بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد :
فقد قال المصنف رحمه الله :
باب الارتياد للغائط والبول
حديث رقم -337-
( ضعيف عدا ما بين المعقوفتين فهو صحيح ) حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الملك بن الصباح حدثنا ثور بن يزيد عن حصين الحميري عن أبي سعد الخير عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من استجمر فليوتر ) من فعل ذلك فقد أحسن ومن لا فلا حرج ومن تخلل فليلفظ ومن لاك فليبتلع من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج ومن أتى الخلاء فليستتر فإن لم يجد إلا كثيبا من رمل فليمدده عليه فإن الشيطان يلعب بمقاعد ابن آدم من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج حدثنا عبد الرحمن بن عمر حدثنا عبد الملك ابن الصباح بإسناده نحوه وزاد فيه ومن اكتحل فليوتر من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج ومن لاك فليبتلع )
من الفوائد :
هذا الحديث حكم عليه الألباني رحمه الله بالضعف ، وحسنه غيره كابن حجر رحمه الله في الفتح ، فيستفاد من هذا الحديث بناء على تحسين بن حجر وغيره ما يلي :
أن الأمر بالوتر في الاستجمار ليس على سبيل الوجوب ، لأنه قال ( من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج )
ومن الفوائد :
أن إطلاق قوله ( من استجمر فليوتر ) فيه دليل للحنفية القائلين بأن ما دون ثلاثة أحجار إذا أنقى أجزأ ، وقد مرت هذه المسألة ، والصواب أنه لا يجزئ دون ثلاثة أحجار ولو أنقى ما دونها .
ومن الفوائد :
أن من تخلل بمعنى أنه أخرج ما بين أسنانه بعود مما يبقى من فضلات الطعام فإن الأفضل في حقه أن يلفظه ، لأنه في الغالب لا يسلم من التلوث ، وهذا ليس على سبيل الوجوب ، وإنما على سبيل الاستحباب ، فلو أنه أخرج طعاما بين أسنانه فابتلعه لم يحرم عليه ، وأما ما لاك بلسانه بمعنى أخرج ما بين أسنانه بلسانه فابتلعه فلا جناح عليه في ذلك فليس كالتخليل بعود ونحوه ، لأن اللسان عضو من أعضاء البدن ، وكما قلنا إن هذا الأمر مبني على الأفضلية .
وقال بعض العلماء : إن المقصود من ذلك ما علق بين أسنانه فأخرجه بعود ونحوه أو أخرجه بلسانه ، فيستوي الأمران سواء كان بعود ونحوه أو كان بلسانه ، ويكون معنى ( ما لاك ) أي ما علق من طعام في لحم فمه مما يكون عند اللثة وفي أعلى الفم ، فهذا معنى ( ما لاك )
ومن الفوائد :
وجوب الاستتار في الخلاء ، بأي شيء يستتر به ، المهم أنه يحفظ عورته من أن ينظر إليها أحد ، حتى لو لم يجد ما يستره إلا كثيبا من رمل فليمدده أي ليكن قريبا منه .
ومن الفوائد :
أن المقعدة من الآدمي إما أن يقصد منها ما اتصل به وهو الدبر ، أو أن تكون المقاعد هو الأرض التي تخلى فيها ، فإن الشيطان يوقع شرا وضررا على ابن آدم إما في مقعده التي هي مؤخرته ، وإما في الأرض التي تخلل فيها ، يحتمل هذا ويحتمل هذا ، فتكون الباء في المقاعد إن كان المقصود الدبر فتكون الباء للإلصاق ، وإن قلنا إن المقاعد المقصود منها الأرض فتكون الباء للظرفية بمعنى ” في ” فالشيطان إما أن يحدث ضررا بمقعدة ابن آدم وإما أن يحدث ضررا في الأرض التي بال أو تغوط عليها .
حديث رقم – 338-
( ضعيف دون قوله ” من اكتحل فليوتر ” ) حدثنا عبد الرحمن بن عمر ، قال حدثنا عبد الملك ابن الصباح بإسناده نحوه وزاد فيه ” ( ومن اكتحل فليوتر ) من فعل قد أحسن ، ومن لا فلا حرج ، ومن لاك فليبتلع ) .
من الفوائد :
أن الاكتحال مأمور به ، والأمر به على الاستحباب ، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يكتحل ، وبين أن أجود ما يكتحل به المرء الإثمد وهو ما يضرب لونه من الأحمر القريب من السواد .
قال بعض العلماء : إن الاكتحال في حق الشاب لا ينبغي خيفة عليه من الفتنة .
ولكن هل هذا الاكتحال المأمور به هل هو اكتحال للتجمل أو للتطبب ؟
قال بعض العلماء : إذا اكتحل يريد أن يقوي بصره وينبت شعره ، فهذا هو المأمور به ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( اكتحلوا بالإثمد فإنه ينبت الشعر ويجلو البصر )
وأما إذا اكتحل للتجمل فلا ينبغي له .
وهل هذا الاكتحال تكون وتريته في كل عين ؟ أم مجموع ما يقع في العينين ؟
نص الحنابلة على أن يكتحل في كل عين ثلاث مرات ، واستدلوا على ذلك بحديث لكن فيه ضعف ، ولكن الرواية الصحيحة الآتية في المسند أن الوترية في مجموع ما يقع في العينين ، فقد ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم ( اكتحل في عينه اليمنى ثلاث مرات وفي عينه اليسرى مرتين ) فأصبح المجموع خمس مرات ، والخمس عدد وتري .
والاكتحال وترا ليس على سبيل الوجوب وإنما هو على سبيل الاستحباب .
حديث رقم – 339 –
( صحيح ) حدثنا علي بن محمد حدثنا وكيع عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن يعلى ابن مرة عن أبيه قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأراد أن يقضي حاجته فقال لي ائت تلك الأشاءتين قال وكيع يعني النخل الصغار فقل لهما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركما أن تجتمعا فاجتمعتا فاستتر بهما فقضى حاجته ثم قال لي ائتهما فقل لهما لترجع كل واحدة منكما إلى مكانها فقلت لهما فرجعتا )
من الفوائد :
أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يبالغ في الاستتار كما صنع هنا ، وصنيعه هنا في السفر ، وهذا يدل في جملة ( السفر ) يدل على أن النخيل كان موجودا ومنتشرا في الجزيرة حتى إنهم ليمرون به في طرقاتهم إذا سافروا .
ومن الفوائد :
أن هذا الأمر الحاصل خارق للعادة ، والذي يخرق العادة إذا حصل ينظر – لأنه لم تجر العادة أن تدعى النخلة ثم تأتي – ينظر إن وقع على يد نبي فهو معجزة كما هنا ، وإذا وقع على يد ولي صالح قائم بحق الله عز وجل وحق الناس فهي كرامة، وإن وقع على يد رجل فاجر فهذا دجل ، كما يقع من المسيح الدجال يأمر السماء أن تمطر فتمطر وما شابه ذلك مما آتاه الله من العلامات التي تدل على دجله ، ولذلك يقول السلف رحمهم الله كما نقل شيخ الإسلام رحمه الله في الفتاوى ” لا يهولنك الرجل يطير في الهواء أو يمشي على الماء حتى تراه عند الأمر والنهي ” إذا رأيته عند أمر الله هل هو مؤتمر به ؟ عند نهي الله هل هو منته عما نهاه الله ؟ فهذا يدل على أن هذه كرامة ، وأما إذا كان مهملا مفرطا في الأوامر والنواهي فهذا دجَّال .
ومن الفوائد :
أن فيه دليلا على أنه ليس كل ظل يحرم التخلي فيه ، فقد مر معنا حديث ( اتقوا الملاعن الثلاث البراز في الموارد وقارعة الطريق والظل ) فكأن هذا الحديث عام ، فبين هنا أن الظل الذي لا ينتفع منه يجوز التخلي فيه )
ومن الفوائد :
أن النخيل له أسماء متعددة من بينها ما ذُكر هنا ( أشاءة ) ويطلق على صغار النخل .
حديث رقم – 340 –
( صحيح ) حدثنا محمد بن يحيى حدثنا أبو النعمان حدثنا مهدي بن ميمون حدثنا محمد ابن أبي يعقوب عن الحسن بن سعد عن عبد الله بن جعفر قال كان أحب ما استتر به النبي صلى الله عليه وسلم لحاجته هدف أو حائش نخل )
من الفوائد :
أن الاستتار عند الخلاء لا يكون هذا المستتر به في درجة واحدة من الأفضلية ، فإنه أنواع ، وأفضل أنواعه ما ستر العبد سترا كاملا، وأحب الستر عند الرسول صلى الله عليه وسلم ( الهدف ) وهو ما كان مرتفعا من بناء أو جبل أو نحو ، أو ( حائش نخل ) يعني مجموع النخيل ، وهذا أيضا يؤكد ما سبق من أن الظل لا يحرم التخلي فيه على وجه الإطلاق ، وإنما المحرم هو التخلي في الظل الذي يستفاد منه .
حديث رقم – 341-
( ضعيف ) حدثنا محمد بن عقيل بن خويلد حدثني حفص بن عبد الله حدثني إبراهيم بن طهمان عن محمد بن ذكوان عن يعلى بن حكيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال عدل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الشعب فبال حتى أني آوي له من فك وركيه حين بال )
هذا الحديث لو صح لكان فيه دليلا على مبالغة النبي صلى الله عليه وسلم في التستر فإنه أتى الشعب الذي هو الممر في الجبل واستتر به حتى لا ترى عورته إلى درجة أنه أثقل على وركيه ، لأن الشعب في الجبل فيه انحدار ، حتى إن ابن عباس رضي الله عنها أشفق على النبي صلى الله عليه وسلم .
باب النهي عن الاجتماع على الخلاء والحديث عنده
حديث رقم – 342-
( ضعيف ) حدثنا محمد بن يحيى حدثنا عبد الله بن رجاء أنبأنا عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير عن هلال بن عياض عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يتناجى اثنان على غائطهما ينظر كل واحد منهما إلى عورة صاحبه فإن الله عز وجل يمقت على ذلك )
هذا الحديث يضعفه الألباني رحمه الله ، ويرى بعض العلماء صحته ، ولو قلنا بصحته فإنه استدل به على أنه يكره الكلام في الخلاء ، وهذا ما استدلت به الحنابلة في مسألة كراهة الكلام حال الخلاء ، ولو قلنا بصحته فإن هذا الحكم لا يبقى على الكراهة بل يتعدى إلى التحريم ، بل يتعدى إلى أنه كبيرة من كبائر الذنوب ، لأن الفعل إذا ترتب عليه مقت الله يعني بغض الله كان من الكبائر ، وهم لا يقولون بهذا ، ثم إن الحديث في شدة حكمه ليس مختصا بالكلام فقط وإنما إذا جمع مع الكلام التخلي ـ مع النظر إلى عورة كل واحد إلى عورة الآخر ، فإذا أضاف مع الكلام أنه تخلى مع رجل آخر فأصبح كلٌ منهما ينظر إلى عورة الآخرة ، فإن الله يمقت على ذلك، فيصبح كبيرة من كبائر الذنوب .
باب النهي عن البول في الماء الراكد
حديث رقم – 343-
( صحيح ) حدثنا محمد بن رمح أنبأنا الليث بن سعد عن أبي الزبير عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن أن يبال في الماء الراكد
حديث رقم – 334-
( حسن صحيح ) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو خالد الأحمر عن ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يبولن أحدكم في الماء الراكد
من الفوائد :
تحريم البول في الماء الراكد ، وأن النهي للتحريم خلافا لمن قال إنه للكراهة .
ومن الفوائد :
أن الماء الراكد هو الماء الذي لا يجري كما جاء في الروايات الأخرى ، فدل على أن الذي يجري ليس داخلا في النهي .
حديث رقم – 345-
( صحيح بلفظ ” الدائم ” ) حدثنا محمد بن يحيى حدثنا محمد بن المبارك حدثنا يحيى بن حمزة حدثنا ابن أبي فروة عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يبولن أحدكم في الماء الناقع )
من الفوائد :
أن هذا الحديث ذكره ابن ماجه رحمه الله ليبين أن هذا الحديث داخل تحت النهي عن البول في الماء الراكد فـ ( الناقع ) معناه الراكد كما يدل على ذلك وضعه لهذا الحديث تحت هذا الباب ، ولذا عقب الألباني رحمه الله فقال ( صحيح بلفظ الدائم ) يعني الراكد ، وعلى هذا أتت الأدلة الأخرى ، بينما بعض العلماء يفسر ( الناقع ) بمعناه الحقيقي وهو الماء العذب البارد ، فكأن هذه اللفظة أفادتنا بفائدة وهي أنه لو كان ماء يجري ليس مستقرا ولكن هذا الماء عذب بارد فإنه يحرم التخلي فيه ، ولكن كما قلنا ذهب كثير من العلماء إلى أن معنى الناقع هو الراكد لدلالة الأحاديث الأخرى ، ومع ذلك يتورع الإنسان عن البول في الماء العذب البارد ولو كان ماء يجري .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد .