بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد :
فقد قال المصنف رحمه الله :
باب فضل العلماء والحث على طلب العلم
حديث رقم – 222-
( موضوع ) حدثنا هشام بن عمار حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا روح بن جناح أبو سعد عن مجاهد عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد )
من الفوائد :
هذا الحديث حكم عليه الألباني رحمه الله بأنه حديث موضوع ، الموضوع : هو الحديث المختلق على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بينما آخرون لا يرون أنه يصل إلى رتبة الوضع ، فيكون في مرتبة الضعيف جدا ، وعلى ما ذهبوا إليه فإن معناه أن العابد ضرره على الشيطان أقل من ضرر العالم على الشيطان ، لكون العابد يحرص على أن يأتي بالعبادة على الوجه الأكمل ، لكن قد يعرض عليه الشيطان بعض الشبه فلا يستطيع ردها ، بينما العالم يختلف .
حديث رقم – 223-
( صحيح ) حدثنا نصر بن علي الجهضمي حدثنا عبد الله بن داود عن عاصم بن رجاء بن حيوة عن داود بن جميل عن كثير بن قيس قال كنت جالسا عند أبي الدرداء في مسجد دمشق فأتاه رجل فقال يا أبا الدرداء أتيتك من المدينة مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم لحديث بلغني أنك تحدث به عن النبي صلى الله عليه وسلم قال فما جاء بك تجارة قال لا قال ولا جاء بك غيره قال لا قال فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم وإن طالب العلم يستغفر له من في السماء والأرض حتى الحيتان في الماء وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب إن العلماء هم ورثة الأنبياء إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر )
من الفوائد :
أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يذكروا طلاب العلم الذين يأتون إليهم ليأخذوا العلم كانوا يذكرونهم بتصحيح النية، ولذلك قال ( فما جاء بك تجارة ؟ قال لا ، قال ولا جاء بك غيره ؟ قال لا ) فهذا يدل على أن على العلماء عليهم أن يحرصوا تمام الحرص على تذكير طلاب العلم بأهمية تحقيق النية في هذا العلم حتى يظفروا بهذا الثواب المذكور في هذا الحديث .
ومن الفوائد :
أن من سلك سبيل العلم فإن الله سبحانه وتعالى يسهل له طريقا إلى الجنة إما بكونه يوفق إلى الأعمال الصالحة التي توصله إلى الجنة ، ولا شك أن هذا أمر ظاهر ، فإن الناس يدعون له ويستنون بكلامه ، إضافة إلى ما ذكر أن من في السماء ومن في الأرض يستغفر له .
وإما لكون طالب العلم يسهل له يوم القيامة الوصول إلى الجنة من غير تعب ولا مشقة ، جزاء لحسن صنيعه .
ومن الفوائد :
بيان فضل طلاب العلم إذ يصلون إلى مرتبة تضع الملائكة أجنحتها رضا بما يصنعون ، فوضع أجنحة الملائكة إما لأنها تضعها حقيقة بحيث تكون وطاءً يسير عليه ، وإذا كانت الملائكة بصحبته فإنه بإذن الله تعالى لا يقع في الشر .
وإما من باب التواضع له ، فإن الملائكة يتواضعون لطالب العلم .
وإما لأنهم يحرصون على ألا يذهبوا من هذا المكان الذي فيه طلب العلم ، لأنهم كانوا يحبون حلقات العلم والذكر .
ومن الفوائد :
بيان فضل طلاب العلم بأنهم يكونون في قدر القمر في نظير سائر الكواكب ، فإن القمر أعظم من الكواكب ، لكن ينبغي لطلاب العلم ألا يغفلوا عن وصفهم بصورة القمر ، كيف ؟ يتذكرون أنهم يستمدون هذا العلم من النبي صلى الله عليه وسلم ، كما أن القمر يستمد نوره من الشمس ، لأن القمر ليس له نور في حقيقة الواقع ، فهم ما ظفروا بهذا الشيء إلا عن طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم فعليهم أن يقتدوا به فضلا وعملا .
ومن الفوائد :
فضل العلماء لأن من في السماء والأرض يستغفر لهم ، حتى الحيتان التي تكون في البحر فإنه لو لحقه ذنب فإن هؤلاء يستغفرون له لأنه غير معصوم ، ومن ثم نعلم أن العلماء ليسوا معصومين عن الخطأ .
وكذلك يتبين فضلهم بأنهم ورثة الأنبياء ، فإذا كنت وريثا للأنبياء فعليك أن تتخلق بأخلاقهم وأن تسير على نهجهم حتى تورث هذا العلم إلى من خلفك ، وهلم جرا ، ولذلك وقف عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث بوقفة قال ( فإن العلماء لم يورثوا دينار ولا درهما ) كأن هناك إشارة إلى أن الانغماس من طالب العلم في أمور الدنيا قد يخرجه عن هذا الطريق ، لا يعني أن يكون طالب العلم في معزل عن أمور دنياه – كلا – {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا }القصص77 ، ولكن ليتخفف، فهو ليس كغيره .
ومن الفوائد :
أن الأنبياء لا يورَثون فما تركوه لا يكون إرثا لورثتهم بدلالة هذا الحديث وبدلالة أحاديث أخرى .
حديث رقم – 224-
( صحيح دون ما بين المعقوفتين فهو ” ضعيف جدا ” ) حدثنا هشام بن عمار حدثنا حفص بن سليمان حدثنا كثير بن شنظير عن محمد ابن سيرين عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم طلب العلم فريضة على كل مسلم [ وواضع العلم عند غير أهله كمقلد الخنازير الجوهر واللؤلؤ والذهب ]
من الفوائد :
الألباني رحمه الله يرى أن ما بين المعقوفتين ضعيف [ وواضع العلم عند غير أهله كمقلد الخنازير الجوهر واللؤلؤ والذهب ]
وأما ما قبل هذه الجملة فإنه صحيح .
ومن الفوائد :
أن على المسلم أن يطلب العلم وأن العلم واجب عليه لقوله صلى الله عليه وسلم ( فريضة ) لكن ما هو هذا العلم ؟ لأننا نرى أناسا لم يطلبوا العلم أيقعون في الإثم ؟
الجواب : أن طلب العلم فريضة على كل مسلم فيما لا يعذر بجهله كالصلاة وأمور العقيدة ، وكذلك ما طرأ عليه كأن تطرأ عليه معاملة تجارية فيجب عليه أن يسأل عنها ، أو أن يقصد الحج أو العمرة فيجب عليه أن يتعلم أحكام الحج والعمرة ، وعلى هذا فقس .
ومن الفوائد :
أن هناك زيادة ذكرها بعض المصنفين – كما قال السخاوي رحمه الله في المقاصد الحسنة – قال وهي ليست من الحديث وإن كان معناها صحيحا ، وهي ( طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة ) فكلمة ( ومسلمة ) هذا من إدراج بعض الكتَّاب أو بعض المصنفين ، فليست من الحديث ولكن معناها صحيح ، فكما يجب على الرجل يجب على المرأة .
ومن الفوائد :
أن افتراض صحة ما بين المعقوفتين أن على العالم ألا يضع العلم عند غير أهله ممن يمتهنه ، وليس بمستعد للتعلم له ، فإنه إن فعل فحاله كحال من قلَّد الخنزير الذهب والجواهر ، فهل هذه الجواهر تظهر هذا الخنزير بمظهر حسن ، فكذلك هذا الذي هو غير مستعد لو أعطيته هذا العلم فإنه لا ينفعه ، فهذا العلم جوهرة ولا يصلح إلا لأصحاب القلوب النيرة التي هي بمثابة الجواهر .
حديث رقم – 225-
( صحيح ) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد قالا حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا حفتهم الملائكة ونزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وذكرهم الله فيمن عنده ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه )
من الفوائد :
بين فضل تنفيس الكُرب وهي الهموم التي تبلغ موقعا كبيرا من قلب أخيك المسلم ، فإن من نفَّس عن أخيه كربة من كرب الدنيا كان جزاؤه يوم القيامة جزاءً حسنا من جنس ما فعل ، إذ إن في يوم القيامة كربات ، فينفس الله سبحانه وتعالى عنه بمقدار ما فعل .
ومن الفوائد :
أن يوم القيامة تكون فيه كرب وأهوال فعلى المسلم أن يسلك الطرق التي تنجيه من هذه الكرب ، وتنفيسه عن أخيه المسلم لا يعني أن يكون بمال ، قد يكون برأي ، قد يكون بصحبته إلى مكان يحتاج فيه إليه لتزول عنه كربته ، فهذا شامل .
ومن الفوائد :
أن من ستر المسلم في الدنيا كان له هذا الجزاء ، إما أن يستره بأن يكون عاريا فيحتاج إلى لباس فيعطيه ما يستره .
أو أن يكون في حالة برد أو في حالة حر فيعطيه لباسا يستره من لهيب الحر أو من شدة البرودة .
أو أنه رآه على أمر ما ينبغي أن يُفعل فستره لكونه ليس معتادا على هذا الفعل ، لكن من كان معتادا على التجرؤ على المحرمات وهذا ديدنه فإن مثل هذا لا يستر عليه بل يبلغ عنه حتى يُكف شره .
ومن الفوائد :
أن من كان له على معسر الذي هو المدين ، من كان له عليه دين فأسقطه كله أو أسقط بعضه أو أنْظَره وأمهله ولو لم يسقط منه شيئا فإن الله سبحانه وتعالى ييسر عليه ما يتعسر ولاسيما في ذلك اليوم الرهيب .
ومن الفوائد :
أن ذكر جملة العلم في ثنايا ما ذكر من هذه الجمل يقصد منها – والعلم عند الله – يقصد منها أن طالب العلم قد يقع في بعض ما يشوش عليه حياته ، لأن الاعتكاف على طلب العلم ولاسيما في أول الأمر ، لأنه محل امتحان واختبار هل يصلح هذا الشخص لهذا العلم أو لا يصلح ، بسبب انعكافه على هذا العلم قد تتعثر عليه بعض الأمور في دنياه فليكن صابرا محتسبا ، ثم في المقابل من كان من أهل العلم مُوسعا عليه فعليه أن يكون أسرع الناس إلى تطبيق ما ذُكر .
ومن الفوائد :
أن بعض العلماء لم يحصر البيت المضاف إلى الله عز وجل لم يحصره في المساجد ، بل قال في كل مكان يذكر فيه اسم الله من المساجد والمدارس وحلق الذكر ، فإن هؤلاء إذا اجتمعوا يتدارسون كلام الله ، وهذا شامل قراءة وتدبرا وتعلما وتعليما وتحاكما وتحكيما فإنه يظفر بهذه الأشياء المذكورة ، ما هي هذه الأشياء المذكورة ؟
( إلا حفتهم الملائكة ) وهذا قد بُيِّن في الأحاديث الأخرى ( وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم )
( ونزلت عليهم السكينة ) والسكينة بمثابة النور والطمأنينة التي تكون في قلب الإنسان فيكون مستقرا ، وإذا اطمأن القلب انفتح لصحابه من الخير ما لا ينفتح لغيره ، ولذلك يصبح من أهل البصيرة فيما يتكلم به ، وكذلك تغشاهم رحمة الله ، ويذكرون في الملأ الأعلى ، وهم الملائكة المقربون .
ومن الفوائد :
أن هذه الجملة الأخيرة ( ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه ) أن النسب إذا أخر ابن آدم عن عمل الخير فإنه لا ينفعه ، وكذلك لو لم يؤخره نسبه ، قد ينشغل بشيء آخر عن العمل الصالح فإنه إذا ورد على الله فإن نسبه لا ينفعه {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ }المؤمنون101 ، ولعل إيراد هذه الجملة في آخر هذا الحديث يقصد منها – والعلم عند الله – أن العلم لا يمكن أن يوصف صاحبه به إلا إذا كان مجتهدا فيه ، فإن من انتسب إلى العلماء وهو ليس منهم فإنه سرعان ما ينفضح أمره ، وكذلك الناس يذهبون في هذه الدنيا إلى الأحساب ، فمن أراد الحسب والنسب الرفيع عند الله عز وجل وعند الناس فعليه بطلب العلم ، فإن العلم أرفع مقاما من صاحب النسب .
حديث رقم – 226-
( حسن صحيح ) حدثنا محمد بن يحيى حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش قال أتيت صفوان بن عسال المرادي فقال ما جاء بك ؟ قلت أنبط العلم قال فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من خارج خرج من بيته في طلب العلم إلا وضعت له الملائكة أجنحتها رضا بما يصنع )
من الفوائد :
أن الخارج لطلب العلم فإن الملائكة معه تحفه ، وتضع أجنحتها له ، سواء خرج من بيته إلى حلقة يقام فيها الدرس أو خرج مسافرا .
ومن الفوائد :
أن على طالب العلم أن يحرص على أن يستنبط العلم وأن يتبحر فيه ، ولذلك قال ( أنبط العلم ) والمقصود من ذلك أنه يستنبطه كما يستنبط الماء من قاع الأرض ، واستنباط واستخراج الماء من قاع الأرض ليس بالأمر الهين ، كذلك العلم .
حديث رقم – 227-
( صحيح ) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا حاتم بن إسمعيل عن حميد بن صخر عن المقبري عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من جاء مسجدي هذا لم يأته إلا لخير يتعلمه أو يعلمه فهو بمنزلة المجاهد في سبيل الله ومن جاء لغير ذلك فهو بمنزلة الرجل ينظر إلى متاع غيره )
من الفوائد :
أن الذهاب إلى المدينة النبوية لطلب علم يحصل لصاحبه هذا الفضل ، سواء كان من أهل المدينة أو لم يكن ، وهذا يخرج من ذهب إلى الصلاة ، فإن المقصود من هذا الحديث هو التعلم أو التعليم ، فمن ذهب ليعلم أو ليتعلم فيكون منزلة المجاهد في سبيل الله ، لم وصف بالمجاهد ؟
لأن العلم جهاد ، تتعب فيه النفوس ، وتتألم منه الظهور ، وتنفق في سبيله الأموال ،فهو ليس بالأمر الهين وإنما هو بمثابة الجهاد ، وهذا في أول الأمر فإذا ذاق الإنسان حلاوة العلم فتح الله عز وجل له خيرا وأصبح هذا العلم حلاوة يستلذ به كما يستلذ أصحاب الأموال بجمع أموالهم بل أعظم من ذلك ، ولذلك عذر الله عز وجل المتخلف عن الجهاد لطلب العلم حتى يعلم من أتى من المجاهدين {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ }التوبة122.
وهذا الحديث أضيف فيه المسجد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فهل يشمل جميع المساجد ؟
قال بعض العلماء محتمل ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما ذكر مسجده هنا إلا لأنه ذكر حال الواقع ، فإنه لما تحدث به لم يكن في ذلك الواقع إلا مسجده عليه الصلاة والسلام .
وفي هذا التعليل شيئ من الضعف لأن هناك مساجد أخرى ، مثل مسجد قباء ، على كل حال هذه فضيلة يختص بها المسجد النبوي ، ولكن فضل الله عز وجل واسع ، لعله أن يشمل كل المساجد ، ومن ثم فإن ما ينبغي علينا إذا ذهبنا إلى المسجد النبوي لزيارته أن ندخل ضمن ما ندخل في هذه النية أن ندخل حضور دروس العلماء المعقودة هناك .
ولعل تخصيص النبي صلى عليه وسلم لمسجده على القول بأنه خاص بمسجده لأن العلم انطلق من مسجده عليه الصلاة والسلام ثم انتشر ، ولذلك ما شاع العلم إلا من المدينة ، فيكون في ذلك امتداد لما كان في السابق ، وهذا شيء مشاهد ونشعر به حقيقة ، وأنا ممن أشعر به ، إذا ذهبت إلى المسجد النبوي وقرأت فيه شيئا من العلم أجد أني أستفيد فوائد جمة لا أستفيدها في أي مكان آخر ، وكم من كتاب أنهيته في المسجد النبوي لم أنهه في مسجد آخر في أيام قليلة ، بل شرحت كتاب التوحيد في يومين في المدينة
ومن الفوائد :
أن سوق العلم – لأن للعلم سوقا كما أن للتجار سوق – أن سوق العلم هو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولذلك قال ( ومن جاء لغير ذلك فهو بمنزلة الرجل ينظر إلى متاع غيره ) كمن يذهب إلى السوق وينظر إلى متاع فلان ومتاع فلان فهل يستفيد شيئا ؟ لا يستفيد شيئا إنما يذهب ليتفرج ، لكن لا يعني أنه ليس له فضل فيما يأتي إليه من الصلاة والتعبد لله عز وجل .
حديث رقم – 228-
( ضعيف ) حدثنا هشام بن عمار حدثنا صدقة بن خالد حدثنا عثمان بن أبي عاتكة عن علي ابن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عليكم بهذا العلم قبل أن يقبض وقبضه أن يرفع وجمع بين إصبعيه الوسطى والتي تلي الإبهام هكذا ثم قال العالم والمتعلم شريكان في الأجر ولا خير في سائر الناس )
هذا الحديث لو صح لكان في بيان فضل العالم والمتعلم على حدٍّ سواء وأن ما سوى هذين الجنسين لا خير فيه ، لقوله عليه الصلاة والسلام ( من يرد الله به خيرا يفقه في الدين ) ولما عند الترمذي قوله عليه الصلاة والسلام ( الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه أو عالما ومتعلما )
حديث رقم – 229-
( ضعيف ) حدثنا بشر بن هلال الصواف حدثنا داود بن الزبرقان عن بكر بن خنيس عن عبد الرحمن بن زياد عن عبد الله بن يزيد عن عبد الله بن عمرو قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم من بعض حجره فدخل المسجد فإذا هو بحلقتين إحداهما يقرءون القرآن ويدعون الله والأخرى يتعلمون ويعلمون فقال النبي صلى الله عليه وسلم كل على خير هؤلاء يقرءون القرآن ويدعون الله فإن شاء أعطاهم وإن شاء منعهم وهؤلاء يتعلمون وإنما بعثت معلما ، فجلس معهم )
هذا الحديث لو صح لكان فيه بيان فضل التعلم سواء للعالم أو للمتعلم .
وهذا الحديث يبين أن العبادة ليست كالعلم ، فإن العبادة محصور نفعها على صاحبها ، بينما العلم نفعه متعد إلى غير صاحبه .
باب من بلَّغ علما
حديث رقم – 230-
( صحيح ) حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير وعلي بن محمد قالا حدثنا محمد بن فضيل حدثنا ليث بن أبي سليم عن يحيى بن عباد أبي هبيرة الأنصاري عن أبيه عن زيد ابن ثابت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نضَّر الله امرأ سمع مقالتي فبلغها فرب حامل فقه غير فقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه زاد فيه علي بن محمد ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم إخلاص العمل لله والنصح لأئمة المسلمين ولزوم جماعتهم )
من الفوائد :
بيان فضل طلاب العلم وأن لهؤلاء العلماء نضرة وبهاء ونورا هذا النور إذا حملوه في قلوبهم وعلى ألسنتهم يظهر على وجوههم ، وهذه منقبة وفضيلة .
ومن الفوائد :
أن قوله ( نضَّر الله ) إما أن يكون دعاء من النبي صلى الله عليه وسلم له بالنضارة أو إخبار أن الله سبحانه وتعالى نضَّر وجهه .
ومن الفوائد :
أن الأمة أمة تكاملية كما ذكر في هذا الحديث ، ويجب أن يتواصوا على ذلك ، وأن يرعوا هذا الأمر ، فإن بعض الأمة قد يحمل علما ولكنه لا يفقه ما يحمله ، وقد يحمله البعض وهو فقيه يبلغه لمن هو أفقه منه ، فالناس درجات ، قد يسمع العلم ويفهم منه شيئا يسيرا وإذا حمله إلى شخص آخر فهم منه أكثر ، إذاً على الأمة أن تكون أمة متحدة متواصية على هذا الأمر ، وأن يستفيد كل أفراد الأمة بعضها من بعض ، فلا يقل أحد العلم عندي ، أو أني لا يغيب عني شيء من العلم ! كلا ، لو كنت آية في العلم والحفظ فأنت محتاج إلى ما في قلب غيرك من إخوانك طلاب العلم ، بل حتى إن بعض آحاد الناس ربما ينبهك على شيء فتستفيد منه ، فهذه إشارة ووصية من النبي صلى الله عليه وسلم – وهذه للأسف قد لا تفهم – إشارة إلى أن المسلمين يجب أن ينتفع كل منهم بما عند الآخر من العلم ، لا يقل أحد إني حبيس علمي أو إني لا آخذ من أحد علما إضافيا – كلا – فالأمة يحتاج أفرادها بعضهم إلى بعض .
ومن الفوائد :
أن على المسلم أن يبلغ ما سمعه من العلم ولا يقل لست أهلا لهذا الأمر – كلا – تسمع خيرا وعلما تبلغه كما قال عليه الصلاة والسلام ( بلغوا عني ولو آية ) لكن لا تبلغ إلا بما تعلمه .
ومن الفوائد :
أن قوله ( لا يَغل ) بفتح الياء من الحقد ، أي لا يقع في قلب امرئ مسلم حقد إذا أتى بهذا الأشياء الثلاثة .
و ( لا يُغِل ) بضم الياء يعني لا تقع منه خيانة ، فكأن في ذلك تنبيها لطالب العلم حتى يسلم قلبه من الحقد والخيانة لأن أحوج ما يحتاج إليه طالب العلم أن يكون نظيف القلب، فإن كان القلب مشوبا فإن هذه الشوائب من حقد وحسد وانتقام وما شابه ذلك ، هذه تحول بينه وبين طلبه للعلم ، فكأن هناك إشارة منه عليه الصلاة والسلام إلى أن طالب العلم يحرص حتى يتنظف قلبه ولا يقع في خيانة أن يحرص على هذه الأشياء المذكورة .
ثم لعلها إشارة أخرى وهي أن طلاب العلم يجب عليهم أن يحرصوا على حث الناس على اجتماع الكلمة واتحاد الصف ، قال في الأولى ( إخلاص العمل لله ) فإن العلم عبادة ولا يمكن أن يؤتى هذا العلم الذي هو نور الله عز وجل لقلب فيه ما فيه من الرياء والسمعة وحب الظهور وما شابه ذلك .
الثانية ( النصح لأئمة المسلمين ) فإن واجب العلماء أعظم من واجب غيرهم في نصح الأئمة ، فإذا كان العلماء يجب عليهم أن ينصحوا الأئمة الذين هم ولاة الأمر ، فمن باب أولى أن ينصحوا آحاد الأناس ، وليس معنى هذا أن العالم لا يمكن أن يكون ناصحا لولاة الأمر إلا إذا أشاع الأمر – كلا – بعض الناس يقول العلماء لا ينصحون – هذا خطأ مبين – فليس كل ما يذكر لولاة الأمر من الأشياء ليس كل ما يذكر يذاع ويشاع ، ولذلك في صحيح البخاري لما قيل لأسامة رضي الله عنه ( ألا نصحت عثمان رضي الله عنه ؟ ) لما جرى ما جرى من الفتن ( قال قد قلت له وقلت له ، أفلا ترون أني لا أحدثه حتى أخبركم )
الثالثة ( لزوم جماعتهم ) كذلك لزوم جماعة المسلمين ، فهذا واجب العلماء أن يحثوا الناس على هذا الأمر ، ولذلك إذا حصلت الفتن التي تكاد أن تفترق الأمة هنا يظهر دور العلماء ،فإذا رأيت العالم في الفتن يحرص كل الحرص على أن تجتمع الكلمة مهما كانت من أمور وخلافات بين أفراد المسلمين هذا العالم هو العالم الرباني ،وإذا رأيت عالما يوسع دائرة الخلاف بين آحاد المسلمين وأفراد الأمة فاعلم أن في قلبه شيئا .
حديث رقم – 231-
حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبي عن محمد بن إسحق عن عبد السلام عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخيف من منى فقال نضر الله امرأ سمع مقالتي فبلغها فرب حامل فقه غير فقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه )
حديث رقم – 231 م –
( حدثنا علي بن محمد حدثنا خالي يعلى ( ح ) و حدثنا هشام بن عمار حدثنا سعيد بن يحيى قالا حدثنا محمد ابن إسحق عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه )
هذا الحديث مرت معنا جمله ، ومسجد الخيف بمنى ، والخيف هو ما علا من الجبل ولم ينحدر إلى الأرض ، يعين في سطح الجبل .
حديث رقم -232-
( صحيح ) حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن الوليد قالا حدثنا محمد ابن جعفر حدثنا شعبة عن سماك عن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال نضر الله امرأ سمع منا حديثا فبلغه فرب مبلغ أحفظ من سامع )
من الفوائد :
قوله ( فرب مبلغ أحفظ من سامع ) يعني أن الناس يتفاوتون في الأفهام والحفظ ، فقد يحضر شخص درسا ويسمع حديثا من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم فلا يفهم منه كل ما يراد من هذا الحديث ، لكن ربما ينقله إلى شخص آخر فيفهم منه أكثر مما فهم منه هذا الحاضر لهذا الحديث ، وهي سنة الله عز وجل في تفاوت الناس في الفهم والحفظ ، وفيه إشارة إلى أن الإنسان مهما بلغ من قوة الحفظ ومن قوة الفهم ومن قوة الإدراك حتى ولو قيل فيه ما قيل ومُدح بما يمتدح أن هناك من هو أعلم منه { وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ }يوسف76 ، قال المفسرون يعني أن الناس يتفاوتون في العلم ، فهناك من هو أعلم من هذا العالم وهلم جرا إلى أن يصل العلم الكامل لله سبحانه وتعالى { وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً }الإسراء85