تعليقات على سنن ابن ماجه ( 11 ) من حديث ( 233-246 )

تعليقات على سنن ابن ماجه ( 11 ) من حديث ( 233-246 )

مشاهدات: 498

تعليقات على سنن (  ابن ماجه  )

الدرس الحادي عشر

233-246

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله :

باب من بلَّغ علما

حديث رقم – 233-

( صحيح  ) حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى بن سعيد القطان أملاه علينا حدثنا قرة بن خالد حدثنا محمد بن سيرين عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه وعن رجل آخر هو أفضل في نفسي من عبد الرحمن عن أبي بكرة قال خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر فقال ليبلغ الشاهد الغائب فإنه رب مبلغ يبلغه أوعى له من سامع )

من الفوائد :

بيان فضل تبليغ العلم ، وأن تبليغ العلم من الواجبات .

ومن الفوائد :

أن على الأمة أن تتواصى على الخير  كما أن أهل الشر يتواصون على الباطل فخليق بأهل الخير أن يتواصوا على الخير ، فمن استفاد شيئا مما يتعلق بالدين فعليه أن يهديه وأن يوصله إلى غيره ، فالأمة أمة تكاملية ويجب أن تكون كذلك .

ومن الفوائد :

بيان ما عليه البشر من اختلاف قدراتهم ، فإن من يحضر العلم والخير قد يكون أقل استيعابا ومعرفة ممن يُبَلَغَه ممن لم يحضره .

حديث رقم – 234-

( صحيح ) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة ح و حدثنا إسحق بن منصور أنبأنا النضر بن شميل عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده معاوية القشيري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا ليبلغ الشاهد الغائب )

حديث رقم – 235-

( صحيح ) حدثنا أحمد بن عبدة أنبأنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي حدثني قدامة بن موسى عن محمد بن الحصين التميمي عن أبي علقمة مولى ابن عباس عن يسار مولى ابن عمر عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليبلغ شاهدكم غائبكم )

حديث رقم – 236-

( صحيح ) حدثنا محمد بن إبراهيم الدمشقي حدثنا مبشر بن إسمعيل الحلبي عن معان بن رفاعة عن عبد الوهاب بن بخت المكي عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نضر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها ثم بلغها عني فرب حامل فقه غير فقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه )

من الفوائد :

بيان فضل من يحمل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليس هذا الفضل محصورا على من حفظ الحديث فبلغه فحسب ، وإنما يشمل كل علم من علوم الشريعة ، لأن علوم الشريعة لا يمكن أن تكون علوما إلا إذا كانت مبينة على ما قاله عز وجل أو قاله رسوله صلى الله عليه وسلم .

ومن الفوائد :

أن مُبلِّغ العلم تحصله له نضرة وهي النور والاشراقة التي تكون على وجهه ، فهذه الجملة إما أن تكون إخبارا من النبي صلى الله عليه وسلم بأنه مبلغ العلم تكون له نضارة أو أنه دعاء منه عليه الصلاة والسلام لمن حمل هذا العلم وبلغه .

ومن الفوائد :

أن وعي العلم تحصل به الفضائل فمن حضر مجلس علم أو كلمة فيها دلالة على خير أو خطبة أو ما شابه ذلك فعليه أن يستحضر قلبه ووعيه حتى يفهم ويُفهم غيره .

ومن الفوائد :

أن الناس يختلفون في درجات الفقه ، فالفقه هو الفهم ، فليسوا على درجة واحدة ،فقد يكون هناك من هو حامل للعلم حفظا ، وربما يكون هناك من هو فقيه وفاهم لمسألة ما سمعها ، وقد يكون من هو أفقه من هذا الفقيه .

والفقه الذي بمعنى الفهم يمكن للإنسان أن يتحصل عليه بتمرين ذاكرته ، فإذا مرَّن الذاكرة والذهن على استنباط الأحكام ، ولا يتم له ذلك إلا بإحضار قلبه ووعيه وجميع كيانه فإن هذه المَلَكة تزيد معه ، وكلٌ على حسبه فمستقل ومستكثر ، ثم إن قوة الفهم بإذن الله تعالى سبب رئيسي كبير للحفظ ، فإن من فهم جيدا حفظ جيدا ، وكان سريعا في حفظه ، ولذلك بعض من الناس قد يقول أنا لا أحفظ كثيرا ، نقول هذا مرتبط بفهمك ، فكلما كان الإنسان قويا في الفهم كلما كان قويا في الحفظ ، وهذا كما قلت يتفاوت بتفاوت الناس ، ولكن لا يقل أحد إني ضعيف الفهم أو ضعيف الحفظ ، نقول – كلا- عليك أن تمرن ذهنك وستجد بإذن الله تعالى أن حفظ في هذه السنة ليس كحفظك في السنة الماضية ، فالذاكرة بمثابة العضو ، فاليد مثلا إذا مرنت على حمل الأثقال يصعب عليها في أول الأمر ثم في نهاية الأمر يصبح سلسا سهلا ، فكذلك الذاكرة سواء بسواء .

 

 

 

باب من كان مفتاحا للخير

حديث رقم – 237-

( حسن ) حدثنا الحسين بن الحسن المروزي أنبأنا محمد بن أبي عدي حدثنا محمد بن أبي حميد حدثنا حفص بن عبيد الله بن أنس عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر وإن من الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه )

من الفوائد :

أن الله سبحانه وتعالى يسر لكل إنسان ما كتب له من طرق الخير ومن طرق الشر{فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى }الليل7 ، {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى }الليل10 ، فأوضح هذا الحديث أن الناس على صنفين من هو مفتاح للخير مغلاق للشر ومن هو على عكس ذلك ، فمن كان مفتاحا للخير مغلاقا للشر فإنه ينال هذا الفضل ، ما هو هذا الفضل ؟

( طوبى ) قيل شجرة في الجنة ، وقيل اسم من أسماء الجنة .

وعلى كلا المعنيين فإن هذا فضل .

والذي يتبين لي أن ( طوبى ) إذا حصل عليها الإنسان فإنه يحصل على مكان في الجنة ويحصل على ثمار تلك الشجرة في الجنة ، ويزاد على ذلك أن تطيب حياته ، وهذا مصداق قوله تعالى {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }النحل97 .

ومن الفوائد :

أن هذا الفضل يناله بسبب ما قدمه للناس من الخير ، وبسبب ما صد عن الناس من هذا الشر ، بينما من هو على عكس ذلك ينال الويل والهلاك بسبب أنه يتحمل أوزار ما صنعه من فتح أبواب الشر ومن إغلاق أبواب الخير .

ومن الفوائد :

أن على المسلم أن يأخذ بهاتين الصفتين فلا يهيئ نفسه بأن يكون مفتاحا للخير بل يزيد على ذلك بأن يكون مغلاقا للشر ، وهذا ينطبق على المؤمنين المخلصين لأنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، فالأمر بالمعروف مفتاح للخير ، والمنهي عن المنكر إغلاق للشر ، بينما أخذ بخلاف ذلك فنال الويل والهلاك ، هذه هي صفة المنافقين {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ }التوبة67 ، فنسأل الله عز وجل أن يجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر .

حديث رقم – 238-

( حسن ) عن سهل بن سهل ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” إن هذا الخير خزائن ، ولتلك الخزائن مفاتيح ، فطوبى لعبد جعله الله مفتاحا للخير مغلاقا للشر ، وويل لعبد جعله الله مفتاحا للشر مغلاقا للشر ” )

من الفوائد :

أن سبل وأنواع الخير متعددة ،فالخير خزائن ، فإن الخير متعدد متنوع وقد نوعه جل وعلا بحسب قدرات وميول الناس ، فحري بكل مسلم أن ينهل من هذه الخزائن وأن يكون مفتاحا لها بقدر المستطاع كما قال تعالى{ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ }التغابن16 ، و { لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } .

ولا شك أن طالب العلم ومبلغ العلم لا شك أنه إن وُفِّق لصلاح النية وسلامة القصد لا شك أنه مفتاح للخير مغلاق للشر إذ يوضح للناس ما ينفعهم ويحذرهم مما يضر بهم .

باب ثواب معلم الناس الخير

حديث رقم – 239-

( صحيح ) حدثنا هشام بن عمار حدثنا حفص بن عمر عن عثمان بن عطاء عن أبيه عن أبي الدرداء قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنه ليستغفر للعالم من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في البحر )

من الفوائد :

بيان فضل معلم الناس الخير ، فمن فضائله أن من في السماء وأن من في الأرض يستغفر له حتى من هو في قاع المحيطات كالحيتان .

ومن الفوائد :

أنه ورد بلفظ ( العالم ) ومر معنا في إحدى الروايات ( طالب العلم ) فوصف طالب العلم بأنه عالم باعتبار ما سيأتي ، لأن من بدأ في طريق العلم فإن بدايته ثم استمراره على هذا الطريق وعلى هذه السيرة توصله إلى أن يكون عالما ، ولا يستعجل أحد في ذلك ، فإنه بين عشية وضحاها من حيث لا يشعر يجد نفسه أنه أصبح عالما من غير ما يكون هناك استعداد مسبق ، شريطة أن يكون مستمرا في طلبه للعلم .

ومن الفوائد :

أن ابن ماجه رحمه الله ذكر هذا الحدث بلفظ ( العالم ) تحت هذا الباب لبيان فضل معلم الناس الخير ، مع أنه في ظاهره ليست هناك دلالة ، معنى الحديث أن العالم يستغفر له من في السماوات ومن في الأرض ، لكن ذكر لفظ العالم لأن من وصل إلى هذه المرتبة إلى العلم يكون مبلغا للناس هذا العلم وهذا الخير ، فإن من صفات العالم أن يعلم الناس هذا العلم وإلا ما الفائدة ، فكأن فيه إشارة إلى أن العالم يجب عليه أن يتذكر أن عليه مسؤولية كبرى في تبليغ هذا العلم ، وأن من صفاته أن يبين للناس ما ينتفعون به في أمور دينهم .

حديث رقم – 240-

( حسن ) حدثنا أحمد بن عيسى المصري حدثنا عبد الله بن وهب عن يحيى بن أيوب عن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من علم علما فله أجر من عمل به لا ينقص من أجر العامل )

من الفوائد :

بيان فضل العالم والمتعلم فإن العالم ينال خيرا بتعليمه لهذا الخير ، والمتعلم ينال فضلا وخيرا بتعلمه لهذا العلم ، لكن الله سبحانه وتعالى لا يظلم الناس شيئا ، فللعالم أجر مثل أجر هذا المتعلم لكن هذا المتعلم لا يُنقص من أجره شيء .

ومن الفوائد :

أن تعليم الناس العلم والخير من العبادات المتعدي نفعها أكثر أجرا ، وكلما كانت العبادة متعدية النفع للغير كلما كانت أكثر أجرا، فإن هذا العالم لما علَّم أوصل هذا العلم للمتعلم ، المتعلم عمل به ، هذا المتعلم بلغ هذا العلم ودواليك دواليك ، ولذلك الصحيح من قولي العلماء أنه لا يستحب إهداء القُرَب للنبي صلى الله عليه وسلم ، ما تأتي وتتصدق وتقول هذه الصدقة أنوي بها أن يصل ثوابها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم – لا – لا يستحب هذا ، كما رجح شيخ الإسلام رحمه الله ، لم ؟ لأن كل عبادة تفعلها الأمة أو أفرادها فللنبي صلى الله عليه وسلم نظيرها من الأجر ، لم ؟ لأنه هو المعلم الأول عليه الصلاة والسلام ، فإذاً من علم علما فتعلمه شخص فعلمه هذا الشخص شخصا آخر وهكذا فإن له هذا الأجر ، وهذا يدل على أن أفضل العبادات تعلم العلم الشرعي .

حديث رقم – 241-

( صحيح ) حدثنا إسمعيل بن أبي كريمة الحراني حدثنا محمد بن سلمة عن أبي عبد الرحيم حدثني زيد بن أبي أنيسة عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير ما يخلف الرجل من بعده ثلاث ولد صالح يدعو له وصدقة تجري يبلغه أجرها وعلم يعمل به من بعده )

من الفوائد :

بيان أن ما يخلفه الإنسان من خير لا يعدم بركته ولا فائدته ، وإن من أعظم ما يخلفه الإنسان بعد موته هذه الأشياء الثلاثة ، الولد الصالح ، لأنه بتربيته وبمتابعته من مطلق قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً }التحريم6 ، من منطلق قول النبي صلى الله عليه وسلم ( مروا أولادكم للصلاة لسبع ) إلى غير ذلك من هذه التربويات ، هذه التربية هو سبب في إصلاح ولده ، فكأنه عمل عملا لكي يفيده بعد موته ، وكذلك الصدقة الجارية المستمرة ، والعلم الذي ينتفع به ، ما حقيقة النفع ؟ أن يكون هذا العلم معمولا به ، ولذلك في صحيح مسلم (  إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له  ) قال ( علم ينتفع به ) هنا قال ( علم يُعمل به ) فدل على أن العلم النافع المُخَلَّف بعد الإنسان هو العلم الذي يبقى فيعمل به .

ومن الفوائد :

الحث للأولاد على الدعاء لآبائهم وأمهاتهم .

حديث رقم – 242-

( حسن ) حدثنا محمد بن يحيى حدثنا محمد بن وهب بن عطية حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا مرزوق بن أبي الهذيل حدثني الزهري حدثني أبو عبد الله الأغر عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علما علمه ونشره وولدا صالحا تركه ومصحفا ورثه أو مسجدا بناه أو بيتا لابن السبيل بناه أو نهرا أجراه أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته يلحقه من بعد موته )

من الفوائد :

بيان ما هو أفضل ما يقدمه الإنسان بعد موته ، قال :

( علما علمه ونشره ) ففيه حث لطلاب العلم متى ما تعلموا شيئا أن يعلموه ، وكلٌ على حسبه ولا يقل أحد فيما لا يعلم شيئا ، وإنما يقول بما علمه .

( أو ولدا صالحا تركه ) وصفه بالصلاح لأن كل إنسان في الغالب قد يدع أولادا، لكن ليس كل ولد نافعا ، وإنما النافع هو الولد الصالح ، ومن ثم فإنها تذكرة للصالحين أن يحرصوا على البر بوالديهم ، فمن وصف بالصلاح أو استشعر بأنه ذو صلاح فعليه أن يحرص على هذا الجانب ، فإن من صفات الولد الصالح أن يكون بارا بوالديه في حياتهما أو بعد مماتهما

( أو مصحفا ورثه ) يعني خلفه وتركه فبقي بعده ، ففيه حث للمسلمين على أن يوقفوا المصاحف في المساجد ، في دور التحفيظ ، ولا يعدم الإنسان من الخير مما قلَّ من هذه الأشياء ، قد يشتري إنسان مصحفا واحدا ويضعه في المسجد فينال بذلك خيرا ، يقرأ فيه المسلمون وينتفعون منه فيكون له خير عظيم لا يستشعر فائدته إلا بعد مماته ، فلو أخذ الإنسان مصحفا أو مصحفين أو ثلاثة أو أربعة ثم وضعها في مسجد فهذا خير عظيم .

( أو مسجدا بناه ) معلوم فضل المسجد ، وأن هناك عبادات تقام في المساجد فيكون له بذكر أجر ، وهذا من الصدقة الجارية المستمرة .

( أو بيتا لابن السبيل بناه ) كأن يوقف بيتا لأبناء السبيل وهم المسافرون المحتاجون إلى أن يأووا إلى مكان في أثناء سفرهم ، ولذلك فرض الله سبحانه وتعالى لابن السبيل من الزكاة ، ما فرضت الزكاة لهؤلاء إلا لأنهم محتاجون ، وكلما كانت الصدقة أكثر دفعا للحاجة فهي أفضل ، ولذلك لو كان لديك مبلغ من المال وكان عندك أسرتان إحداهما أشد حاجة من الأخرى ولا يمكن أن ينفق المال على هاتين الأسرتين لقلته وأن دفعه كله لإحدى الأسرتين هو الأفضل فإنك تعطي من هو أكثر حاجة .

( أو نهرا أجراه ) فيه فائدة لما يصنع في هذا الوقت ويحث عليه من قِبل بعض الأخيار من حفر الآبار لاستخراج المياه في بعض القرى وفي بعض الهجر التي تحتاج إلى الماء فإن هذا مما يلحق المؤمن بعد مماته أن يدفع مبلغا من المال لكي يخرج الماء من بواطن الأرض ليستفيد منه المسلمون .

( أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته ) إخراج الصدقة في وقت الصحة والحياة أفضل ما يكون ، لأن الإنسان قد يتصدق إذا كان في حال المرض ، لا شك أن الصدقة في حال المرض فيها خير وفيها نفع وله أجر فيها ، لكن كلما كان الإنسان مؤملا للغنى خائفا من الفقر فتصدق كلما كانت الصدقة أنفع وأكثر أجرا ، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم ( لما سئل أي الصدقة أفضل ؟ قال أن تتصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى ولا تمهل حتى إذا جاء وقت الموت قلت لفلان كذا ولفلان كذا ) – كلا – الصدقة النافعة المفيدة التي فيها الأجر العظيم أن تتصدق وأنت في حال الصحة وفي حال الحياة ، ولذلك هناك مقولة عند عوام الناس ، وهي مقولة صحيحة أنهم إذا رأوا إنسانا لديه بعض المال القليل فحُث على الصدقة قال ليس عندي شيء ، فهم يقولون ” من لم يتصدق مع قلة ماله لن يتصدق مع كثرة ماله ” وهذا صحيح الإنسان الذي لا يبذل مع قلة المال لا يمكن في الغالب أن يبذل مع الغنى ، لم ؟ لأنه لم يعتد على الإنفاق في أول أمره ، فإنه إذا اعتاد على أن ينفق مع قلة ماله أصبح هذا الأمر صفة وسمة له ، ومعلوم أن الإنسان كلما كثر ماله كلما كان أحرص عليه .

حديث رقم – 243-

( ضعيف ) حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب المدني حدثني إسحق بن إبراهيم عن صفوان ابن سليم عن عبيد الله بن طلحة عن الحسن البصري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أفضل الصدقة أن يتعلم المرء المسلم علما ثم يعلمه أخاه المسلم )

لو صح هذا الحديث فإن تعلم العلم وتعليمه من الصدقة ، فإن الصدقة لها نفع فكذلك العلم له نفع كبير ، بل إن العلم أنفع من الصدقة ، لأن الصدقة هي عبارة عن مال يتغذى به الفقير في أمور دنياه ، بينما العلم يتغذى به قلبه وروحه وتصلح به آخرته بإذن الله تعالى .

باب من كره أن يوطأ عَقِباه

حديث رقم – 244-

( صحيح ) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا سويد بن عمرو عن حماد بن سلمة عن ثابت عن شعيب بن عبد الله بن عمرو عن أبيه قال ما رئي رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل متكئا قط ولا يطأ عقبيه رَجلان )

من الفوائد :

بيان تواضع النبي صلى الله عليه وسلم في أمرين :

الأمر الأول : أنه كان لا يأكل متكئا ، لأن الأكل على وجه الاتكاء من صفات أهل الفخر والزهو ، ولكن الأكل على وجه الاتكاء لا يبلغ إلى درجة التحريم ، لكن ما هو هذا الاتكاء الذي كان لا يفعله عليه الصلاة والسلام أثناء الأكل ؟

فُسِّر بأنه التربع ، فلا يأكل متربعا ، قالوا لأنه إذا أكل متربعا اتسعت معدته للأكل فتصبح المعدة مسترخية منفتحة لكل ما يصل إليها .

وقال بعض العلماء : هو أن يتكئ بيده اليسرى على الأرض.

وقال بعض العلماء : هو أن يتكئ على وسادة على جنبه الأيسر ويأكل .

ولا شك أن كلها اتكاء ، لكن التربع ليس داخلا في هذا ، فيكون الاتكاء الذي ينبغي للمسلم ألا يفعله أثناء الأكل ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتكئ في غير أثناء الأكل ، لكن المقصود هنا الاتكاء أثناء الأكل ، المقصود منه أن تتكئ بيدك على الأرض أو أن تتكئ بجنبك الأيسر على وسادة .

وقد قال بعض العلماء : إن في ذلك فائدة طبية فإنه لو أكل متكئا فإن الطعام لا ينزل إلى المعدة بسلاسة وسهولة ، لكنه إذا كان مستقيما كان الأكل سهلا في النزول ،فيكون الطعام هنيئا مريئا .

الأمر الثاني :

أنه كان لا يطأ عقبيه رجلان ، بمعنى أنه في الغالب أن العالم يتقدم الناس ويكونون خلفه احتراما وتقديرا له ، لكن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يفعل هذا ، ليس لأنه محرم – كلا – لكن لإبعاد الناس عن أن ترى أن لنفسها أو مقاما عاليا ، فهذا معنى ( لا يطأ عقبيه رجلان ) ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم من صفاته أنه إذا سار مع أصحابه لا يقال ( إليك إليك ) يعني ابتعدوا كما يفعل الأمراء والعظماء يبعد الناس عن طريقهم .

وقد ضبطت كلمة ( رَجلان ) بضبط آخر ( ولا يطأ عقبيه رِجْلان ) يعني ذو أرجل ، فالمعنى قريب .

ومن الفوائد :

الحث لطلاب العلم على الحرص على التواضع والحرص على البعد عن كل ما هو وسيلة للافتخار ، لأن العلم قد يوصل بعض العلماء إلى مرتبة عالية في أعين الناس فيقدر ويحترم ويعطى له قدر ، ولا شك أن هذا أمر حسن أن يقدر العالم ، لأن العلماء إذا لم يكن له قدر في الأمة فلا خير في هذا الأمة ، لأنهم يتلقون من هؤلاء العلماء ، ولكن هذا فيما يتعلق بآحاد الأمة ، لكن ما يتعلق بالعلماء عليهم أن ينأوا بأنفسهم بقدر المستطاع عن هذه الأشياء ، يعني لا يحرص عليها ولا يغضب إذا لم تفعل له ، فيحرص تمام الحرص على أن يكون خالص النية في طلبه للعلم ، ولذلك ستأتي معنا أحاديث تحذر من أن يطلب العلم للتصدر في المجالس ، لمماراة السفهاء ، للافتخار .

حديث رقم – 245-

( ضعيف ) حدثنا محمد بن يحيى حدثنا أبو المغيرة حدثنا معان بن رفاعة حدثني علي بن يزيد قال سمعت القاسم بن عبد الرحمن يحدث عن أبي أمامة قال مر النبي صلى الله عليه وسلم في يوم شديد الحر نحو بقيع الغرقد وكان الناس يمشون خلفه فلما سمع صوت النعال وقر ذلك في نفسه فجلس حتى قدمهم أمامه لئلا يقع في نفسه شيء من الكبر )

هذا الحديث ضعيف ولو صح فإن هذا في أول الأمر ، ثم نهى عن ( أن يطأ عقبيه رجلان ) ثم لو صح فإن هذا ما توصل إليه فهم الراوي ، فقد يكون هناك سبب آخر منع النبي صلى الله عليه وسلم من أن يتقدم أصحابه في مثل هذه القضية .

حديث رقم – 246-

( صحيح ) حدثنا علي بن محمد حدثنا وكيع عن سفيان عن الأسود بن قيس عن نبيح العنزي عن جابر بن عبد الله قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا مشى مشى أصحابه أمامه وتركوا ظهره للملائكة )

من الفوائد :

أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغ مرتبة عليا ، ومعلوم أنه عليه الصلاة والسلام قد بلغ في صفات الكمال أعلاها ، فإنه عليه الصلاة والسلام ما كان يطأ عقبيه رجلان ، بل كان عليه الصلاة والسلام ينأى بنفسه إلى مقام أعظم وهو أن يكون أصحابه أمامه ويكون خلفهم من باب تلمس حاجيات الضعيف المتأخر ، لتتبع أحوالهم ، لأن الملائكة في الخلف ، فرأى النبي صلى الله عليه ألا يكون متقدما على الملائكة وإنما أحب أن يكون في مصاف الملائكة في المقام .