في الماء .

وقال بعض العلماء : لعل النبي صلى الله عليه وسلم غسل رأسه قبل أن يضع هذا الخطمي ، تأويلات ، لكن الحديث ضعيف .

بابٌ فيما يفيض بين الرجل والمرأة من الماء

حديث رقم -257-

( ضعيف ) حدثنا محمد بن رافع ثنا يحيى بن آدم ثنا شريك عن قيس بن وهب عن رجل من بني سواءة بن عامر عن عائشة فيما يفيض بين الرجل والمرأة من الماء قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ كفا من ماء يصب علي الماء ثم يأخذ كفا من ماء ثم يصبه عليه )

من الفوائد :

هذا الحديث ضعيف ولو صح فإن معناه :

أن ما ينزل أثناء الجماع من السوائل من الرجل أو المرأة مما يصيب البدن أنه يصب عليه الماء قبل أن يغتسلا غسل الجنابة ، لأنه لو غسل غسل الجنابة وفيه هذا الأذى تفرق على البدن ، فيغسل قبل أن يغتسل من الجنابة حتى لا ينتشر .

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد .