تعليقات على سنن ابن ماجه ( 27 ) من حديث ( 387-392 )

تعليقات على سنن ابن ماجه ( 27 ) من حديث ( 387-392 )

مشاهدات: 495

تعليقات على سنن (  ابن ماجه  )

 ( الدرس السابع والعشرون )

 387-392

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله :

باب الوضوء بماء البحر

حديث رقم – 386-

( صحيح ) عن أبي هريرة قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا أفنتوضأ من ماء البحر ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” هو الطهور ماؤه الحل ميتته ” )

من الفوائد :

أن هذا الحديث بين هنا أن له سببا ، وسببه سؤال بعض الصحابة الرسول صلى الله عليه وسلم من أنهم يركبون البحر ولا يحملون معهم من الماء إلا القليل فقالوا ( أفنتوضأ من ماء البحر ؟ ) فقال صلى الله عليه وسلم ( هو الطهور ماؤه الحل ميتته ) .

ومن الفوائد :

أن ركوب البحر جائز ، وما ورد من حديث من النهي عن ركوب البحر فإنه حديث ضعيف ( نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ركوب البحر إلا أن يكون حاجا أو معتمرا أو غازيا ) فهذا الحديث ضعيف، وما جاء عن نهي عن ركوب البحر فهو حديث ضعيف، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقر الصحابة على ركوبه ، ثم لو تنزلنا وقلنا بصحة بعض الأحاديث التي جاءت في النهي عن ركوب البحر ، فتحمل هذه الأحاديث على حال هيجانه ، فإذا كان البحر هائجا فلا يركب، لم ؟ لأن الإنسان مأمور بأن ينأى بنفسه عن موارد التهلكة .

ومن الفوائد :

أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليهم حملهم الماء القليل فدل هذا على أن المسلم إذا أراد سفرا ولم يتمكن من حمل الماء معه للوضوء فإنه لا جناح عليه ، لكن إن كان قادرا فيلزمه ، لأن هذا واجب عليه ، فإذا كان قادرا ولا مشقة عليه فيلزم .

ومن الفوائد :

فضل الصحابة رضي الله عنهم إذ إنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أشكل عليهم ، ووجه الإشكال أن البحر متغير من حيث الطعم ومن حيث الرائحة ، فحصل لهم توهم أيصح الوضوء به أم لا ؟ فأتى الجواب منه صلى الله عليه وسلم بالإباحة .

ومن الفوائد :

أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بـ ( أل ) في كلمة ( الطهور ) من باب التأكيد على أنه هو بذاته طهور ، ولا يمكن أن يخرج عن الطهورية ، لم ؟ لكثرته ، فكثرة ماء البحر تدفع توهم أنه ليس بطهور ، ولذا قال ( هو الطهور ماؤه ) ولم يقل ( هو طهور ماؤه ) قال ( هو الطهور ماؤه ) من باب التأكيد والتنصيص على أنه هو الطهور ، كأنه عليه الصلاة والسلام يشير إلى أنه أولى من غيره بالطهورية .

ومن الفوائد :

أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن شيء فزاد في الجواب ، قالوا ( أفنتوضأ من ماء البحر ؟ فقال صلى الله عليه وسلم ” هو الطهور ماؤه ) ثم أتى بفائدة أخرى فقال ( الحِلُّ ميتته ) وهذا ما يسمى عند أهل اللغة بـ ( الإطناب ) لأن الكلام في الجواب إذا كان متساويا مع الجواب يسمونه ( مساواة ) سئل عن شيء فأجاب عنه هذه تسمى بالمساواة ، فإن زاد في جوابه عن سؤاله هنا إن كان من غير فائدة فيسمى عبثا ولغوا ، وأما إن كان لفائدة فيسمى إطنابا ، والأصل في الكلام أن يتساوى الجواب مع السؤال ، لكن إن زاد فلا يزاد إلا لفائدة ، فإذا زدت لفائدة كان هذا هو الإطناب، والنبي صلى الله عليه وسلم زاد في الجواب لأن هناك فائدة ، فهو صلى الله عليه وسلم علم جهلهم بحكم الماء إذاً يكون جهلهم بميتته من باب أولى ، فلما عرف حاجتهم إلى معرفة حكم ميتته أفادهم بهذا الجواب .

ومن الفوائد :

أن معنى ( الحِلّ ) يعني ( الحلال ) فميتة البحر حلال  ، وهو مالا يعيش إلا في البحر ، أما إذا كان يعيش في البحر ويعيش في البر فهذا يسمى بالبرمائي ، لكن الذي يعيش في الماء ويموت إذا عاش في غيره هذا يسمى بالصيد البحري ، وقد اختلف العلماء هل ما في البحر كله حلال ؟ مثل كلب البحر ، أو خنزير البحر ، أو إنسان البحر ؟

خلاف بين أهل العلم ، ولكن أقرب الأقوال – وسيأتي معنا إن شاء الله تعالى في أحكام الصيد – أقرب الأقوال أن كل ما في البحر حلال ، لإطلاقه صلى الله عليه وسلم إلا ذوات السموم ، لأن السم حرام سواء كان مصدره من البحر أو من البر ، والنبي صلى الله عليه وسلم ( نهى عن الدواء الخبيث ) الذي هو السم ، وما كان ضارا ، قد يكون لا سم له ولكنه ضار ، فإذا انتفى الضرر وانتفى ما كان ذا سم فإن الأصل الحل .

ومن الفوائد :

أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال ( الحل ميتته ) دل على أن الأصل في الميتة هو التحريم واستثنى من ذلك ميتة البحر

حديث رقم – 387-

( صحيح بما قبله ) عن ابن الفراسي قال كنت أصيد وكانت لي قربة أجعل فيها ماء وإني توضأت بماء البحر فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هو الطهور ماؤه الحل ميتته )

من الفوائد :

أن الصيد جائز في الشرع إلا إذا غلب على وقت الإنسان ، وأصبح شغله الشاغل ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من اتبع الصيد غفل )

فإن تتبع الصيد يجعل الصائد في شغل شاغل عن ذكر الله عز وجل إلا ما رحم ربي ، هذا من حيث الأصل ، وإلا فقد يكون الصيد واجبا وقد يكون محرما وقد يكون مستحبا وقد يكون مكروها وقد يكون مباحا ، فالصيد تجري عليه الأحكام التكليفية الخمسة ، وسيأتي حديث إن شاء الله في بابه .

حديث رقم – 388-

( حسن صحيح ) عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن ماء البحر ؟ فقال هو الطهور ماؤه الحل ميتته  )

من الفوائد :

أن هذا الحديث والذي قبله أورده المصنف رحمه الله من باب أن يكثر الأدلة الدالة على طهورية ماء البحر ، لأنه كما هي القاعدة  [ إذا كثرت الأدلة قوي المدلول ] والمدلول هو طهارة ماء البحر ، فإذا كثرت الأدلة على حكم ما فإن هذا الحكم يقوى أكثر مما لو نص عليه دليل واحد .

 

 

 

 

 

باب الرجل يستعين على وضوئه فيُصبُّ عليه

حديث رقم – 389-

( صحيح ) عن المغيرة بن شعبة قال خرج النبي صلى الله عليه وسلم لبعض حاجته فلما رجع تلقيته بالإداوة فصببت عليه فغسل يديه ثم غسل وجهه ثم ذهب يغسل ذراعيه فضاقت الجبة فأخرجهما من تحت الجبة فغسلهما ومسح على خفيه ثم صلى بنا )

من الفوائد :

أن الرسول صلى الله عليه وسلم توارى عن المغيرة ، لأن هذا الحديث مقتبس من قصة وقعت للمغيرة مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فيستفاد البعد في قضاء الحاجة عن الناس .

وهل يقضي حاجته إذا كان قريبا منهم ؟

الجواب : نعم ، شريطة ألا تقع أعينهم على عورته .

ومن الفوائد :

أن إعانة المتوضئ على وضوئه جائز ، والدليل ما فعله المغيرة رضي الله عنه ، ولذلك نص الفقهاء على إباحة إعانة الإنسان على وضوئه .

ومن الفوائد :

أن ( الإداوة ) وهي إناء صغير مصنوع من جلد ، وهذا يدل على ماذا ؟ يدل على أن الماء إذا تغير بطاهر ولم يذهب هذا الطاهر اسم الماء فإن هذا الماء يتطهر به ، لأن الغالب في الآنية المصنوعة من الجلد أنها تغير الماء ، فتجعل لونه يميل إلى الاصفرار .

ومن الفوائد :

أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يمسح على ذراعيه لما ضاقت الجبة به ، فدل على ماذا ؟

دل على أن المسح من باب الرخصة لا يكون إلا لعضوين الرأس إذا كان مغطى بعمامة ، والقدمين إذا غطيتا بالخف  .

إذاً الفتوى التي تقول إن المرأة إذا وضعت مناكير  على أظفارها بعد أن تتوضأ لها أن تمسح على هذه المناكير ،فتوى باطلة ، لأنه لو كان هناك عضو يمسح عليه من باب الرخصة سوى الرأس والقدم لما تكلف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرج ذراعيه من هذه الجبة الضيقة بدليل أنه مسح على خفيه في هذه الحادثة ، وسيأتي معنى إن شاء الله تعالى مسائل المسح على الخفين في أحاديث أخرى .

ومن الفوائد :

أن المغيرة رضي الله عنه قال ( فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ومعلوم أنهما لما أتيا الصحابة إذا بعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قد أمَّ بالناس ، وقد فاتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعة ، فلما سلَّم قضى تلك الركعة ، كيف يصلي بهم ؟

الجواب عن هذا : أن قوله ( صلى بنا ) أن ( الباء ) تحمل على واحد من معنيين :

المعنى الأول : أن تكون ( الباء ) بمعنى ( مع ) فيكون المعنى فصلى معنا .

المعنى الثاني : أن تكون ( الباء ) للتعدية ، فيكون معنى قوله ( فصلى بنا ) يعني صلى بنا بهذا الوضوء ظهر ذلك اليوم ، لأن الصلاة التي فاتت رسول الله صلى الله عليه وسلم هي صلاة الفجر .

ومن الفوائد :

أن الثابت في الصحيحين ( أن عبد الرحمن بن عوف لما أراد أن يرجع ، أشار له النبي صلى الله عليه وسلم أن يبقى ) مع العلم أنه جاء في الصحيحين ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما تأخر عن الصحابة في يوم من الأيام صلى بهم أبو بكر رضي الله عنه ، فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع أبو بكر فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبقى ، لكنه رجع ، فلما انصرف قال النبي صلى الله عليه وسلم له لمَ لم تبق ؟ فقال رضي الله عنه ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم )

لماذا لم يتأخر عبد الرحمن ، مع أن أبا بكر رضي الله عنه أفضل منه وتأخر ؟

فكيف يوفق بين الحديثين ؟

الجواب عن هذا : أن أبا بكر رضي الله عنه تأخر لأنه ما زال في أول الصلاة ، ولم يفت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي ركعة ، بينما في قصة عبد الرحمن فاتته ركعة ، فلو تقدم وصلى بهم سيكون هنا اضطراب في صفة الصلاة ، هذا هو الجمع بين الحديثين .

ومن الفوائد :

أن صاحب العلم والفضل قد يتأخر عن الصلاة وقد تفوته ركعة أو ركعتان أو تفوته الصلاة كلها ، ولكن لا يكون هذا ديدنه ، لأن الواجب عليه أن يكون قدوة لغيره ، لكن إن جرى عذر من الأعذار فمنعه فلا يثرب عليه ، أما إذا كان هذا على سبيل الكثرة والغلبة فإن هذا مما لا يليق به ، فالإنسان قد يعتريه ما يعتريه فيتأخر عن الصلاة لعذر ، ولذلك الرسول صلى الله عليه وسلم لما فرغوا قال ( قد أصبتم أو أحسنتم ) ولذلك قال بعض العلماء إذا تأخر الإمام عن وقته المعتاد يُصلى ، فيتقدم شخص ويصلي بالناس ، لفعل الصحابة رضي الله عنهم ، مع أن فقهاء الحنابلة يشددون في هذا ، فيقولون على المأمومين أن يرسلوا شخصا إلى الإمام ولا يتسرعوا في الصلاة حتى يتيقنوا عدم مجيئه ، لأن الإمامة سلطانه ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم كما عند مسلم ( لا يؤمَّنَّ الرجلُ الرجلَ في بيته إلا بإذنه ) ولعل ما ذكروا فيما مضى ، لأن فيما مضى البيوت قريبة ، والناس منحصرون في أماكن معينة ، بينما في هذا العصر عسير على الناس أن يبقوا وقتا طويلا يراسلوا الإمام ، ولكن كما هو معروف أن غالب الأئمة قد وقِّت لهم وقتا معينا يعلم الجماعة أنه متى ما تأخر عن هذا الوقت أنه لن يأتي ، وإنما شدد فقهاء الحنابلة على هذا الأمر حتى لا تحصل فوضى في المساجد ، إلا إذا أذن الإمام فيقولون إذا أذن إذنا عاما أو خاصا فلا بأس بذلك ، يصلون متى ما جاء الوقت ، الإذن العام كأن يقول متى ما تأخرت صلوا ، وأما الإذن الخاص أن يأذن لشخص معين ليؤم بالناس .

حديث رقم – 390-

( حسن ، دون ” الماء الجديد ” ) عن الربيع بنت معوذ قالت أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بميضأة فقال اسكبي فسكبت فغسل وجهه وذراعيه وأخذ ماء جديدا فمسح به رأسه مقدمه ومؤخره وغسل قدميه ثلاثا ثلاثا )

من الفوائد :

أن ( الميضأة ) هو الإناء الذي يتوضأ منه .

ومن الفوائد :

إباحة إعانة المتوضأ على وضوئه ، سواء كان المعين ذكرا أو أنثى .

ومن الفوائد :

أنه غسل بعض الأعضاء ثلاثا ، وهذا على سبيل الاستحباب وإلا فقد جاءت السنة بأقل من الثلاث .

ومن الفوائد :

استحباب مسح الرأس من أوله إلى آخره ثم العودة من آخره إلى أوله ، وبأي صفة مسح أجزأ إذا مسحه كله .

 

حديث رقم – 391-

( ضعيف ) عن صفوان بن عسال قال ” صببت على النبي صلى الله عليه وسلم الماء في السفر والحضر في الوضوء ” )

هذا الحديث لو صح لكان فيه فائدة وهي أن الحضر والسفر تستوي فيه الأحكام ، لأن بعض العلماء في أحكام كثيرة منها ما يتعلق بالعبادات ومنها ما يتعلق بالمعاملات حصروا بعضها في السفر ، ونحن نقول إن الأصل في الأحكام أنها في السفر وفي الحضر إلا إذا  أتى دليل يخرج أحدهما .

حديث رقم – 392-

( ضعيف ) حدثنا كردوس بن أبي عبد الله الواسطي ، قال حدثنا عبد الكريم بن روح ، قال حدثنا أبي روح بن عنبسة بن سعيد بن أبي عياش مولى عثمان بن عفان عن أبيه عنبسة بن سعيد ، عن جدته أم أبيه أم عياش – وكانت أمة لرقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت ” كنت أوضئ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا قائمة وهو قاعد ” )

هذا الحديث لو صح لكان فيه دليل على أن الإنسان يجوز له أن يقعد وأن يقوم غيره عليه ، وقد وردت أدلة بجواز هذا الفعل في بعض الحالات أن يكون الرجل جالسا وأن يكون شخص آخر قائما عليه ، لكن في بعض الحالات مثل وقوف المغيرة رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في صلح الحديبية كما عند البخاري، ومعلوم أن القيام على الإنسان ممنوع ، لأن فيه تشبها بالأعاجم ، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم لما مرض فصلى قاعدا ، فصلى الصحابة خلفه قياما أمرهم بالجلوس ، وقال ( كدتم أن تتشبهوا بالأعاجم يقومون على ملوكهم ) وقال صلى الله عليه وسلم ( من أحب أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من الناس) فالأصل التحريم إلا في بعض الحالات ، من هذه الحالات ” إغاظة الأعداء ” فإن المغيرة رضي الله عنه لما وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس من باب أن يغيظ الكفار من أنه يعظم رسول الله صلى الله عليه وسلم تعظيما بليغا يمحو ما قد يعلق في أذهان الكفار أنه هناك شيئا من الشتات أو الفرقة بين القائد وبين الرعية .