تعليقات على سنن ابن ماجه ( 32 ) من حديث ( 421-422 )

تعليقات على سنن ابن ماجه ( 32 ) من حديث ( 421-422 )

مشاهدات: 447

تعليقات على سنن (  ابن ماجه  )

الثاني والثلاثون

421-422

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله :

باب ما جاء في القصد في الوضوء وكراهية التعدي فيه

حديث رقم – 421-

( ضعيف جدا ) حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو داود حدثنا خارجة بن مصعب عن يونس بن عبيد عن الحسن عن عتي بن ضمرة السعدي عن أبي بن كعب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن للوضوء شيطانا يقال له ولهان فاتقوا وسواس الماء )

هذا الحديث ضعيف ، وقد ذُكر في هذا الحديث اسم لشيطان الوضوء وهو ( ولهان ) وقد سرد بعض العلماء أسماءً للشياطين ، وقد قال الشنقيطي رحمه الله في كتابه أضواء البيان ” لم يصح حديث في تسمية الشياطين إلا شيطان الصلاة وهو ” خِنْزَب ” وأما ما عدا ذلك فما جاء من أحاديث في تسمية الشياطين الآخرين فإنه لا يصح )

وهذا الحديث حكم عليه الألباني رحمه الله بالضعف الشديد وحُق له أن يبلغ هذه الدرجة ، ولكن مع أن هذا الحديث ضعيف إلا أن المسلم يجب عليه أن يحذر من الوسوسة ، لأن الوسوسة إذا زادت مع الإنسان في وضوئه ما استمتع ولا تلذذ بعبادة الوضوء ، ومن ثم فإن هذا الوضوء يشق عليه حتى يكون كالجبل ، حتى يكره بعدها ما يترتب على هذا الوضوء من عبادة من صلاة أو مس مصحف أو نحو ذلك  ، ومن فضل الله عز وجل على هذه الأمة أنه أمة التيسير { يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ }البقرة185( ولن يشاد الدين أحدٌ إلا غلبه ) والنصوص في ذلك عامة من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية تنهى عن مثل هذا ، ولذا على المسلم أن يكون قوي الإرادة ، عظيم النية والقصد ولا يلتفت إلى هذه الوساوس .

 

حديث رقم – 422-

( حسن صحيح ) عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الوضوء فأراه ثلاثا ثلاثا ثم قال هذا الوضوء فمن زاد على هذا فقد أساء أو تعدى أو ظلم )

من الفوائد :

أن بعض العلماء أخذ من هذا الحديث أن المضمضة والاستنشاق ليستا واجبتين ، لأنه قال ( توضأ كما أمرك الله ) والآية التي في سورة المائدة لم يذكر فيها المضمضة ولا الاستنشاق ، وقد مر الحديث عن هذه المسألة كثيرا ، وقلنا إن الفم والأنف داخلان ضمن الوجه ، لأن الوجه هو ما تحصل به المواجهة ، وذكرنا أحاديث منها ( إذا توضأت فمضمض ) ومنها ( إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ) والأحاديث في مثل وجوب المضمضة والاستنشاق كثيرة جدا .

ومن الفوائد :

أن هذا الجاهل وهو الأعرابي أرشد إلى أن يتوضأ كما أمره الله عز وجل ، فدل هذا على أن ما ذُكر في الآية هو الواجب وما عداه يكون مستحبا ، لأنه لو كان هناك شيء آخر واجب لما قال له النبي صلى الله عليه وسلم ( توضأ كما أمرك الله ) ولذلك ( أراه الوضوء ثلاثا ) اللهم إلا إذا قيل ( توضأ كما أمرك الله ) هذا الأمر المفسر من قِبل النبي صلى الله عليه وسلم ، ولذلك أراه الوضوء ثلاثا ، فقد لا يكون حجة وقد يكون حجة ، كلاهما محتمل ، لكن الأصل أن ما ورد في الآية هو الواجب ، ومن ثم فالترتيب ليس بواجب على غرار ما في الآية ، لكن فيه إيحاء ودلالة بأن الترتيب واجب ، لم ؟ لأن مقتضى البلاغة أن يكون ذكر الجمل المتناسقة في معنى واحد أن تكون مرتبة ، فلما أدخل الممسوح وهو الرأس بين المغسولات دل على أن هذا لأمر مهم وهو الترتيب .

لو قال قائل : ما حكم الموالاة ؟

اختلف فيها ، منهم من قال إنها سنة ، أين موطنها من الآية ؟

هناك أدلة من السنة أتت بذلك ، لكن موطنها من الآية أنه لا يمكن أن يقال لشخص غسل وجهه وبعد ثلاثة ساعات غسل يديه أن يقال هذا متوضئ  ، وإنما يقال هذا غسل وجهه ، لأنه إذا قيل بأن الموالاة ليست شرطا فلماذا تلزمونني بعد عشر دقائق بأن أكمل ، لي الحق أن أمكث ساعة أو ثلاث ساعات  وهذا لا يمكن أن يصدق عليه مسمى الوضوء .

ومن الفوائد :

أنه أراه الوضوء ثلاثا ، فقال بعض العلماء إن الرأس يسمح ثلاثا ، لأنه أراه الوضوء ثلاثا ، فما هو الجواب ؟

الجواب : أن يقال إنه أراه الوضوء ثلاثا من باب التغليب ، لأن التغليب يكون لحالات ، من بينها [ أن يغلب الأكثر على الأقل ] والأكثر في أعضاء الوضوء الغسل وليس المسح .

أو كما قال ابن حجر رحمه الله ( توضأ ثلاثا ) يعني أنه استوعب الرأس شاملا بثلاث مسحات ، وليس معنى هذا أنه مسح ثلاث مرات ، ومر معنا أن الأحاديث الواردة في مسح الرأس ثلاث مرات أنها شاذة ، مع أن بعض العلماء فسرها إن كانت مما ورد ( أنه مسح مرتين ) فقالوا تحمل على أنه مسح من مقدمة الرأس إلى المؤخرة هذه مرة ثم من المؤخرة إلى المقدمة فهذه مرة ، وما ورد ( أنه مسح رأسه ثلاثا ) فإنه استوعب مسح الرأس ثلاث مرات .

ومن الفوائد :

أن من زاد عما بينه النبي صلى الله عليه وسلم هنا ( فقد أساء وتعدى وظلم )

ولكن لو قال قائل : لو أنه زاد على الثلاث أيصح وضوؤه أم لا ؟

الذي يظهر أن وضوءه يصح ، لم ؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حكم على فعله بالإساءة والتعدي والظلم ” ولم يحكم على وضوئه بالبطلان ، فالذي يظهر لاسيما مع ما يصيب بعض الناس من الوسوسة يتسامح في مثل هذا  بالنسبة  إليه .

ومن الفوائد :

أنه وردت زيادة ( أو نقص ) فعدها العلماء أنها شاذة ، لم ؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ( توضأ مرتين ) و ( توضأ مرة ) اللهم إلا إ ذا حملت كلمة ( أو نقص ) على أنه نقص من هذا الوضوء لا أن يكون النقص من العدد ، فإنه لو نقص من هذا الوضوء فلم يغسل يديه أو إحدى يديه هنا يكون متعديا وظالما ومسيئا ويكون وضوؤه غير صحيح .

ومن الفوائد :

حسن هذا الأسلوب منه عليه الصلاة والسلام وهو أسلوب بلاغي إذ أطنب في الحكم لو قال ( أساء ) كفى ، أو ( ظلم ) كفى ، لكن لما أتى بهذه الجمل أطنب وهو الزيادة على ما يقتضه الحاجة ،لكنها زيادة تقضي معنى وهو تقبيح هذا الفعل والتنفير منه .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد