بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد :
فقد قال المصنف رحمه الله :
حديث رقم – 357-
( صحيح ) عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نزلت في أهل قباء { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ }التوبة108، قال كانوا يستنجون بالماء فنزلت فيهم هذه الآية
من الفوائد :
أن كلمة ( قباء ) يمكن أن تمد ويمكن أن تقصر ، فيصح الوجهان .
ومن الفوائد :
أن هذه الآية نزلت في أهل قباء ، مع أنه جاء حديث أنها نزلت في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ،لأن ما قبلها { لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ }التوبة108، فكيف يوفق بين الحديثين ؟
التوفيق بينهما : أن هذه الآية نزلت في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي مسجد قباء ، فمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق بهذا الوصف من أنه أسس على التقوى من مسجد قباء .
ومن الفوائد :
أن الأفضل في إزالة الخارج من السبيلين أن يكون بالماء ، ولو استجمر بحجارة ونحوها مع وجود الماء فلا حرج في ذلك ، لكن الأفضل أن يستعمل الماء .
ومن الفوائد :
أن في هذه الآية ردا على من ذهب إلى كراهة الاستنجاء بالماء .
باب من دلك يده بالأرض بعد الاستنجاء
حديث رقم – 358-
( حسن ) عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى حاجته ثم استنجى من تور ثم دلك يده بالأرض )
من الفوائد :
أن ( التور ) إناء من حجر أو خشب ، وهذا يدل على قلة ما ذلك العصر من الأواني ومن متع الدنيا ، بخلاف هذا العصر، ومع ذلك كانوا أتقى لله عز وجل وأبر ممن أتى بعدهم .
ومن الفوائد :
أن السنة في حق من استنجى أن يطهر يده إما بالتراب كما جاء في هذا الحديث ، وإما أن يكون بالمطهرات الموجودة في هذا العصر، فهذا أمر يُحمد عليه الإنسان .
ومن الفوائد :
أن تطهير اليد بعد الاستنجاء بالتراب أو بغيره من المطهرات لإزالة الرائحة سنة .
ومن الفوائد :
أن فيه دليلا واضحا على أن الفضلات الخارجة منه صلى الله عليه وسلم أنها نجسة ، فهو صلوات ربي وسلامه عليه بشر إلا ما خصه الله عز وجل بخصائص تميزه عن غيره ، ولذلك دلك صلى الله عليه وسلم يده بالأرض بعد أن استنجى .
حديث رقم – 359-
( حسن بما قبله ) عن إبراهيم ابن جرير عن أبيه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم دخل الغيضة فقضى حاجته فأتاه جرير بإداوة من ماء فاستنجى منها ومسح يده بالتراب )
من الفوائد :
أن قضاء الحاجة في الظل ليس محرما على وجه الإطلاق ، لأن ( الغيضة ) هي مجمع الأشجار ، والأشجار لا تخلو من ظل ، بل إن كلمة ( الغيضة ) تدل على كثرة الأشجار ، وإذا كثرت الأشجار كثر وعظم الظل ، فيكون النهي عن قضاء الحاجة في الأحاديث الواردة في النهي عن الظل الذي يستفاد منه ، أما الظل الذي لا يستفاد منه فإنه لا يدخل ضمن النهي والتحريم .
ومن الفوائد :
أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يخدمون رسول الله صلى الله عليه وسلم حبا منهم في ذلك ، كما خدمه ابن مسعود وأنس وغيرهما من الصحابة رضي الله عنهم .
ومن الفوائد :
أن ( الإداوة ) هي إناء من جلد
باب تغطية الإناء
حديث رقم – 360-
( صحيح ) عن جابر قال أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نوكي أسقيتنا ونغطي آنيتنا )
من الفوائد :
أن الجمهور يرون أن تغطية الآنية وإيكاء السقاء أمر مندوب ، لأنه من الآداب التي ينبغي للمسلم ألا يدعها ، ويقولون إن هذا على سبيل الاستحباب وليس على سبيل الوجوب .
ولو قال قائل : لماذا تغطى الآنية وتوكى الأسقية – والوكاء هو الحبل الذي يربط به السقاء من قربة ونحوها – ؟
فالجواب عن هذا : أنه ورد حديث عند مسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ( يكون وباء في ليلة من السنة لا يكون إناء مكشوف إلا وقع فيه شيء منه )
وهذه التغطية وهذا الوكاء يكون بالليل ، كما دلت على ذلك الأحاديث الأخرى .
وهذا إن دل يدل على حرصه صلى الله عليه وسلم على صحة أمته حتى لا تصاب بالأوبئة ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم ( ولو لم يجد فليعرض عليه عودا ) فإن هذا العود نافع بإذن الله عز وجل في رد الوباء .
حديث رقم – 361-
( ضعيف ) حدثنا عصمة بن الفضل ويحيى بن حكيم قالا حدثنا حرمي بن عمارة بن أبي حفصة حدثنا حريش بن الخريت أنبأنا ابن أبي مليكة عن عائشة قالت كنت أضع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة آنية من الليل مخمرة إناء لطهوره وإناء لسواكه وإناء لشرابه )
هذا الحديث لو صح لاستفيد منه تعدد الآنية في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، منها ما هو مخصص للشرب ومنها ما هو مخصص للسواك ومنها ما هو مخصص للوضوء .
ومن الفوائد :
أن عائشة رضي الله عنها كانت تغطي هذه الآنية الثلاثة .
ومن الفوائد :
خدمة المرأة لزوجها بالمعروف ، خلافا لما ذهب إليه الحنابلة من أن المرأة لا يلزمها أن تخدم زوجها ، فإذا أمرها أن تحضر طعاما أو شرابا فإنه لا يلزمها ذلك .
والصواب خلاف ما ذهبوا إليه ، ليس لهذا الحديث وإنما لأحاديث أخرى ، ولذلك قال شيخ السلام رحمه الله إن القروية تخدم القروي بالمعروف ، أي فيما تعارفوا عليه ، والبدوية كذلك على ما تعارفت عليه في البادية ، كل على حسب عرفه
حديث رقم – 362-
( ضعيف جدا ) حدثنا أبو بدر عباد بن الوليد حدثنا مطهر بن الهيثم حدثنا علقمة بن أبي جمرة الضبعي عن أبيه أبي جمرة الضبعي عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكل طهوره إلى أحد ولا صدقته التي يتصدق بها يكون هو الذي يتولاها بنفسه )
هذا الحديث ضعيف جدا لأن النبي صلى الله عليه وسلم خدمه غيره كابن مسعود وأنس وجرير رضي الله عنهم ، فهذا يدل على ضعفه ، ولو صح فإن من خدمه كابن مسعود وأنس وغيرهما إنما خدمه لرغبة منه في الخدمة وليس لرغبة النبي صلى الله عليه وسلم ولا من أمر منه ، فلما رغبوا في الخدمة أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدخل السرور عليهم بالإذن في ذلك ، لكن الحديث ضعيف .
باب غسل الإناء من ولوغ الكلب
حديث رقم – 363-
( صحيح ) عن أبي رزين قال رأيت أبا هريرة يضرب جبهته بيده ويقول يا أهل العراق أنتم تزعمون أني أكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكون لكم المهنأ وعلي الإثم أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات )
من الفوائد :
أن أبا هريرة رضي الله عنه كان أكثر الصحابة رضي الله عنهم رواية للحديث ، ولذلك عوتب في ذلك ونقم عليه رضي الله عنه ، فكان يدافع عن نفسه إلى درجة أنه أخبر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ( من يبسط لي رداءه ثم يضمه فلا ينسى ما قلته ) فبسط أبو هريرة رضي الله عنه راءه فكان لا ينسى رضي الله عنه ، مع أن ملازمته رضي الله عنه للرسول صلى الله عليه وسلم من العام السابع للهجرة ، يعني لم يصحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أربع سنين ، فأجاب رضي الله عنه بما أخبر هو من بسط الرداء ، فكان معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم إذ حفظ أبو هريرة رضي الله عنه ما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولذلك طعن من المعاصرين في أحاديث أبي هريرة ، ولا مطعن لهم ولا لمن سبقهم ، وقد أجاب رضي الله عنه عن ذلك ، ولذلك ضرب على جبهته من باب التأكيد على أنه ما كان له ولا ينبغي له أن يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقله أو ما لم يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم ، وأما بالنسبة إلى أهل العراق فيمكن أن تكون حجتهم في الإنكار ما ذكرنا آنفا من قلة صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم ، وربما لأنهم يرون أن نجاسة الكلب تغسل ثلاث مرات ، فأنكروا عليه لأنه عارض ما لديهم من هذا الحكم وهو غسل نجاسة الكلب ثلاث مرات ، والمراد بأهل العراق هم أهل الكوفة ، لأنهم أهل الرأي ، ولذلك يقول شيخ الإسلام رحمه الله إن العراق له شقان البصرة والكوفة ، فغلب على أهل البصرة العبادة ، ولذلك الزهاد من البصرة ، وغلب على أهل الكوفة الرأي يعني العقل ، ولذلك تصدر من بعضهم بعض الأحكام المخالفة للشرع ، بناء على أنهم استحسنوها ورأوها .
ومن الفوائد :
أن أبا هريرة رضي الله عنه طمأنهم ، قال ( ليكون لكم المهنأ وعلي الإثم ) يعني إن كنت كذبت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنا أتحمل الكذب ولكم المهنأ ، فالمهنأ هو الخير الذي يأتيك بلا تعب ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب رضي الله عنه ( ليهنك العلم أبا المنذر ) فكل خير يأتيك من غير تعب فهو مهنأ ، كما قال تعالى { فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً }النساء4 ، ولذلك الرسول صلى الله عليه وسلم لما أمر بالشرب ثلاثا قال ( إنه أهنأ وأروى وأمرأ ) لأن الماء ينزل إلى معدة ابن آدم من غير تعب ، لكن لو شرب الماء في جرعة واحدة لتعبت معدته ولما هنأ بالشرب .