بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد :
فقد قال المصنف رحمه الله :
باب ما جاء في الوضوء مرة مرة
حديث رقم – 410-
( ضعيف ) حدثنا عبد الله بن عامر بن زرارة حدثنا شريك بن عبد الله النخعي عن ثابت بن أبي صفية الثمالي قال سألت أبا جعفر قلت له حدثت عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة ؟ قال نعم ، قلت ومرتين مرتين ؟ وثلاثا ثلاثا ؟ قال نعم )
هذا الحديث وإن كان ضعيف السند إلا أن معناه أتت به أحاديث أخرى ، فقد ثبت عنه صلوات ربي سلامه عليه ( أنه توضأ مرة مرة ) بمعنى أنه اقتصر في غسل كل عضو من أعضاء الوضوء على مرة واحدة ، ومرة ( توضأ مرتين مرتين ) ومرة ( توضأ ثلاثا ثلاثا ) كل هذا وارد ، والأكمل والأحسن أن يتوضأ ثلاثا ، لأن ذلك أبلغ في الإسباغ وأنقى ، والمرة المقصود منها غسل جميع العضو ولو تعددت الغرفات ، فلو أنه غسل يده اليمنى بأكثر من غرفة فعمم العضو فهذه مرة واحدة ، فإذا فعل ذلك وعمم العضو ولو بعدة غرفات فهذه غسلة ثانية ، إذاً ليس المقصود في المرة الغرفة ، وإنما المقصود بالمرة أن يعمم العضو كله ، بغرفة ، بغرفتين ، بثلاث أو أكثر .
حديث رقم – 411-
( صحيح ) عن ابن عباس قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ غرفة غرفة )
من الفوائد :
أن هذا الحديث يؤكد ما سبق من أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة .
حديث رقم – 412-
( حسن بما قبله ) عن عمر قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك توضأ واحدة واحدة )
من الفوائد :
أن الصحابة رضي الله عنهم نقلوا لنا أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحضر والسفر ، فهذه الحادثة وقعت في غزوة تبوك .
ومن الفوائد :
أن الرسول صلى الله عليه وسلم اقتصر على مرة مرة في الوضوء .
وقد قال بعض العلماء يحتمل أن اقتصاره صلى الله عليه وسلم على الوضوء مرة مرة ، إما لضيق الوقت ، وإما لقلة الماء .
والصواب أنه صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة لبيان الجواز ، ولا يعني أن ما احتملوه من احتمالات سابقة أنها ملغاة – لا – يمكن أن يكون الاقتصار على الوضوء مرة مرة مطلوبا إذا كان الماء قليلا ، أو إذا كان الرجل مستعجلا .
باب الوضوء ثلاثا ثلاثا
حديث رقم – 413-
( صحيح ) عن شقيق بن سلمة قال رأيت عثمان وعليا يتوضآن ثلاثا ثلاثا ويقولان هكذا كان وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم )
من الفوائد :
أن نقلة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصحابة كثر ، فلم ينقل وضوءه صلوات ربي وسلامه عليه واحد أو اثنان – لا – بل هناك عدد كبير من الصحابة رضي الله عنهم نقلوا لنا وضوءه صلى الله عليه وسلم .
ومن الفوائد :
أن الأكمل أن يتوضأ المسلم ثلاثا ثلاثا .
ومن الفوائد :
أن قولهما ( هكذا كان وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم ) يعني ( ثلاثا ثلاثا ) هذا يحمل على التغليب ، فليس كل عضو يغسل ثلاثا ، فالرأس يمسح ويكون مرة واحدة ، فقولهما ( ثلاثا ثلاثا ) من باب التغليب ، وباب التغليب في اللغة له أحوال، من أحواله [ أن يحمل القليل على الكثير ] ما هو القليل ؟ مسح الرأس ، والكثير غسل باقي الأعضاء ،فغلبوا الأمر على الثلاث مع إدخال الرأس مع أن الرأس يمسح مرة واحدة .
ويمكن أن يكون الرأس ممسوحا ثلاثا أي بثلاث مرات هذه الثلاث مرات استوعب فيها الرأس ، وليس معنى ذلك أن الرأس مسح ثلاثا ، وإنما يحمل على تعدد إمرار اليدين على الرأس .
حديث رقم – 414-
( صحيح بما قبله ) عن ابن عمر أنه توضأ ثلاثا ثلاثا ، ورفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم )
من الفوائد :
أن الراوي هنا ابن عمر رضي الله عنهما ، والراويان السابقان هما عثمان وعلي رضي الله عنهما ، فهذا يؤكد ما ذكرناه من أن نقلة وضوئه صلوات ربي وسلامه عليه من الصحابة كثر .
ومن الفوائد :
أن معنى قوله ( رفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ) المقصود منه أن ما فعله ابن عمر رضي الله عنهما هو فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كما شاهده ابن عمر رضي الله عنهما .
حديث رقم – 415-
( صحيح بما قبله ) عن عائشة وأبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا )
من الفوائد :
يضاف إلى ما سبق أن أبا هريرة وعائشة رضي الله عنهما أيضا نقلوا لنا وضوءه صلى الله عليه وسلم ، وهذا يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان حريصا على أن يبين للصحابة رضي الله عنهم الوضوء علانية ، لأنه من الضروبة بمكان أن تعرف الأمة صفة الوضوء الذي هو شرط من شروط صحة الصلاة ، فعلى طلاب العلم متى ما سنحت فرصة من الفرص أن يبينوا للناس الوضوء الشرعي تطبيقا عمليا ، فإن الصحابة رضي الله عنهم طبقوا ذلك تطبيقا عمليا أمام الناس ، كما رأوا الرسول صلى الله عليه وسلم .
حديث رقم -416-
( صحيح ) عن عبد الله بن أبي أوفى قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا ومسح رأسه مرة )
من الفوائد :
أن هذا الحديث يؤكد ما قررناه من أن من النقلة عبد الله بن أبي أوفى .
ومن الفوائد :
أن عبد الله رضي الله عنه قد أوضح ما لم يوضحه غيره في الأحاديث السابقة إذ أجملوا فقالوا ( توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا ثلاثا ) وهنا بين عبد الله رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا ومسح الرأس مرة واحدة .
حديث رقم – 417-
( صحيح بما قبله ) عن أبي مالك الأشعري قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ ثلاثا ثلاثا )
من الفوائد :
أن أبا مالك الأشعري رضي الله عنه صحابي آخر من الذين نقلوا لنا وضوء النبي صلى الله عليه وسلم .
حديث رقم – 418-
( حسن صحيح ) عن الربيع بنت معوذ ابن عفراء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا )
من الفوائد :
أن النقلة كثر منهم الرجال ومنهم النساء ، فمن بين النساء عائشة رضي الله عنها كما مر ، ومن بينهم الربيع رضي الله عنها ، وهذا يدل على ماذا ؟
يدل على أن الرواية ليست كالشهادة ، والرواية خبر فإذا أخبرت المرأة بشيء فإن خبرها مقبول كما يقبل خبر الرجل إذا كانت عدلا ، أما في الشهادة فلابد من امرأتين مع الرجل ، فيما يتعلق بالمال ، فمثلا لو أخبرت المرأة بأنها رأت هلال رمضان فيقبل قولها ، لم ؟ لأنها تخبر ، والخبر كالرواية ، فإذا قبلت روايتها كما جاء عن عائشة والربيع رضي الله عنهما فإخبارها برؤية الهلال مقبولة ، فليست الرواية كالشهادة ، ولذلك قبلت الأمة ما رواه نساء هذه الأمة من هذه الأحاديث ، وهذه يدل على أن المرأة لها شأن في الإسلام ، لا كما يقولون دعاة التحرير من أن المرأة مهضوم حقها في الإسلام ، فالمرأة لها قدر ولكن بما يليق بها ، وبما تمكنها قدراتها ، فهي ليست كالرجل في كل شيء ، وهذا أمر معلوم { وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى }آل عمران36، والواقع يشهد بهذا ، ولذلك جعلت القوامة للرجال { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ }النساء34 ، فتعطى المرأة قدرها ومكانها ، وقد أعطيت ذلك في الإسلام بما يحفظ لها كرامتها وهيبتها ، أما أن يرخى لها العنان ، فهذا ظلم لها ، وكم سمعنا في الأخبار عن الأعداد المهولة من الاغتصابات الحاصلة للنساء في الدول الغربية التي تدعي الحضارة وتدعي أنها أعطت المرأة حقها ، وهذا تدمير لها ، فهم يريدون أن تخرج المرأة وأن تختلط بالرجال ويساء إلى عرضها ، هذا ما يريدونه تبعا لأهوائهم وشهواتهم ، وإلا لو حكموا العقل لوجدوا أن المرأة قد أعطيت القدر الجليل في الإسلام ، فالمرأة في الدول الغربية مبتذلة مهانة ، وتزداد إهانتها فيما لو كبر سنها ، فهي إذا كانت شابة كثر الراغبون فيها ، فإذا ذهب عمرها أصبحت مبتذلة مهانة لا زوج لها ولا ولد ، فالكرامة الحقيقية للمرأة لا توجد إلا في ظل الإسلام ، ومن كرامتها وقدرها أن خبرها مقبول متى ما كانت عدلا ، ومن يقرأ في كتب السير عن الصحابيات والتابعيات رضي الله عنهن ، يجد أن علماء المسلمين قد أثنوا على النساء .
باب ما جاء في الوضوء مرة ومرتين وثلاثا
حديث رقم – 419-
( ضعيف جدا ) حدثنا أبو بكر بن خلاد الباهلي حدثني مرحوم بن عبد العزيز العطار حدثني عبد الرحيم بن زيد العمي عن أبيه عن معاوية بن قرة عن ابن عمر قال توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدة واحدة فقال هذا وضوء من لا يقبل الله منه صلاة إلا به ثم توضأ ثنتين ثنتين فقال هذا وضوء القدر من الوضوء ، وتوضأ ثلاثا ثلاثا وقال هذا أسبغ الوضوء وهو وضوئي ووضوء خليل الله إبراهيم ومن توضأ هكذا ثم قال عند فراغه أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فتح له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أيها شاء)
هذا الحديث ضعيف ، ولو صح فإن الجملة الأولى تدل على أنه لو توضأ مرة مرة ما حصل له أجر آخر سوى قبول الصلاة ، أما خروج الخطايا فإنها لا تحصل له ، ولكن هذا مردود ومما يدل على ضعف الحديث .
ولو صح : لأفادت الجملة الثانية ( ثم توضأ ثنتين ثنثين ، فقال ” هذا وضوء القدر من الوضوء ) لأفادت أن الوضوء مرتين مرتين له قدر ومكانة وشرف ، كما قال تعالى {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ }القدر1 ، فيكون الوضوء مرتين مرتين شرف .
ولو صح : لأفادت الجملة الثالثة (وتوضأ ثلاثا ثلاثا وقال هذا أسبغ الوضوء وهو وضوئي ووضوء خليل الله إبراهيم ) أن الوضوء ثلاثا ثلاثا هو أسبغ الوضوء وأنه وضوء خليل الله إبراهيم عليه السلام ، ولكن كما أسلفنا الحديث ضعيف .
لكن لو قال قائل : بم أن هذا الحديث ضعيف ، أهناك وضوء في الأمم السالفة ؟
الجواب : نعم ، فهناك أحاديث أثبتت أن الوضوء موجود في الأمم السالفة ، ففي قصة الراهب الذي هدم منزله لما لطِّخ عرضه بتلك المرأة البغي ( قام فتوضأ وصلى ، ثم سأل الغلام من أبوك ؟ قال إن أبي هو الراعي )
فدل على أن الأمم السالفة عندها وضوء ، ولكن أهو وضوء كوضوئنا ؟ لو صح هذا الحديث لكان الوضوء ثلاثا ثلاثا مما ورد في الأمم السابقة .
ولو قال قائل : هذا الدعاء الذي يقال عند الفراغ من الوضوء أهو وارد في غير هذا الحديث ؟ الجواب نعم ، كما في صحيح مسلم من حديث عمر رضي الله عنه ، وأنه متى ما قال هذا الذكر تفتح له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء
لو قال قائل : كيف تفتح له أبواب الجنة الثمانية مع أن دخوله للجنة من باب واحد ؟
الجواب تفتح له أبواب الجنة الثمانية تكريما له وتعظيما ، فإنك لو قدمت على شخص وعنده قصر وله أبواب وفتح لك الأبواب كلها للدخول كان أشرف وأعظم لقدرك مما لو فتح لك بابا واحدا .
حديث رقم – 420-
( ضعيف ) حدثنا جعفر بن مسافر حدثنا إسمعيل بن قعنب أبو بشر حدثنا عبد الله بن عرادة الشيباني عن زيد بن الحواري عن معاوية بن قرة عن عبيد بن عمير عن أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا بماء فتوضأ مرة مرة فقال هذا وظيفة الوضوء أو قال وضوء من لم يتوضأه لم يقبل الله له صلاة ، ثم توضأ مرتين مرتين ، ثم قال هذا وضوء من توضأه أعطاه الله كِفلين من الأجر ، ثم توضأ ثلاثا ثلاثا فقال هذا وضوئي ووضوء المرسلين من قبلي ” )
من الفوائد :
هذا الحديث ضعيف ولو صح لكان كما قلنا ، ومما يزاد عليه أن من توضأ مرتين كان له نصيبان من الأجر ، وأن من توضأ مرة ليس له من وضوئه إلا قبول الصلاة ، أما الأجور الأخرى فلا يظفر بها ، وأن من توضأ ثلاثا ثلاثا فهو وضوء المرسلين وليس وضوء إبراهيم عليه السلام وحده كما جاء في الحديث السابق وإنما هو وضوء المرسلين .
ولو قال قائل : أهناك دليل من كتاب الله عز وجل على أن الوضوء مرة مرة كافي ؟
الجواب : نعم ، كما في آية الوضوء { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ }المائدة6 ، أطلق ، وصيغة الإطلاق كما هي القاعدة في أصول الفقه [ تقضي مرة واحدة ولا تقتضي شيئا زائدا ] ولذلك قال تعالى { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً }البقرة67 ، كلمة { بَقَرَةً } نكرة في سياق الإثبات ، والنكرة في سياق الإثبات تدل على الإطلاق ، يعني أي بقرة ، لو أخذوا أي بقرة وذبحوها كان كافيا ، لكن لما شددوا شدَّد الله عز وجل عليهم .