تعليقات على سنن ابن ماجه ( 17 ) من حديث ( 302- 311 )

تعليقات على سنن ابن ماجه ( 17 ) من حديث ( 302- 311 )

مشاهدات: 459

تعليقات على سنن (  ابن ماجه  )

 ( الدرس السابع عشر   )

302- 311

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله :

باب ذكر الله عز وجل على الخلاء ، والخاتم في الخلاء

حديث رقم – 302-

( صحيح ) حدثنا سويد بن سعيد حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن أبيه عن خالد بن سلمة عن عبد الله البهي عن عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله عز وجل على كل أحيانه )

من الفوائد :

أن بعض العلماء قال : إنه عام ، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله في جميع أحيانه دون استثناء ، وهذا يشكل في وقت الجماع وفي وقت قضاء الحاجة .

فأجابوا عن ذلك من أن هذا العموم المقصود منه الذكر النفسي ، لا الذكر القولي ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم في جميع أحواله يذكر الله سبحانه وتعالى بقلبه دون استثناء ، وهذا من أعظم أنواع الذكر أن يذكر الله سبحانه وتعالى بالقلب ، فإذا اجتمع مع ذكر القلب ذكر اللسان كانت هي أعلى المراتب ، يقول ابن القيم رحمه الله ” إن الذكر ثلاثة أنواع وأفضليتها على هذا الترتيب :

أولا : أن يتوافق القلب مع اللسان .

ثانيا : الذكر بالقلب .

ثالثا : الذكر باللسان دون أن يكون هناك استحضار لمعنى الذكر في القلب ، وهذا أقل الأحوال .

ولكن الصواب أن الذكر هنا هو الذكر القولي ، ولا يمنع إثبات ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل بقلبه في جميع الأحوال ، ولكن هذا الحديث المقصود منه كما يظهر أنه الذكر القولي ، ويستثنى من ذلك ما جرت العادة والواقع بترك الذكر فيه مثل الذكر أثناء الجماع ، مثل الذكر أثناء قضاء الحاجة .

وبعض العلماء قال : يحتمل أن قولها ( يذكر الله على كل أحيانه ) يحتمل أن الضير ليس عائدا للرسول صلى الله عليه وسلم وإنما هو عائد إلى الذكر ، يعني كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيان الذكر ، يعني في الأحوال التي يذكر الله عز وجل فيها ، ومعلوم أن بعض المواطن لا يذكر الله فيها تأدبا مع الله سبحانه وتعالى .

ومن الفوائد :

التأسي برسولنا صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر ، فليكن المسلم لهجا بذكر الله ، لأن ذكر الله سبحانه وتعالى طريق إلى ازدياد الإيمان ، ولذلك من أحب شيئا أكثر من ذكره ، فمتى أكثرت ذكر شيء  فإنك تحب هذا الشيء ، فإذا أكثرت من ذكر الله دل على أنك تحب الله ، وعلى قدر ذكرك يكون قدر محبتك لله سبحانه وتعالى .

ومن الفوائد :

أن مما يدل على أن الذكر ليس في جميع الأحوال أن المُخبرة هنا هي عائشة رضي الله عنها ، ومعلوم أن عائشة رضي الله عنها لا تكون مع الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع أحواله ، فدل على أن أنها نقلت ما رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه من ذكر الله في تلك الأحيان .

ومن الفوائد :

أن الرسول صلى الله عليه وسلم يطلب مقاما كبيرا ، وهو مقام الشكر ، فإنه عبدٌ مغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، لأنه يحب أن يكون عبدا شكورا .

حديث رقم – 303-

( ضعيف ) حدثنا نصر بن علي الجهضمي حدثنا أبو بكر الحنفي حدثنا همام بن يحيى عن ابن جريج عن الزهري عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء وضع خاتمه )

هذا الحديث ضعيف ، ولو صح لكان فيه نهيا أن يدخل الخلاء بشيء فيه ذكر الله عز وجل ، لأن خاتم الرسول صلى الله عليه وسلم كما هو معلوم مكتوب عليه ( محمد رسول الله ) إذاً كلمة ( الله ) موجودة ، فكيف يدخل بها في الخلاء ؟

ولكن هذا الحديث ضعيف ، وقد أخذ به بعض الفقهاء حتى قالوا إن عليه أن يحرك خاتمه أثناء الوضوء ، لم ؟ لأن الرسول صلى الله عليه سلم ( كان يضع خاتمه إذا دخل الخلاء )

باب كراهية البول في المغتسل

حديث رقم – 304-

( ضعيف بهذا التمام ، وما بين المعقوفتين فهو صحيح ) حدثنا محمد بن يحيى حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن أشعث بن عبد الله عن الحسن عن عبد الله بن مغفل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ لا يبولن أحدكم في مستحمه ] فإن عامة الوسواس منه [ قال أبو عبد الله بن ماجة سمعت محمد بن يزيد يقول سمعت علي بن محمد الطنافسي يقول إنما هذا في الحفيرة فأما اليوم فلا فمغتسلاتهم الجص والصاروج والقير فإذا بال فأرسل عليه الماء لا بأس به ] )

من الفوائد :

أن الشرع يحب من العبد أن يغلق جميع أبواب الشيطان ، فإن الشيطان إذا انفلت منه ابن آدم عن طريق المعصية أتاه عن طريق الطاعة ، فأدخل عليه الوساوس فأفسد عليه خشوعه وعبادته ، ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يبول المسلم في مستحمه ثم يغتسل فيه ، لم ؟ للتعليل الذي اختلف في ثبوته ( فإن عامة الوسواس منه )

ومن الفوائد :

أن النهي عام ، سواء كان هذا المستحم مبلطا أو لم يكن ، بينما قال بعض العلماء يرى أنه إذا كان مبلطا فإنه لا بأس بهذا الفعل ، لأنه إذا أجرى الماء عليه ذهب وزال ، لكن بعض العلماء يقول إن الحكم عام – وهو الأقرب – لم ؟ لأن الشيطان له مداخل كثيرة في الوسوسة ، ويستوي في ذلك ما كان مبلطا أو كان غير مبلط .

باب ما جاء في البول قائما

حديث رقم – 305-

( صحيح ) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا شريك وهشيم ووكيع عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال عليها قائما )

حديث رقم – 306-

( صحيح ) حدثنا إسحق بن منصور حدثنا أبو داود حدثنا شعبة عن عاصم عن أبي وائل عن المغيرة بن شعبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائما قال شعبة قال عاصم يومئذ وهذا الأعمش يرويه عن أبي وائل عن حذيفة وما حفظه فسألت عنه منصورا فحدثنيه عن أبي وائل عن حذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائما )

من الفوائد :

أن بول الرجل وهو قائم جائز كما ذهب إلى ذلك بعض العلماء شريطة أن يأمن من أن تُرى عورته أو أن يرتد إليه بوله ، فإذا سلم من هذين المحظورين ، فله أن يبول قائما ولا يكره البول له حال القيام .

بينما يرى آخرون أن البول حال القيام مكروه ، وحملوا هذا الحديث على محامل :

قال بعض العلماء : ربما يكون هناك وجع في ظهر النبي صلى الله عليه وسلم يصلح لتخفيف ألمه البول حال القيام ، وهذا المرض يكون في الصلب ، يعني في الظهر .

وقال بعض العلماء : ربما كان بوله حال القيام لجرح كان في مئبضه ، كما جاءت بذلك رواية المستدرك ، والمأبض هو ما خلف الركبة ، فلو جلس لتأثر هذا الجرح .

لكن هذه الرواية ضعيفة .

وقال بعض العلماء : إن بوله حال القيام آمن له في مثل هذه الحال ، لأنه عند سباطة قوم ، وهي مجمع النفايات وفي مكان عالي – قالوا إن فعله لهذا البول حال القيام حتى لا تنكشف عورته ، لأنه في منحدر من الأرض ، فإنه لو بال جالسا وكان وجهه تجاه السباطة ارتد عليه بوله ، وإن جعل السباطة خلف ظهره انكشفت عورته ، ولاسيما وأن حذيفة رضي الله عنه قريب منه ، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم ( أمر حذيفة أن يقف عند عقبه ليستره )

هذه احتمالات أوردوها ، ولكن الصواب أن البول من الرجل حال القيام جائز ، شريطة أن يتوفر الشرطان السابقان .

ومن الفوائد :

أن السباطة هنا أضيفت إلى القوم ، والإضافة في اللغة لها فوائد ، فهل هي إضافة ملك أو إضافة اختصاص ؟

يحتمل أن تكون إضافة اختصاص ، يعني أن هؤلاء أحق بهذا المكان من غيرهم لقرب دارهم منها ، فلا يحرم على النبي صلى الله عليه وسلم أن يفعل هذا الفعل لأنه ليس ملكا لهم ، ويحتمل أن الإضافة هنا إضافة مُلك يعني أنهم يملكونها ، لكن النبي صلى الله عليه وسلم علم إذنهم وسماحهم بهذا الأمر .

باب في البول قاعدا

حديث رقم – 307-

( صحيح ) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وسويد بن سعيد وإسمعيل بن موسى السدي قالوا حدثنا شريك عن المقدام بن شريح بن هانئ عن أبيه عن عائشة قالت من حدثك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بال قائما فلا تصدقه أنا رأيته يبول قاعدا )

من الفوائد :

هذا الحديث اختلف في ثبوته ، فبعض العلماء يرى أنه ضعيف ، بل إن الألباني رحمه الله تردد في تصحيحه من تضعيفه ، وهذا الحديث إن صح على قول من صححه يحمل على أمرين :

الأمر الأول : أن يكون معارضا لحديث حذيفة ، فهنا نطلب الجمع بين الدليلين ، فما هو الجمع ؟

الجمع أن القاعدة الأصولية والحديثية تقول [ إن من علم حجة على من لم يعلم ] فحذيفة علم ببول النبي صلى الله عليه وسلم قائما ، وهي علمت ببوله وهو قاعد ولم تعلم بوله وهو قائم ، فمن علم حجة على من لم يعلم ، فيكون مع حذيفة رضي الله عنه كما قال العلماء زيادة علم خفي على عائشة رضي الله عنها ، لأنها أخبرت عما يكون من الرسول صلى الله عليه وسلم في بيته ، بينما حذيفة أخبر عما جرى منه عليه الصلاة والسلام خارج البيت ، فهذا هو الجمع .

الأمر الثاني : قد لا يكون هناك تعارض ، فيحمل حديث عائشة رضي الله عنها على أن هذا هو الغالب ، يعني أن غالب بول النبي صلى الله عليه وسلم حال القعود ، فمن حدثك على وجه الغلبة أن كان يبول قائما فلا تصدقه .

حديث رقم – 308-

( ضعيف ) حدثنا محمد بن يحيى حدثنا عبد الرزاق حدثنا ابن جريج عن عبد الكريم بن أبي أمية عن نافع عن ابن عمر عن عمر قال رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبول قائما فقال يا عمر لا تبل قائما فما بلت قائما بعد )

هذا الحديث ضعيف ، ولو صح لكان معارضا لما جاء من فعل النبي صلى الله عليه وسلم في حديث حذيفة ، ومما يؤكد ضعفه أن هناك أثرا عن عمر رضي الله عنه وهو قوله ( ما بلتُ قائما منذ أسلمت ) فهذا أصح مما أُثر ، كيف يكون هذا دليلا على ضعف ما ذكر هنا ؟

لأن الأثر المذكور هنا رآه النبي صلى الله عليه وسلم يقول قائما وإلا لم ينهه النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي قوله ( ما بلتُ قائما منذ أسلمت ) فدل على أن البول حال القيام لم يحصل من عمر رضي الله عنه البتة .

حديث رقم – 309-

( ضعيف جدا ) حدثنا يحيى بن الفضل حدثنا أبو عامر حدثنا عدي بن الفضل عن علي بن الحكم عن أبي نضرة عن جابر بن عبد الله قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبول قائما سمعت محمد بن يزيد أبا عبد الله يقول سمعت أحمد بن عبد الرحمن المخزومي يقول قال سفيان الثوري في حديث عائشة أنا رأيته يبول قاعدا قال الرجل أعلم بهذا منها قال أحمد بن عبد الرحمن وكان من شأن العرب البول قائما ألا تراه في حديث عبد الرحمن ابن حسنة يقول قعد يبول كما تبول المرأة )

هذا الحديث ضعيف ، ولو صح لكان دليلا لما ذكروا ، ولكن لا يصح .

ولو صح لكان الأمر المعهود لديهم أن الذي يبول قاعدا هو المرأة وليس الرجل ، فإن من عادة الرجل أن يبول قائما ، لكنه حديث ضعيف .

باب كراهة مس الذكر باليمين والاستنجاء باليمين

حديث رقم – 310 –

( صحيح ) حدثنا هشام بن عمار حدثنا عبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين حدثنا الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير حدثني عبد الله بن أبي قتادة أخبرني أبي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا بال أحدكم فلا يمس ذكره بيمينه ولا يستنج بيمينه )

من الفوائد :

أن جمهور العلماء يرون أن النهي المذكور نهي على سبيل التنزيه وليس على سبيل التحريم ، قالوا لأن هذا من الآداب ، ولا توصل فاعلها إلى الوقوع في الإثم ، وهذه قاعدة عند الجمهور [ أن ما كان من قبيل الآداب فإن النهي عنه على سبل التنزيه ، والأمر به على سبيل الاستحباب ]

بينما يرى الظاهرية أن هذا الحديث فيما أتى فيه من نهي يدل على التحريم ، وهو أقرب ، لأن القاعدة الشرعية تقول [ إن النهي في أصله يقتضي التحريم ما لم يرد صارف يصرف هذا النهي ]

وكأن تبويب البخاري رحمه الله يدل على أنه ما وجد حجة ولا دليلا للجمهور على ما ذكروا من الكراهة .

ومن الفوائد :

أن اليمين تقدم لما من شأنه التكريم ، بينما اليسرى تقدم لما من شأنه سوى ذلك  .

ومن الفوائد :

أن مس ذكر باليمين في غير حالة البول منهي عنه ، كما قال بعض العلماء ، فلو أن الإنسان كان على فراشه أو كان جالسا فمس ذكر بيمينه ، يقولون إن النهي يشمله ، لم ؟

قالوا لأنه إذا نهي عن مس الذكر باليمين في مثل هذه الحال التي يحتاج فيها إلى مس الذكر ، من باب أولى إذا لم تكن هناك حاجة .

بينما يرى آخرون أن الحديث مقيد بحالة البول فقط ، وما عدا ذلك فليس فيه نهي ، .

حديث رقم – 311-

( ضعيف جدا ) حدثنا علي بن محمد حدثنا وكيع حدثنا الصلت بن دينار عن عقبة بن صهبان قال سمعت عثمان بن عفان يقول ما تغنيت ولا تمنيت ولا مسست ذكري بيميني منذ بايعت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم )

هذا الحديث ضعيف ، ولو صح عن عثمان رضي الله عنه لكان معناه أن عثمان رضي الله عنه ما مس ذكره بيمينه أبدا منذ بايع النبي صلى الله عليه وسلم .

ولو صح لكان فيه دليلا لمن قال إن مس الذكر باليمين في غير حالة البول جائز ، لأنها لا تكون منقبة لعثمان ، فلو كان النبي عمم في جميع الأحوال لما كانت منقبة يذكرها عثمان رضي الله عنه .

وقوله ( ما تغنيت ) من الغناء الذي هو اللهو الباطل .

وقوله ( ولا تمنيت ) يعني ما كذبت ، وسمي الكذب تمنيا باعتبار أن الكذب يقدر معناه في النفس ، فإذا قدَّر ماذا يكون في نفسه تحدث به ، مثل الأماني فهي في القلب ، فالإنسان قد يقدر شيئا في نفسه يريد تحصيله ، فكذلك الكذب يقدر معنى له ثم يتلفظ به .