بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد :
فقد قال المصنف رحمه الله :
باب غسل العراقيب
حديث رقم – 450-
( صحيح ) عن عبد الله بن عمرو قال رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما يتوضئون وأعقابهم تلوح فقال ” ويل للأعقاب من النار ، أسبغوا الوضوء ” )
من الفوائد :
أن معنى كلمة ( تلوح ) أي بها بياض لم يصبها الماء مع أن الماء أصاب غيرها من أعضاء الوضوء ( لاحت ) يعني ظهرت وبانت بسبب عدم صب الماء عليها .
ومن الفوائد :
بيان إنكار النبي صلى الله عليه وسلم لهذا المنكر من قوله ، ولذا ذكر لهم العقاب الشديد لمن قصَّر في أمر الوضوء .
ومن الفوائد :
أن كلمة ( ويل ) قيل إنه وادٍ في جهنم ، وجاء حديث عند الترمذي لكن به ضعف ، والمشهور أنها كلمة وعيد وتهديد ، وهل هذا الوعيد يكون على صاحب هذا العضو أم على العضو ذاته ؟ بمعنى هل العقاب الذي هو النار يعذب صاحب هذا العقب أم أن العقب ذاته هو الذي يعذب ؟
قيل بهذا وقيل بهذا ، فكلاهما محتمل ، فلا يلزم أن يكون العذاب على العقبين وإنما يكون لصاحب العقبين ، فيكون المعنى ( ويل للأعقاب ) أي ” ويل لأصحاب الأعقاب ” كما قال تعالى { وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ }يوسف82 ، يعني واسأل أهل القرية .
ومن الفوائد :
أن النار واحدة ، هذا ما تدل عليه الأدلة الكثيرة من أن النار يوم القيامة واحدة للمشركين وللعصاة وللمقصرين ، خلافا لمن قال إن هناك نارا للعصاة وهناك نارا للكفار .
ومن الفوائد :
أنه ختم هذا الحديث بقوله ( أسبغوا الوضوء ) فدل على أن من معاني إسباغ الوضوء أن يؤتى بالواجب ، ولم يرد في هذا الحديث أن يأتي بالمندوبات والمسنونات .
ومن الفوائد :
أن فيه ردا على الروافض ، لأن الروافض يرون مسح القدمين في الوضوء ولا يرون غسلها ، ثم مع أنهم يرون مسح القدمين لا يرون أنها تمسح بالماء كلها وإنما يمسح ما تكعب وعلا القدم ، يعني مقدمة القدم ، فهذا الحديث يرد به عليهم ، لم ؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم توعد هذه الأعقاب التي تلوح توعدها بالنار ، فدل على أن المسح مخالف لسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، ولذلك قال النووي رحمه الله ” من وصف وضوء النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر إلا صفة غسل القدمين “
ومن الفوائد :
أن الإسباغ المأمور به هنا واجب ووجوبه من حيث إن الأمر من حيث الأصل يقتضي الوجوب إضافة إلى قرينة في هذا الحديث وهي أول الحديث لأنهم تركوا واجبا من واجبات الوضوء .
ومن الفوائد :
أن من ترك واجبات سابقة جهلا منه ففات زمانها أنه لا يلزم بما يترتب عليها ، إذ لم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم فيما فرطوا فيما مضى من إعادة الوضوء والصلاة ، وهذه المسألة لها أدلة كثيرة ومن بينها هذا الحديث .
ومن الفوائد :
أن الوضوء إذا ذكر في الشرع فالمقصود منه الوضوء الشرعي الذي تغسل فيه الأعضاء الأربعة ، لم ؟ لأنه هناك وضوءا عند أهل اللغة وهو غسل الكفين ، فغسل الكفين يعد وضوءا عند أهل اللغة ، فلو كان الوضوء المقصود عند أهل اللغة مرادا هنا لما توعدوا ، لأنهم غسلوا أيديهم أول الوضوء
ومن الفوائد :
أن العَقب : مؤخر القدم , جمعه أعقاب .
ومن الفوائد :
أن فيه ردا على من قال إن المسح على النعلين مجزئ إذا مسح على النعلين منفردة عن الجوربين ، ولهذه المسألة أدلة سيأتي بيانها إن شاء الله تعالى ، ولذلك رد البخاري رحمه الله هذا القول بذكر هذا الحديث كما في صحيحه .
حديث رقم – 451-
( صحيح ) عن عائشة رضي الله عنها قالت ” قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ويل للأعقاب من النار ” )
من الفوائد :
أن الرواة متى ما ذكروا حديثا واحدا دل على قوة هذا الحديث وعلى قوة الاستدلال به ، ولذلك عد العلماء حديث ( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) بعض العلماء قال رواه خمسون صحابيا ، وبعضهم أوصلهم إلى ستين صحابيا ، فكلما كثر الرواة للحديث كلما كان أقوى له ، ولا شك أن فيه فائدة وهي الرد على الروافض القائلين بالمسح على القدمين في الوضوء .
حديث رقم – 452-
( صحيح ) عن أبي سلمة قال رأت عائشة عبد الرحمن وهو يتوضأ فقالت أسبغ الوضوء فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ويل للعراقيب من النار ” )
من الفوائد :
هذا الحديث يفيد ما أفاده الحديثان السابقان ، ولكن ذكر هنا ( العراقيب ) والعرقوب هو العصب الذي أعلى العقب ، فليس هذا الوعيد خاصا بالعقب ، بل كل من ترك جزءا من الفرض الواجب فإنه متوعد بهذا الوعيد ، ولا شك أن مثل هذه المواطن من القدم يتهاون بها ، لأنها خفية ، فعلى المسلم أن يحرص في وضوئه على أن يتعاهد الأماكن الخفية من أعضاء وضوئه .
ومن الفوائد :
أن الصحابة رضي الله عنهم مدرسة إذا تلاقوا وإذا اجتمعوا ، ولذا عائشة رضي الله عنها أنكرت على عبد الرحمن لما رأته ينقص في الوضوء ،فالصحابة رضي الله عنهم مدرسة في تعاملهم ، حتى لو مارسوا أعمالهم الدنيوية فإن فيها الخير والتوجيه والإرشاد ، ولذا كانت البيئة بيئة خير وعلم وهدى ، والبيئة على ما تعتاد ، ولذا نرى شابنا وبناتنا ونساءنا ومن في مجتمعنا أشغل بأشياء لا منفعة منها ولا طائل من ورائها إن لم يكن فيها مضرة ، أشغلوا بالجوال والحاسوب فيما لا يفيد بل قد يضر ، لم ؟ لأن البيئة رعرعت هذه الأشياء ونمتها ، بينما ذلك الجيل يختلف ، حتى إن من بعدهم درجوا على ما درجوا عليه ، حتى إن أحدهم ليبيع ما يملك من أجل أن يرسل ابنه ليطلب العلم ويتغرب عن والديه وعن أهله ، كل ذلك حبا في طلب العلم ، لم ؟ لأن البيئة كلها نشأت على هذا الأمر العظيم الحسن .
حديث رقم – 453-
( صحيح ) عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ويل للأعقاب من النار ” )
حديث رقم – 454-
( صحيح ) عن جابر بن عبد الله قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ويل للعراقيب من النار ” )
حديث رقم – 455-
( صحيح ) عن خالد بن الوليد ويزيد بن أبي سفيان وشرحبيل ابن حسنة وعمرو بن العاص كل هؤلاء سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أتموا الوضوء ويل للأعقاب من النار )
كل هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم يضافون إلى من سبق ممن سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الأمر العظيم ، وكثرة الرواة للحديث يدل على أهميته لدى الصحابة رضي الله عنهم ، لأنه يتعلق بفرض عظيم وهو الوضوء .
ومن الفوائد :
أن الإسباغ هو الإتمام ، قال فيما مضى ( أسبغوا الوضوء ) وهنا ( أتموا الوضوء ) والإتمام منه ما يكون واجبا ومنه ما لا يكون واجبا ، ومعلوم أن إتمام الوضوء هو الإتيان بالواجب ، فأفهمتنا هذه الكلمة كلمة الإسباغ في الأحاديث الماضية .
باب ما جاء في غسل القدمين
حديث رقم – 456-
( صحيح ) عن أبي حية قال رأيت عليا توضأ فغسل قدميه إلى الكعبين ثم قال أردت أن أُريكم طُهور نبيكم صلى الله عليه وسلم )
من الفوائد :
أن هذا الحديث من أقوى الأدلة في الرد على الروافض القائلين بأن فرض القدمين في الوضوء هو المسح ، لم ؟ لأن أعظم الأئمة عندهم هو علي رضي الله عنه ، ومع ذلك غسل قدميه كلها ، ووضح أن هذا هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم .
ومن الفوائد :
أن الفاء هنا تفسيرية وتوضيحية ( توضأ فغسل قدميه ) فهو يوضح هذا الوضوء وأن هذا الوضوء من بينه غسل القدمين.
ومن الفوائد :
أن من توضأ لتعليم الآخرين مع نيته رفع الحدث فإنه وضوءه يصح ، ولا يكون مخلا بالنية ، لأن بعضا من الناس قد يتوضأ لرفع الحدث فيرتفع حدثه ، وقد يتوضأ من أجل التبرد ، وقد يتوضأ من أجل أن يعلم غيره ، فهذان النوعان وهو التوضؤ للتنظف أو للتبرد أو للتعليم لا يكون رافعا للحدث إلا إذا نوى أن هذا الوضوء يرفع الحدث مع التعليم ، فلا بأس بذلك ، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم ( صلى على المنبر وقال إنما فعلت ذلك لتعلموا صلاتي ولتأتموا بي ) فإذا جمع الوضوء وبين أمر آخر لا ينافي الوضوء وهو تعليم هذه العبادة يكون هذا الوضوء صحيحا ، كما صنع علي رضي الله عنه .
ومن الفوائد :
أن تعليم العلم الشرعي له طريقتان نظرية وعملية ، فالنظرية بالقول ، والعملية بالتطبيق ، فعلي رضي الله عنه هنا طبَّق وفعل ، وهذه من أعظم طرق إيصال العلم إلى الآخرين وهو أن تطبق هذا العلم أمامهم .
ومن الفوائد :
أن بعض الناس قد أنكر على بعض الخطباء إذا قال ( إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قال ) لم لا يقول ( قال النبي صلى الله عليه وسلم ) أو ( قال نبينا ) فنقول هذا ورد عن السلف رحمهم ، ولذلك عبارة علي رضي الله عنه هنا ( أردت أن أريكم طهور نبيكم صلى الله عليه وسلم ) ت
ل على الجواز فهذا لا يؤثر ، فكونه يقول ( نبيكم أو نبينا أو النبي صلى الله عليه وسلم ) فلا بأس بذلك ، فمثل هذه العبارة لا محل لإنكارها وهي قول الخطيب أو المتحدث ( قال نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم ) لا يكون مخلا بعقيدة أو بإيمان هذا المتحدث .